المحاضرة الرمضانية السابعة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 08 رمضان 1445هـ
سلسلة المحاضرات الرمضانية (1445هـ)
ألقاها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”
المحاضرة الرمضانية السابعة
الاثنين 8 رمضان 1445هـ 18 مارس 2024م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
البداية في حديثنا على ضوء الآيات المباركة، التي تقدِّم لنا القصص المتضمن للدروس والعبر، والذي فيه الهداية الواسعة لنا، فيما نحتاج إليه في واقع حياتنا، وأداء مسؤولياتنا، وما نواجهه من تحدياتٍ في هذه الحياة، البداية من البداية، في حديث القرآن الكريم عن بداية وجود الإنسان، وعن خلق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لآدم “عَلَيْهِ السَّلَام” أبي البشر، وهي قصةٌ عظيمةٌ ومهمةٌ، وتضمنت الكثير من الدروس والعبر، الدروس حتى للملائكة، وللجن، وللإنس.
وتحدث القرآن الكريم عن آدم “عَلَيْهِ السَّلَام” وعن خلقه فيما يقارب الثلاثين موضعاً في القرآن الكريم، فتكررت قصة آدم، وقصة خلقه، وقصته مع الملائكة والسجود، وقصة دخوله في الجنة التي سكنها ثم أُخرج منها، تكررت كثيراً؛ لما فيها من الدروس المهمة جداً، والتي- للأسف- لم تحظَ بالاهتمام اللازم من جهتنا نحن البشر، للاستفادة منها، بما كان سيقينا الكثير من المتاعب والشقاء، وكان له أهمية كبيرة في أن نسير في حياتنا بالاستفادة من التجربة الأولى في وجودنا كبشر على هذه الأرض.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}[الإنسان: الآية1]، ما قبل الإنسان بزمنٍ طويل خلق الله السماوات والأرض، وخلق الملائكة بأعداد كثيرة جداً وهائلة، وخلق أيضاً على الأرض عمرها بالكائنات، وبث فيها من كل دابة، وهيأها مسبقاً- قبل خلق الإنسان بدهرٍ طويل- هيأها للإنسان.
قبل خلق الإنسان أيضاً كان هناك مخلوقاتٌ أخرى قد خلقها الله، كما ذكرنا عن الملائكة بأعداد كبيرة وهائلة في السماوات، نشرهم الله في السماوات، وخلق الجان أيضاً قبل خلق الإنسان، كما قال “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ}، يعني: من قبل خلق الإنسان، {مِنْ نَارِ السَّمُومِ}[الحجر: الآية27]، فقد مضت فترة طويلة على الأرض قبل أن يُخلق فيها الإنسان، وقبل أن يوجد عليها الكائن البشري، ثم إن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ما بعد ذلك خلق الإنسان.
في دور الملائكة في السماوات، ومهامهم المتنوعة، تحدث القرآن الكريم عن بعضها، في عبادتهم الدائمة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيما يتعلق بعبادة التسبيح والتقديس: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}[الأنبياء: 20]، ثم مهام أيضا تتعلق بالكون، مهام جعلها الله إليهم، ومهام ارتبطت فيما بعد بالإنسان، مثل: الحفظ للإنسان، والحفظ لأعماله، والتوفي للإنسان، ومسألة النزول بالوحي إلى أنبياء الله ورسله، وغير ذلك من المهام، يمكن أن نتحدث عن بعضها لاحقاً إن شاء الله.
فعلى الإنسان أن يتذكر هذه الحقيقة أولاً: أنه لم يكن شيئاً مذكوراً، وخلق الله السماوات والأرض، وخلق الملائكة، وخلق الجان، وبث في الأرض من كل دابة، قبل أن يُخلق، ثم إن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” خلقه، ووهبه الحياة، واستخلفه في هذه الأرض، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض؛ ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ}[البقرة: من الآية28].
الإنسان لم يكن موجوداً، لم يكن حياً، لم يكن في ما هو عليه بعدما خلقه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من وجود، مستخلفٍ فيه في هذه الأرض، أنعم الله عليه بالنعم التي لا تحصى ولا تعد، كان من قبل لا شيء، كان في عداد العناصر الميتة في تربة الأرض؛ لأن الإنسان خُلِق منها، فكان ما قبل ذلك مجرد عناصر ومعادن ميتة، لا حياة فيها، بين تربة الأرض، ثم إن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ابتداءً بخلق آدم أبي البشر “عَلَيْهِ السَّلَام”، ثم بخلق نسله، حتى السلالة من الماء المهين التي يتكون منها البشر، يخلقهم الله منها، ما بعد آدم “عَلَيْهِ السَّلَام” هي من عناصر تربة الأرض، تنتقل إلى الإنسان بواسطة الغذاء، ثم تتحول في خلق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لها إلى ذلك الماء المهين، ثم يخلق الله منها الإنسان.
فالإنسان في بداية وجوده كنوع، ككائن، ثم على مستوى كل شخصٍ مِنَّا، لم يكن شيئاً مذكوراً، ولم يكن على قيد هذه الحياة، بل كان عناصر ميتة، لا حياة فيها، ولا وجود لها، ولا دور لها في إطار الاستخلاف، {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ}، الله هو الذي أحيانا، ووهبنا الحياة، وأنعم علينا بالوجود كبشر، واستخلفنا في هذه الأرض، وأنعم علينا بنعمه الواسعة.
{فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة: الآية28]، فبدايتنا من الله بخلقه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لنا، وإيجاده لنا، وأن وهبنا الحياة، وأن أحاطنا برعايته ورزقه، ونعمه التي لا تحصى ولا تعد، والمصير إليه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة: من الآية29]، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ربط حياة الإنسان في احتياجاته ومتطلباته بأشياء كثيرة جداً، لا أكثر من متطلبات الإنسان، احتياجاته واسعة، وكثيرة، ومتنوعة: ما يحتاجه لغذائه، ما يحتاجه لملابسه، ما يحتاجه لعلاجه، ما يحتاجه لمساكنه، ما يحتاجه لمختلف شؤون حياته، احتياجاته واسعةٌ جداً، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أنعم عليه بهذه الاحتياجات والمتطلبات، ووفر له في الأرض معيشته في كل ما يحتاج إليه، في كل متطلبات حياته، وفرها لهذا الإنسان في الأرض بشكلٍ واسعٍ وعظيم، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}، كله منه، من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، خلقه للبشر نعمةً عليهم، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة: من الآية29].
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: من الآية30]، الملائكة الذين خلقهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قبل خلق الإنسان بوقتٍ طويل، وبأعداد هائلة، وبمهام متنوعة، ونشرهم في أرجاء سماواته، بتلك الأعداد الكبيرة جداً، باعتبار دورهم المنوط بهذا الإنسان، والمتعلق به، بعد أن يخلقه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ويستخلفه في هذه الأرض، وباعتبار ما سيحصل في هذه القصة من الدروس والعبر، ومن دروس في مجال الهداية حتى للملائكة، والاختبار الذي سيواجهونه في ذلك، كان الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قد أخبرهم بأنه سيستخلف على الأرض كائناً ومخلوقاً جديداً، يخلقه على هذه الأرض، لدورٍ واسعٍ في هذه الأرض، يختلف عن دور بقية ما فيها من الدواب: دور الاستخلاف في الأرض، وسنتحدث عن مفهوم الاستخلاف.
فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أخبر الملائكة مسبقاً؛ لأنهم سيرتبطون بدور في حياة هذا الإنسان، ولذلك بما أخبرهم الله به، وشرح لهم عن حالة هذا الإنسان الذي سيستخلفه في الأرض، وعمَّا سيحصل من البشر أثناء استخلافهم في الأرض، في أطار دورهم في هذا الاستخلاف، كان لدى الملائكة معرفة بما أخبرهم الله إياه، وليست المسألة كما يتصور البعض: مجرد تقدير من الملائكة، أو توقعات من جهة الملائكة، أو قياساً على كائنات أخرى كما يقوله بعض المفسرين، المسألة عندما تحدثوا هم في تساؤلهم على طريقة القطع كان هذا يدل على أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قد أخبرهم مسبقاً، ثم هذا الإخبار الثاني هو عندما أتى الوقت لخلق هذا الإنسان، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أخبرهم قبل ذلك بوقت، أنه سيستخلف على هذه الأرض البشر، وشرح لهم عن أحوال البشر، وعمَّا يحصل منهم على وجه الإجمال ربما، ثم أخبرهم للمرة الثانية عندما أتى الوقت لذلك، بمعنى في قوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، أنه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أراد أن يخلق هذا الإنسان، وأتى وقت خلقه، الوقت المحدد في تدبير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وعلمه.
{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: من الآية30]، بما كان قد عرفه الملائكة مسبقاً بإخبار الله لهم، مما سيحصل من بعض البشر من مظالم ومفاسد على الأرض، ومنها سفك الدماء، والذي هو من أكبر المآسي في واقع الإنسان، ومن أكبر الجرائم والمظالم، أن يصل الحال في ظلم البشر لبعضهم البعض، أن يقتلوا بعضهم بعضاً عدواناً وظلماً، جريمة رهيبة جداً، ضج منها الملائكة، واستفظعوها واستعظموها، والإفساد في الأرض كذلك بأنواع كثيرة من الفساد.
فالملائكة، وهم الذين يقدسون الله، ويسبحون الله، ويعبدون الله بعبادة التسبيح، والتعظيم، والتمجيد، وهم الذين لا يريدون أن يكون على هذه الأرض من يتحرك فيها بالإفساد فيها، بالسفك للدماء، بالظلم، بالمعاصي لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا يعود أيضاً من جهة إلى: ما هم عليه من التعظيم لله، والحالة الإيمانية الراقية، لا يريدون أن يكون في شيءٍ مما خلقه الله من الأقطار، خلق السماوات والأرض، وخلق الكون الشاسع الفسيح جداً، أن يكون في هذا الكوكب، في هذا الحيز من هذه الأجرام السماوية، من يعصي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن يرتكب المفاسد، والجرائم، والمظالم، يعود هذا إلى واقعهم الإيماني، إلى حالتهم الإيمانية من جهة.
ومن جهة ثانية: لم يكن لديهم معرفة كاملة بمفهوم الاستخلاف، وطبيعة الدور الذي يقوم به الإنسان في هذه الأرض، ونظروا إلى المسألة من زاوية واحدة، هي هذه الزاوية: ما يحصل من بعض البشر من مظالم، وجرائم، وإفساد في الأرض.
ولم يكن تساؤلهم هذا من قبيل الاعتراض على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فهم خاشعون لله، خاضعون لله، قال الله عنهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: من الآية6]، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[النحل: الآية50]، {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء: 26-27]، فالله أثنى عليهم في القرآن الكريم، بتسليمهم لأمر الله، بخضوعهم لله، بطاعتهم لله، بذوبانهم في العبودية لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولكنها حالة الاندهاش والحيرة والاستغراب، نظراً من زاوية محددة، وهي هذه الزاوية: الاستنكار لما يفعله البعض من البشر في هذه الحياة، فكانوا مستغربين، مندهشين ومحتارين، وكانوا أيضاً مستائين من ذلك الدور السلبي، الذي سيأتي من بعض البشر، عصياناً لله، وإفساداً في أرضه، وسفكاً للدماء، وارتكاباً للجرائم والفظائع؛ فلذلك تساءلوا هذا السؤال، وعبَّروا عن استعدادهم للقيام بمهمة الاستخلاف في الأرض، التي فهموها في الإطار العام الذي يفهمونه، باعتبار أنهم يعرفون أن أي دور لأي مخلوق هو في إطار العبودية لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهم يعبدون الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالتسبيح، والتقديس، والتعظيم، والتمجيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فعندما قالوا: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}[البقرة: من الآية30]، هم يعرضون استعدادهم أن يقوموا بهذا الدور في الاستخلاف في الأرض، في إطار العبودية والعبادة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
{قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: من الآية30]، في واقع الحال كان واجب الملائكة، يعني: كان الذي يفترض منهم هو عدم التساؤل أصلاً؛ باعتبار أنهم يؤمنون بعلم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أنه بكل شيءٍ عليم، وهو يعلم ما سيحصل من بعض البشر، وهو الذي أعلمهم قبل ذلك بما سيحصل من بعض البشر، وشرح لهم عن حالة الإنسان، وأيضاً هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو أحكم الحاكمين، هو العليم، الحكيم، القدوس، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في حكمته من دبَّر هذا التدبير أن يخلق هذا الإنسان، وأن يستخلفه ضمن هذا الدور المنوط به في الأرض…إلخ. ولذلك كان مقتضى إيمان الملائكة: ألَّا يتساءلوا هذا التساؤل، وأن يُسَلِّموا لأمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن يتقبلوا المسألة من جانب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأن هذا شيءٌ منه، {إني جاعلٌ} يقول لهم، {إني}: هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو العليم، وهو الحكيم، وهو أحكم الحاكمين، وهو القدوس العظيم، والعلي العظيم، والعزيز “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إلى بقية أسمائه الحسنى.
ولذلك كان مقتضى إيمان الملائكة: أن يسلِّموا لأمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنه عالمٌ أصلاً بما سيحصل من بعض الناس، وهو الحكيم؛ ولكنهم كانوا في حالة اندهاش وحيرة وتساؤل، ولديهم الرغبة في أن يعرفوا وجه الحكمة، ولديهم- كما قلنا- الاستياء من ذلك الدور السلبي لبعض البشر، الاستياء الشديد يعني من ذلك الدور السلبي لبعض البشر.
فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” خاطبهم بقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: من الآية30]، فهم كان ينقصهم معلومات عن طبيعة هذا الدور بالنسبة للإنسان، عن تناسب الإنسان مع هذا الدور في الاستخلاف على الأرض، عن واقع الملائكة أنفسهم كذلك، في ما كان خافياً عنهم، وسيأتي الإيضاح له في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة، ونظروا من زاوية واحدة، ولم يعرفوا طبيعة هذا الدور على وجه التفصيل، وما يترتب عليه، وأين ينتهي هذا الدور.
فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أراد أن يجعل من الحادثة نفسها، ومن هذا التساؤل نفسه، وسيلةً لهدايتهم، فهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بعد ذلك عمل ما يعالج لهم هذا التساؤل، بطريقةٍ يرتقون حتى هم الملائكة في الاهتداء بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأن كل مخلوق: الملائكة، والجن، والإنس… الجميع بحاجة إلى هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الجميع ليس في مستوى أن يكون قد وصل إلى الاكتفاء بنفسه، فلا يحتاج إلى هداية الله، فهم كانوا بحاجة إلى هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأمام هذا التساؤل، وهذه الإشكالية التي ظهرت أمامهم، قدَّم الله لهم طريقةً عملية، تساعدهم على معرفة وجه الحكمة في الاستخلاف للبشر، وبداية وجودهم؛ ولذلك بعد قوله: {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}[البقرة: 30-31].
ما قبل تعليم آدم الأسماء خلق الله آدم، كما في الآيات المباركة، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في الآية المباركة يقول: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ}[ص: الآية71]، وقال “جلَّ شأنه”: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[الحجر: 28-29]، خلق الله آدم، الذي هو بداية الوجود البشري، وبداية النوع الإنساني، هذا النوع من الكائنات الذي هو الإنسان، بدايته آدم، خلق الله آدم من طينة الأرض، فالإنسان في بداية وجوده، وفي استمرار تواجده، مخلوقٌ من طينة الأرض نفسها، فهو كائنٌ أرضي، ليس مخلوقاً من خارج الأرض، ثم أتى إلى كوكب الأرض، خلقه الله من هذه الأرض، من طينتها، من عناصرها.
وعندما خلق الله آدم خلقه كما قال “جلَّ شأنه”: {مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}[الحجر: من الآية26]، الحمأ هو: نوعٌ من الطين، الذي قد بقي لفترة طويلة خاضعاً للرطوبة والمياه حتى تحوَّل إلى تربة لزجة سوداء، ثم سوِّي منه شكل الإنسان من ذلك الطين، عُجن منه شكل مُعَيَّن، وهيكل مُعَيَّن، أشبه ما نشاهده في التماثيل، سوِّي منه شكل الإنسان، وركِّب منه بشكل الإنسان تماماً، وتُرِك حتى يبس.
بعض التفاصيل التي تتعلق بمرحلة تكوين الإنسان من الطين، في بداية خلق آدم “عَلَيْهِ السَّلَام”، تأتي في بعض الأحاديث، في بعض الآثار، لكننا نكتفي بالحديث على ضوء الآيات القرآنية؛ للاختصار، ولئلا نقع في مزالق بعض المرويات غير الصحيحة، فالآية بيَّنت أنه خُلِقَ من الحمأ المسنون، الذي عُجن كثيراً قبل ذلك، ثم سوِّي منه هيكل، هيكل الإنسان تماماً، ثم نفخ الله فيه الروح، ووهبه الحياة، فتحوَّل إلى كائن بلحمه، وشحمه، وعظمه، وعروقه، ودمائه، وجلده، كما هو حال الإنسان تماماً، ووهبه الحواس التي وهبه إياها، والمدارك، والمواهب، والطاقات… وغير ذلك.
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[الحجر: الآية29]، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” خلق آدم، وسواه، ونفخ فيه من روحه، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في خلق الإنسان، أولاً- كما قلنا- هو خلقه من طينة الأرض، والإنسان كائنٌ أرضي، كما يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أيضاً: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}[طه: من الآية55].
أيضاً خلقه الله في أحسن تقويم، الله خلق الإنسان خلقاً مميزاً عن بقية الدواب التي على وجه الأرض، فخلقه في أحسن تقويم، وكرَّمه في خلقه، على المستوى الجمالي، على مستوى التركيب، على مستوى ما وهبه إيَّاه، بما يتناسب مع طبيعة ودور الاستخلاف على الأرض، والمهام الواسعة للإنسان في هذه الحياة، وجعل له السمع، والبصر، والفؤاد، والمدارك، التي تساعده وفق هذا الدور الواسع، الذي يختلف عن بقية الدواب على هذه الأرض، وكرَّم الإنسان، وأنعم عليه نعماً عظيمة، كما قال “جلَّ شأنه”: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: الآية70].
فبداية خلق البشر، ببداية وجود آدم، وبهذه الطريقة، يعني: ابتدأ الله خلق الإنسان من الطين، وثَّقها الله وبيَّنها لعباده في القرآن الكريم، وما قبل القرآن في كتب الله السابقة، وهذه مسألة مهمة للإنسان أن يعرفها، ويعرف أنَّ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” خلقه ككائنٍ أصيل من بدايته، يعني: هذا النوع الإنساني من بدايته كان إنساناً منذ خلقه الله، منذ الإنسان الأول، الذي هو أبو البشر آدم “عَلَيْهِ السَّلَام”.
ولذلك فنظرية [التطوُّر] هي سخيفة، نظرية باطلة، لا مستند لها، ولا حقيقة لها، هي نظرية تافهة، وسخيفة، ولم يكن ينبغي أبداً أن يتقبَّلها الغرب، وأن تنتشر في الأوساط الغربية لعقودٍ من الزمن، أو لمدة طويلة، أكثر من مسألة عقود من الزمن، لفترة طويلة من الزمن؛ بينما لم تكن منذ البداية تستند إلى أساسٍ علمي، كانت مجرد نظرية، وتصوُّر خاطئ، تصوُّر خاطئ لا يستند إلى حقائق أبداً، ويكذِّب بآيات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويكذِّب بحقائق الواقع التي نراها في واقع الحياة.
لو كانت نظرية [التطوُّر] صحيحة؛ لكانت مستمرة، فهم عندما زعموا أنَّ أصل الإنسان قرد، ثم تطوَّر إلى كائن بشري مع الوقت، لو كانت المسألة كما يقولون لاستمرت، ولكانت القردة باستمرار تتطور إلى بشر، وتتحول إلى كائنات بشرية، بعد كل فترة دفعة جديدة تأتي من القردة ليتحولوا إلى كائن بشري، لكنها نظرية باطلة، وسخيفة، وليس لها مستندٌ علمي، وهي وفق ما يقدَّم في الغرب من سخافات تسيء إلى الإنسان، وإلى أصله، وإلى دوره، وإلى مسؤولياته ومهامه في هذه الأرض؛ فهم لا يريدون أن يؤمنوا بالكرامة التي وهبها الله لهذا الإنسان، أنَّ الله كرَّمه، كرَّمه في خلقه، وخلقه في أحسن تقويم، وكرَّمه في طريقة حياته، وأسلوب حياته، وفي رزقه، مثلما قال: {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}[الإسراء: من الآية70]، الله كرَّم هذا الإنسان، وميَّزه عن بقية الدواب على الأرض في كل شيء: في خلقه، في رزقه، في أسلوب حياته، وطريقة حياته، وفي دوره الواسع والمهم والأصيل في هذه الأرض؛ فهم بتلك السخافات يسيئون إلى الإنسان، ويسعون إلى أن تتغير نظرة الإنسان حتى تجاه نفسه، وأن يتنكَّر لنعمة الله عليه، وأن يتنكَّر لدوره الحقيقي، ومسؤوليته المهمة على هذه الأرض.
فالإنسان مخلوقٌ وكائنٌ أرضيٌ، وبدايته هي هذه البداية: أنَّ الله خلقه، وكرَّمه، وأسجد له ملائكته، أسجدهم لآدم أبي البشر “عَلَيْهِ السَّلَام”، وفيه تكريم حتى للبشر أنفسهم بشكلٍ عام، وللإنسان ككائن ونوع من المخلوقات بشكلٍ عام.
الإنسان أيضاً– ككائنٍ أرضي- مخلوقٌ للاستخلاف، ما هو مفهوم الاستخلاف في الأرض؟ الاستخلاف في الأرض بالنسبة للإنسان هو في إطار العبودية لله تعالى، يعني: هو يؤدِّي دوراً كعبد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الله هو الذي خلقه، وأنعم عليه، ووهبه ما وهبه من الطاقات، والقدرات، والمدارك، التي تساعده على أداء دور معيَّن، دور في إطار العبودية لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو يعود إلى عمارة هذه الحياة، وتطوير هذه الحياة؛ باعتبار أنَّ الإنسان رُبِطَ في احتياجاته، ومتطلبات حياته بهذه الأرض؛ ليعمل فيها، ليطوِّر فيها، لينتج فيها، ليستخرج ما أودعه الله فيها من النعم، وليستفيد منها، ولتكون عمارته لهذه الحياة، وحركته في هذه الحياة، وما يترتب عليها- يترتب عليها الشيء الكثير- على أساس القيام بالقسط، ووفق هدي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتعليماته.
عندما يؤدِّي الإنسان هذا الدور وفق هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ تتجلَّى فيما أنعم الله به عليه من النعم الواسعة، وفي واقع حياته، مظاهر قدرة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مظاهر لرحمة الله، مظاهر لكرم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأيضاً لتدبيره العجيب، لألوهيته “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهي مظاهر في واقع الحياة بكلها، وفي الكون بكله، لكن لها في واقع الإنسان نمط جديد من الحياة، يختلف عن غيره، ثم يتجلَّى من خلال ذلك بكله الشهادة بكمال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يعني: فالإنسان يؤدِّي دوراً فيه عبادة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولكن لها أنماط وجوانب تختلف عمَّا عليه الملائكة، عمَّا عليه الملائكة؛ باعتبار أنَّ الإنسان في تكوينه وخلقه له متطلبات كثيرة: في غذائه، في طعامه، في شرابه، في ملابسه، في بقية متطلبات حياته: في متطلباته للعلاج والشفاء، في متطلباته للسكن والعمران… مختلف احتياجات الإنسان الواسعة، والتي تتسع وتتطور باستمرار، منذ بداية الوجود البشري كانت تتطور باستمرار، وتتسع باستمرار، ويتوسَّع الإنسان في إنتاجه في هذه الحياة؛ فهو يتحرك في هذه الأرض فيما أودع الله له فيها، وسخَّر الله له فيها؛ ولهذا يتحدث القرآن كثيراً عن نعم الله الواسعة، وعن التسخير، أنَّ الله سخَّر للإنسان هذه النعم، ليستطيع أن ينتفع منها بأشكال واسعة، وطرائق متنوعة، واحتياجاته فيها تتسع، وتزداد، وتتنوع إلى مستوى عجيب.
فينتهي دور الإنسان في الأخير في إطار العبادة لله، في الشهادة بكمال الله، هو عندما يتحرك في هذه الأرض، وما أودع الله له فيها، وما سخَّر له فيها، وفق هدي الله وتعليماته، وعلى أساس إقامة القسط؛ يسمو هذا الإنسان، وتتجلَّى أيضاً مظاهر رحمة الله، وكرمه، ونعمه العظيمة على هذا الإنسان بشكلٍ واسع؛ فهو يشهد بذلك بكمال الله، بعظمة الله، برحمة الله، ضمن الشواهد التي يمتلئ بها هذا الكون، ولكن- كما قلنا- بنمط يختلف عن بقية الأشياء.
في مخالفته لهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو يجني على نفسه، عندما يُفسِد في الأرض، عندما يسفك الدماء، عندما ينحرف عن تعليمات الله؛ يسبب لنفسه هو المضار، الأخطار، الشقاء، العذاب؛ وبالتالي هو حتى بذلك- رغماً عنه- يشهد بعظمة هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتعليماته المقدَّسة والمباركة، التي تدل على علمه وحكمته.
وهناك مثال رائع قدَّمه الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ”، يُقَرِّب إلى الأذهان هذه المسألة: في واقعنا نحن البشر، عندما يذهب الإنسان إلى الطبيب، ويقدِّم لك وصفةً طبية، ويحذِّرك من أشياء معينة تؤثِّر على صحتك، فإذا التزمت بتلك الوصفة الطبية، وحصلت على النتيجة من ورائها؛ أنت ستشهد لذلك الطبيب بأنه ماهرٌ، وحاذقٌ، وصاحب خبرة ومعرفة في مهنته الطبية، وعندما لا تلتزم، وتعمل أو أنك مثلاً تمارس أشياء حذَّرك منها، أو تأخذ أشياء وتتناول أشياء حذَّرك منها، فتتضرر بذلك؛ أنت أيضاً ستلحظ ما قال لك، ما هو شاهدٌ على حكمته، على معرفته، على خبرته؛ لأنه كان قد حذَّرك، ونهاك، وبيَّن لك المخاطر الناتجة عن استخدامك لتلك الأشياء، أو تناولك لها.
فالإنسان في واقع حياته، عندما يسير وفق هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في دوره في هذه الحياة، الذي هو دور مرتبطٌ به، بحياته؛ فهو سيرى هو وسيقدِّم أيضاً من واقع حياته الشهادة بحكمة الله، بعلمه، برحمته، بفضله، بكرمه، ويتجلى ذلك فيما تجلَّى من خلال عمله، والنتائج المترتبة على ذلك، وعندما ينحرف، فتكون المخاطر والعواقب التي حذَّره الله منها، هذا أيضاً فيه شهادة على علم الله، على حكمته، وهو حذَّر الإنسان من ذلك، ونهاه عن ذلك.
فالاستخلاف للإنسان في الأرض هو لدورٍ مهم، وواسع، ومتميز عن بقية الدواب على هذه الأرض؛ ولذلك فالإنسان أيضاً بهذا الدور، وبهذه المسؤولية الكبيرة، التي يتبين من الجزاء عليها عظمها وأهميتها، هو أُكرِمَ بهذا الدور، هي نعمةٌ كبيرةٌ عليه، أن خلقه الله في أحسن تقويم، بتلك الكيفية، ثم أن استخلفه لهذا الدور المهم، وأناط به هذه المسؤولية الكبرى، هذا أيضاً من التكريم للإنسان، فالإنسان وُجِدَ على هذه الحياة، ولهذا الدور ابتداءً؛ ولذلك فالإنسان ليس منفياً على الأرض، وهذا مما يرتبط به سوء فهم لدى البعض.
البعض يقدِّمون المسألة: أنَّ الإنسان نفي إلى هذه الأرض، أنه خُلِقَ في الجنة، بناءً- في تصوُّرهم- على أنها جنة الآخرة، ثم إنه بسبب معصية آدم نُفي نفياً إلى هذه الأرض، وأصبح منفياً على هذه الأرض.
الإنسان ليس منفياً على هذه الأرض، الإنسان خلق منها، وخلق للاستخلاف فيها، ووجِدَ لهذا الدور الذي هو دورٌ عظيم، ليس دوراً مسيئاً إليه، أو ينتقص منه، وفيه خيرٌ كبيرٌ له، وهو نعمةٌ عظيمةٌ عليه. وسنوضح هذه النقطة، ونتحدث عن بقية القصة- إن شاء الله- في القسم الثاني منها، في المحاضرة القادمة.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛