كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة يوم القدس العالمي وآخر المستجدات 25 رمضان 1445هـ
كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”
بمناسبة يوم القدس العالمي
الخميس 25 رمضان 1445هـ 4 أبريل 2024م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
تأتي مناسبة (يوم القدس العالمي) هذا العام في وضعٍ استثنائيٍ، يختلف عن الظروف التي أتت فيها المناسبة في بعض الأعوام الماضية، حيث العدو الإسرائيلي وعلى مدى نصف عام يرتكب جرائم الإبادة الجماعية، ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويصعِّد كذلك من نسبة جرائم القتل، والاختطاف، واقتحامات المنازل في الضفة الغربية، ويستمر في اعتداءاته ومسلكه العدواني ضد المسجد الأقصى، وفي القدس. ويسعى العدو الإسرائيلي لتحويل قطاع غزة إلى منطقةٍ غير قابلةٍ للحياة، عبر التدمير الشامل، وإهلاك الحرث والنسل، واستخدام التجويع والأوبئة كوسائل للإبادة.
والمحصلة التقريبية لعدوانه الهمجي، والوحشي، والإجرامي، على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة: أكثر من (واحدٍ وأربعين ألف شهيد ومفقود)، ومعظم المفقودين هم الشهداء الذين لا يزالون تحت الأنقاض، حيث قدَّمت بعض الإحصائيات العدد الموجود تحت الأنقاض بأنهم: قرابة (ثمانية آلاف وخمسمائة) من أبناء الشعب الفلسطيني من الشهداء، والمجازر التي ارتكبها العدو الإسرائيلي خلال نصف العام: حوالي (ثلاثة آلاف مجزرة)، منها في هذا الأسبوع فقط: أكثر من (خمسين مجزرة).
إضافةً إلى جرائم القتل، التي يستهدف بها أبناء الشعب الفلسطيني في الطرقات، في الشوارع، في مختلف الأماكن، ونشرت البعض منها مشاهد فيديو، انتشرت البعض منها في مشاهد فيديو، وهي جرائم إعدام بدمٍ بارد في الطرقات، في الحواجز، في أماكن مختلفة.
كذلك جرائم إعدام للمخطوفين، ولبعض الأهالي، وللنازحين، الذين يقوم العدو بإعدامهم ثم جرفهم بالجرافات، وأعلن العدو الإسرائيلي عن مناطق إعدام في قطاع غزة، هي نفسها أحياء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أحياؤهم، طرقهم، شوارعهم، منازلهم، يحولها إلى مناطق لإعدامهم، فهو يعلنها مناطق إعدام في وقاحة وإجرام لا مثيل له؛ لأن هذا ليس له أي مستند قانوني، أو شرعي، أو بأي اعتبار أبداً، إجرامٌ ووقاحةٌ مفضوحة ومكشوفة.
إضافةً إلى القتل للنازحين، من خلال الغارات التي يستهدف بها تجمعاتهم، كما حصل في (نادي الشجاعية – شرق مدينة غزة).
ويواصل أيضاً الاستهداف لتجمعات الأهالي على شاحنات المساعدات الغذائية، التي يدخل القليل منها والنادر، وحينما يتجمع الأهالي عليها، يبدأ باستهدافهم وقتلهم، وأصبح هذا سلوكاً يستمر عليه.
إضافةً إلى جريمته الكبرى، في إعدام المئات من الشعب الفلسطيني، أثناء اقتحامه وتدميره لمجمع الشفاء الطبي ومحيطه، والذي فعله العدو الإسرائيلي في مجمع الشفاء الطبي هو من أفظع جرائم الإبادة الجماعية، ومن أبشعها، يقتل المئات، قتل عدداً كبيراً منهم بعد أن كبَّلهم وقيدهم، من المرضى، ومن الكوادر الطبية، ومن النازحين الموجودين هناك، سحق بعضهم بجنازير الدبابات، تفنن في قتلهم وإعدامهم، وقام بتدمير كل ما في مجمع الشفاء الطبي من المستلزمات الطبية الضرورية الإنسانية، قام بتدميرها بشكلٍ همجي.
وبلغ عدد الجرحى: أكثر من (خمسة وسبعين ألف وستمائة جريح)، ومعظم الشهداء والجرحى، النسبة الأكبر منهم هي: من الأطفال والنساء، في بعض التقديرات بنسبة (73%) من الشهداء من الأطفال والنساء، وكذلك من الجرحى.
وبالتالي تكون نسبة الشهداء والجرحى من مجتمع القطاع، مجتمع قطاع غزة، من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة: بما يقارب (5%)، وهذه مأساة كبيرة جداً، وفاجعة كبرى، ووصمة عار على الإنسانية.
في الضفة كذلك، يواصل العدو الإسرائيلي جرائمه، حيث بلغ عدد الشهداء: (أربعمائة وسبعة وخمسين شهيداً)، والجرحى: (أربعة آلاف وسبعمائة وخمسين جريحاً)، وبلغ عدد المختطفين: ما يقارب (ثمانية آلاف مختطف)، والعدو الإسرائيلي يُصَعِّد من عمليات الاختطاف والاقتحامات للمنازل، والاعتداءات على الأهالي بكل أشكال الاعتداءات، وهذا يحصل أيضاً في بقية المناطق في فلسطين المحتلة وفي القدس.
أما الحصار والتجويع فهو مستمر، والعدو يستخدم حتى أسلوب تقديم المساعدات القليلة النادرة وسيلةً لقتل الفلسطينيين، مثل ما ذكرنا سابقاً عن قتلهم أثناء تجمعاتهم، على ما يدخل في حالة نادرة وقليلة من شاحنات المساعدات، ثم أيضاً ما تقوم أمريكا والبعض من أعوانها بإسقاطه، باسم المساعدات على الشعب الفلسطيني، يَقتُل البعض منهم، ويتسبب في غرق البعض أيضاً في البحر، وينتج عنه الكثير من الإشكالات، وسقط العديد من الشهداء، والمزيد من الشهداء؛ نتيجةً لتلك الطريقة في إلقاء المساعدات على رؤوسهم.
كذلك برزت جرائم الاستهداف لِعُمَّال الإغاثة، والعدو الإسرائيلي يستهدفهم منذ بداية عدوانه الهمجي على قطاع غزة، على مستوى العُمَّال المحليين، على وجه الخصوص كان يستهدفهم بشكلٍ أكثر، ثم أضاف إلى ذلك الاستهداف للعُمَّال الأجانب، عُمَّال الإغاثة الأجانب، الذين ينتمون إلى بعض المنظمات، وكان موقف حكوماتهم متسامحاً مع العدو الإسرائيلي، لم يكن من جانبهم أي مواقف قوية، تجاه الجريمة الأخيرة التي حصلت، واستهدفت العمال الأجانب.
إلى جانب ما يقوم به العدو الإسرائيلي، الأمريكي– كما أكدنا مراراً وتكراراً- هو متورِّطٌ وشريكٌ في جرائم الإبادة الجماعية، والاستهداف للشعب الفلسطيني، وتورُّط الأمريكي بأشكال متعددة:
- من خلال مشاركته منذ بداية العدوان الهمجي الإسرائيلي على قطاع غزة بالسلاح، بالقنابل، بالصواريخ، بما يُقدَّمه من ذلك بعددٍ كبيرٍ جداً، وهو قدَّم الآلاف من القنابل المدمرة تدميراً شاملاً، ذات الفتك الكبير، والتدمير الهائل.
- وأيضاً عبر خبرائه العسكريين، الذين يُديرون العمليات العسكرية، ويُقدِّمون الاستشارات في مجال العمليات العسكرية، التي تستهدف الشعب الفلسطيني.
- بطائراته المُسَيَّرة، التي تُقدِّم أيضاً المعلومات الاستخبارية، وأصبح من الواضح أنهم يُقدِّمون حتى في نشاطهم الاستخباري معلومات تتسبب في قتل المدنيين، وإعدام المدنيين.
الأمريكيون مستمرون فيما يُقدِّمونه، وواضح أنهم يشتركون مع العدو الإسرائيلي في النزعة الإجرامية، وفي الهدف: في السعي لإبادة الشعب الفلسطيني؛ ولذلك صَرَّح أحد النواب الأمريكيين بالقول، وهو يتحدث عن قطاع غزة: [يجب أن تكون مثل نجازاكي وهيروشيما، انتهي من الأمر بسرعة]، هذه هي سياسة أمريكا، وهذا يُعبِّر عن توجهها، عن موقفها، هي فعلاً تسلك هذا المسلك الإجرامي، غير الغريب عليها، والمسبوق من جانبها.
في هذا الأسبوع أُعلن عن شُحنات أسلحة، ومعدات عسكرية أمريكية جديدة، لدعم العدو الإسرائيلي، بمليارات الدولارات، بما في ذلك آلاف القنابل الفتَّاكة، تشمل أكثر من (ألف وثمانمائة قنبلة)، تزين الواحدة منها (الفي رطل)، ما يقارب (طن)، وطائرات مقاتلة، تلك القنابل معروفٌ عنها عسكرياً: أن القنبلة الواحدة تستخدم لتدمير مجموعةٍ من المباني. وهنا يتجلى للجميع حجم التورط الهمجي الأمريكي، فيما يحصل من تدميرٍ شاملٍ ممنهج لقطاع غزة، ومسح مربعات سكنية بأكملها، وفتكٍ بالسكان المدنيين بأحدث ما في مخزون أمريكا من أسلحة.
هناك أيضاً تقارير عن صفقات قادمة أضخم، تقترب أمريكا من ضَخِّها إلى العدو الإسرائيلي، بينها عشرات الطائرات الحربية؛ لدعم مواصلة الإجرام. فالعدوان على غزة هو عدوانٌ إسرائيليٌ أمريكيٌ مشترك بكل ما تعنيه الكلمة.
في تقرير نشرته إحدى الصحف الأمريكية، من ضمن ما جاء فيه: [لقد تلَّقت إسرائيل مساعدات عسكرية أمريكية، من حيث النوع والحجم أكثر من أي دولةٍ أخرى منذ الحرب العالمية الثانية، وجرى الحديث إعلامياً عن أكثر من مائة صفقة: ما بين ذخائر دقيقة التوجيه، وقنابل، وصواريخ فتَّاكة، وذات قدرة تدميرية كبيرة، وغيرها من المساعدات، التي هي مساعدات فتَّاكة، وقاتلة، ومدمرة.
مع أن الصفقات المُعلنة لا تمثل سوى جزء صغير من إجمالي ما تُقدِّمه أمريكا للعدو الإسرائيلي المجرم، وقد لجأ الأمريكي إلى تفعيل قانون الطوارئ لأكثر من مرة، منذ بدء العدوان على قطاع غزة، وبحسب الصحيفة: [تحتفظ أمريكا بمخزون من الأسلحة في إسرائيل- يعني: في فلسطين المحتلة لدعم إسرائيل- يعرف باسم مخزون احتياطي الحرب لإسرائيل]، هذا منذ التسعينيات.
مع كل ذلك، يواصل العدو الأمريكي ضخ أنواع الأسلحة، وأشدِّها فتكاً، بكل سخاء، وبشكلٍ مفتوح؛ لدعم الإبادة الحالية في قطاع غزة، وفي موقفٍ يعترف بافتضاح النفاق الأمريكي، الذي يحاول الخداع والتغطية على حجم المشاركة الأمريكية المباشرة، في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق نساء وأطفال غزة، وأهالي غزة، كان هناك تصريح لسيناتور أمريكي، أدلى به يوم الجمعة الماضية، قال فيه: [لا يمكن استجداء نتنياهو للتوقف عن قصف المدنيين، وفي اليوم التالي نرسل له آلاف القنابل].
مع حجم الإجرام والدمار، وبالمشاركة الأمريكية والدعم المفتوح، فهناك أيضاً إخفاقٌ وفشلٌ مستمرٌ للعدو الإسرائيلي، حيث تستمر فصائل المجاهدين في غزة (كتائب القسام، ومعها بقية الفصائل) في مواجهة العدو في كافَّة محاور القتال، وتكبِّده الخسائر: قتلى وجرحى في صفوف جنوده، وتدمِّر من آلياته العسكرية، وتُنفِّذ عمليات قنصٍ وقصفٍ بالمدفعية، وكمائن متفجرة، ونَفَّذت سرايا القدس رشقات صاروخية إلى ما يطلق عليه (غلاف غزة)، فاجأت العدو الإسرائيلي، وعزَّزت من خيبة الأمل لدى جيشه.
وهذا الصمود، والثبات، ومواصلة القتال، والتصدي للعدو من جانب المجاهدين في قطاع غزة، هو في ظل ظروفٍ صعبةٍ جداً، حصارٍ مُطبِق، سبقه حصار على مدى سنوات طويلة.
وكذلك تماسك الأهالي في قطاع غزة، ورفضهم للتهجير، ورفضهم لكل مساعي العدو في ابتزازهم بالمساعدات؛ لتمكين عملائه من إدارة الوضع ونشر الفوضى، وأيضاً صمودٌ عظيم، وثباتٌ عظيم، وفي نفس الوقت فشلٌ وإخفاقٌ للعدو.
الصمود القائم في قطاع غزة، في نطاقٍ جغرافيٍ محدود، صبَّ عليه العدو عشرات آلاف الأطنان من المتفجرات، وارتكب فيه جرائم الإبادة الجماعية، واستخدم لذلك وسيلة القتل، ووسيلة التجويع والأوبئة، هو غير مسبوق في تاريخ الشعب الفلسطيني؛ ولذلك هناك قلق كبير جداً من جانب العدو الإسرائيلي: كيف هذا الصمود؟ كيف هذا الثبات، بالرغم من أنها منطقة محدودة، وَصُبَّت عليها آلاف الأطنان من القنابل والمتفجرات، وهناك جرائم إبادة واسعة، إبادة جماعية بشكلٍ يومي، ومع ذلك هناك هذا الصمود، وهذا الثبات، وهذا التماسك؟! هذا يبشر بمرحلة جديدة، يتجه فيها العدو الإسرائيلي إلى الزوال بإذن الله تعالى.
أمَّا جبهات المساندة، التي تساند الشعب الفلسطيني ومجاهديه، فهي تواصل عملياتها، وعلى أساس الترتيب للتصعيد في العمليات، حيث يواصل حزب الله في جبهة لبنان عملياته الفاعلة والمؤثِّرة، في جبهته المباشرة، التي يواجه فيها العدو الإسرائيلي، وفي العراق كذلك عاد تصاعد العمليات من جديد، لاستهداف العدو الإسرائيلي إلى فلسطين المحتلة.
جبهتنا في اليمن مستمرةٌ في العمليات العسكرية، في البحر الأحمر، والبحر العربي، وصولاً إلى المحيط الهندي، وعمليات قصف لأهداف تابعة للعدو الإسرائيلي إلى (أم الرشراش) جنوبي فلسطين المحتلة، وبلغت العمليات خلال شهرٍ فقط: (أربعة وثلاثين عملية) نُفِّذت بعدد: (مائة وخمسة وعشرين صاروخاً بالِسْتِيَّا ومُجَنَّحاً، وطائرةً مُسَيَّرة)، وقد بلغ إجمالي السفن المستهدفة إلى: (تسعين سفينة)، وسط اعتراف أمريكي وبريطاني بعجزهم التام عن وقف الهجمات، بل والتعبير بإعجابهم بالقدرات الصاروخية المتطورة، والتكتيك الناجح في العمليات العسكرية لقواتنا المسلحة، وشعورهم بالإحباط تجاه ذلك، وتصريحاتهم، وتعليق وسائلهم الإعلامية بهذا الشأن، هي مهمة ومفيدة، ومن المهم أن تلحظها وسائل إعلامنا.
العدوان الأمريكي البريطاني على بلدنا، إسنادا للعدو الإسرائيلي، وحمايةً لإجرامه في قطاع غزة، استمر على بلدنا، وهو يقترب من اكتمال ثلاثة أشهر، نَفَّذوا فيه: (أربعمائة وأربعة وعشرين غارة وقصفاً بحرياً)، ويركزون فيه على الاستهداف للقوة الصاروخية، والمسيَّرة، والبحرية، والدفاع الجوي، وارتقى خلال تلك العمليات والاستهداف: (سبعةٌ وثلاثون شهيداً)، وكذلك (ثلاثون جريحاً).
ونحن إذ نحتسب الشهداء في سبيل الله تعالى، وفي موقفٍ مُشَرِّفٍ عظيم، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس)، نؤكِّد على فشل الأعداء وإخفاقهم في منع العمليات، أو الحد منها، والنتائج مهمة جداً، التي حققتها قواتنا في الاستهداف لهذا العدد الكبير من السفن، بالرغم من محاولات الأعداء التمويه، ومحاولاتهم الاستهداف، إلَّا أنهم فشلوا.
تستمر كذلك الأنشطة على مستوى المظاهرات، والمسيرات، والفعاليات، ومختلف الأنشطة، التي هي بشكلٍ ممتاز، ومتميز عن كل البلدان والشعوب العربية والإسلامية، المسيرات كانت في الأسبوع الماضي بأكثر من الأسابيع الماضية، في عددها، وشهدت مناطق إضافية، ومسيرات إضافية، وبأعداد كبيرة.
أمَّا بالعودة إلى مناسبة (يوم القدس العالمي)، فيتضح جلياً أهمية هذه المناسبة أكثر، مع التطورات الراهنة، والعدوان الإسرائيلي بهمجيته، ووحشيته، وإجرامه الفظيع، ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فيوم القدس العالمي هو مناسبةٌ تهدف إلى: رفع الوعي في صفوف الأمة، وإحياء الشعور بالمسؤولية الدينية، والإنسانية، والأخلاقية، وأن تبقى قضية فلسطين حيةً في نفوس المسلمين، وتبقى مشاعر الجهاد والرفض لإسرائيل حيةً في نفوس المسلمين.
والعنوان نفسه (القدس، يوم القدس) يُذَكِّر الأمة بمسؤوليتها الدينية؛ لأن على رأس هذه القضية ما لا يقبل المساومة، ولا يمكن التفريط به من أجل صفقات سياسية، وهو مقدسات الأمة، وعلى رأسها: المسجد الأقصى الشريف، الذي كان قبلةً للمسلمين، وهو مسرى النبي “صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَى آلِه”، ومن أعظم وأقدس مقدسات المسلمين. ومع المقدسات، الشعب الفلسطيني المسلم المظلوم، الذي هو جزءٌ من هذه الأمة، ويعاني من الظلم، والاضطهاد، والقتل، ومن مختلف الممارسات الإجرامية الإسرائيلية على مدى عقودٍ من الزمن. وبلد بأكمله هو جزءٌ من بلاد المسلمين، وهو لشعبٍ مضطهدٍ ومظلوم. والعدو الصهيوني اليهودي كذلك هو عدوٌ للأمة بكلها، عدوٌ للمسلمين جميعاً، واعتداءاته وطموحاته معروفةٌ للأمة، ولولا جهاد الشعب الفلسطيني، ومجاهديه الأعزاء، والمقاومة في لبنان؛ لكان وضع الدول العربية الأخرى- وبالذات المجاورة لفلسطين- مختلفاً عمَّا هو عليه؛ فالأمة هي بحاجة إلى تذكيرها بمسؤوليتها الدينية، التي لا يعفيها منها التجاهل، ولا التخاذل، ولا يعفيها من آثار ذلك وعواقبه.
التذكير أيضاً هو في مقابل مسار التغييب والإلهاء، التي حصلت بشكلٍ مكثفٍ وملحوظ، في بلدانٍ عربية وإسلامية، تغييب للقضية الفلسطينية من المناهج الدراسية، من الخطاب الديني، من الأنشطة التثقيفية والتوعوية، تغييب أيضاً من الاهتمام في الإطار السياسي، كقضية تبقى محط اهتمام للأمة رسمياً وشعبياً، على مستوى الإعلام حصل تغييب كبير لهذه القضية، وهي القضية التي تفرض نفسها، وفرضت نفسها من جديد، بجهود وتضحية الشعب الفلسطيني ومجاهدين.
التذكير أيضاً في مقابل مساعي التزييف، والتطبيع، والانحراف ببوصلة العداء وبالموقف، فهناك محاولات:
- محاولات حثيثة جداً من جانب الأعداء، لتقديم صورة مزيفة، تغطي على الوجه القبيح للعدو الإسرائيلي، الوجه القبيح، العدائي، الإجرامي، الوحشي، ومحاولة تقديمه على أنه: يمكن الدخول معه في سلام، وفي وئام، وفي علاقات طبيعية، وأنه يمكن أن يكون صديقاً لهذه الشعوب وهذه البلدان.
- محاولات أيضاً لتصوير الموضوع وكأنه: مجرد افتعال مشكلة مع العدو الإسرائيلي من أجل إيران. وهو المنطق الذي كثَّفته وسائل إعلام تابعة لبعض الدول العربية والأنظمة العربية، التي حاولت أن تشوِّه الموقف الفلسطيني بنفسه، وموقف المجاهدين في فلسطين، وتُصوِّر جهادهم، وهم أصحاب قضية واضحة، قضية أصيلة، قضية لا التباس فيها أصلاً: بلدهم ووطنهم محتل، وشعبهم مضطهدٌ ومظلوم؛ ويحاولون أن يصوِّروا موقفهم وكأنه موقف: عبارة عن افتعال مشاكل من أجل إيران.
كذلك أي جهد أو موقف مساند للشعب الفلسطيني من أبناء الأمة، يُصَوَّر وكأنه: مجرد افتعال مشكلة لا ضرورة لها، تخدم فقط إيران. وتشويه الموقف الإيراني بنفسه، مع أنه موقفٌ إسلاميٌ، موقفٌ مشكورٌ، موقفٌ في إطار مسؤولية إيمانية ودينية، وموقفٌ مُشَرِّف، لدعم الشعب الفلسطيني ومساندته، ودعم مجاهدي، وتزويدهم بالسلاح، ومع ذلك هناك حملات تشويه مكثفة جداً.
- ومحاولة أيضاً لتحويل بوصلة العداء، عن العدو الحقيقي للأمة، العدو الخطير، الذي يُشَكِّل خطورةً بالغةً على الأمة بكلها، وهو العدو الإسرائيلي، وتقديم العدو على أنه جهة أخرى: إيران، أو تحت العناوين الفتنوية الطائفية، التي اشتغل عليها العداء، وأنشأوا من أجلها التشكيلات التكفيرية المتنوعة، التي اتَّجهت بكل حقد وإجرام لمحاولة جر الخصومة بين شعوب المسلمين، وتدمير الأمة من الداخل، وتشويه الإسلام، وإبادة من يعادي العدو الإسرائيلي.
ولذلك من المهم جداً التذكير للأمة بقضيتها، ومن هو عدوها، وما هي مسؤوليتها تجاه هذه القضية.
وفي التذكير للأمة، ولإدراك مستوى التقصير، ينبغي المقارنة بين اهتمام الأعداء بمساندة ودعم العدو الإسرائيلي، ومدى اهتمام الدول العربية والإسلامية في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني.
في عملية طوفان الأقصى، والعملية في يوم، أو امتد إلى يومين، خلال يومٍ واحد كيف قابل الأعداء ذلك؟ التحرك الأمريكي، والبريطاني، وكبرى الدول الأوروبية، كيف تحركت عندما لمست الخطر، وشعرت بالخطر على العدو الإسرائيلي خلال يومٍ واحد، مع أن تلك العملية غلب عليها وكانت مطبوعةً بالطابع المضبوط بالأخلاق والقيم، استهدف بها المجاهدون الفلسطينيون من كتائب القسام استهدفوا العدو الإسرائيلي، في عمل مشروع ومُحِق وعادل؛ لأنهم يواجهون العدو الذي هو عدوٌ لهم، يقتل شعبهم، يضطهد أبناء شعبهم، يختطف أبناء شعبهم، يحتل وطنهم، يهدد مقدسات الأمة، يضطهدهم على مدى عقودٍ من الزمن؛ فهم في هذا الإطار، وفي هذا السياق: في إطار موقفٍ مُحِقٍّ وعادل، وقضيةٍ عادلة، وعملية في نطاق جغرافي مُعيَّن: ما يسمى بغلاف غزة، في المقابل كيف كان تحرك الأمريكي، وكيف كان تحرك البريطاني وكبريات الدول الأوروبية؟
أمريكا تحركت كما لو كان هجوماً عليها: حالة استنفار، حالة طوارئ بكل ما تعنيه الكلمة، الرئيس الأمريكي يتحرَّك مبادراً إلى هناك، المسؤولون الأمريكيون، ووزير الخارجية الأمريكي يتحرَّك إلى هناك، ويقول أنه: [ليس فقط بصفته وزيراً للخارجية، بل أيضاً بصفته يهودي وصهيوني]، حالة اهتمام كبير جداً، أمريكا بكل إمكاناتها واهتمامها تحرَّكت: سياسياً، وإعلامياً، وعسكرياً… وعلى كل المستويات:
- أمريكا تحركت بدعمٍ مفتوح، ونظَّمت جسراً جوياً، وجسراً بحرياً، استمرت الطائرات في نقل المؤن والمواد العسكرية، ومختلف المواد القتالية، إلى فلسطين المحتلة بشكلٍ مستمر لا تتوقف، جسراً جوياً، وكذلك على مستوى البحر، تحرَّكت بشكلٍ عاجل ومكثف؛ وذلك لتقديم أفتك الأسلحة لديها.
- على المستوى المالي، قدَّمت مليارات الدولارات بشكلٍ مستمر.
- زيارات المسؤولين، وعلى رأسهم، في مقدمتهم: الرئيس الأمريكي بنفسه.
- تحركت وأرسلت الخبراء العسكريين؛ لإدارة وتخطيط المعركة.
- المسؤولون الأمريكيون، كبار المسؤولين الأمريكيين كانوا يجلسون مع مجلس الحرب لدى العدو الإسرائيلي، ويدرسون معه خطط الحرب، والمعركة، والقتال، ومتطلباتها، ومستلزماتها؛ باعتبار المعركة معركة الجميع.
- قدَّموا الدعم السياسي والإعلامي بشكلٍ مفتوح.
- تحركت أيضاً بقطعها البحرية إلى بحار المنطقة، وهددت دول المنطقة من التدخل لمساعدة الشعب الفلسطيني.
تحرًّك جاد، وتحرُّك على كل المستويات، وتقديم ما يُقَدِّمُونه من الدعم بكل سخاء وبكل اهتمام.
بريطانيا كذلك، بادرت منذ اللحظة الأولى:
- ورئيس وزرائها كذلك تحرَّك في زيارة إلى فلسطين المحتلة؛ لدعم الإسرائيليين، ومساندتهم، والتعبير عن التضامن معهم.
- التقديم للسلاح.
- الاشتراك مع الأمريكيين فيما يتعلق أيضاً بطائرات الاستطلاع، التي ترصد وتُقدِّم المعلومات، التي يعتمدون عليها في العدوان بالقصف على الشعب الفلسطيني في غزة، وكذلك أيضاً على مستوى ما يقومون به من جرائم هناك.
الدعم من كبريات الدول الأوروبية حتى بقذائف الدبابات، بمختلف الأسلحة، بالأموال، بالحملات الإعلامية، بالمساندة السياسية، وهبُّوا للزيارات، الزيارات المعبِّرة عن التضامن، قدَّموا الأموال… إلى غير ذلك.
كل ذلك التحرُك في مقابل عملية في يومٍ واحد، مقابل يوم واحد شعر فيه أولئك بالخطر على العدو الإسرائيلي، وكان في وضع لاحظوا أنَّه وضع هزيمة، ووضع خطر عليه، فتحركوا بكل هذا الاهتمام.
أمَّا الشعب الفلسطيني، فعلى مدى عقود من الزمن، أكثر من خمسةٍ وسبعين سنة وهو يُضطهد ويُظلم، وخلال كل هذه العقود من الزمن هناك مراحل فيها تصعيد كبير، تصعيد بحرب إبادة جماعية، بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ومختلف أشكال الاضطهاد، والقتل، والظلم، والطغيان، وشعوب أمتنا، والبلدان العربية والإسلامية، والأنظمة والحكومات التي تقع عليها المسؤولية في المقدَّمة، لا تتحرك ولا بمثل هذا التحرُّك الذي قام به الأعداء في مقابل يوم واحد، من شعورهم بالخطر على العدو الإسرائيلي. وصولاً إلى ما يجري منذ نصف عام على قطاع غزة، مع الفارق الكبير، الفارق الكبير بين ما جرى في (عملية طوفان الأقصى): كما قلنا في نطاق معيَّن، واستهدف الأعداء في إطار قضية عادلة، وقضية مُحِقَّة، وبين ما يفعله الإسرائيلي: ما يفعله الإسرائيلي جرائم إبادة جماعية، ما يفعله الإسرائيلي تدمير شامل، تجويع لمليوني فلسطيني يعانون من التجويع، جرائم رهيبة جداً، يُفترض بها أن تكون دافعةً بشكلٍ كبير للبلدان العربية والإسلامية، للحكومات إلى التحرُّك الجاد.
الدول العربية الكبرى، كبار الدول العربية، التي يفترض بها أن تكون في صدارة الموقف، وبعضها لديها طموح أن تكون هي من يتزعم العالم الإسلامي، وأن تكون في الصدارة، الدول العربية الكبرى أين هي؟! أين هو موقفها في مقابل تحرُّك أولئك مع العدو الإسرائيلي؟! الحضن العربي، الذي سمعنا عنه في بداية العدوان على اليمن، قبل تسع سنوات، أين هو؟! الأمن القومي العربي، الذي سمعنا عنه في سياق العدوان على شعبنا اليمني، أين هو؟! تلك العناوين: القومية العربية… كل تلك العناوين أين هي؟! الجامعة (جامعة الدول العربية) أين هي؟! اتفاقيات الدفاع المشترك، التي في داخل الجامعة العربية، أين هي؟!
التفريط وصل إلى درجة التَّفرُّج على تجويع الشعب الفلسطيني، وعدم تقديم الغذاء، عدم تقديم الدعم الإنساني. أولئك يقدمون للعدو الإسرائيلي السلاح، القنابل؛ لقتل الشعب الفلسطيني وتدميره، كل أشكال الدعم يُقدِّمونه للعدو الإسرائيلي، وشعوبنا، وبلداننا، وحكوماتنا العربية والإسلامية في معظمها، وكبريات الدول العربية، التي تتصدر الوضع العربي، أين هي لتقديم الدعم الإنساني، لإنقاذ الشعب الفلسطيني من التجويع، من الحصار؟!
بل ما يؤسف أكثر، هناك معلومات وأخبار عن تواطؤ بعض الدول العربية، وتشجيعها للعدو الإسرائيلي، وتقديمها- بشكلٍ أو بآخر- لمساعدات أو بضائع للعدو الإسرائيلي! لم يَرقَ الموقف العربي لدى أكثر الدول العربية إلى مستوى موقف سياسي، وموقف اقتصادي، ومقاطعة للعدو الإسرائيلي، وليس هناك أي مؤشرات على توجُّه لتحرُّك جاد لدى أكثرهم.
لماذا هذا التخاذل من معظم الدول والبلدان الإسلامية، باستثناء البعض، هناك تحرُّكٌ للبعض، ولكنه في نطاق محدود؟
هذا يدل على الحاجة المُلِحَّة– فعلاً- إلى الوعي، إلى الشعور بالمسؤولية، وأنَّه إلى جانب الأحداث، والمآسي، والمظلومية الكبيرة، الأمة تحتاج إلى حركة وعي في أوساطها؛ لأن الأنظمة بكل بساطة تُكَبِّل شعوباً كبرى، عن التحرُّك على مستوى مظاهرات، مسيرات، أو أن تقوم تلك الشعوب بدور يضغط على حكوماتها باتخاذ مواقف أكبر، مواقف أقوى، مواقف بمستوى حجم المظلومية للشعب الفلسطيني ومعاناته، بمستوى المسؤولية على تلك البلدان، ولكن أيضاً هناك تكبيل للشعوب، هذا يدل على الحاجة المُلِحَّة إلى حركة للوعي، للتذكير بالمسؤولية، إلى مساعٍ لإحياء الشعور بالمسؤولية في أوساط الأمة.
المقارنة بين ما يفعله الأعداء مع العدو الإسرائيلي، وهو الظالم، وهو المجرم، وهو المحتل، وهو الغاصب؛ وبين التخاذل الكبير من أغلب بلدان أمتنا تجاه الشعب الفلسطيني، وهو المظلوم، وهو الذي بلده محتل، وهو أيضاً يقاتل عن الأمة بكلها، لقضية لها أهمية وتعني الأمة، ويواجه عدواً هو عدوٌ لكل الأمة، ومقدسات هي مقدسات الأمة، هذا التخاذل مقارنةً بين ما يفعله الأعداء من جهة في مساندة العدو الإسرائيلي، وبين أيضاً المسؤولية الحقيقية للأمة، ما على هذه الأمة، هذه الأمة التي هي مسؤولة أن تكون فيما بينها أمة متآخية، متعاونة على البر والتقوى، بعضهم أولياء بعض، ينصرون المظلوم، يقفون في وجه عدوهم، أن تكون أمة تتصدى للعدو الظالم، الذي يستهدفها، ويستهدف أبناءها، أو يستهدف جزءاً منها، أو شيئاً من بلدانها، هذه الأمة التي عليها مسؤولية الجهاد في سبيل الله، متى سيكون هذا الجهاد في سبيل الله، إن لم تتحرك في مواجهة الطغيان والإجرام الصهيوني الإسرائيلي؟! هذه الأمة مقارنةً بحجم مسؤوليتها، وما عليها، وكيف ينبغي أن تكون، بحاجة- فعلاً- إلى التذكير فيما هي عليه في الوضع الراهن.
من المهم أن ننظر لهذه القضية من خلال القرآن الكريم، وأن نتحرك بناءً على المسؤوليات، التي حدَّدها الله لنا في القرآن الكريم، وأن تقف الأمة موقف القرآن الكريم، وإلَّا فلا نجاة لها، لا نجاة لها إلَّا بذلك؛ لأن التفريط في هذه القضية هو حالة خطيرة جداً على الأمة، هو في نهاية المطاف تفريط بمبادئ، تفريط بأخلاق، تفريط بقيم، تفريط تجاه تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وأوامره، تفريط بمسؤولية دينية، تفريط بمقدسات؛ ولهذا عواقبه الخطيرة جداً على الأمة في الدنيا والآخرة.
السياق القرآني (في سورة آل عمران، وفي سورة المائدة)، الذي يُبَيِّن لنا خطورة ذلك العدو علينا، خطورة اليهود كأعداء لهذه الأمة، وطبيعة مؤامراتهم التي يستهدفون بها هذه الأمة، وخطورة التفريط تجاه هذه القضية، وفي الصراع معهم، هو يُبَيّن لنا أن التفريط- فعلاً- يصل إلى مستوى تفريط بمبادئ، بقيم، بأخلاق، وهذا واضحٌ في واقع الحال، هو واضح.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” (في سورة آل عمران): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: الآية102]، هذا كله في سياق تحدث فيه عن خطورة ذلك العدو من أهل الكتاب، فريق الشر، فريق الإجرام، فريق العدوان، فريق الضلال، الذي يسعى لأن يحوِّل هذه الأمة إلى أمة كافرة بعد إيمانها، تكفر بمبادئها، بقيمها، بأخلاقها، بتعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتتجاهلها.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة: من الآية54]، وهذا (في سورة المائدة) وفي نفس السياق، في نفس السياق، في سياق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}[المائدة: من الآية51]، الحالة خطيرة جداً، ليس الموقف موقفاً مجرداً، تقف فيه الأمة بمزاجها، أو وفق آراء شخصية، وتقديرات شخصية، وحسابات واجتهادات شخصية، المسألة مرتبطة بهذه الجذور الإيمانية والدينية، هناك مقدسات، هناك شعبٍ ومن أبناء هذه الأمة، هناك مسؤولية دينية بكل ما تعنيه الكلمة تتعلق بهذه القضية.
ولذلك فترسيخ النظرة القرآنية هو الذي يُرسِّخ الوعي، ويرفع مستوى الوعي في أوساط الأمة، ويحمي الأمة من مؤامرات أعدائها، ويوجهها للموقف الصحيح، الذي يترتب عليه النتيجة الصحيحة المجدية؛ لأن الخطر على هذه الأمة خطر على دينها ودنياها، حتى الاستهداف لمبادئها الدينية، وقيمها، وأخلاقها، التي تحميها، وتجعلها في مستوى المسؤولية، وتبنيها لمواجهة الخطر، هو لهذا السبب؛ لأن تلك المبادئ، تلك القيم، ذلك الوعي، تلك المفاهيم، هي ترفع مستوى الوعي لدى الأمة؛ لتكون يقظة، ولتتحرك لمواجهة تلك التحديات والأخطار، ولتكون بالمستوى اللائق بها، بحجم مسؤوليتها فيما يحميها، فيما يدفع الخطر عنها.
الرؤية القرآنية تُبيِّن لنا– في المقدِّمة- الحقيقة الواضحة، البديهية، الثابتة، الصارخة، والتي ينبغي أن تكون منطلقاً لموقفنا كأمةٍ مسلمة، وهو: أنَّ أولئك أعداء، أعداء خطرين، أعداء بكل ما تعنيه الكلمة، والأشد عداءً لهذه الأمة، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة: من الآية82]، اليهود هم العدو (رقم واحد)، {وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة: من الآية82]، من بعدهم، اليهود في المقدِّمة، في البداية، بدأ بهم، هم الأشد عداءً لهذه الأمة.
يبيِّن وهو العليم، هو الأعلم بمن هو العدو لهذه الأمة، ومن هم الأعداء، ومستوى عداوتهم لهذه الأمة، وكيف يشكِّلون، وكم يشكِّلون خطورةً على هذه الأمة، فالعدو الأشد عداءً لهذه الأمة، والأكثر خطورةً عليها، هم: اليهود، يقول عنهم أيضاً: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران: من الآية118]، يودون لكم كل ضرر، وأبلغ الضرر، وأقصى الضرر، وفي كل المجالات؛ لأنهم أعداء حاقدون جداً، {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران: من الآية118]، {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة: من الآية105].
فهم عدو بكل ما تعنيه الكلمة، وهذا ما يحاول الآخرون أن يغيِّبوه من ذهنية الأمة، من اهتمامها، من نظرتها، فيقدِّمون صورة مختلفة عن العدو الإسرائيلي، يريدون أن يحوِّلوا علاقة الأمة معه، ونظرتها إليه، إلى أنَّه صديق، وأنه يمكن التحالف معه، وأنه يمكن أن تكون هناك علاقة طبيعية معه، وأنَّ العدو الذي يجب أن تعاديه الأمة، وتركِّز على العداء له، هو غير ذلك العدو، غير اليهود، فهناك شغل حتى على هذه النقطة، وشغل كبير جداً.
لماذا حرَّك الأعداء فتنة التكفيريين؟ إلَّا ضمن مساعيهم لتحويل بوصلة العداء. لماذا يحاولون أن يكون الحديث دائماً وأبداً للأمة عن عدوٍ آخر، عدوٍ آخر، عدوٍ آخر؟ لماذا يحاولون أن يثيروا الفتن بين أبناء الأمة؟ إلَّا في هذا السياق: لكي تنسى هذه الأمة عدوها الذي يشكِّل خطورةً عليها، والعدو الحاقد جداً، والعدو السيء جداً، والعدو المتوحش والمجرم، عدو خطير بكل ما تعنيه الكلمة، في مستوى حقده على هذه الأمة، في أنه في نشاطه، في برامجه، في أهدافه، يتحرَّك كعدو لهذه الأمة، في أنه مجرم ومتوحش، ليس لديه أي مراعاة لا لقيم، ولا لأخلاق، ولا لأعراف، ولا لقوانين… ولا لأي اعتبارات، فهو العدو الذي يجب أن تعاديه الأمة، وأن تستحضر هذه الحقيقة، وتنطلق من خلالها كموقف.
أيضاً فيما يتعلق بحربه، وطبيعة الصراع معه: حربه شاملة على هذه الأمة؛ لأن العدو الإسرائيلي من خلفه اللوبي اليهودي، الذي يتحرَّك في أمريكا، يتحرَّك في بريطانيا، يتحرَّك في أوروبا، ويحرِّك الجميع ضد هذه الأمة؛ لاستهداف هذه الأمة بشكلٍ كبير، ومعروف عن الحركة الصهيونية، أنها مرتبطة باللوبي اليهودي الصهيوني، الذي يتزعم التَّحرُّك المعادي للمسلمين في المقدِّمة، والمعادي للبشرية، والذي يشكِّل خطورةً على البشرية.
طبيعة الصراع مع العدو، من أهم ما ينبغي أن يعيه المسلمون، وأن يترسخ لديهم الوعي عنه: أنَّ ذلك العدو يشتغل لاستهداف الأمة استهدافاً شاملاً، وأن طبيعة الصراع معه لا تقتصر فقط على ميدانٍ دون آخر، بل الصراع معه صراعٌ شامل: على المستوى العسكري، على المستوى الفكري، على المستوى الثقافي، على المستوى الإعلامي، على المستوى الاقتصادي، ويجب أن تحضر الأمة- وهي تستحضر ذلك- في كل هذه الميادين والمجالات، أن تحضر إلى المجال الإعلامي، وتدرك أنها في معركة حقيقية، في مواجهة ذلك العدو، ولديه مصطلحاته، ولديه أساليبه، ولديه عناوينه، ولديه برنامجه الإعلامي الذي هو عدائي لهذه الأمة، ومستهدفٌ به لهذه الأمة، على المستوى السياسي كذلك، على المستوى الثقافي والفكري كذلك، وهذا ما ينبغي أن يكون حاضراً، وأن تتحرك الأمة على أساسه في واقعها.
هو عدوٌ يسعى لتطويع الأمة، واختراقها من الداخل؛ لكي تكون مطيعةً له، ولكسب ولائها، وذلك لاستغلالها، ولتسهيل عملية السيطرة عليها؛ ولهذا حذَّر الله من طاعتهم، وعواقب طاعتهم، وماذا يريدون أن يصلوا بالأمة إليه: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: من الآية100].
حذَّر من التولي لهم؛ لأنهم يحاولون أن تكون الأمة مواليةً لهم: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، هذا واضح، وتأثيرهم في هذه المجالات التي يستهدفون بها الأمة، تأثيرهم على البعض من أبناء الأمة تأثير واضح، تأثيرهم على حكومات، في توجهها، في سياساتها، في مواقفها، أصبحت وفقاً لذلك.
هو عدوٌ يسعى لإضلال الأمة في كل شيء:
- إضلالها دينياً، في تزييف وتحريف المفاهيم الدينية بما يخدمه، بما يفيده، بما يخضع الأمة له، بما يبعد الأمة عن نهج الله الحق.
- كذلك على مستوى الأفكار، التصورات، الرؤى، عن مختلف المجالات والمواضيع، هو يشتغل لإضلالها؛ لأجل أن تكون أمةً ضائعة، ضائعة بكل ما تعنيه الكلمة، وبما يخدمه؛ ولذلك يقول الله عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء: من الآية44]، {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية69].
عدوٌ يسعى لنشر الفساد في كل شيء:
- الفساد على مستوى نشر الفواحش والرذائل، وما يُسهِّل لها، وما يوقع فيها، يستهدف كل قيم العفة، كل التشريعات الإلهية والتعليمات الإلهية التي تصون الأمة، تحافظ على الأسرة في المجتمع، تحافظ على عفة المجتمع وطهارته، وزكاء نفسه، فيستهدفها في كل ذلك، ويسعى لنشر الرذائل، والمفاسد اللاأخلاقية بين أوساط الناس.
- يسعى كذلك للترويج للخمور والمخدرات، ونشرها، وتوزيعها، وربط الناس بها.
- ينشر المواد الإباحية المفسدة، على المستوى الإعلامي؛ لتدمير زكاء النفوس، ولجرِّ الناس إلى الرذيلة.
يستهدف المجتمع في كل ما يؤثِّر عليه ويقرِّبه من الفساد.
هو أيضاً يسعى لإفساد الحياة في كل شيء: الفساد في المجال الاقتصادي، الفساد في كل المجالات: في المجال السياسي، إفساد حياة الناس في كل شيء.
يسعى لتجريد الأمة من عناصر القوة المعنوية، في إيمانها، لا يريد أن تبقى هذه أمة مؤمنة، مؤمنة بالله، مؤمنة باليوم الآخر، تحتفظ وتلتزم بمبادئها وقيمها وأخلاقها، هو يريد أن يسلبها من عناصر القوة المعنوية، وألَّا تبقى أمة تحظى برعاية الله، ونصره، وتأييده، ومعونته، وتستفيد من المكاسب العظيمة للإيمان على المستوى المعنوي، والأخلاقي، والسلوكي، والعملي، وعلى مستوى الوعي والاهتمام… وغير ذلك؛ ولهذا يحذِّر الله منهم ويقول: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: من الآية100].
يسعى لضرب الأمة في اقتصادها، أن تكون هذه الأمة:
- إمَّا سوقاً استهلاكية، من تتحرك لبناء اقتصاد، يكون اقتصادها اقتصاد سوق، عبارة عن سوق.
- أو أن تبقى- كذلك- تعاني من الأزمات الاقتصادية بشكلٍ كبيرٍ جداً.
يسعى لضرب الاستقرار السياسي والأمني للأمة، وتغذية الفتن والنزاعات والصراعات، يسعى دائماً لتمزيق الأمة، وبعثرتها، وتفتيتها، وتفكيكها، هكذا هو يستهدف الأمة الاستهداف الشامل، وضمن برنامجٍ شامل.
والشيء الصحيح بالنسبة للأمة، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو يخاطب الناس بشأن الشيطان: وأولئك هم أولياء الشيطان، اليهود والتوجه الصهيوني هو موالٍ للشيطان، وذراع للشيطان، الله يقول: {فَاتَّخِذُوهُ عدواً}، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عدواً}[فاطر: من الآية6].
أولئك أيضاً أمرنا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن نعاديهم، أن نتحرك ضدهم كأعداء؛ لأنهم أعداء، لأنهم يتحرَّكون لاستهدافنا في كل شيء، لتدميرنا في كل شيء، للسيطرة علينا، لقهر هذه الأمة وإذلالها؛ لأن الخطر على الأمة هو في غفلتها، في جمودها، في تجاهلها لما يعمله العدو، لما يخطط له العدو، في وضعيتها التي تكون بيئة مفتوحة أمام مؤامرات العدو، تنجح فيها كل مؤامراته، ليست بيئة محصَّنة، ولا مغلقة في وجه العدو، الأمة بحاجة إلى:
- أن تكون في حالة يقظة كاملة تجاه مؤامرات العدو وأهدافه.
- وأن تكون واعيةً بمؤامراته ومخططاته.
- وأن تكون في موقف الفعل والعمل للتصدي للعدو، للتصدي لمؤامراته في كل المجالات.
- وأن تسعى لأن تكون أمةً قوية.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بيَّن لنا في القرآن الكريم عن العدو أنَّ وضعه محسوم، الله قال عنهم (عن اليهود): {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا}[آل عمران: من الآية112]، (أَيْنَ مَا ثُقِفُوا): في كل زمان ومكان ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَةُ، {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران: من الآية112]، وهنا الخطورة: متى يأتي الحبل من الله؟ حبل التسليط، التسليط الإلهي، متى يأتي التسليط على هذه الأمة؟ عندما تتنكر لمبادئها، لقيمها، لأخلاقها، عندما تتنصل عن مسؤولياتها الكبرى المقدَّسة والعظيمة، هذه الأمة التي كان من مسؤولياتها أن تكون أمةً الخير، التي تدعو العالمين إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتتصدى للفساد والشر والطغيان على مستوى الواقع البشري بكله، ويصل الحال بها إلى أن تتخلى عن ذلك حتى في واقعها، في ساحتها، في ميدانها، في شعوبها؛ فتستباح هي، وتصبح هي الأمة التي تُظلم، وتُضطهد، ويستهدفها الأعداء بفسادهم، بشرهم، بضلالهم، إلى عمقها، إلى داخلها، ويخلخلونها من الداخل، ويستهدفونها من الداخل.
الحالة التي تتنكر الأمة فيها لمسؤولياتها، وتفرِّط في مسؤولياتها، هي حالة خطيرة عليها من جهة العدو نفسه، أن يسلِّطه الله على هذه الأمة؛ لكن متى اعتصمت هذه الأمة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، واستجابت له، وانطلقت في مهامها ومسؤولياتها المقدَّسة والعظيمة؛ وعدها الله بأن ينصرها، بأن يكون معها، بأن يؤيِّدها بنصره، وأن يكون معها.
{إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران: من الآية112]، الدعم الذي يأتيهم من الناس، ولا يكفي الدعم الذي يأتيهم من الناس، إلَّا مع الحبل الذي يأتي من الله في إطار التسليط، الذي هو خطيرٌ على الناس، الحبل الذي يأتي من الناس جزءٌ منه يعود إلى تفريط الأمة وتقصيرها، وما يشكِّل دعماً للعدو من جانبها. لاحظوا، كم يحصل العدو على دعم كبير اقتصادياً من خلال دعمه الاقتصادي، شراء بضائعه، وعدم المقاطعة، كم يستفيد من المال، كم تستفيد الشركات التي تدعم إسرائيل من أسواق العرب والمسلمين، وتقدِّم الدعم من ذلك للعدو الإسرائيلي لقتل الأمة، ولقتل الشعب الفلسطيني. التخاذل، التفريط، والدعم الذي تحظى به من دول أخرى.
ثم يكون التَّحرُّك العملي بناءً على وضوح الرؤية في إطار مشروع، الأمة لا يكفيها أن تعقد مؤتمراً عندما تأتي مرحلة تصعيدية من جانب العدو الإسرائيلي، لتصدر بياناً وانتهى الموضوع، الأمة بحاجة أن تتحرك في إطار مشروع عملي مستمر، يصحح وضعيتها، يبنيها؛ لتكون في مستوى مواجهة العدو، وتتحرك بناءً على ذلك للتصدي للعدو في كل المجالات، ويتحول هذا الصراع إلى حافز للبناء، لبناء الأمة، لبناء حضارة الأمة، حضارةً إسلاميةً مميزة، هذا شيءٌ مهمٌ جداً.
وإذا تحركت الأمة؛ فهنا كل الخير، إذا وعت بمسؤوليتها، ووعت بمؤامرات العدو، وتحرَّكت لتؤدي واجبها ومسؤولياتها؛ فمآلات ونتائج وعواقب هذا الصراع محسوم، محسومٌ لصالحها، كما وعدها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكما بيَّن ذلك في كتابه الكريم. حتى زوال العدو الإسرائيلي، ودحره من فلسطين، واستعادة المقدسات، وعلى رأسها: المسجد الأقصى الشريف، هذا شيءٌ وعد الله به في القرآن الكريم، وحتى العدو الإسرائيلي يعرف هذه الحقائق، والإسرائيليون يعرفون حتمية زوالهم، وأنَّ هذا شيءٌ وُعِدوا به حتى في كتب الله السابقة، وفي القرآن الكريم أيضاً.
فمآلات وعواقب هذا الصراع واضحة، عندما يتحرَّك من يتحرَّك وفق توجيهات الله، وفق تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ فهناك وعود من الله الذي لا يخلف وعده بالنصر، بالتأييد، وأيضاً مآلات وعواقب موقف الآخرين، الذين يسارعون في الولاء لأعداء الإسلام والمسلمين، لأعداء الأمة، لأولئك الأعداء، الذين يسارعون في الولاء لهم توعَّدهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” (في سورة المائدة) بالخسران والندم؛ ولذلك فعواقب ونتائج هذا الصراع واضحة.
ولذلك من نعمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتوفيقه، لكل الذين يتحرَّكون انطلاقاً من هذا المنطلق، بناءً على هذه الحقائق الواضحة، البديهية، وفي نفس الوقت التي هي منسجمة مع انتماء هذه الأمة لدينها، لقرآنها، لرسالتها، للاقتداء برسولها “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، عندما يتحرَّك من يتحرَّك في هذا الاتجاه، هو شرفٌ له، ونعمةٌ كبيرة عليه؛ لأن هذا المسار هو مسار النجاة، الفلاح، الفوز.
ولهذا نرى الثمرة، والإيجابية، والنتيجة الملموسة، في واقع هذا التحرك الذي يتصدى للعدو الإسرائيلي: المجاهدون في فلسطين، المجاهدون من أبناء الأمة في الجبهات المساندة، نرى ثمرةً واضحةً وملموسةً، ونتائج ملموسة من تأييد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن معونته “جَلَّ شَأنُهُ”، بالرغم من أنَّ هذا التحرك لا يزال تحركاً في مستوى محدود، ولكنه مثمر في مقابل تلك الحالة الواسعة من التخاذل.
ماذا يمكن أن يثمر التخاذل، الجمود، التنصل عن المسؤولية للأمة بكلها؟ إلَّا تشجيع العدو عليها هي، ليفعل بها ما فعله بالشعب الفلسطيني.
في هذه المناسبة المهمة نؤكِّد على التالي:
- أولاً: ثبات بلدنا شعبياً ورسمياً على موقفه الإيماني، الديني، المبدئي، الإنساني، الأخلاقي، في نصرة الشعب الفلسطيني، والوقوف إلى جانبه عسكرياً وبكل ما يمكن، وفي مختلف المجالات.
- ثانياً: أدعو أمتنا الإسلامية في البلدان العربية وغيرها إلى تقوى الله تعالى، والشعور بالمسؤولية، والاهتمام بهذه القضية، والإسهام الفعلي في نُصْرَة الشعب الفلسطيني، والسعي العملي للتصدي للأعداء من واقع الوعي بطبيعة الصراع، وميادين المواجهة؛ وبالتالي التحرك في نشر الوعي، والمقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، وترسيخ العداء، وفضح مؤامرات الأعداء، والحذر منها.
- ثالثاً: أدعو شعبنا اليمني المسلم العزيز إلى الخروج المليوني الواسع غداً إن شاء الله، حيث يجمع بين خروجه المليوني الأسبوعي، الذي هو جزءٌ من جهاده وموقفه في نصرة الشعب الفلسطيني، وبين مناسبة (يوم القدس العالمي)، التي تعود أهميتها إلى أهمية القضية، والموقف الذي هو جزءٌ من التزاماتنا الدينية والإيمانية.
الخروج في ظل ما يجري حالياً على الشعب الفلسطيني، والتعبير عن الموقف، ينبغي أن يكون ثمرةً من ثمار صيام شهر رمضان، ومن نتائج ما تزودناه منه من التقوى، ومن الاستجابة لله تعالى.
أَسْألُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصر لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِي المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيه الأَعِزَاء، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصرِهِ، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛