خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في ذكرى عاشوراء 10 محرم 1445هـ
كلمة السيد القائد عبد الملك بن بدرالدين الحوثي “يحفظه الله” بمناسبة ذكرى عاشوراء
الجمعة 10 محرم 1445هـ – 28 يوليو 2023م
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
وعظم اللّٰه لنا ولكم الأجر، وأحسن لنا ولكم العزاء، في ذكرى مصاب سيد الشهداء سبط رسول اللّٰه “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ”، الإمام الحسين بن علي وابن فاطمة بنت محمدٍ “صَلَوَاتُ اللّٰهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”.
إن إحيائنا لذكرى عاشوراء، وإقامة العزاء على سبط رسول اللّٰه “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وحديثنا عنه، وعن نهضته، واستشهاده، والحديث عن واقعة كربلاء، وما جرى يوم (10) من شهر محرم الحرام سنة (60) للهجرة ونحن في العام (1445) للهجرة يدل على الأثر الكبير، والعميق، والممتد لنهضة سبط رسول اللّٰه “صَلَوَاتُ اللّٰهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، ولشهادته، ولمأساة كربلاء، كما يدل على صدمة الفاجعة الكبرى التي بقيت تهز الضمائر الحية لأبناء أمتنا الإسلامية في كل الأجيال، ولما تعنيه لنا الذكرى بما تحمله من دروسٍ وعبر، نحن في أمس الحاجة إليها في واقعنا العملي، وفي مواجهة التحديات، وقبل كل ذلك لما يعنيه لنا الإمام الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ” سبط رسول اللّٰه “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وهو الذي تحرك من موقع الهداية، والقدوة، والامتداد الأصيل للإسلام، وقيادة الأمة، وبكماله الإيماني العظيم، وبما عبر عنه رسول اللّٰه “صَلَوَاتُ اللّٰهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، في قوله: ((حسين مني وانا من حسين، أحب اللّٰه من أحب حسينًا، حسينٌ سبطٌ من الأسباط)).
إن فاجعة كربلاء وما حدث بحق سبط رسول اللّٰه، وبحق أهل بيته، ورفاقه الأوفياء والأبرار، كان أبرز تجليات وشواهد الانحراف الكبير، والخطير، الذي أوصل زمرة الشر والطغيان من بني أمية إلى سُدة الحكم، وموقع القرار، والتحكم برقاب الأمة ومصائرها، والسيطرة عليها، وهم الطلقاء الذين حملوا راية الشرك، وحاربوا رسول اللّٰه “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” إلى يوم الفتح لمكة، وحينما خُيِّر كبيرهم أبو سفيان، بين القتل أو الإسلام، كان إسلامه استسلامًا، وحينما قال في الشهادتين: وأن محمدًا عبده ورسوله قال بصريح العبارة: وفي النفس منها شيء، فبالرغم من تحذير رسول اللّٰه “صَلَوَاتُ اللّٰهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، لأمته منهم، ومن خطورة سيطرتهم على الأمة، وأن النتيجة لذلك كارثية إلى أبعد الحدود، من التحريف للدين الإسلامي، في مفاهيمه، والاستعباد للأمة، وإذلالها، والنهب لثروات الأمه، والاستئثار بمالها، وعبر رسول اللّٰه عن ذلك بقوله “صَلَوَاتُ اللّٰهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”: ((اتخذوا دين اللّٰه دغلًا، وعباده خولًا، ومالهُ دولًا))، ومن الواضح أنه لا خطر على الأمة يوازي ذلك الخطر، لكن الذي حدث هو التمكين لهم، ليصلوا إلى حُلمهم وآمالهم في السيطرة على الأمة، والتحرك براية النفاق خلفًا لراية الشرك، لتنفيذ مؤامراتهم في الانتقام من رسول اللّٰه “صَلَوَاتُ اللّٰهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، ولمواصلة حربهم على الإسلام بتزييف مفاهيمه، ولبس الحق بالباطل، ولإذلال الأمة، واستعبادها، والتحكم بها، واستغلال ثرواتها، والأثرةِ بأموالها.
لقد كان التحرك الأموي بعد أن استفاد من تمكينه في الشام آنذاك، مستفيدًا من الإمكانات الكبيرة، وجاعلًا منها قاعدةً يتحرك منها للسيطرة على العالم الإسلامي وفق خُطةٍ شيطانية شملت التحرك العسكري، والاستقطاب بالإغراء المادي، والحرب الدعائية، والعناوين المخادعة، واستغلال الحالة المتدنية من الوعي، لدى الكثير من أبناء الأمة، فكانت خطوتهم الأولى هي الحرب والعداء ضد أمير المؤمنين، وسيد الوصيين علي بن أبي طالب “عَلَيهِ السَّلَامُ”، في مرحلة كان فيها الخليفة للمسلمين بإجماع غير مسبوقٍ في واقع الأمة، مع موقعه العظيم في الإسلام، وهو الذي منزلته من رسول اللّٰه “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ”، ((بمنزلة هارون من موسى)) إلا النبوة، كما في الحديث المتواتر عند الأمة بمختلف مذاهبها، وهو الذي ولايتهُ امتدادٌ لولاية رسول اللّٰه “صَلَوَاتُ اللّٰهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”.
كما في حديث الغدير المتواتر أيضًا للأمة، ((وهو الذي حبه إيمان، وبغضه نفاق))، كما في الحديث الصحيح لدى المسلمين، وهو سابق الأمة وعظيمها، وأهداها، وأزكاها، وأكملها، وهو الذي يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتل رسول اللّٰه على تنزيله، وقاتل معه على ذلك، كما أخبر النبي “صَلَوَاتُ اللّٰهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، بذلك.
ومع كل ذلك نصب له طغاة بني أُمية، العداء الشديد، وهندسوا لثلاثةِ حروبٍ كبرى ضده، وأثاروا الفتن، وخلخلوا الأمة الإسلامية من الداخل، وحركوا الغارات لقتل المسلمين في اليمن، حيث أعدموا ثلاثين ألف يمني بدمًا بارد، وسَبَوْا النساء، وباعوهن في الأسواق، ونفذوا الغارات على مناطق أخرى في العراق، والحجاز، وغيرها، وارتكبوا أبشع الجرائم، وقتلوا الأطفال والكبار والصغار، فكان ضحاياهم عشرات الآلاف من أبناء الأمة، وفي مقدمتهم الصفوة الأخيار من أصحاب رسول اللّٰه “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ”، وعلى رأسهم شهيد الإسلام الطيب المطيب كما سماه رسول اللّٰه عمار بن ياسر “رِضِوَانُ اللّٰهِ عَلَيهِ”، الذي أخبر الرسول عن شهادته، وأنها ستقتله ((الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار)).
واستمر طغاة بني أُمية، في مؤامراتهم الدنيئة، والإجرامية، وصولًا إلى مخططهم الكارثي لاغتيال أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، عن طريق أشقى الأمة ابن ملجم لعنه اللّٰه، في مسجد الكوفة، في فجر ليلة (19) من شهر رمضان المبارك، سنة (40) للهجرة النبوية، وفي ليلة (21) من ذلك الشهر المبارك، ارتقى أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، شهيدًا ولحق بالرفيق الأعلى، فكان استشهاده خسارة رهيبة للأمة، وبعد استشهاد أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، كان سبطا رسول اللّٰه “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، الحسن والحسين، “عَلَيهِمَا السَّلَامُ”، هما الامتداد الأصيل للإسلام، ولهداية الأمة، وقيادتها، وهما في عظيم مقامهما، وعلو منزلتهما في الإسلام، بما عبر عنه النبي “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، في قوله: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل جنة)).
فاستمر طغاة بني أُمية في حمل راية البغي والشقاق والنفاق، وحاربوا الإمام الحسن المجتبى سبط رسول اللّٰه “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ”، الذي عانا إلى جانب فتنة بني أٌمية، وحربهم الشرسة من التخاذل الرهيب، والغدر من الأصحاب، والخيانات من داخل جيشه، ومحاولات قتله، ثم بعد ذلك، وفي سنة 50 للهجرة لقي اللّٰه شهيدًا مظلومًا، حيث دبروا لاغتياله بواسطة السم.
وبقي الإمام الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، يعمل بكل جهده لاستنهاض الأمة، وتوعيتها في ظل معاناةٍ كبيرة، من حالة الجمود والتخاذل التي سيطرت على الأمة، وحالة الخوف التي كبلت الكثير من المسلمين إلى درجةٍ أطمع طغاة بني أمية على الإقدام على خطوة في غاية الخطورة على الإسلام والمسلمين، بتنصيب يزيد ابن معاوية- لعنه اللّٰه- حاكمًا على العالم الإسلامي، بكل ما هو عليه من إجرامٍ، وفجورٍ، واستهتارٍ بالإسلام، وسفةٍ، وطغيان، وذلك كما قال الإمام الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براعٍ مثل يزيد)).
ومع ذلك كان في مقدمة ما حرص عليه طغاة بني أُمية وأتباعهم لتمكين يزيد من رقاب الأمة؛ هو أخذ البيعة من الإمام الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، لضمان ألا يعارضهم بعد ذلك أحد، فعبر واليهم على المدينة المنورة طلبوا من الإمام الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، البيعة ليزيد، فكان رده عليهم: ((إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجلًا فاسقًا، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلنٌّ بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله)).
وقد تحرك الإمام الحسين “عَلَيهِ السَّلَام”، للتصدي لتلك الخطوة حيث اتجه إلى مكة لقلة الأنصار في المدينة، وليتمكن هناك من اللقاء بالمسلمين من مختلف الأقطار الإسلامية، والسعي لاستنهاضهم، وتذكيرهم بمسؤوليتهم، وبالخطورة عليهم من استحكام سيطرة يزيد، إلا أن بوادر التحرك من بين كل أقطار العالم الإسلامي كانت فقط في العراق، حيث بادر الكثير من أهل الكوفة، وزعمائهم، والبعض من أهل البصرة، بإرسال الرسائل والوفود إلى الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ” في مكة، لإيضاح موقفهم الرافض لتنصيب المجرم يزيد على رقاب الأمة، وبالبيعة، والولاء، والنصرة، للإمام الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، مع العهود والمواثيق على ذلك، فأرسل “عَلَيهِ السَّلَامُ” ابن عمه مسلم بن عقيل، لاستطلاع الوضع من قريب، والتأكد من موقفهم، ولإقامة الحجة عليهم أكثر، فوجد من إقبالهم وتفاعلهم وعهودهم ما وافق رسائلهم، وكتب بذلك إلى الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، فانطلق الإمام الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، من مكة صوب العراق مع أهل بيته، وأصحابه الأوفياء الأبرار، وفي أثناء ذلك كانت التحركات التي تجري في الكوفة، بعد وصول المجرم ابن زيادٍ إليها، لخدمة يزيد، وبدأ التخاذل في أوساط الكوفيين آنذاك، عن مسلم بن عقيل، حتى استشهد وحيدًا غريبًا.
ثم تم تجييش الجيوش، لمحاربة سبط رسول اللّٰه “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، خارج الكوفة، وقبل وصوله إليها في كربلاء، بينما كان الإمام الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ” مع أهل بيته، وسبعين شخصًا من أصحابه، لقيه الآلاف المؤلفة من الذين تم تجييشهم لقتاله، بقيادة عمر بن سعد -لعنه اللّٰه، حيث خيروه بين الاستسلام والخنوع والخضوع ليزيد، أو الحرب والقتل، فاتخذ الموقف الحاسم الذي يقتضيه إيمانه العظيم، وإيثاره لمصلحة الإسلام، ولخير الأمة، وبوعيه بخطورة الخنوع ليزيد، وما كان سيترتب على ذلك من طمسٍ لمعالم الإسلام، وخنوعٍ دائمٍ في أوساط الأمة، للمجرمين الطغاة، فاتخذ قراره بالثبات على موقف الحق، وقال كلمته الشهيرة: ((لا و الله لا أُعْطِيهم بِيَدِي إعْطَاء الذّليل وَلَا أقرّ إقْرَارٌ الْعَبِيد))، وقال: ((ألا وإنَّ الدَّعيَّ ابنَ الدَّعيْ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيَنِ: بَيْنَ السَلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَهَيْهاتَ مِنّا الذِّلَّةُ، يأبَى اللهُ لنا ذلِكَ ورَسُولُهُ والمؤمِنوُنَ)).
وفي معركة كربلاء عانى سبط رسول اللّٰه “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، مع أهل بيته، والقلة القليلة الأوفياء معه، من الحصار الشديد، الذي مُنع فيه، عليه وعلى نسائه وأطفاله وأصحابه، حتى شربة الماء، واتجهت تلك الجيوش بهجمتها الوحشية الإجرامية، عليه وعلى ذلك العدد القليل من أصحابه، فقدم هو ورفقته أولئك، أعظم الدروس للأمة، على امتداد تاريخها إلى يوم الدين، في الثبات على الحق، والوفاء للإسلام، والتفاني في سبيل اللّٰه، والإيثار لطاعة اللّٰه، والنهوض بالمسؤولية، وتجلى الإسلام بعظيم مبادئه، وقيمه، وأخلاقه، في نهضته تلك، ومواقفه، ومواقف أهل بيته وأصحابه، مصداق الآية المباركة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة: 207].
في الوقت الذي انكشف فيه الوجه القبيح الجاهلي، المتوحش الإجرامي، للطغيان الأموي، وما بعد استشهاد سبط رسول اللّٰه “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، امتد مسار النهضة واليقظة، وزال الجمود، حيث كان الطغيان الأموي يواصل الفتك بالأمة، والانتهاك للمحرمات، والارتكاب لأفظع الجرائم، وكان من ذلك الاعتداء على مدينة رسول اللّٰه “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، والاستباحة لكل ما فيها، على مدى ثلاثة أيام، قتلًا للناس، رجالًا ونساءً، وكبارًا وصغارًا، حتى للأطفال الرضع، واغتصابًا للنساء، ونهبًا لكل الممتلكات، واستباحةً لحرمة مسجد النبي “صَلَّى اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ”، والقتل للناس حتى على قبرة الشريف، حتى أغرقوه بالدم، ثم إجبار من بقي على قيد الحياة وسلِمَ من القتل، على البيعة ليزيد، بالعبودية والرِقِ له، وأنهم عبيدٌ له، يفعل فيهم وفي أموالهم ما يشاء، ثم الهجوم على مكة المكرمة، وانتهاك حرمة الكعبة المشرفة، واستهدافها بالمنجنيق، لإحراقها وتهديمها، وتكرر ذلك في حربين لبني أمية على مكة، والقتل للناس في المسجد الحرام، واستمر المسلسل الدموي الإجرامي في الاستباحة للأمة.
فأحد ولاة بني أمية وهو الحجاج بن يوسف، قام بإعدام مئة ألف مسلم، وعشرين ألف مسلم، بدمٍ بارد، غير الذين قتلوا في مواجهةٍ، أو حرب، وعند موته كان في سجنه سبعون ألف إنسان، محجوزين للقتل بغير ذنب، وكان في سجنه ثلاثون ألف امرأة، منهن ستة عشر ألف امرأة سجينة عارية ومجرده من ملابسها في السجن، وكان يجمع كل عشرة من السجناء في سلسلة واحدة، ويبقون في داخل السجون بدون دورات مياه، أو حمامات، يتغوطون ويبولون في أماكنهم رجالاً ونساءً، ويتعرون أمام بعضهم البعض، وكان غيره من الولاة على نفس الطريقة، وإن اختلف مستوى العدد في القتل والسجناء، وكان الملك الأموي يهدر دم من يقول له: اتق اللّٰه، ويعلن ذلك للمسلمين في الحج فيقول: واللّٰه لا يأمرني أحدٌ بتقوى اللّٰه إلا ضربت عنقه، مصداق الآية المباركة، {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}[البقرة: 206]، إلى غير ما فعلوه فيما يتعلق بتحريف مفاهيم الدين، والاستئثار بالمال العام للأمة، وحرمانها من ثرواتها.
وقد وجدت الأمة في الأخير أنه لا خيار لها إلا التحرك الجاد، والثورة الحاسمة، للخلاص من الطغيان الأموي فتحقق ذلك بعد سلسلةٍ من الثورات، وكثيرٍ من التضحيات، نتيجةً لما كان قد وصل إليه الطغيان الأموي، من السيطرة والنفوذ، بسبب التخاذل، والتفريط من جهة، وهو ما كان عليه الكثير من أبناء الأمة، الذين كبلهم الخوف، والذين أيضًا استمالهم، وأقعدهم نقص الوعي، وضعف الإيمان، وكذلك من استمالهم طغاة بني أمية بالمال والمناصب، مع الاستغلال لحالة البؤس والفقر والحرمان، التي عانت منها الأمة، بسبب نهبهم لثرواتها، واستئثارهم بالمال العام.
إن قضية الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، هي الإسلام والقرآن، هي الحق ليُعمل به، هي التصدي للباطل والنهي عنه، هي إنقاذ المستضعفين، والوقوف بوجه الطغاة المستكبرين، ومواجهة الظالمين، ولذلك فهي القضية الخالدة والممتدة عبر الأجيال إلى آخر أيام الدنيا، فقياس موقفك تجاه نهضة الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، بقياس موقفك تجاه الإسلام، ومدى إحساسك بالمسؤولية.
والأمة في هذا العصر تواجه الطغيان والشر، والإجرام اليزيدي، متمثلًا باللوبي اليهودي الصهيوني، وأمريكا، وإسرائيل، وحلفائهم وأعوانهم، فقد أصبحت حربهم صريحةً ضد القرآن الكريم، وما يقوم به اللوبي اليهودي عبر عملائه في عدةٍ دولٍ أوروبية وغربية، من إحراقٍ وتمزيقٍ وتدنيسٍ للمصحف الشريف، هو: ذروة الكفر، والاعتداء ضد الإسلام والمسلمين، كما أن مساعيهم الشيطانية التي تقودها أمريكا علنًا للترويج للفاحشة الشنيعة، والشذوذ الجنسي، وكل الخطوات التي توصل إلى الفاحشة، وتضرب القيم الأخلاقية، هي: تتويجٌ لمسارهم في الانحراف بالمجتمعات البشرية عن نهج اللّٰه وهديه، وعن رُسُلهِ وأنبيائه، وذلك بهدف؛ الإخضاع للبشر، والاستعباد لهم، والإغواء لهم، والسيطرة التامة عليهم بعد إفسادهم، وتفريغهم من المحتوى الإنساني، وتجريدهم من الكرامة الإنسانية، إضافةً إلى حروبهم، وحصارهم، واعتداءاتهم المستمرة، واستهدافهم المستمر للشعوب بالحروب، وإثارة الفتن، والحصار، ونهب الثروات، والتجويع، كما يعملونه في [فلسطين]، وما يعملونه ضد شعبنا في [اليمن]، وفي أقطار أخرى في العالم الإسلامي بأساليب متنوعة.
إن تمادي قوى الشر، والإجرام، والطغيان، لا، يوقفه إلا التحرك الجاد، بوعيٍ واستشعارٍ للمسؤولية، وثقةٍ باللّٰه تَعَالَى، وتوكلٍ عليه، وإن ثبات شعبنا اليمني العزيز يمن الإيمان والحكمة، على مدى [تسع سنوات] من الحصار، والحرب، والحملات الدعائية، ومساعي إثارة الفتن الداخلية، ومساعي صرف الاهتمام عن قضاياه المهمة، إلى غيرها لهو؛ توفيقٌ إلهيٌ كبير، وسيرٌ على منهج الإسلام الحق، واقتداءٌ بالأعلام العظماء، ومنهم الإمام الحسين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، فبالثباتِ والصبرِ، والوعيِ والعمل، والاستجابةِ للّٰه تَعَالَى، نَصِلُ إلى النصر، ويتحقق لنا وعد اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كما قال في كتابه الكريم: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية 47].
وفي هذا المقام نؤكد على التالي:
أولًا/ أدعو أبناء أمتنا الإسلامية في كل البلدان الإسلامية إلى اتخاذ موقفٍ حازمٍ وجاد يرقى إلى مستوى المسؤولية؛ تجاه الأعداء فيما يقومون به من إساءةٍ للقرآن الكريم، وإحراقٍ للمصحف الشريف، وتمزيقٍ له، وتدنيسٍ له، وأقل شيءٌ في ذلك هو: قطع العلاقات الدبلوماسية، والمقاطعة الاقتصادية؛ وإذا لم يرقىَ موقف الأمة إلى هذا المستوى البسيط المتاح السهل الممكن؛ فذلك تفريطٌ عظيم، وتقصيرٌ كبير، وتنكرٌ للقرآن الكريم، وتنصلٌ عن المسؤولية، تجاه أهم مقدس من مقدسات المسلمين، ولذلك العواقب الخطيرة عليهم.
كما أوجه النصح والتحذير إلى المجتمعات الغربية [في أوروبا وفي غيرها]، إن اللوبي اليهودي الصهيوني يدفع بكم نحو الهاوية، إنه يدفع بكم إلى حيث تنالون سخط اللّٰه، وغضب اللّٰه، وعذاب اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لقد ابتعد بكم عن قيم الأنبياء، وعن رسالة اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ووصل بكم إلى درجة الإساءة إلى اللّٰه، وإلى أنبيائه، وإلى كتبه، في الوقت الذي تمنعون فيه أي انتقادًا لليهود، إن هذه الحالة هي: حالة سيئة، ومتخلفة، وحالةٌ رهيبة من العبودية للوبي اليهودي الصهيوني.
إنني أدعوكم إلى التحرر من العبودية لليهود، كونوا أحرارًا، عودوا إلى الرسالة الإلهية، اتبعوا الأنبياء، لا يشرفكم ما وصلتم إليه من التنكر للقيم، وللأخلاق الفطرية، الإنسانية التي فطر اللّٰه الناس عليها، إن الواقع الذي يعيشه المجتمع البشري هو: واقعٌ خطير، ومأزومٌ وحساس، وإن الوضع الذي عليه المجتمعات الغربية يتجه على المستوى العالمي بالواقع البشري نحو حالةٍ خطيرةٍ جدًا، فتلك الحضارة الهمجية التي تنكرت للقيم، وللأخلاق، والتي لم ترعىَ أبدًا أي مبادئ إسلامية، وإلهية، ولا ضوابط شرعية، لم تُبالي بما تفعله بالناس، والواقع الذي عليه كل البشر في كل الدنيا نتيجةً لما يسمونه [بالاحتباس الحراري، والإفساد للبيئة] هو: نتاج للتخلف عن تلك القيم، والتنكر لتلك المبادئ الإلهية.
إن الحضارة الغربية هي: حضارةٌ همجية بكل ما تعنيه الكلمة، تتنكر للأخلاق، وللقيم، وللكرامة الإنسانية [تظلم وتبطش وتجور وتسيء]، ولا ترعىَ للحق حرمة، ولا ترعىَ للمقدسات حرمة.
أن المجتمعات الغربية؛ إذا لم تلتفت إلى رسالة اللّٰه، وأنبيائه، فهي في حالةٍ خطيرة من غضب اللّٰه وسخطه، ومن العواقب السيئة [لتنكرها لتعليمات اللّٰه] في الدنيا والآخرة.
إنني أدعوهم إلى الاهتداء بالقرآن، إلى أن يعيدوا النظر في تعاملهم مع القرآن الكريم، أدعوهم إلى الإسلام، لأن فيه وحده النجاة للمجتمعات البشرية، في هذه المرحلة الحساسة من واقع المجتمع البشري.
ثانيًا/ اؤكد على موقفنا المبدئي تجاه [القضية الفلسطينية]، والشعب الفلسطيني العزيز، وسعينا لتعزيز التعاون والتنسيق، مع إخوتنا المجاهدين في فلسطين، واخوتنا في محور الجهاد والمقاومة، وما نأمله إن شاء اللّٰه من تنامي التعاون، والتنسيق في محور الجهاد والمقاومة، وصولًا إلى تحقيق الهدف المنشود في تطهير فلسطين، وإنقاذ الشعب الفلسطيني من براثن العدو الإسرائيلي.
كما نؤكد وقوفنا إلى جانب شعوب أمتنا في مظلوميتهم في [البحرين، وسوريا، ولبنان، والعراق، وإيران] وسائر الأقطار الإسلامية.
ثانيًا/ أدعو تحالف العدوان إلى وقف عدوانه على بلدنا، وإنهاء الحصار، والاحتلال، ومعالجة ملفات الحرب في موضوع [الأسرى، والإعمار، والأضرار]، والكف عن المؤامرات الدنيئة، الهادفة لاستقطاع أجزاء من البلاد.
ثالثًا/ أدعو شعبنا العزيز إلى الجهوزية الدائمة، واليقظة والانتباه، والاستعداد لمواصلة التصدي للأعداء، لردعهم عن مواصلة عدوانهم، ولإنقاذ البلد من شرهم وطغيانهم ومؤامراتهم، وأن نستلهم من مدرسة الإسلام، وأعلامه الأبرار، من سيد الشهداء ورفاقه، دروس الثبات والوفاء، والوعي والبصيرة.
اسأل اللَّه أن يكتب أجركم أيها الأعزاء على حضوركم ومواساتكم،
السلام على سِبط رسول اللَّه، وأهل بيته، ورفاقه الشهداء،
السلام على شهداء الحق، في كل زمان ومكان،
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛
كتب اللَّه أجركم، وشكر سعيكم، شكرًا لكم على هذا الحضور الكبير المشرف، رعاكم اللَّه؛؛؛