كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في الذكرى الرابعة للصمود في وجه العدوان 1440هـ
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَلِكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عَبْدُه ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأخيارِ المنتجَبين، وعن سائرِ عِبَادِك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمني المسلم العزيز:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
نتحدث اليوم بمناسبة اكتمال أربع سنوات منذ بداية العدوان السعودي الأمريكي على بلدنا وشعبنا العزيز، أربع سنوات مضت منذ بداية هذا العدوان الظالم الإجرامي الوحشي على بلدنا، هذا العدوان الذي كان في ليلةٍ غادرةٍ، ليلةٍ نام فيها أبناء شعبنا وهم يعيشون حالة الاطمئنان والسكينة، ولا يعيشون واقع مشكلة مع تلك الدول المعتدية؛ فإذا بهم يفاجؤون بهذا العدوان، كما فوجئ به كل أبناء المنطقة، كل شعوب المنطقة، ولربما كل سكان العالم ممن سمعوا بهذا العدوان فيما بعد.
الأربع سنوات التي مضت هي بالنسبة لتحالف العدوان أربع سنواتٍ من الجرائم اليومية، أربع سنواتٍ من الطغيان، أربع سنواتٍ من الظلم، أربع سنواتٍ من قتل الأطفال والنساء في كل يوم، أربع سنواتٍ من التدمير لبلدٍ عربيٍ مسلم، أربع سنواتٍ من الحصار والتجويع لشعبٍ بأكمله بدون حق، أربع سنواتٍ من الاستهداف في كل أشكاله وأنواعه لبلدٍ من أهم بلدان المنطقة، ولشعبٍ من خيرة شعوب المنطقة: وهو الشعب اليمني الذي قال عنه الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- فيما روي عنه: (الإيمان يمان، والحكمة يمانية).
أربع سنواتٍ تحرك فيها تحالف العدوان بكل أشكال الحروب، وبكل أشكال الاستهداف، والأجيال الأربعة من أجيال الحروب: الجيل الأول، والجيل الثاني، والجيل الثالث، والجيل الرابع، وسعوا إلى تفكيك هذا الشعب وبعثرته، والسيطرة التامة على هذا البلد.
أربع سنوات سطرت أعظم ملحمة تاريخية للشعب اليمني
أما بالنسبة لشعبنا العزيز فهي أربع سنواتٍ من الصمود، من الثبات، من الاستبسال، من التحدي، من التحمل للمسؤولية التي يفرضها الدين، وهي مفروضةٌ بكل الاعتبارات الدينية والإنسانية والوطنية، أربع سنوات من التضحية، أربع سنوات من المواقف التي سيسجلها التاريخ للأجيال اللاحقة؛ باعتبارها من أشرف المواقف، وباعتبارها صفحةً بيضاء وملحمةً عظيمة في تاريخ هذا الشعب العظيم.
أربع سنوات من المظلومية التي لا نظير لها في أرجاء المعمورة، أربع سنوات من التجسيد للمبادئ والقيم الإسلامية العظيمة، وجرت العادة أنه مع كل عامٍ مضى من الأعوام الأربعة عادةً ما تقدم الجهات المعنية في بلدنا، على مستوى الجهات الحكومية، والمنظمات المتحركة في الساحة، تقدم حصيلة عن الجرائم، حصيلة عن الدمار، حصيلة عمَّا ارتكبه تحالف العدوان في بلدنا، عن كل أشكال جرائمه وتدميره، وما فعله بحق هذا البلد وبحق هذا الشعب.
أيضاً بتمام الأربعة أعوام، خلال الأيام الماضية قامت الجهات الحكومية المعنية- كلٌّ في إطار مسؤوليته- بتقديم حصيلة بالأرقام عمَّا فعله تحالف العدوان، وما ارتكبه بحق هذا الشعب في كل مناحي الحياة: في الجانب الاقتصادي، في الجانب التعليمي… في كل مناحي الحياة وفي كل المجالات، وأرقام مهولة، وإحصائيات كبيرة تعبر عن مدى إجرامية تحالف العدوان، وبشاعة ما فعله، وفداحة ما ارتكبه بحق شعبنا العزيز.
وأيضاً قامت وزارة الدفاع بتقديم إحصائية أيضاً موثقة بالأرقام، تعبر أيضاً عن عظيم تضحيات هذا الشعب، وعن مواقفه البطولية، وعن نكايته الكبيرة في تصديه لهذا العدوان الظلم؛ ولذلك سنكتفي بما قد قدمته الجهات المعنية من إحصاءات بالأرقام عن كل المجالات: في مجال المظلومية، وفي مجال التصدي والثبات والنكاية بالعدو.
كما أن المشاهد اليومية منذ بداية العدوان وإلى اليوم، المشاهد المعبرة عن مظلومية شعبنا، والشاهدة على إجرامية عدونا ووحشيته، وما يرتكبه بحق هذا الشعب المسلم العزيز المظلوم، وأيضاً المشاهد الشاهدة على بطولة هذا الشعب، على استبساله، على تفانيه، على تحمله للمسؤولية، على إبائه، على غيرته، على شهامته، على إيمانه العظيم، على صموده المتميز… كلها كانت مشاهد يومية في كل ليلة، في نشرات الأخبار، وفي البرامج الأخرى، تقدم تلك المشاهد موثقة، وهي نماذج من هذا وذاك: من الصمود، من المظلومية.
هذه المشاهد اليومية التي يشاهدها كل المتابعين لها في قنواتنا الوطنية، وفي القنوات المنصفة التي قامت بوجبها الإعلامي وواجبها الإنساني في نقل الوقائع والحقائق عن هذه الأحداث، وعن ما يعانيه شعبنا، وعن ما يجري على بلدنا، تلك المشاهد هي قدمت صورةً مكتملةً وكافيةً في تبيين كل ما يحتاج إليه الإنسان عن أصل هذا الموقف، وعن طبيعة هذه المعركة، عن الحق والباطل في هذه المعركة وفي هذا الصراع وفي هذا الميدان، عن المظلوم من الظالم، عن المعتدي والمعتدى عليه… أمور واضحة، براهين كاملة، مشاهد شاهدة، ووثائق دامغة.
أهم الدروس من أربعة أعوام من العدوان
ولذلك حديثنا الآن لن نطيل فيه التركيز على هذه العناوين وهذا الموضوع، بقدر ما نركز على أهم درس من حصيلة هذه السنوات الأربع، أهم درس: هو الصمود، قيمة هذا الصمود، أهمية هذا الصمود، ما يستند إليه هذا الصمود، عماد هذا الصمود منذ أول يومٍ من أيام هذا العدوان وإلى اليوم، وأثره- إن شاء الله- وأهميته، ونتيجته الحتمية- بإذن الله تعالى- للمستقبل، وإن شاء الله يكون هذا المستقبل قريباً.
شعبنا العزيز حينما اتخذ قراره وقد تفاجأ بهذا العدوان الأجنبي، هذا العدوان الذي تشرف عليه أمريكا، وتشارك فيه إسرائيل، وتنفِّذه بشكلٍ رئيسي: كلٌّ من النظامين السعودي والإماراتي، ومن تحالف معهم من تحالف، وحشدوا لهذا العدوان من حشدوا في كل المجالات: في معركتهم العسكرية، في معركتهم الأمنية، في معركتهم الإعلامية، في معركتهم التضليلية على المستوى الثقافي والفكري، في معركتهم الاقتصادية… وفعَّلوا ما فعَّلوه من كل الوسائل، وارتكبوا ما ارتكبوه من كل أشكال وأنواع الجرائم، كما قلنا كل أشكال الاستهداف مهما كانت بشعة، مهما كانت إجرامية، مهما كانت غير مشروعة، مهما كانت غير إنسانية، مهما كانت غير أخلاقية، مهما كانت مخالفة ومباينة: للشرع، للقانون، للأخلاق، للقيم، للمتعارف عليه في الواقع البشري، لم يوفروا شيئاً من ذلك، واستباحوا كل الخطوط الحمر، وانتهكوا كل الأعراف والقوانين والأخلاق والشرائع؛ فصمود شعبنا كان خياراً، وكان قراراً صائباً، وصحيحاً، وحكيماً، ومسؤولاً- كما قلنا- بكل الاعتبارات: الدينية، الإنسانية، الوطنية. هو الموقف الذي ينسجم مع هوية هذا الشعب، مع انتمائه، مع رصيده التاريخي من الدين والإنسانية والقيم والمبادئ، حتى مع طبيعة هذا الشعب في بنيته الاجتماعية، بنيته من الأعراف والعادات والتقاليد على المستوى القبلي، هذا الشعب ربَّاه دينه وعاداته وتقاليده وأعرافه على الإباء، على الصمود، على العزة، على الكرامة، على الرفض للعبودية والهوان والإذلال والقهر، على التحرر، فهذه سجية لهذا الشعب، سجية اكتسبها من دينه، واكتسبها من فطرته، ومن إنسانيته، ومن تاريخه، ومن عاداته، وهي مركبة في هذا الشعب مع تركيبته القبلية والاجتماعية، فهو الخيار السليم، والقرار الصحيح المسؤول كما قلنا.
موقف الخونة والمتنصلين عن المسؤولية
أما البعض من الحثالة، الذين آثروا الخيانة، واتجهوا نحو قوى العدوان، ومالوا معهم، وناصروهم على قومهم، وعلى بلدهم، وعلى شعبهم؛ فقرارهم وخيارهم الذي هو الخيانة هو باسمه خيانة، خيانة في كل الأعراف، في كل العادات، في كل التقاليد، وبكل الاعتبارات: خيانة وفق المعيار الديني، وفق المعيار الإنساني، وفق المعيار الوطني… خيانة بكل الاعتبارات، ويكفيهم أنهم خونة، خانوا الله في خيانتهم لمبادئ الإسلام، وقيم هذا الإسلام، وشرائع هذا الإسلام، والواجب الذي يفرضه هذا الإسلام، وخانوا الوطن وقد وقفوا مع أعدائه، مع الغزاة له، مع المحتلين له، خانوا هذا الشعب وقد وقفوا مع من يقتل هذا الشعب، ويعتدي على هذا الشعب، يقتل أطفال ونساء هذا الشعب، خيانة، ويكفيهم هذه السِّمة (خيانة).
أما الذين اتجهوا نحو خيار القعود والجمود والتنصل عن المسؤولية؛ فهذا الخيار هو خيار الجبناء، وخيار الشاكين، وفاقدي البصيرة، وفاقدي الوعي، وضعاف الإيمان.
وهاتان الفئتان عادةً ما تكون موجودة في كل عصر، وفي كل زمن، وفي كل بلد، حتى في صدر الإسلام في مدينة الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- حيث كان يتواجد رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ويقود هو الأمة المسلمة، كان في ذلك المجتمع من كانوا منافقين وخونة ومتآمرين ومائلين إلى العدو، وهاجمهم القرآن الكريم بآيات كثيرة جدًّا، إلى درجة أنه قال عنهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}[النساء: من الآية145]، كان هناك أيضاً من يتجهون نحو التنصل عن المسؤولية والقعود والجمود، وعبر القرآن الكريم عن موقفهم هذا بتعبيرات متعددة ومتنوعة، بعضها يعبر عن حقيقة ما في قلوبهم، وخفايا نفوسهم، وفي ما هو في أعماق صدورهم؛ فيكشفه ويوضحه، ويكشف عن دوافعهم المتنوعة والمتعددة، وعن أسباب وحيثيات وخلفيات موقفهم السلبي، غير السليم، غير الطبيعي حتى، فذمهم، عاب عليهم ما هم فيه، توعدهم بعذاب الله في الآخرة، وذمهم ووسمهم بأقبح ما قلدوا أنفسهم به من العار: {رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ}[التوبة: من الآية87]، (طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ)، تعبيرات كثيرة في القرآن الكريم لا يتسع الوقت للحديث عنها.
الموقف الحكيم: الصمود والثبات
أما موقف الصمود، والثبات، والاستبسال، والتصدي لهذا العدوان الظالم، هذا العدوان الذي أتى ليستعبدنا، أتى ليسيطر علينا، أتى ليتحكم بنا، أتى ليسلبنا حريتنا وكرامتنا، أتى ليحتل أرضنا وبلدنا، ويتخذ من أهم مواقع هذا البلد قواعد عسكرية، وينهب ثروات هذا البلد من النفط، والغاز… وغيرها. أتى ليسيطر على الإنسان اليمني، ويجعل منه عبداً في يده، تحت إمرته، تحت سيطرته، يوجهه لخدمته في أي ميدان: إما في ميدان القتال؛ ليقتل بدلاً عنه، ليقتل وهو يقاتل لتنفيذ أجندته ومؤامراته، ولخدمته، وفداءً لضباطه وجنوده، وإما في الميدان الإعلامي؛ ليجعل منه بوقاً ينفخ فيه بأكاذيبه وافتراءاته ودجله وتضليله وبهتانه، وإما ليجعل منه غطاءً سياسيًا؛ فيكون أشبه بالمنديل الذي تمسح به الأقذار، هذا ما أراده تحالف العدوان.
فكان قرار شعبنا وخياره بالصمود والتصدي لهذا العدوان قراراً حكيماً وصائباً، ويستند على حيثيات عظيمة، حيثيات صحيحة: أولها المسؤولية الدينية، نحن شعبٌ مسلم، شعبٌ له وسام الشرف العظيم الذي يجب أن يتذكره؛ باعتباره وسام شرفٍ وفخر، وباعتباره مسؤولية أيضاً، مسؤولية، (الإيمان يمان) نحن شعبٌ نفتخر بهذا الوسام العظيم، ويجب علينا- في نفس الوقت- أن تكون منطلقاتنا في مواقفنا، وقراراتنا، وتوجهاتنا، وولاءاتنا، وعداواتنا، وتحركنا في الساحة في ممارساتنا في حياتنا العامة، أن يكون المنطلق إيمانياً، من مبادئ الإيمان، محكوماً بالإيمان في المبادئ، في القيم، في الأخلاق، وحتى في الحكم الشرعي، حتى على مستوى الشريعة الإسلامية هذا ما يجب أن نكون عليه.
ونحن نقول: إن الله -سبحانه وتعالى- أوجب علينا كواجبٍ شرعي، كالصلاة، وكالصيام، وكالزكاة، وكالحج لمن استطاع إليه سبيلاً… وككل المسؤوليات الدينية، كجزءٍ من التزامنا الديني والإيماني، أن نواجه هذا العدوان، ألا نستسلم له، ألا نخضع له، ألا نركع له، هذا هو واجبنا الديني، القرآن الكريم حينما أوجب فريضة الجهاد في سبيل الله هل لحماية الله -سبحانه وتعالى- والدفاع عن ذاته المقدسة؟ هل لحماية دينه وشرعة، أم أن الأمة هي بنفسها التي تحتاج إلى هذه الفريضة لحماية نفسها؟ حتى الدين في شرعه وأحكامه ومبادئه هو للأمة لصالحها، الله غنيٌ حتى عن دينه، وحتى عن أعمالنا الصالحة، وحتى عن مواقفنا النبيلة، غنيٌ عن كل ذلك، غنيٌ عن العالمين، لا تنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضره معصية من عصاه، الدين في مبادئه، والدين في قيمه، والدين في أخلاقه، والدين في تشريعاته، والدين في حلاله وحرامه، الدين في كل الالتزامات التي يفرضها علينا هو لنا نحن، لمصلحتنا نحن؛ لكي نكون أحراراً، لكي يخلصنا من العبودية للطواغيت والمجرمين والظالمين والمفسدين، الذين يسعون لاستعباد البشرية وإذلالها، والاستغلال لها، والامتهان لكرامتها، والتسخير لها في مصالحهم ومنافعهم الشخصية والفئوية والظالمة والباطلة والعبثية، فالواجب الديني يفرض علينا أن نتصدى لهذا العدوان، إن الله يقول عن عباده المؤمنين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ}، إذا بغى عليهم عدوهم وهاجمهم واعتدى عليهم، ماذا؟ يستسلمون، يقعدون، يجمدون، يخضعون، يتنصلون عن المسؤولية تحت عنوان الحياد، يتهربون من أداء الواجب تحت أي عنوان ديني أو سياسي أو غيره؟ {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}[الشورى: الآية39]، وحينما يتحركون لا لوم عليهم؛ هم في الموقف المشرِّف، من ينتقدهم، من يلومهم، من يثبطهم، أو يثبط غيرهم عن الالتحاق بهم، وعن الوقوف في موقفهم المسؤول والمشرِّف، هو الخاطئ، ليس اللوم عليهم في أن يتحركوا وهم يواجهون من بغى ومن اعتدى ابتداءً وبغير حق، ولهذا يقول الله: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ∗ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الشورى: 41-42]، الله هو الذي يقول لنا: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، فماذا؟ فاستسلموا له، فاقعدوا عنه وافتحوا له المجال ليتصرف كيف ما يشاء ويريد؟ يقول الله: {فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: من الآية194]، الله يقول: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}، (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ): من أتى لقتالكم والاعتداء عليكم بغير حق، والبغي عليكم بغير حق، مسؤوليتكم الدينية، وواجبكم الجهادي أن تقاتلوه، لا أن تخضعوا له، ولا أن تستسلموا له، ولا أن تقعدوا عن هذا الواجب تحت المبررات والذرائع الواهية، {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ∗ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}[البقرة: 190-191]، وهكذا تتكرر الآيات القرآنية الكثيرة جدًّا؛ لتؤكِّد هذا الواجب، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[البقرة: الآية216].
التصدي واجب بكل الاعتبارات والمثبطون دجالون
فمن يثبط الناس، أو يخذلهم عن أداء هذا الواجب؛ فهو من الدجَّالين، وهو من المفترين، وهو من الكاذبين، وهو من الذين يفترون على الله الكذب، ويغشون الناس، ويسعون لتدجينهم لصالح العدو، والصمود والتصدي للعدوان واجبٌ وطني، واجبٌ وطني، كم كنا نسمع من البعض خلال الأعوام الماضية وهم يقدمون أنفسهم على أنهم وطنيون، على أنهم الحماة لهذا الوطن، وعلى أنهم من يحملون راية هذا الوطن، والبعض منهم حتى في المراحل الماضية وبعد أن بدأ العدوان كانوا يظهرون هذا العنوان، ويحملون هذه الراية، ويعلنون وقوفهم ضد العدوان من هذا المنطلق: من المنطلق الوطني، ثم- مع الوقت- افتضحوا، وانكشفت حقيقتهم، وإذا بهم يبيعون الوطن بكله، الوطن والشعب وكل شيء، وينضمون إلى صف العدوان الذي قد شهدوا- سابقاً- عليه أنه عدوانٌ ظالمٌ بغير حق، يسعى لاحتلال هذا الوطن؛ فوقفوا في صفه، وقاتلوا هذا الشعب، وخانوا خيانةً قد شهدوا سابقاً على أن من يفعلها هو خائن.
واجبٌ بالاعتبار الوطني، إذا لم يتحرك الوطنيون في هذا الظرف الذي أتت فيه دول أجنبية لتغزو هذا البلد، وتحتل هذا البلد، وتسيطر على هذا الوطن، إذا لم يتحركوا في ظرفٍ كهذا، فمتى سيتحركون، في أي ظرف، في أي واقع؟ هذا البلد يتعرض للاحتلال، وشعبه يتعرض للقتل اليومي بكل فئاته، ومن كل المحافظات، ومن كل المكونات، فماذا ينتظرون، ومتى سيتحركون؟ الأوفياء منهم بالطبع تحركوا، ويتحركون، ويشهد لهم الواقع.
الصمود والتصدي للعدوان واجبٌ إنسانيٌ أيضاً، أنت كإنسان بفطرتك الإنسانية، الفطرة الإنسانية التي تعلِّمك أن تكون حراً، وهؤلاء أتوا ليسلبوك حريتك، الفطرة الإنسانية التي تعلِّمك أن تحمل المشاعر الإنسانية تجاه المظلومية، أيُّ مظلومية بعد مظلومية شعبنا العزيز، وبعد مشاهد القتل الجماعي للأطفال والنساء، والتدمير الكلي لبنية هذا البلد، والجرائم الوحشية والفظيعة جدًّا، التي أحرجت حتى قوى العالم التي تعمل على توفير الغطاء لهذا العدوان على شعبنا العزيز، أحرجت حتى أمريكا، وأحرجت حتى أوروبا، أنت كمسلم يمني من هذا الشعب، تنتمي إليه، وتزعم أنك من بني الإنسان، أين هي مشاعرك الإنسانية؟ أين هي أحاسيسك؟ هل طُبِعَ على قلبك؟ الذين بقيت فيهم فطرتهم الإنسانية، وبقي فيهم الشعور الإنساني والوجدان الإنساني سليماً؛ بالطبع تحركوا، وانطلقوا، وهم في موقف الشرف، والذين قد فقدوا حتى إنسانيتهم هم في الاتجاه الآخر: إما في موقف الخيانة، وإما في موقع التنصل عن المسؤولية والتخاذل.
أمَّا الأحرار والشرفاء والأوفياء في هذا البلد فقد انطلقوا، من انطلق بوازع الدافع الديني، ومن انطلق بوازع الدافع الوطني، ومن انطلق بوازع الدافع الإنساني، وموقف الصمود هو أيضاً يستند إلى الموقف الحق والقضية العادلة، نحن في موقف الحق، الأمريكي والإسرائيلي والسعودي والإماراتي… ومن معهم، ليسوا هم في موقف الحق في عدوانهم على شعبنا العزيز، الموقف بالنسبة لهم موقفٌ واحد، موقف الإسرائيلي، وموقف الأمريكي، وموقف النظام السعودي، وموقف النظام الإماراتي، وموقف الخونة، وموقف من معهم ولحق بصفهم هو موقف واحد، هو موقف المباشر والمشارك في هذا العدوان، والمنفِّذ لهذا العدوان، يعني: اشتراك في هذا العدوان بكل المستويات، وبكل المجالات، موقف واحد وجبهة واحدة، هل تتوقع أنَّ الإسرائيلي والأمريكي والسعودي والإماراتي، والخائن الذي التحق بصفهم من أبناء بلدنا هم في موقف الحق؟ وأنَّ هذا الشعب الذي يتصدى لهذا العدوان بكل فئاته ومكوناته وجماهيره الغفيرة، هذا الشعب الذي يروى عن الرسول أنه قال بحقه: (الإيمان يمان) في موقف الباطل؟
لا شرعية للعدوان بكل الاعتبارات
هل هذا الشعب الذي فوجئ بهذا العدوان، وبدء هذا العدوان عليه من منتصف الليل قبل أربعة أعوام، في السادس والعشرين من مارس، عدواناً ظالماً لا شرعية له، أين هي الشرعية لهذا العدوان؟ أين هي؟ بأيِّ اعتبار؟ هل لأن أمريكا اتخذت قراراً بحمايته سياسياً؟ هل لأن إسرائيل تؤيده، وتسهم فيه، وتشارك فيه، واعترفت بذلك، موقفها واضحٌ في ذلك؟ أم بجرائمه الوحشية المرتكبة من أول غارة وإلى اليوم، وبشكلٍ يومي، هل هذه شرعية؟ هل الاحتلال لسقطرى التي لم يكن فيها أي مشاكل، ولا تواجد للجيش واللجان الشعبية، والاحتلال للمهرة، والاحتلال لأجزاء من هذا البلد، والسيطرة التامة عليها من خلال القوات الأجنبية، وأصبح القرار الأول فيها للأجنبي: السعودي، أو الإماراتي، تحت إمرة الأمريكي والبريطاني، هل هناك شرعية لهذا الفعل، لهذا التصرف، لهذا الاحتلال؟
هل هناك شرعية لهذا التدمير الشامل الذي استهدف كل شيءٍ في بلدنا، الإنسان وكل ما يمت بصلة لحياته: الأسواق، المساجد المستشفيات، المدارس، الآثار، حتى المقابر، الطرقات، الجسور، هل هذه شرعية؟ هل هذا حق؟ هل القتل الجماعي للأطفال والنساء حق؟ هل الاستهداف للمناسبات في الأفراح والأحزان، والمناسبات الدينية والاجتماعية حق وشرعية؟ لا، ما هناك حق.
هل تتوقع أن أمريكا التي تدخلت في بلدان كثيرة للإطاحة بحكومات قائمة فيها، وتغيير زعماء كانت فيما قبل معترفة بشرعيتهم، وأشرفت هي أو نفَّذت هي عملية الإطاحة بهم، والتغيير لهم، مهتمة في بلدنا ألا يكون فيه طرد لشخص خائن، أو موقف من شخص تنصل عن المسؤولية، وهرب وترك المسؤولية، وترك البلاد والدولة؟ هل تتوقع من أمريكا التي تستهدف زعماء ورؤساء منتخبين في بلدانهم، ولم يقدموا استقالاتهم، ولم تنته مدتهم الرئاسية، وتسعى للإطاحة بهم بكل وضوح، ومعها كل عملائها الذين يشاركون في العدوان على شعبنا، ولا يراعون شرعيةً ديمقراطية، ولا ما كانوا عليه من الاعتراف بالسابق، ولا وجود مندوب لتلك السلطة ولذلك النظام، كالنظام السوري الذي رئيسه منتخب من شعبه، ولم يقدم استقالته، ومندوبه في الأمم المتحدة معترفٌ به، أن عندهم اهتمام بالحفاظ على سلطة هنا أو هناك، وأن هذه مسألة مهمة بالنسبة لهم؟ كم وقعت في هذه الدنيا من انقلابات؟ كم وقعت فيها من ثورات؟ كم وقعت فيها من متغيرات؟ هل كل بلد يتجهون إليه ليفرضوا أو ليدعموا سلطةً معينةً فيه للحفاظ عليها؟ لا.
معيار الشرعية في نظر أمريكا!
المعيار عندهم هو الولاء لهم، الشرعية في نظر أمريكا هي الولاء لها، إذا أنت موالٍ لأمريكا؛ خلاص يسمُّونك صاحب سلطة شرعية، حتى لو لم ينتخبك الشعب، أو لم تكن في فترتك، أو لم تكن في موقف الحق، هذا في فنزويلا، المعارض في فنزولا أعلن نفسه- هكذا بكل بساطة- رئيساً لفنزويلا، ولأنه موالٍ لأمريكا، ومدفوع من قبل أمريكا؛ اعترفت به أمريكا، وكثير من حلفائها وأعوانها ومواليها اعترفوا به رئيساً شرعياً لفنزويلا، لا انتخابات فاز بها… ولا أي شيء يستند إليه، ولا أي شيء، إعلان هكذا بكل بساطة، قال: [ أنا أعلن نفسي رئيساً لفنزويلا]، قالوا: [خلاص، ما دام قد أعلن نفسه رئيساً لفنزويلا؛ رئيس]؛ لأنه موالٍ لأمريكا بكل بساطة يعني، بكل بساطة.
أمريكا التي هي خطرٌ على حقوق الشعوب، وعدوٌ للشعوب في حقوقها، لا يمكن أن تكون راعيةً لحق، أمريكا التي تأتي في صفقة ما يسمى (صفقة القرن)، (صفقة ترامب)، وهي تسعى لمصادرة مقدسات الأمة: الأقصى وغير الأقصى، والقدس وغير القدس في فلسطين، ومصادرة بلد بأكمله، وتهجير شعب بكله (الشعب الفلسطيني)، وإضاعة حق على شعب بكله، هل ممكن أن تكون راعيةً لحق؟ والمتواطئون معها في تلك الصفقة وعلى رأسهم النظام السعودي والنظام الإماراتي هل هؤلاء رعاة لحقوق؟
أمريكا التي يأتي ترامب فيها ليتبرع بمرتفعات الجولان السورية، التي هي جزءٌ من سوريا باعتراف كل العالم، ومسألة واضحة كوضوح الشمس، ثم يأتي ترامب ليتبرع بها لإسرائيل، ويعلن موافقته على سيادة إسرائيل عليها، وكأنها من ممتلكات أبيه، وهو يتبرع بها، أو كأنها قطعة من قطع أراضٍ له، ومن ممتلكاته حتى يفعل ذلك، هكذا تفعل أمريكا، هكذا هو زمن الغطرسة الأمريكية: إضاعة الحقوق، ومصادرة الحقوق، وليسوا رعاةً للحقوق.
لا يمتلك أحد حقا في إباحة بلده وإهدار دم شعبه
ما يجري في بلدنا وعلى بلدنا هو عدوانٌ لا مبرر له، ولا شرعية له، عبدربه كان قد استقال، وكانت فترته قد انتهت، وكان قد رفض بعد مطالبة الأمم المتحدة والأحزاب السياسية في صنعاء له بالعودة عن استقالته، رفض العودة عنها وقال: [استقالته خلاص نهائية، لا يمكن التراجع عنها]، وترك البلد وغادر، الشعب أيضاً هو صاحب الحق عندنا في أمره وشأنه، بالاستناد إلى هويته الوطنية والدينية والإسلامية والإيمانية، لا يمتلك أحد حقاً لا بصفة رئيس، ولا بصفة رئيس وزراء، ولا بصفة عضو مجلس نواب… ولا بأي صفة كان، لا يمتلك حقاً ولا شرعيةً في إباحة بلده، وإهدار دماء شعبه، هذا التصرف- بالإجماع بين البشر، وبكل الاعتبارات والمعايير والمقاييس- هو خيانة، هو جريمة، هو منكر.
لو يأتي أي شخص في الدنيا، حتى رئيس منتخب، ويصدر قانوناً بمصادرة بلده، يقول: [أنا قد أبحت بلدي بالكامل لصالح دولة هنا أو دولة هناك، وأهدرت دماء شعبي من أولهم إلى آخرهم: أطفالاً ونساءً وكباراً وصغاراً]، هل سيعتبر هذا تصرفاً مشروعاً؟ أم تصرفاً لا شرعياً، تصرفاً خيانياً، وإجرامياً، وبشعاً، وغير معقول، ولا منطقي؟ الكل سيقولون: [إما أنك معتوه ومجنون وفاقد لتمييزك وصوابك، وإما أنك خائن وصلت إلى أدنى مستوى من الانحطاط في خيانتك]؛ ولهذا لا شرعية لهذا العدوان وما يرتكبه من جرائم بحق شعبنا، ولا شرعية للاحتلال لبلدنا: لا في سقطرى، ولا في المهرة، ولا في المحافظات الجنوبية ولا الشرقية… ولا في أي محافظة من محافظات البلد، عدوان واحتلال وإجرام بكل المقاييس، بكل المقاييس، هذا أولاً.
شعبنا يستند للموقف الحق والقضية العادلة
ولذلك فشعبنا العزيز هو يستند إلى موقفه الحق وقضيته العادلة، نحن شعبٌ مظلوم، معتدى علينا بغير حق، ومسؤوليتنا هي التصدي لهذا العدوان، وهذا العدوان لو صدر له مليار قرار من أي جهة في هذه الدنيا ليبرر له فعلته، أو أي إجراء من أي طرف ليبرر فعلته؛ ففعلته لا تكتسب الشرعية، لم تمتلكها من البداية، ولم تكتسبها في النهاية، ولا ما قبل النهاية؛ لأنها بذاتها إجرام، وحشية، إذا أتى أحد ليشرعن قتل النساء والأطفال بشكل جماعي، هل يصبح ذلك شرعياً؟ لا. إذا أتى أحد ليشرعن احتلال البلدان، وسلب الحرية والاستقلال هل يصبح ذلك شرعياً هكذا بكل بساطة؟ لا.
فلذلك نحن نقول: عندما يتمترس تحالف العدوان بعناوين، فهي عناوين خاوية، لا مضمون لها في الواقع، هي للخداع، للتبرير بمبررات لا أساس لها من الصحة، بذرائع واهية، والقضية واضحة للناس جميعاً، وإنما جرت العادة- أيها الناس- جرت العادة أن كل باغٍ ومعتدٍ ومجرمٍ وغازٍ أجنبيٍ بالباطل وبغير الحق يقدم لفعلته، لجريمته، لعدوانه عنواناً تبريرياً، وهكذا حصل في هذه الجريمة الكبرى بحق شعبنا العظيم المسلم العزيز المظلوم، هذا الذي حصل؛ ولذلك لا يجوز لأحد أن يكون من الأبواق التي تردد تلك العناوين غير الصحيحة، الشرعية الحقيقية هي لشعبنا.
ولاحظوا أيها الناس- شعبنا العزيز وغير هذا الشعب- حتى الإجراءات الشكلية التي هي ذات بُعد شكلي يعني، إجراءات شكلية لتبرير أو لشرعنة الحرب على شعبنا والعدوان على شعبنا، لم تأتِ أصلاً، يعني: هم يقولون مثلاً: أن يأتي الرئيس، والرئيس الذي نفترض أنه غير مستقيل ولا منتهية ولايته؛ أما عبدربه فكان مستقيلاً، وكانت ولايته قد انتهت، رئيساً باقياً ومقبولاً ومنتخباً، وقبل أن يشترك مع دولة معينة في الحرب، ولا تكون هذه الحرب على بلده؛ أما على بلده فغير وارد يعني، حتى الإجراءات الشكلية لن تفيد أبداً، ويقدم طلبه إلى مجلس النواب، وقبل أن يكون هناك أي طلقة واحدة، أو أي تحرك عسكري واحد، يكون مجلس النواب قد أقر ذلك، ثم يشارك البلد في حربٍ هنا أو هناك لا تكون على البلد، لا تكون لاحتلال الشعب والأرض، ومصادرة الحرية والاستقلال؛ أما مصادرة الحرية والاستقلال فحتى الإجراءات الشكلية لن تكسبها الشرعية، لن تكسبها الشرعية أبداً، ولا يمكن أن تعطيها الشرعية نهائياً.
ليس هناك من يدفع عنا العدوان سوى الصمود
فنحن نقول: صمودنا- كشعبٍ يمني- وتصدينا لهذا العدوان هو موقفٌ صحيحٌ، مسؤولٌ، أخلاقيٌ، دينيٌ، إنسانيٌ، وطنيٌ، وهو واجب ولا بديل عنه، لو جئنا لننتظر أي جهة دولية هنا أوهناك لتدفع عنا هذا العدوان، ولتوقف عنا هذا العدوان، ولتحفظ لنا- كشعبٍ يمنيٍ- حريتنا وكرامتنا واستقلالنا، هل هناك أحد سيفعل لنا ذلك، مَن؟ أمريكا! أمريكا هي الشر، هي الخطر على العالم بكله، الكل يصيح منها، من غطرستها، من جرائمها، من وحشيتها، من مؤامراتها، من مكائدها، من نزعتها التسلطية، من طبيعتها الاستعمارية، من سلوكها الاستعماري. مَن؟ إسرائيل! هي العدو. مَن؟ جامعة الدول العربية! أصبحت اليوم جامعة الدول العبرية، أصبحت تتحرك فيما هو لخدمة إسرائيل ومن يوالي إسرائيل، وقل لي قل لي ما فعلته هذه الجامعة للشعب الفلسطيني على مدى كل هذه العقود من الزمن؟! قل لي من هو الشعب العربي الذي أنقذته هذه الجامعة، ودفعت عنه العدوان، وضمنت له حريته واستقلاله، ودفعت عنه الشر والخطر؟! قل لي حتى أين هو دورها الإيجابي في معالجة هذه الفجوة التي تكبر يوماً بعد يوم في واقع شعوبنا وبلداننا العربية؟! قل لي أين هو موقفها الصادق والفعلي في التصدي للقوى التكفيرية التي تعبث بالأمن والاستقرار في كل شعوب المنطقة، وفي كل بلدان المنطقة، بما فيها مِصر التي تعاني معاناة كبيرة من القوى التكفيرية وجرائمها بحق المسلمين في مصر، وبحق المسيحيين في مصر، وبأهداف خطيرة، بأهداف خطيرة جدًّا؟! لا شيء، هذه الجامعة لا يعوَّل عليها، ولا ينتظر منها الخير أبداً، مَنْ؟ من يمكن أن ننتظره هنا أو هناك، روسيا أو الصين؟! دول تشتغل ضمن مصالح لها، وضمن سياسات معينة لها هي المعيار الأساس التي تنطلق على ضوئها لاتخاذ موقفٍ هنا، أو اتخاذ موقفٍ هناك، اليمن ليس في حساباتها هذه.
على كُلٍ نحن كشعب يمني المسؤولون أمام الله، وأمام أنفسنا، وأمام أجيالنا اللاحقة، المسؤولون عن التصدي لهذا العدوان، وهذا الذي يفيدنا، وهذا الذي أفادنا حتى اليوم، صمودنا الذي نعتمد فيه على إيماننا بالله، على هذا الإيمان، على (الإيمان يمان)، الإيمان في مبادئه التي علمتنا وثقفتنا وربتنا تربيةً على أن لا نقبل بالعبودية لغير الله -سبحانه وتعالى- أن لا نكون عبيداً إلَّا لله، أن نكون أحراراً تجاه كل الطواغيت والظالمين والمجرمين والمستكبرين، هذه المبادئ الإيمانية التي علمتنا أن نتحرك بهذه الحرية؛ لنضمن استقلالنا المشروع لنا بكل الاعتبارات، حتى بحسب القانون الدولي، ثم هذا الإيمان الذي ربَّانا على العزة والإباء، الإباء للذل والضيم والهوان والقهر، الإباء لحالة الإذلال والامتهان، هذا الإيمان الذي يوجب علينا- في شريعة الله وحكمه- أن نقاتل من يعتدي علينا ويبغي علينا، وأتى لاحتلالنا والسيطرة علينا إنساناً وأرضاً، هذا الإيمان الذي تعلمنا فيه أن نتوكل على الله، وأن نثق بالله وبنصره، وأن نعتمد عليه، وأن نطمئن إلى وعده بالنصر لعباده إذا استجابوا لتوجيهاته، وتحركوا وفق إرشاداته، هذا الإيمان الذي هو صلةٌ بيننا وبين الله للحصول على رعايته ومعونته وتأييده ورحمته، بالسكينة التي ينزلها في قلوب المرابطين في الميدان، بالتأييد بالنصر، بالمعونة، بالتوفيق، بالهداية… فهذا هو منطلقنا الصحيح.
ثمرة الصمود والتصدي للعدوان
وثمرة هذا الصمود كان هناك نكاية كبيرة بالعدو، ودفع الثمن في عدوانه علينا، خسائره باهظة، كلفة عدوانه علينا فظيعة جدًّا، المحصلة خلال الأربع السنوات كبيرة جدًّا: على المستوى العسكري نكاية كبيرة بهذا العدو، وخسائر فادحة في قوته البشرية، في معداته، خسائر باهظة في معداته العسكرية بكل أصنافها وأنواعها. على مستوى وضعه الاقتصادي دخل النظام السعودي والنظام الإماراتي، كلٌ منهما دخل مرحلة الأزمات، وباتوا في وضع مختلف عن الماضي كلياً على المستوى الاقتصادي، وأصبحوا يعيشون التحديات الكبيرة، والتفاصيل حول هذا الموضوع تطول وكثيرة.
هذا الصمود له ثمرته الكبيرة في أن نكون في الموقف اللائق بنا، أن نجسد حريتنا بالفعل، بالموقف، بالتصرف، بالقرار، واستقلالنا كذلك، وعزتنا كذلك، وكرامتنا كذلك. هذا الصمود له ثمرته أن العدو بكل ما امتلكه من: إمكانات، وقدرات، وغطاء سياسي دولي، وتعاون كبير من قوى مختلفة ومتنوعة، واسهامات كثيرة تساعده على حسم معركته للسيطرة التامة على هذا البلد؛ فشل حتى هذا اليوم، ولم ينجح في ذلك، وكان النجاح العظيم لشعبنا العزيز في صموده أنه لحد اليوم، بالرغم من كل الظروف الصعبة، والمعاناة الكبيرة، والتضحيات الجسيمة، إلَّا أنه حتى اليوم احتفظ بالعمق الجغرافي، والنواة الصلبة والرئيسية على مستوى البشر، وعلى مستوى الجغرافيا حافظ عليها، وبقيت متماسكة، وبقيت تشكِّل هي النواة الصلبة التي يمكن التحرك منها لاستعادة كل ما قد احتله العدو من الأرض، وطرد هذا العدو من حيث قد توغل في أجزاء من البلاد، لا يزال العمق الجغرافي في هذه المحافظات الحرة لا يزال هو النواة الصلبة، حتى على المستوى التاريخي، لاستعادة أطراف هذا البلد في الساحل، أو في المحافظات الجنوبية، في الصحراء، أو في الحدود، ولا تزال الكتلة البشرية الكبيرة: سواءً المتواجدة من الأساس، أو من قد نزحوا إلى هذه الجغرافيا الحرة في عمق هذا البلد، لا تزال هي على توجهها الصحيح، وانطلاقتها الجادة، ووعيها الكبير، وحماسها العظيم، واستشعارها العالي للمسؤولية موجودة، متماسكة بكل ما يعنيه هذا التماسك كقبائل، وكمناطق، وكمحافظات، وكجماهير أثبتوا هذا التماسك، أثبتوا هذه الجدية، أثبتوا هذا التوجه بحضورهم الدائم والمستمر، ودعمهم المتواصل في جبهات القتال، وفي المظاهرات والمسيرات والفعاليات والمناسبات، وفي قوافل الشهداء اليومية التي تأتي، ويودعها الأهالي، بدءًا من أسر الشهداء وسائر الأهالي في القرية، أو في الحي، أو في الحارة، وكلهم كتلة متوقدة من الحماس، والاستشعار العالي للمسؤولية، والتعبير عن الإرادة الصلبة والقوية والجادة.
هذا هو اليمن.. صمود على كل المستويات
هذا هو اليمن، وهذا هو الصمود لهذا الشعب العزيز، ترى هذا الصمود في قوافل الشهداء اليومية، وفي مراسم التشييع لها، وتراه في الجبهات: في الاقتحامات، في الاغارات، فيمن يحمل البندقية ويقتحم على دبابة الإبرامز، ويوجه بندقيته إلى مدفعها، في الموقف البطولي العظيم لأولئك الأبطال- من مختلف المناطق ومختلف القبائل- وهم يصعدون فوق الدبابات وفوق المدرعات العسكرية ويدوسونها بأحذيتهم ونعالهم، ويرفعون أيديهم بهتاف الحرية، يهتفون به بقبضاتهم وهم يحملون البنادق، بالولاعة التي دخلت لأول مرة كسلاح فعَّال، وفي أول تاريخٍ للمعارك، وفي أول ميدانٍ للحروب، دخلت الولاعة- وما أدراك ما الولاعة- لتكون هي السلاح المتواضع، البسيط الكلفة والثمن والفعَّال، الذي يحرق تلك العربة المتطورة التي جلبت هي وأمثالها بملايين الدولارات، لا يزال هذا الشعب يعبر عن صموده الإيماني في كل المجالات:
في صموده في الجبهة الاقتصادية، على الجوع حتى يوم وصل الجلد على العظم بقيت الإرادة، بقي الصمود مع العظم، بقيت قوة الإرادة مع العظم، حتى يوم اقتات البعض من الأشجار؛ لأنهم لم تتوفر لهم حتى وجبة الغذاء، كانت الإرادة باقية، وكان القرار بالصمود باقياً.
مع حجم المأساة على المستوى الصحي، والكارثة الصحية بانتشار الأوبئة التي هي نتيجة لهذا العدوان؛ بقي القرار لدى الجميع هو القرار، هو الصمود والتصدي لهذا العدوان، وبقي المعنيون في الجبهة الاقتصادية من مسؤولين، ومن تجار… ومن مختلف أبناء هذا الشعب، يتحركون، ويكافحون، ويناضلون، ويجاهدون، ويضحون في سبيل التماسك الاقتصادي، وكم تمكن شعبنا من إسقاط مؤامرات خطيرة جدًّا في هذا الجانب، كانوا يريدون لشعبنا أن يصل إلى الانهيار الاقتصادي التام.
يتجلى صمود شعبنا العزيز أيضاً في تماسك الدولة، الدولة التي كان العدو يريد لها أن تنهار بالكامل؛ فلا يبقى أي مؤسسة حكومية: لا وزارة، ولا مؤسسة، ولا أمن، ولا دفاع… ولا أي شيء، وأن تنهار انهياراً كلياً، بالمؤامرة على المرتبات… والمؤامرات المتنوعة، والشغل الذي هو مستمرٌ- ولكنه إن شاء الله سينتهي- داخل هذه المؤسسات من كل أيادي الخيانة، من كل العملاء والجواسيس الذين همهم الدائم: إفشال هذه المؤسسات، نشر الفساد في هذه المؤسسات، التعطيل لدور هذه المؤسسات، يشتغلون فيها وينخرون فيها كما السُّوس في الشجرة وفي السن، ولكن يفشلون، المضادات الحيوية القادمة قوية لتطهير مؤسسات الدولة بإذن الله، كل البرامج- إن شاء الله- القادمة ستهدف إلى تطهير هذه المؤسسات، وإعطائها الحيوية اللازمة للقيام بواجباتها في هذا البلد؛ تماسكت الدولة، وبقي كيانها، ولو أنه مثقل، مثقل بخيانة الخونة، بعبث الفاسدين، بالسياسات التدميرية والهدَّامة على مدى عقودٍ من الزمن، بالمشاكل والأزمات المتنوعة خلال كل المرحلة الماضية، ولكنه باقٍ، ينهض، يتعافى يوماً إثر يوم، يقوى عوده ويشتد يوماً إثر يوم، ودوره المستقبلي- إن شاء الله- واعدٌ وناجحٌ بإذن الله -سبحانه وتعالى-.
في كل جولات الحوار كنا منصفين وأقمنا الحجة على الجميع
نحن في كل المرحلة هذه: صمودنا هذا هو الذي أبقى لنا كل هذه العوامل، وكل هذه الأرضية الصلبة المتماسكة التي ينبغي الحفاظ عليها، والانطلاقة منها في العام الخامس، مع ذلك كان المسار التفاوضي خلال كل المرحلة الماضية قائماً، وكنا في كل جولة من جولات الحوار نقيم الحجة على الأعداء بكلهم، على الخونة والعملاء، وعلى الأطراف التي تقف فوقهم، وليس فقط من خلفهم، فوقهم، فوقهم حتى بالأحذية، أقمنا الحجة على الجميع، كنا منصفين في كل الجولات الماضية، قدمنا التنازلات إلى حدٍ ما، إلى الحد الذي لا نفرِّط فيه باستقلال شعبنا، ولا بمستقبله، ولا ببلدنا، ولكن إلى حد اليوم كان الطرف الآخر بعد إقامة الحجة عليه: إما يتهرب من الاتفاق على أمور مهمة جدًّا كالإطار السياسي، وإما يتنصل عمَّا قد تم الاتفاق عليه، كما حصل في عدة مرات فيما يتعلق بالاتفاقيات بشأن الأسرى، وكما حصل مؤخراً في اتفاقيات السويد بشأن الحديدة، وكما حصل أيضاً في تنصله تجاه بعض التفاهمات الأولية فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي.
الوحشية والجرائم اليومية التي يرتكبها الأعداء بحق شعبنا في عدوانهم عليه، والتهرب من الاتفاق وفق أسس صحيحة، وسليمة، ومنطقية، ومنصفة، والتنصل عمَّا تم الاتفاق عليه؛ يكشف حقيقة تحالف العدوان، وأن هدفهم الرئيسي من هذا العدوان هو الاحتلال والسيطرة التامة على هذا البلد، ومسعاهم الدائم هو هذا، هم يحرصون أن تكون المفاوضات وسيلة لهذا، فإذا لم يتحقق؛ يفشلونها، وهم يسعون من خلال عدوانهم العسكري، وحصارهم الاقتصادي… ومؤامراتهم بكل أشكالها لتحقيق هذا الهدف.
الحديدة وجوهر اتفاق السويد
في الأخير اتفاق السويد بشأن الحديدة كان اتفاقاً واضحاً، لم يكن أبداً على نحو ما حرصوا هم أن يقدموا عنه: [أنه اتفاق ضبابي وغير واضح]. واضح، دور رقابي للأمم المتحدة في الموانئ، يبنى على هذا الدور إخلاء للحالة العسكرية من الطرفين، وفق جدول زمني محدد، ويتزامن مع هذا انتشار أمني، وتفعيل لدور السلطة المحلية في إطار صنعاء، هذا هو لبّ وجوهر الاتفاق، إذا أتى طرف معين ليقول: [|لا|، الاتفاق هو أن يكون دور رقابي للأمم المتحدة]، ثم ماذا؟ ثم تسليم للمنطقة إلى الخونة والعملاء، أو إلى الإمارات، أو إلى السعودية، أو لبريطانيا، أو لأمريكا؟ |لا|، ليس الاتفاق كذلك.
نحن نقول: إن وجود عنصر رئيسي في الاتفاق هو: الدور الرقابي للأمم المتحدة في الميناء يشهد على طبيعة هذا الاتفاق، وعلى أن الحديدة ستبقى في وضعها الأمني والإداري تابعة للدولة في صنعاء، وإلَّا فلماذا وجود هذه الرقابة وهذا الدور الرقابي للأمم المتحدة؟ لو كانت المسألة مبنية على أن الوضع الإداري والأمني في المحافظة سيكون لبريطانيا، أو لأمريكا، أو لإسرائيل، أو للسعودية، أو للإمارات… أو لأي دولة من هذا العالم، أو لأي طرف من هنا أو هناك من أصقاع الأرض، أو للخونة في إطار البريطاني أو الإماراتي أو غيره؛ لَمَا كان هناك دور رقابي، لماذا؟ هل هم يفرضون دوراً رقابياً للأمم المتحدة على السعودية أو الإمارات؟ |لا|، هم يفتحون لها كل شيء، ويدعمونها بكل شيء، ما هناك أبداً توجه لا من جانبنا، ولا بني الاتفاق على أن يكون دور رقابي، ثم دور إداري لطرف آخر، أو دور أمني لطرف آخر، الدور الرقابي هو يشهد على حقيقة هذا الاتفاق، والمسألة واضحة، إنما يريدون التلبيس عليها؛ للتبرير لتنصلهم عن هذا الاتفاق، ونحن ننصحهم بالمضي قدماً في تنفيذ هذا الاتفاق، كما ننبه شعبنا العزيز، وننبه الجيش واللجان الشعبية أن يكونوا حذرين ومتوقعين لأي خيانة وغدر من جانبهم.
خلال المرحلة الماضية كلها لم يتوقفوا عن الخروقات الجسيمة، الجسيمة، لم يكفوا عن حصارهم لمدينة الدريهمي، والحصار لأهلها لأشهر طويلة، ومنع دخول الغذاء إليهم والدواء، حتى عبر الأمم المتحدة، وبقيت الأمم المتحدة صامتة عن هذا الحصار الجائر واللاإنساني واللاأخلاقي.
نحن جاهزون لتنفيذ الاتفاق الحقيقي
نحن جاهزون لتنفيذ الاتفاق، كررنا ذلك مراراً وتكراراً، لكن الاتفاق بحقيقته، ليترك أولئك التلبيس المتعمَّد، وليأتوا إلى تنفيذ الاتفاق، ونحن ننبه على أهمية الحيطة والحذر من أي خطوات قد يقدمون عليها للتصعيد العسكري، ونحذرهم في نفس الوقت؛ لأن التصعيد العسكري لن تبقى فقط نتائجه على محافظة الحديدة، بل ستمتد إلى عمق تلك الدول التي تشرف وترعى هذا العدوان، وتنفِّذ هذا العدوان.
أيضاً نحن ننبه على أن الاتفاق فيما يتعلق بالحديدة كان ضمن الملف الإنساني، ولم يكن ضمن الملف السياسي، فلماذا يريدون تسييس هذا الملف؟
في بقية المواضيع أقمنا عليهم الحجة، وكنا جاهزين، هم من تهرَّبوا في الملف الاقتصادي، وتهرَّبوا حتى من تحييده عن الصراع، بما يشهد على إجرامهم ووحشيتهم، وأنهم وراء ظلم هذا الشعب، وراء قطع المرتبات، وراء التجويع لهذا الشعب، وراء كل المؤامرات على سعر العملة، على توفير الاحتياجات الضرورية لهذا الشعب، هذا يكشف عن إجرامهم ووحشيتهم وهمجيتهم، فلا الخونة أولئك أمناء على شعبٍ يتآمرون عليه بكل أشكال المؤامرات، حتى على تجويعه، وحتى على معيشته ولقمته؛ وأما أولئك الذين هم من أطراف دولية وإقليمية: فهم أولئك الطامعون، والمجرمون، والوحشيون، وأصحاب المناشير والقنابل والصواريخ التي يستهدفون بها الأطفال والنساء… وغير ذلك.
الصمود والثبات أبرز عامل لنجاح الاتفاقيات
فالمسار التفاوضي كان منذ البداية حاضراً، ونحن اليوم حاضرون فيه، ولكني أقول لشعبنا العزيز ونحن على أعتاب العام الخامس: قادمون في العام الخامس ويجب أن نحرص على تعزيز كل عوامل الصمود، هذا الذي يفيدنا، هذا الذي- في الأخير حتى- سيجعل أي اتفاقيات تنجح، وأي مفاوضات تصل إلى نتيجة، الصمود والثبات، وتعزيز هذا الصمود بكل ما يساهم في تعزيزه، في فاعليته، في أدائه القوي، هذا هو الذي نحتاجه للعام القادم، الاستمرار في الزخم الشعبي لدعم الجبهات بالمال والرجال من خلال التجنيد في الداخلية والدفاع، الاستمرار في النشاط التعبوي من الجبهة العلمائية والثقافية بكل من ينتسبون إليها، وبكل من يمتلكون القدرة في هذا المجال؛ لمواجهة الحملات التضليلية والإعلامية المعادية، الهادفة إلى التأثير على الناس في وعيهم تجاه هذا العدوان، وفي صمودهم، في قرارهم، في وعيهم، في إبائهم، في عزتهم.
العناية أيضاً بمؤسسات الدولة، هناك خطوات بدأت، وهي خطوات جيدة، لكن حجم الخلل كان كبيراً، ويحتاج إلى خطوات إثر خطوات إثر خطوات حتى- إن شاء الله- يتحسن الأداء، الرؤية الوطنية التي ستبنى- إن شاء الله- على أساسٍ من هوية شعبنا الإسلامية والإيمانية، والتي ستعتمد على التطوير بما لا يخالف أحكام شريعته الإسلامية، والاستفادة أيضاً من وسائل العصر وتقنياته، في ظل هذه الثوابت والاعتبارات هي- إن شاء الله- ستكون مظلة لتصحيح وضع مؤسسات الدولة، وتنظيفها، وتنقيتها، وتطويرها، وإصلاحها، على مستوى القضاء، على مستوى الأجهزة الأمنية، على مستوى المؤسسات ذات الطابع والمسؤولية الاقتصادية، على مستوى المؤسسات والوزارات ذات الطابع التعليمي… وهكذا مختلف المجالات، نأمل- إن شاء الله- خطوات متقدمة في هذا المجال في العام الخامس.
تطوير قدراتنا العسكرية للدفاع لا للعدوان
فيما يتعلق بتطوير القدرات العسكرية: هذه هي المعجزة، المعجزة، وهي الثمرة العظيمة لهذا الصمود العظيم، نحن نقول: سيندم أعدائنا إن شاء الله، سيندمون وسيعرفون- مستقبلاً- أن عدوانهم أسهم في أن نتحول إلى بلد يطور وينتج القدرات العسكرية، ليتبوأ مقعداً له- إن شاء الله- وموقعاً متقدماً في المنطقة في هذا المجال.
بالفعل بلدنا اليوم في هذا المجال ينتج، ويصنع، ويمتلك تقنيات وقدرات لا تتوفر لدى السعودي بكل ثروته وملياراته وأمواله ونفطه، وكميات الرز الهائلة التي يدَّخرها في مخازنه ومتاجره، ولا تتوفر لدى الإماراتي، ولا تتوفر لدى كثير من الدول، نمتلك من التقنيات والقدرات الشيء المهم- إن شاء الله- الذي يساعدنا في الحاضر والمستقبل على الدفاع عن بلدنا، وعن حريتنا، وعن كرامتنا، وعن استقلالنا، نحن لسنا عدوانيين، لا نريد الاعتداء على أي بلد عربي، وليست مشكلة الآخرين معنا هي مخاوفهم على أمنهم من جانبنا، لا السعودي، ولا الإماراتي… ولا على أي بلد في المنطقة، سقفهم لم يكن سقف أمن وأمان وحسن جوار، وعلاقات قائمة على الاحترام المتبادل، سقفهم كان سقف سيطرة، إذلال، قهر، إهانة، احتلال، استعباد، وهذه هي مشكلتهم معنا، نحن قلنا: هذا هو المستحيل، تريدون علاقة قائمة على حسن الجوار، على الاحترام المتبادل، على الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية، على الأمن والأمان المتبادل؛ حاضرون ومستعدون، تريدون أن يكون اليمن بكله، وهذا الشعب بكله برصيده التاريخي، بهويته الإيمانية، بشرفه، بقبائله الحرة والعزيزة، بمكوناته بكل أنواعها مجرد خول وعبيد وخدم لديكم تحت أقدامكم وأحذيتكم؛ هذا أبعد من عين الشمس، كم المسافة ما بين الأرض وبين الشمس؟ أليست مسافة بعيـــــــدة جدًّا، مليارات الكيلوهات، هذا أبعد، أبعد عليكم من عين الشمس، نحن شعبٌ بهويتنا، بإيماننا، بفطرتنا، بتاريخنا نأبى الذل، نأبى العبودية لغير الله، نصرّ وسنضل نصرّ على أن نكون شعباً حراً مستقلاً عزيزاً كريماً، وهذا حق لنا، حق شرعاً وقانوناً، وبكل الأعراف الدولية والبشرية حق طبيعي، من يريد أن يسلب منا هذا الحق؛ نسلب منه- بعون الله- حياته، وروحه، وقوته، وإمكانياته؛ ويفشل، ويخسأ، ويكون ما يكسبه هو الخسران.
فالعام الخامس هو عام المزيد والمزيد فيه من تطوير القدرات العسكرية، لا نحتاج إلى شرح فاعلية هذه القدرات؛ أثبتت بالفعل أهميتها وفاعليتها، ولكن ما هو في القادم هو- إن شاء الله- أكبر وأعظم، ونترك ذلك للتطبيق والنتيجة الفعلية كما في العام الماضي.
ليكن العام الخامس عام التكافل والاهتمام بأداء الزكاة
أيضاً في العام القادم من المهم جدًّا العناية بالتكافل الاجتماعي والإنساني، والعناية بالزكاة، أنشأت هيأت الزكاة، وإن شاء الله سيكون لها دور فاعل في المستقبل، ودوراً إيجابياً ومهماً في مكافحة الفقر، في الاهتمام الإنساني بالبؤساء والفقراء والمعانين الجائعين والمحرومين، أداء الزكاة فرض وركن من أركان الإسلام، ومن أهم فرائض الدين، من المهم التعاون مع هذه الهيئة الرسمية التي عليها مسؤولون أكفَّاء وأمناء بما تعنيه الكلمة، ويتحركون باستشعار للمسؤولية الدينية، وبروحية إنسانية عالية، يجب التعاون مع هذه المؤسسة، هي- إن شاء الله- قادمة في هذا العام على أداء دور كبير، وأكبر- إن شاء الله- من أي مؤسسة أخرى من ذات الطابع الاستغلالي الذي يأتي لأهداف ومآرب أخرى، التعاون من التجار بالزكاة، التعاون من المواطنين بالزكاة، وأداء هذه الفريضة سيسهم- إلى حدٍ كبير- في معالجة الفقر، وهو- في نفس الوقت- أداء لواجب ديني، يترتب عليه خير وبركات ورحمة من الله -سبحانه وتعالى- ويترتب على الإخلال به نزع للبركة، جدب، شدائد… خسائر كبيرة، فالخير هو في إخراج الزكاة إلى هذه الهيئة والمؤسسة، والاهتمام بفئة الفقراء والمحتاجين وأسر الشهداء.
إن شاء الله وبإذن الله سيكون هذا العام الخامس الذي نحن قادمون عليه عاماً متميزاً- بعون الله -سبحانه وتعالى– بالمزيد من الانتصارات والصمود والثبات والتماسك، وأيضاً العناية فيه بتحصين الساحة الداخلية، تحصين لها من الاختراق الإعلامي، والتأثير التضليلي من كل فئات الدجل والكذب والافتراء والتضليل، والحماية أيضاً لهذه الساحة من المشاكل الداخلية التي تغذيها أطراف على علاقة بقوى العدوان: سواءً مشاكل بين القبائل، أو نزاعات على الأراضي، أو مشاجرات وخصومات، أو مشاكل ثأر… أو غير ذلك. التحصين من خلال النشاط التوعوي، والتحصين بإنزال وتفعيل دور الوثيقة القبلية برعاية رسمية، هذا سيساهم في تحصين الساحة الداخلية بإذن الله.
لهذه المسارات وهذه الاهتمامات مع استمرار المسار التفاوضي– إن تعقل الأعداء- سيوصلنا بإذن الله، بالتوكل على الله، بالاعتماد على الله، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق: من الآية3]، بالإيمان بالله -سبحانه وتعالى- {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية47]، بالقيام بالمسؤولية والنهوض بالواجب يوصلنا إلى ما وعدنا الله به، وهو الذي لا يخلف وعده، إلى النصر، إلى العزة، إلى الكرامة.
في نهاية المطاف نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرحم شهداءنا الأبرار، أن يفرِّج عن أسرانا، وأن يشفي جرحانا، وأن يعافي مرضانا، وأن ينصرنا بنصره إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛