المحاضرة الرمضانية الثانية عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 13 رمضان 1444هـ
المحاضرة الرمضانية الثانية عشر للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”
الثلاثاء 13/رمضان/1444هـ – 4/أبريل/2023م
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
في سياق الحديث عن خطر الشيطان، وسعيه للتأثير على الإنسان، وعدائه الشديد للإنسان، وما تحدث عنه القرآن الكريم فيما يتعلق بذلك، تحدثنا عن بعض النقاط فيما يتعلق بهذا الموضوع، وكان من آخرها في محاضرة الأمس: الحديث عن اتساع نشاطه عبر ذريته، وعبر قبيله، وعبر جنوده وأعوانه، وأنه لم يعد يتحرك بمفرده في الاستهداف للإنسان، بهدف إغوائه وإضلاله، وتوريطه في المعاصي والجرائم والموبقات، بل يتحرك من خلال شبكاتٍ واسعة، بما في ذلك متخصصون من الجن، من شياطين الجن، متخصصون بحسب المجالات:
- من يتخصص لإثارة الشر والفتن بين بني آدم.
- من يتخصص فيما يتعلق بالفساد الأخلاقي.
- من يتخصص فيما يتعلق بالإضلال الثقافي والفكري.
وهكذا، من يتخصص في المجالات الأخرى، بحسب مجالات الحياة.
دائرة الاتساع للنشاط الشيطاني، اتجهت في وسط الإنس، بحيث تَشَيْطَنَ البعضُ من الإنس، تحولوا إلى شياطين، وهذه حالةٌ مستمرةٌ في واقع البشر عبر الأجيال، أنَّ منهم من يتحول إلى شيطان تمامًا، ولو أنه من الإنس، هو شيطانٌ في صورة إنسان، وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم في آيات كثيرة، وموارد متعددة، منها قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ}[الأنعام: 112-113].
في هذه الآية المباركة، يبين الله لنا أن أعداء الأنبياء، الذين حاربوا الأنبياء، حاربوا الرسالة الإلهية، في كل ما تدعو إليه: من الاستقامة، من الصلاح، من الزكاء، من الخير، من المعروف، من الطاعة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما تُحذر منه: من الفحشاء، والمنكرات، والفساد، والبغي، والظلم، والعدوان، وبقيت المنكرات، مَن تصدوا لمحاربتها هم من؟ شياطين، شياطين من الجن ومن الإنس، يتعاونون في أداء مهمتهم في المحاربة للرسالة الإلهية، والسعي لإعاقة انتشارها في أوساط الناس، والسعي لإبعاد الناس، عن الاستجابة لها، الاستجابة للرسالة الإلهية، والاستجابة للرسل والأنبياء، بشكلٍ عام، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ}، فما من نبيٍّ إلَّا وواجهه أعداء، وواجه مساعيه لهداية الناس، لإصلاحهم، للإنقاذ لهم، للسعي بهم نحو الفلاح، نحو الخير، نحو ما يرضي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفيه عاقبتهم الحسنة: الفوز بالجنة، والنجاة من النار، فالأعداء لهم- من شياطين الإنس والجن- يُغيظهم ذلك، فالشيطان يُغيظه أي نشاط لإنقاذ الناس منه، لحماية الناس من تأثيره، للحفاظ على الناس، والدفع بهم نحو ما فيه نجاتهم، ما فيه فوزهم وفلاحهم، ما فيه خلاصهم، من الشقاء والضلال، والعذاب الأبدي، هو يريد أن يعمل في وضعٍ بدون تعقيدات، بدون إعاقة، ألَّا يكون هناك ما يؤثر على نشاطه الشيطاني، في الإغواء، في الإضلال، في الإفساد، في الاتجاه بالناس نحو هلاكهم وشقائهم وعذابهم.
عمل الأنبياء، والعمل الذي هو امتدادٌ له، للسعي لهداية الناس، والإنقاذ لهم، والسعي للدفع بهم نحو فلاحهم، ونجاتهم، وفوزهم، وما يحقق لهم الفوز العظيم في الآخرة، هو عملٌ يُغيظ الشيطان، يُقلقه، يزعجه، يرى أنه يُفشل عليه مهمته، أنه يَحُدّ من تأثيره؛ لأنه حريصٌ على أن يهلك أكبر قدر ممكن من الناس، وفي قَسَمِه، أقسم: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص: 82-83]، استثناء القِلَّة القليلة جدًّا، ممن يدرك أنه لا يستطيع أن يؤثر عليهم أبدًا، وأن يجرّهم إلى الهلاك والضلال، والعصيان لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أبدًا، قال: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ}[الإسراء: 62]، يعني ذرية آدم، {إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: من الآية62]، فهو يسعى لهلاك الأغلبية الساحقة من البشر، ولا يستثني إلا من يعجز فيه، من يعجز عنه، من يعجز عن التأثير عليه؛ ولذلك هو يقلق من مساعي الأنبياء، وأي عمل هو في إطار وفي سياق عملهم لهداية الناس، هو امتداد لعملهم، امتداد لهداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وكتابه، وكتبه إلى عباده، في السعي لإنقاذهم، والعمل على نجاتهم، ولذلك يعادون الأنبياء، يعادون أولياء الله، ويغتاظون منهم، ويقلقون منهم، في الآثار، في الأخبار وفي الروايات ما يُفيد الكثير من التفاصيل المتعلقة بذلك.
في الرواية: أنه لما بُعِثَ رسول الله محمد “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” قلق الشيطان، عندما عرف بالمسألة، وحَزِن، حَزِن كثيرًا، وغاضه ذلك، وقلق من ذلك قلقًا كبيرًا، وَرَنَّ، يعني حُزن عبَّر عنه تعبيرًا معينًا، فلماذا؟ لأنه يرى أن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، في عمله لهداية البشر، في سعيه للإنقاذ لهم، وهو الذي قال له الله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: من الآية107] ، سيحد من تأثيره، في الوقت الذي كان الجو فيه، والوضع فيه بشكلٍ عام، قد تهيأ له كثيرًا- في زمن الجاهلية- للإغواء للمجتمع البشري، والإضلال له، والإفساد له، والإمعان في الاتجاه به نحو الهلاك، والإبعاد له بشكلٍ كبير- إلى درجة عجيبة- عن الهدى، وعن الحق، الإبعاد للناس، قد ضلوا ضلالًا بعيدا، فهم يتحركون سويًّا للتعاون، ما بين شياطين الإنس وشياطين الجن.
شيطان الجن- وفي المقدمة كبيرهم إبليس لعنه الله- لا يستطيع أن يمنع الرسل والأنبياء من الحركة، وسعيه في إعاقة نشاطهم وتأثيرهم في الناس هو من خلال الوسوسة للناس، ولذلك يشعر بالحاجة إلى أن يكون بينه تعاون وبين مَن يغويهم من البشر، إلى درجة أن يتحولوا إلى شياطين.
متى يتحول الإنسان إلى شيطان؟ الإنسان يتحول إلى شيطان عندما يفقد عناصر الخير في نفسه، يخسر زكاء نفسه، يبتعد بعدًا كبيرًا عن الخير والزكاء والصلاح، ويخبث، تخبث نفسه، يتراكم الخبث فيها، ويزداد، وتفسد نفسيته، حتى يتحول- هو- إلى عنصرٍ مُضِلٍّ، أو مُضِلٍّ ومفسد، يتحرك هو ليُفسد الآخرين، لم يعد شيطان الجن بحاجة إلى أن يؤثر عليه، ليدفع به نحو الفساد، أو ليدفع به نحو الضلال، هو- بنفسه- قد فسدت نفسه، وخبثت نفسه إلى حدٍ بعيد، وتحول هو بنفسه إلى السعي للإيقاع بالآخرين، لإفسادهم، لإضلالهم؛ أمَّا هو فقد أصبح فاسدًا بشكلٍ تام، خبيث النفس بشكلٍ تام، لم يعد الشيطان- الجني- بحاجة إلى أن يُتعب نفسه عليه، وأن يوسوس له، أصبح جاهزًا، يتجه تلقائيًا، بخبث نفسه، بفساد نفسه الرهيب، بموت ضميره، بالتأثيرات السيئة، التي قد طغت على تفكيره واتجاهاته، فهذه الحالة يتحول فيها الإنسان إلى شيطان، ويختلف الحال في أوساط الناس، بمستوى خبثهم، وبمستوى فسادهم، وبمستوى طاقاتهم وقدراتهم، التي يوظفونها في عملهم السيء لخدمة الشيطان، للإغواء، للإفساد، للإضلال؛ لأن الناس يتفاوتون، حتى في مستوى قدراتهم، وخبراتهم، ومستوى قدرتهم على التأثير في الآخرين، وطاقاتهم، وما يمتلكونه من مواهب وقدرات.
الإنسان الذي خبثت نفسه، وفسدت، ووصل إلى درجة أن يتحول إلى شيطان، يسعى هو دائمًا لإغواء الآخرين، أو لإفسادهم وإضلالهم، هو يوظف كل قدراته وطاقاته، وتأثيره، إذا كان صاحب نفوذ وتأثير في المجتمع، إذا كان في موقع وجاهة اجتماعية، أو في موقع مسؤولية معينة، أو في مستوى، أو في مجال معين، له فيه تأثير معين؛ فهو يوظف تأثيره ونفوذه في أداء تلك المهمة الشيطانية، في تلك الحالة يصبح بينهم تعاونٌ مشترك، ما بين شياطين الإنس وشياطين الجن، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}[الأنعام: من الآية112].
التعاون المشترك بين شياطين الإنس وشياطين الجن: هو تبادل الآراء، تبادل الخبرات، فيما يتعلق بالخطط، فيما يتعلق بالأفكار، فيما يتعلق بالمؤامرات، التي تُعتمد في الإغواء للآخرين، والتأثير على الآخرين.
والإنسان إذا وصل إلى درجة أن يتحول إلى شيطان- والعياذ بالله- يصبح مهيًّأ لتقبل الوساوس من شياطين الجن، والانسجام معها، والتحرك بها، فهو إلى جانب خبراته، ومهاراته، وقدراته، التي هو مستفيدٌ منها، أو هي متوفرةٌ، هي متوفرةٌ له كإنسان، يتلقى المزيد أيضًا من وساوس الجن، والذي عبَّر عنه القرآن الكريم بهذا التعبير: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ}، في ما يستطيع من خلاله أن يغوي به الآخرين، {زُخْرُفَ الْقَوْلِ}، القول المزخرف، المزين، الذي يخادع به الآخرين، الذي يؤثر به على الآخرين، الذي يصور لهم من خلاله أنه يدفع بهم إلى مصلحتهم، أو يغريهم من خلاله، بما تتفاعل معه شهواتهم ورغباتهم، فيتحركون على أساس ذلك.
من غير المستبعَد أيضًا أن بعض الشياطين من الإنس، يستفيد منه أيضًا بعض شياطين الجن؛ لأن بعض شياطين الإنس قد يكون أكثر مهارةً في الإغواء والإضلال، والتأثير السلبي، من بعض شياطين الجن، وخاصةً أن البعض من شياطين الإنس يكون له نفوذ في أوساط الناس، إمَّا بمنصب معين، أو بصفة معينة، أو بموقع معين، أو بأي شكلٍ من الأشكال؛ مما يساعده على التأثير أكثر، والبعض في مستوى ذكائه، في مستوى تجربته في الحياة، معايشته للناس، معرفته القوية بالمجتمع، معرفته ببيئته ومحيطه القريب منه، تساعده على أن يكون أكثر تأثيرًا في الإغواء والإضلال من الكثير من شياطين الجن، فيصبح هو أيضًا ممن يستفيد منه شياطين الجن، ومن تجربته، التي اتضح أثرها في الواقع، في أماكن أخرى، وفي مناطق أخرى، وتجاه أشخاص آخرين، وهم يسعون للإيقاع بذلك الإنسان، أو ذلك الإنسان، أو التأثير على ذلك الإنسان، وهكذا.
فنشاطهم أصبح نشاطًا مشتركًا، وأصبح بينهم هذا التعاون، الذي هو تبادل الآراء، تبادل الخبرات فيما يتعلق بالخطط، بالمؤامرات، من خلال الوساوس واكتساب المهارات من بعضهم البعض.
{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ}[الأنعام: الآية113]، تميل إليه أفئدة الذين لم يتحصنوا بالإيمان الصادق.
الإيمان بالآخرة، الإيمان الصادق الذي يجعلك تذعن لله، تتخلص- تمامًا- من كل المؤثرات النفسية، مؤثرات الهوى، التي تنحرف بك؛ لأن الشيطان يقوى تأثيره عليك عندما تميل أنت، عندما تتأثر أنت سلبًا، عندما تنحرف أنت يزيدك انحرافًا، عندما تتأثر تأثيرًا سيئًا يزيدُك، لكن عندما يكون إيمانك بالآخرة على النحو الذي يخضعك لله تمامًا، فوق كل أهواء نفسك، في الطموحات المعنوية، أو الطموحات المادية، أو أيٍّ من المؤثرات، تختلف أحوال الناس، البعض قد لا تؤثر فيهم الميول المادية والأطماع المادية، ولا حتى الشهوات المتعلقة- مثلًا- بالجوانب الأخلاقية، أو بالفساد الأخلاقي، أو بمتع الحياة من ذلك القبيل، ولكن هناك جوانب معنوية تؤثر فيهم، طموحات معنوية تؤثر فيهم، وتنحرف بهم، وفيهم عقدة الكبر، أو عقدة العُجب، أو عقدة الغرور، أو أي عوامل أخرى، تؤثر فيهم حتى مع احتفاظهم بالجانب الديني، في الشعائر الدينية، في طبيعة التوجهات الدينية، ولكن عنده مشكلة خطيرة جدًّا، والشيطان يهمّه أن تنحرف بأي شكلٍ كان:
- أردت أن تكون إنسانًا ماجنًا، تافهًا، فاسقًا، فاجرًا؛ هذا يعجبه.
- أردت أن تكون إنسانًا طماعًا، لاهثًا وراء المال بأي ثمن، بأي شكل، بأي طريقةٍ، بحرام، بمعاصي، بفساد، بظلم؛ هذا يعجبه.
- أردت أن تكون بشكل متدين، عندك عقدة العُجب والغرور والكِبر؛ هذا يعجبه.
المهم أن تنحرف، أن تكون وجهتك نحو جهنم، هذا هو المهم بالنسبة له.
والفئات التي يتجه بها نحو جهنم فئات متنوعة: من الكافرين، والمنافقين، والفاسقين، ومن البيئة الدينية، والبيئة غير الدينية، من المضلين، من شخصيات علمائية، من مُختلَف الناس، مختلف فئات المجتمع، يجمعهم جميعًا حالة انحراف- بشكل أو بآخر- عن منهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتأثُّر لأهواء أنفسهم، إيثارٌ، إيثارٌ لأهواء أنفسهم بشكلٍ أو بآخر، فهو يتجه بهم، وهم يتأثرون بما يقدمه الشياطين، يتأثرون من أعماق قلوبهم، ما يقدمه الشياطين لهم: هو يلامس ما في أهواء أنفسهم، مثل ما يُقال في التعبير المعاصر [يتناغمون معه]، ينسجمون معه، يرتاحون له، ويميلون إليه؛ فيتأثرون به، وينطلقون في واقعهم العملي على أساس ذلك، {وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ}، قبل ذلك: {وَلِيَرْضَوْهُ}، ينسجمون معه، ويرتاحون به، ويرتضونه، ويتفاعلون معه، يعتبرونه عين الصواب، ثم يتجهون عمليًا على ذلك الأساس، وهذه حالة خطيرةٌ جدًّا.
مع تحول البعض إلى شياطين، واتساع دائرة النشاط الشيطاني؛ ليكون له تشكيلات من الإنس، يتحركون وهم بصفة إنسان، وبصفات مختلفة في الواقع البشري، بحسب أدوارهم، مقاماتهم، مهامهم في الحياة، وهم يتحركون معه في ذلك، لكنه يسعى بشكلٍ عام إلى السيطرة- بشكلٍ عام- على بني آدم، إلا القليل، الذين استثناهم، وهو يدرك أنه لا سبيل له في السيطرة عليهم.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وهو يبين لنا هذا التوجه الحاقد جدًّا من جانب الشيطان، في سعيه على أن يسيطر على المجتمع البشري، ثم أن يحرِّك المجتمع البشري، بكل إمكاناتهم، وطاقاتهم، وقدراتهم، فيما فيه هلاكهم، وشقاؤهم، وخزيهم، وهوانهم، وعذابهم والعياذ بالله، يحكي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم موقف الشيطان، وغيظه، وحقده، وتوجهه ذلك: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا}[الإسراء: 62-65].
هو عبَّر في تعبيره: {لَأَحْتَنِكَنَّ}، بما يفيد السيطرة التامة والاستئصال لمجموعهم بالإغواء والإهلاك، والدفع بهم نحو الهلاك، {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}، هو يستثني؛ لأنه يعرف أنه لا سبيل له عليهم.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أجابه: {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}؛ لأنه لا يستطيع أن يسيطر بالقَسر والغلبة؛ إنما المشكلة، مشكلة الكثير من الناس أنهم يتبعونه، ولهذا قال: {فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ}، جهنم، العذاب الرهيب، {جَزَاءً مَوْفُورًا}، جزًاء كافيًا، جزاء رهيب جدًّا، والله غني، غنيٌ عن الناس، عن طاعتهم، عن عبادتهم.
{وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ}، استخف من استطعت منهم أن تستخفه، وأن تستجهله، وأن تدفع به- بإغوائك وإغرائك- نحو ذلك المصير المشؤوم، ذلك المصير السيء، نحو جهنم.
{وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ}، وظفّ كل قدراتك، كل ما تستطيعه في التأثير عليهم.
{وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}، الشيطان وهو يتجه بذلك المشروع الكبير: الإغواء للمجتمع البشري عبر الأجيال، مجتمعًا كبيرًا، المجتمع البشري مجتمع كبير، وهو يريد أن يغويه، أن يضله، هذا يحتاج إلى إمكانات ضخمة، العمل لإغواء وإفساد وإضلال مليارات البشر عبر الأجيال، ويحتاج إلى جهود، والدفع بهم إلى ممارسات أعمال هي معاصٍ، هي أعمال سيئة، هي أعمال لها تأثيرات سيئة عليهم في عاجل الدنيا، وعواقبها عليهم وخيمةٌ جدًّا في آجل الآخرة، كيف يقُوّي نشاطه ذلك؟ كيف يتحرك بهذا المستوى؟ هذا عمل يحتاج إلى تمويل، ويحتاج إلى جهود، ويحتاج إلى من يعمل معه من الكثير، بأعداد كثيرة، فكيف فعل؟
هو اتجه على أساس أن يُفِّعل دور البشر، الذين يسيطر عليهم ويؤثر فيهم، لا يحتاج إلى أن يخسر ولا فلسًا واحدًا من جانبه هو، لا يحتاج أن يتعب في سبيل الوصول إلى إمكانات مادية؛ ليؤثر عليهم، أو ليحرك أنشطته في واقعهم، لا يحتاج إلى أن يبذل جهده في أنشطة- مثلًا- استثمارية، أو كدّ وعناء وتعب ليجمع الأموال، في سبيل تنفيذ مشروعه ذلك، كذلك لا يحتاج إلى أن يعاني في مسألة توفير طاقات، وقدرات، وإمكانات، للتأثير في الأنشطة التثقيفية والتعليمية، فلن يحتاج هو إلى توفير جامعات متخصصة، أو نحوًا من ذلك، هو يتجه إلى بني آدم بأنفسهم؛ ليوظف كل طاقاتهم، كل قدراتهم، كل إمكاناتهم، فيما فيه هلاكهم، فيما فيه شقاؤهم، فيما فيه عذابهم، يجعلك أنت تقدم من مالك ما تشقى به، تشتري لك العذاب، تدفع فيما فيه هلاكك وعذابك والعياذ بالله، يجعل الكثير على المستوى الشخصي، أو دول، أو مؤسسات، أو جهات، تموّل هي بأموال ضخمة، وميزانيات ضخمة، ما يحتاج إلى تمويل من أعمال فاسدة، من أعمال مضلة، من أعمال مسيئة، من أعمال إجرامية متنوعة في كل مجالات الحياة.
أيضًا يدفع بالبشر إلى العمل في النشاط التجاري، النشاط الاقتصادي، في إطار المحرمات؛ لكسب المال بالطرق المحرمة، الاتِّجار بالربا، بالمخدرات، بالأعمال السيئة، بالعقود المحرمة، بالطريقة المحرمة، بالوسائل المحرمة، بالمواد المحرمة، وهكذا، أنشطة يشاركهم فيها، ويصبح شريكًا في تلك الأموال، يصبح شريكًا لدول، في ميزانيات ضخمة، لشركات، لمؤسسات، لأشخاص، لأشخاص من الأثرياء والأغنياء والفقراء، حتى في مالهم القليل، عندما يكون الإنسان الفقير يتجه هو ليُخصص مبلغًا من أمواله في الحرام، أو الفسق والفجور، أو في الفساد، أو في الظلم، أو في أي شيء من المحرمات، فهو اتجه على هذا الأساس.
وله أيضًا صوته المُفسد المُغوي، الذي يترك التأثير السيء، إمَّا في إفساد نفسيات الناس، مثل: الأغنية الماجنة المفسدة، مثل: صوت الضلال والباطل، الذي ينشط في الساحة البشرية، لإغواء الناس، وإضلالهم، والتأثير عليهم، وهكذا، النشاط الواسع من داخل الواقع البشري.
وهذه السيطرة خطيرة جدًّا على الناس، الذين يتجهون هم، بما يمكِّن الشيطان من التأثير عليهم، والسيطرة عليهم، وتسخير كل طاقاتهم، وإمكاناتهم، وقدراتهم المالية، وثروتهم المادية، لخدمته.
ثم الثروة البشرية، {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}، الثروة البشرية، كم يتجند له في كل المجالات: في أعمال الضلال، في أعمال الإثم والعدوان، في ارتكاب الجرائم؟ كم له من شبكات إجرامية، ممن يتحركون لنشر الجرائم؟ كم له من جنود، يتحركون بقدرات عسكرية؛ لقتل الناس ظلمًا، للاستحواذ عليهم، والإخضاع لهم للطاغوت والباطل، لمحاربة عباد الله المستضعفين وظلمهم، والاضطهاد لهم، وارتكاب أبشع الجرائم بحقهم؟ هي من المشاركة في الثروة البشرية.
فهو يتحرك بإمكاناتهم وقدراتهم البشرية والمادية، فيما فيه هلاكهم، وهو بذلك يسيطر عليهم، وسيطرة سيئة، الإنسان إذا أصبح خاضعًا لسيطرة الشيطان على نفسه، بنفسه هو، بتوجهه هو، فهو قد مكّن أسوأ وأحقد عدو من السيطرة على نفسه، وهي أسوأ حالة أن يكون الإنسان فيها عندما يكون تحت سيطرة الشيطان، شيءٌ مذلّ، ومخزٍ، ومُهين، أن يصل الإنسان إلى حالة أن يكون الشيطان مسيطرًا عليه، عدوك، الرجس، النجس، الخبيث، الفاسق، السيء، الذي هو رمزٌ للشر، رمزٌ للباطل، رمزٌ للضلال، رمزٌ للكفر، أن يكون مسيطرًا عليك، أن تخضع لتأثيره، أن تتجه حيث يريد منك أن تتجه، أن تفعل ما يريد منك أن تفعله، وكل ذلك خسرانٌ لك، شقاءٌ عليك، عذابٌ لك، حالة سيئة جدًّا!
ولهذا يصل الحال كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” مبينًا لنا في القرآن الكريم، فيما ينبهنا عليه في الدنيا، وفيما يحتج به علينا في الآخرة: {أَلَـمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يس: الآية60]، عندما تصبح متأثرًا بالشيطان، عندما تتحرك فيما يريد منك أن تتحرك فيه، عندما تُؤثِر طاعته فوق طاعة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تعصي الله وتطيع الشيطان، فالحالة نفسها أصبحت حالة عبادة للشيطان، عبادة للشيطان، {أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}، فأنت تعبد عدوك، عدوك الذي هو عدوٌ مبين، يسعى بك إلى الخسران، إلى الهلاك، إلى الشقاء، تعبد عدوك الذي هو سيءٌ جدًّا، ليس فيه ما يجذبك إليه، هو حاقدٌ عليك، هو يرتاح بأنك ستشقى، يرتاح بالإيقاع بك إلى ما فيه العذاب لك، الخسران لك، الهوان لك، يرتاح عندما ينجح؛ بسبب استجابتك أنت، بسبب ميلك أنت، واندفاعك أنت نحو الذي يريده منك، أنه يهبط بك، وينزل بك، مما كان الله قد كرمك به من إنسانيتك، من جانبٍ مهمٍ جدًّا: هو الجانب الإنساني والإيماني، الذي هيأ الله لك فيه سُلَّم الارتقاء أكثر؛ لتنطلق من واقع إنسانيَّتك نحو الإيمان، فترتقي أكثر وأكثر إلى مصافَّ أولياء الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولينصرف بك إلى نار جهنم، وينحرف بك عن الوجهة التي تصل بك إلى السعادة الأبدية، إلى رضوان والجنة، حالة رهيبة!
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف: من الآية50]، عندما توالي وتعبد من هو عدوٌ لك، وعدوٌ سيء، وعدوٌ حاقد، كل ما يهمه أن يسعى لهلاكك، لشقائك، لإهانتك، يدفع بك إلى الأعمال المهينة، التي تحط من قدرك، البعض من الناس قد يكون في واقعه يحظى بالشرف، بالكرامة، وهذا يغيض الشيطان من جانبه، هو يريد أن يهينك، يريد أن يشوهك، يريد أن يدفع بك إلى الأعمال السيئة، التي تخزيك، يريد أن يشقيك، إذا كنت في حياة مستقرة صالحة؛ لأنك مستقيمٌ فيها، يريد أن يدفع بك إلى أعمال سيئة، مخزية، هو عدو لك، هو يحاربك، الحالة التي يصل فيها الإنسان إلى الخضوع للشيطان هي حالة رهيبة جدًّا!
هو أيضًا يسيطر على البعض سيطرةً تامة، ومنهم فئة المنافقين، كما قال الله عنهم في القرآن الكريم: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المجادلة: الآية19]، الذين ينحرفون، إلى درجة أن يكون تحركهم ونشاطهم صدًّا عن سبيل الله، وصرفًا للناس عن التمسك بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعملًا لخدمة الباطل، يصبح هذا برنامج عمل لهم، يصبح مسيطرًا عليهم بشكلٍ تام، وهذا ما عبر عنه- فيما يتعلق بالمنافقين- بهذا التعبير: {اسْتَحْوَذَ}، بما تفيده هذه المفردة من سيطرة تامة عليهم، وتأثير كبير عليهم، {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ}.
والمنافقون هم فئة تنتمي للإسلام، ولكن في ولائها، وفي اهتماماتها وأنشطتها، تعمل لصالح أعداء الإسلام؛ ولذلك عندما يصبح برنامج العمل هو برنامج لخدمة أعداء الله، يعني: لخدمة الشيطان في نفس الوقت، أصبح عملًا يخدم الشيطان، ولسيطرته عليهم ينسيهم ذكر الله، فهم يفقدون التذكر لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في مقام عظمته، قدرته، تدبيره، حكمته، قوته، ينسون الله، يغفلون عن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيرون الأعداء كل شيء، ليس عندهم ثقة بالله، ولا أمل في نصر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيعتبرون أن الطريقة الصحيحة للحفاظ على مصالحهم وأنفسهم، وللسلامة من شر الأعداء، هو أن يعملوا لمصلحة الأعداء، فيتجهون على ذلك الأساس.
{أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، الشيطان هو أكبر خاسر، هو الخاسر الأكبر في الكائنات بكلها، ويخسر معه حزبه، وكل من يتجهون معه في طريقه، كل من يخضعون لتأثيره.
هو أيضًا فيما يتعلق بالكافرين، الذين أصبح توجههم في الحياة متباينًا تمامًا مع منهج الله، مع دين الله، مع هدي الله، وأصبحوا اتجاهًا مضادًّا، اتجاهًا معاكسًا، معناه: أنهم أصبحوا يعملون لمصلحة الشيطان، حتى ضد أنفسهم، وضد المجتمع البشري من حولهم، ولهذا يصبح ما هم فيه من الضلال، ما هم فيه من توجُّهٍ سيءٍ جدًّا، متضاد مع هدى الله، مع دين الله، مع أنبياء الله، مع رسل الله، حالة رهيبة جدًّا من الضلال يصلون فيها فيُخذلون، وتُسلَّط عليهم الشياطين.
الإنسان إذا ضل، إذا فسد، إذا انحرف انحرافًا تامًا، إذا عاند، عاند الله، عاند الحق؛ يصبح جزءًا من العقوبة له: أن يُخذل، وأن تُسلَّط عليه الشياطين، ولذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فيما يتعلق بالكافرين: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم: الآية83]، نتيجةً لكفرهم، وعنادهم، وتباينهم مع الحق، وإصرارهم على التوجه الباطل؛ يُخذلَون، وتُسلَّط عليهم الشياطين، ويُترك لها المجال في التأثير عليهم، في العمل للدفع بهم أكثر وأكثر نحو الضلال؛ بسبب ضلالهم هم، بسبب عنادهم هم، بسبب إصرارهم على توجههم المضاد لهدى الله، لدين الله، لمنهج الله، لرسول الله، لأنبياء الله فتتحرك الشياطين باستمرار للدفع بهم أكثر وأكثر نحو ما هم فيه من كفر، من باطل، من سوء، وتزعجهم باستمرار، لا تترك لهم المجال ليهدأوا، ليرتاحوا، تُحرِّكُهم، تدفع بهم، تزعجهم، بشكلٍ مستمر، وهذا ملحوظٌ في واقعهم، لا يَقِرُّون ولا يهدأون، هناك من يزعجهم باستمرار، من يدفع بهم- والعياذ بالله- باستمرار، حالة رهيبة، وحالة خطيرة جدًّا نعوذ بالله من ذلك!
نكتفي بهذا المقدار.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُمْ لِمَا يُرضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَنَسْأَلُه أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمْ الصِّيَامَ، وَالقِيَامَ، صَالِحَ الأَعمَالِ.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛