كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي خلال تدشين فعاليات المولد النبوي الشريف وآخر تطورات العدوان على غزة والمستجدات المحلية والإقليمية بحضور رسمي وشعبي موسع 02 ربيع الأول 1446هـ
كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”
تدشيناً لأنشطة وفعاليات ذكرى المولد النبوي الشريف
وحول آخر التطورات والمستجدات
الخميس 2 ربيع الأول 1446هـ 5 سبتمبر 2024م
حياكم الله، أرحب بكم جميعاً، وفي المقدمة الآباء العلماء الأجلاء، أرحب بكل الشخصيات الرسمية والشعبية، بكل الحاضرين جميعاً، حياكم الله جميعاً، ومباركٌ لكم مقدماً بذكرى مناسبة المولد النبوي الشريف.
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ الأَعِزَّاء:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
جمعنا في هذا اليوم بَيْنَ كلمة المُسْتَجِدَّاتِ الأسْبوعية، التي نتحدث فيها عمَّا استجد من أحداث، في سياق المعركة الكبرى، في مواجهة العدو الإسرائيلي، اليهودي، الصهيوني، الظالم، الغاشم، وما يتعلق بذلك من أحداث، جمعنا ما بينها وبين كلمة التدشين لأنشطة وفعاليات التحضير للمناسبة المباركة المقدسة العظيمة: ذكرى المولد النبوي الشريف، وفي إطار العنوان المهم لإحياء هذه المناسبة في هذا العام، في إطار قول الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، كل هذا للترابط الكبير ما بين موقفنا في انطلاقتنا كشعبٍ يمنيٍ، ينطلق انطلاقةً إيمانية في مواقفه، ويتحرك وهو يحمل راية الجهاد في سبيل الله تعالى، استجابةً لله، وتأسيًا واقتداءً واتِّباعاً لرسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وهو القدوة في الإيمان ومسيرة الإيمان، وفي الجهاد في سبيل الله تعالى، القدوة والأسوة.
شعبنا اليمني له اهتمامه المتميز بذكرى المولد النبوي الشريف في كل عام، وهذا شيءٌ بات معروفاً عالمياً، كل الشعوب تدرك وترى، وتشاهد وتسمع، أن الشعب اليمني يتصدر الجميع، في مدى احتفائه بهذه المناسبة المباركة، ويبدأ التحضير لها بكثيرٍ من الفعاليات والأنشطة المهمة والمفيدة، وذات المحتوى الفكري والثقافي والتوعوي، وكذلك على مستوى التعبئة الإيمانية والجهادية، ويستمر ذلك لأسابيع، وهذا شيءٌ واضح، مع أننا ندشن اليوم الفعاليات، لكن لنا على مدى أيام والفعاليات منطلقة، على المستوى الرسمي، وعلى المستوى الشعبي، وهذا الاهتمام الرائع والمتميز، هو يعود أساساً إلى ما عليه شعبنا اليمني المسلم العزيز من تجسيدٍ لانتمائه الإيماني، وما تميَّز به في هذا الجانب هو ميزةٌ له على مدى التاريخ، منذ صدر الإسلام، منذ آبائه الأنصار الأوائل، وأجداده الفاتحين، وعلى مرِّ التاريخ تميَّز شعبنا العزيز في علاقته الإيمانية البارزة برسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، في تجسيده لمبادئ الإسلام وقيمه وأخلاقه، في تحركه في إطار مسيرة الجهاد في سبيل الله تعالى، ولا تزال الآثار واضحة والمعالم كبيرة، والمواقف سجَّلها التاريخ، وسيبقى التاريخ يُسَجِّل ويُسَجِّل المزيد والمزيد من مواقف الشرف ومواقف الوفاء، من الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيما يستمر عليه هذا الشعب المؤمن، الذي حظي بالشرف الكبير، وبالوسام العظيم: ((الإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ))، جيلاً بعد جيل- إن شاء الله- إلى قيام الساعة.
الاهتمام الكبير بهذه المناسبة، بدءاً بالتحضير لها بالكثير من الفعاليات والأنشطة، ومظاهر الابتهاج والفرح والسرور، والاعتراف بمنَّة الله ونعمته الكبرى، بخاتم أنبيائه وَسَيِّد رسله، محمد بن عبد الله “صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وغير ذلك من الأنشطة الخيرية، والإنسانية، والإغاثية، ومختلف الأنشطة الثقافية والفكرية، شعبنا بذلك كله جعل من هذه المناسبة مدرسةً عظيمةً، واسعةً، وكبيرةً، ومعطاة، ومحطةً تربويةً وتثقيفيةً يستفيد منها في الارتقاء الإيماني.
وفعلاً، عندما نأتي إلى الحديث عن رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وهو موضوعٌ حاضرٌ في مسارنا التعليمي، ومسارنا التثقيفي، ومسارنا التربوي، دائماً وأبداً، ثم نعطي المزيد من الاهتمام بذلك في مثل هذه المناسبة، نرى كيف أنها تتحول إلى محطة تساعد على تحقيق نقلة، نقلة على مستوى الوعي، على مستوى الثقافة، على مستوى الفكر، على مستوى التربية الأخلاقية والإيمانية، على مستوى تعزيز الروحية الجهادية، وروحية الشعور بالمسؤولية، وغير ذلك، وهذا شيءٌ ملموسٌ في واقع شعبنا العزيز.
نحن على مدى سنوات نشهد نقلات بارزة، تجسَّدت في مواقف مميزة لشعبنا العزيز، في اهتمامات مميزة، فعندما نشاهد ما عليه الحال في بعض الشعوب وبعض البلدان، التي هي في حالة تراجع وتقهقر إلى الوراء، على المستوى القيمي، وعلى المستوى الأخلاقي، وعلى المستوى الروحي، وعلى المستوى الثقافي والفكري، وعلى مستوى المواقف والعمل، نرى شعبنا العزيز في مسار ارتقاء، ومسار تقدُّم، ومسار تميُّز، تميُّز في مدى التزامه الإيماني والأخلاقي والقيمي، في جهاده، وفي مواقفه كذلك.
فهذه النقلات نرى كم تسهم فيها مثل هذه المحطات المهمة، ومثل هذه المناسبة المباركة، وشعبنا العزيز جعل منها أعظم مناسبة يحتفي بها، وأكبر مناسبةٍ يحضر فيها، ويجتمع فيها في فعالياتها، وصولاً إلى الفعالية الكبرى، التي يحضر فيها الملايين من أبناء شعبنا، بما لا مثيل له في أي بلدٍ آخر على مستوى كل دول العالم، وهذه نعمة، هذا كله يأتي للاستفادة من المناسبة بمحتواها الغني في الارتقاء الإيماني، وتعزيز الارتباط برسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وبالرسالة الإلهية.
والذين لهم موقفٌ سلبيٌ مما يقوم به شعبنا العزيز، من اهتمام بهذه المناسبة، ومن الاستفادة منها على كل المستويات، هم الذين لهم موقفٌ مختلف تماماً تجاه ما عليه الآخرون من ضياع، من اهتمامات بما يفسد، وبما يضل، وبما يهبط بهم، وبما يضرب روحيتهم الإيمانية، والأخلاقية، والقيمية، فالبعض يوجِّه الانتقادات الشديدة والكثيرة إلى شعبنا العزيز لإحياء هذه المناسبة المباركة، واستفادته منها كمدرسة كبيرة ومعطاءة، وعظيمة، ومهمة، ومفيدة، وفي نفس الوقت ليس لديه أي موقف مما عليه الآخرون، وما يفعلونه، ويقيمونه تحت عنوان حفلات للرقص، والمجون، والخلاعة، والعري… وغير ذلك من المفاسد؛ ولــــذلك يتجلى أن موقف البعض السلبي تجاه هذه المناسبة، وتجاه إحيائها والاستفادة منها، هو عقدة، أو في سياق موقفٍ من الإسلام بكله.
فيما يتعلق بهذه المناسبة، فالجوانب المرتبطة بإحيائها كلها ذات أهمية كبيرة، كما قلت: محتواها الثقافي، والفكري، والتربوي، والروحي؛ وبالتالي العملي، محتوىً عظيم، ومحتوىً مهم، وهي في سياق توجهٍ عمليٍ لشعبنا العزيز، في مسيرته الإيمانية والجهادية والقرآنية، وتجسيده لانتمائه الإيماني بشكلٍ عملي؛ ولـــذلك ليست المسألة مجرد احتفالات، أو إظهار للفرح والابتهاج والسرور، ثم ينتهي كل شيء، شعبنا هو في إطار توجُّه عملي، ومسيرة عملية كبيرة، وتحرُّك على مستوى كل المجالات، في الاتجاه الايماني، الاتجاه الذي يسير به نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نحو مرضاته، نحو توفيقه، في إطار الالتزام الإيماني والأخلاقي.
الآثار والنتائج ملموسة، بركة هذه المناسبة، من خلال إحيائها بهذه الطريقة التي يحييها شعبنا بها، هي بركة ملموسة، في النفوس، في زكاء النفوس، في روحية الناس، في روحيتهم، في شعورهم بالمسؤولية، في ارتقائهم الأخلاقي والفكري والثقافي، في رشدهم، في وعيهم وبصيرتهم، والحمد لله رب العالمين، نحن نرى في واقع شعبنا العزيز، وبالمقارنة مع كثيرٍ من الشعوب والبلدان، أنَّ شعبنا العزيز ارتقى كثيراً على مستوى الوعي، والبصيرة، والرشد، والفهم، وهذا شيءٌ جليٌ وواضح حتى في الأطفال، في الكبار، في الصغار، مستوى عالٍ من الوعي، والرشد، والبصيرة، والفهم، والشعور بالمسؤولية، ولهذا تميَّز شعبنا في مواقفه العملية بناءً على ذلك.
عندما نأتي إلى عناوين المناسبة، وما يرتبط بها، مناسبة مباركة، هي تربطنا برسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، وَتُرَسِّخ في أنفسنا مسألة الاقتداء برسول الله، والتأسي برسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ودراسة سيرته من خلال القرآن الكريم، ومن خلال ما ينسجم مع القرآن الكريم، ويتَّفق معه مما ورد في كتب السِّير والأخبار، وهذا جانبٌ مهمٌ جداً، في علاقتنا برسول الله كأمةٍ نؤمن به: أنَّه رسول الله، وأنَّه خاتم أنبيائه، وأنَّه حجته على خلقه، وأنَّه رحمة الله للعالمين، كل هذا فيما يعنيه لنا من ارتباط، واتِّباع، واقتداء، واهتداء برسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”.
عندما نأتي إلى شخصية رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، فمعالم شخصيته عندما ندرسها، عندما نتأمل في ما ورد عنها، هي مدرسةٌ كاملةٌ وكبرى، والمسلمون بأمسِّ الحاجة إليها، لكن كما قلت: مع الاعتماد على القرآن الكريم كجانبٍ أساسيٍ في ذلك، والأفق واسعٌ جداً في معالم شخصية رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، إذ هو أكمل الخلق، هو في كماله الإيماني، والرسالي، والأخلاقي، والإنساني، والقيمي، بلغ أعلى مرتبةٍ يمكن أن يصل اليها بشر، بلغ المرتبة العليا على مستوى الرسل والأنبياء، وعلى مستوى كل البشر أجمعين؛ ولهـــذا مهما قرأ الإنسان، ومهما استمع، ومهما بحث في معالم شخصية رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، يجد نفسه إنَّما حصل على القليل، ولا يزال أمامه الكثير والكثير، فهي مدرسة واسعة وكبرى بكل ما تعنيه الكلمة، مدرسة الكمال في الرشد، والوعي، والبصيرة، والعلم، والنور، والأخلاق، وزكاء النفوس، مدرسة الفلاح، والنجاح، والفوز، والسمو الإنساني، والقرب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، المدرسة ذات الكمال الكبير الذي يسير بالإنسان وهو محتفظٌ بإنسانيَّتِه، بَلْ يكتملُ في إنسانيَّتِه، وَيَحْظَى بالفوزِ العظيم في الدنيا وفي الآخرة، في مستقبله الآتي عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
ولـــذلك الأمة بحاجة، بحاجة ملحة إلى أن تعود إلى شخصية رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، في كماله الرسالي والإنساني والأخلاقي، وفي كماله الإيماني، الذي تستفيد منه، في مسيرة الاهتداء، والاقتداء، والتأسي، والاتِّباع، يجب أن يتعزز ارتباط الأمة برسولها “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وهذا سيرتقي بها على كل المستويات، يرتقي بالأمة من جديد، لتستعيد دورها بين كل الأمم، وهي تتحرك حاملةً لرسالة الله، ولمشروع الله في عباده، لتكون الأمة التي تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتكون رائدةً في المجتمع البشري والإنساني؛ لأنها قد تركت المجال، وأفسحت المجال لشر خلق الله، عندما تراجع مدى ارتباط الأمة بالرسول، والرسالة الإلهية، والقرآن الكريم؛ هبطت في واقعها بين الأمم، إلى أن وصلت إلى الحضيض، وأفسحت المجال لشر خلق الله: لليهود الصهاينة، لأئمة الكفر، والشر، والإجرام، والطغيان، حتى أصبحوا هم في الصدارة بين الشعوب، يحاولون أن يقودوا المجتمع البشري إلى الهاوية، وأن ينشروا الفساد في كل الأرض، وأن يَعُمُّوا المجتمع البشري بالضلال، وأن يشملوه بالإفساد، هذا كله ناتجٌ عن تراجع المسلمين في حمل الرسالة الإلهية، والنهوض بمسؤوليتهم المقدَّسة والمباركة، وهذا كله ناتجٌ عن التراجع الكبير في مدى ارتباطهم بالرسول والرسالة الإلهية.
عندما نعود إلى معالم شخصية رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، عادةً- لأنها واسعةٌ جداً- نقدِّم في كل عامٍ عنواناً معيناً، يحظى بالتركيز أكثر، دون إغفال لبقية الجوانب، فالحديث ضمن الأنشطة التثقيفية والتوعوية في كل المناسبات والفعاليات ذات العلاقة بهذه المناسبة، هو يشمل جوانب متعددة من معالم شخصية رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ومن سيرته المباركة، ولكن عادةً ما يكون هناك عنوان يحظى بالتركيز أكثر؛ لإعطائه المزيد من الاهتمام، ولاستيعابه بشكلٍ أكبر، ولعلاقته بالمتطلبات الملحة للمرحلة التي نعيشها.
عنوان هذا العام على ضوء الآية مباركة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[التوبة:73]؛ ولـــذلك في مختلف الأنشطة التثقيفية، والفعاليات المتنوعة، ينبغي أن يحظى هذا العنوان، على ضوء هذه الآية المباركة، بالاهتمام بشكلٍ كبير، في الحديث عن جهاد رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وكيف نهض بالمؤمنين معه لأداء هذه الفريضة المقدَّسة، وهذا الواجب العظيم، وهو: الجهاد في سبيل الله تعالى؛ باعتبار أننا في هذه المرحلة، ومع هذه التطورات والتحديات التي تواجهها أمتنا، في ظل الهجمة الأمريكية والإسرائيلية، اليهودية، الصهيونية، على أمتنا، على الشعب الفلسطيني، وعلى الأمة الإسلامية، وحربها على الإسلام والمسلمين، نحتاج إلى الاهتمام بهذا الجانب، وأن نعيه جيداً، وهو كفيلٌ بأن يحقق نقلةً في واقعنا إلى الأمام، وارتقاءً أكثر، وكذلك في جانب كلِّ من يهتم من أبناء الأمة بهذا الجانب.
جهاد رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ونهوضه لأداء هذه الفريضة المقدَّسة والمباركة، ونهوضه بالذين استجابوا له، بالمؤمنين، بالمسلمين، بالأمة في أداء هذا الواجب المقدَّس، وما ترتب على ذلك من نتائج على كل المستويات، هو عنوانٌ مهمٌ جداً، والأمة في هذه المرحلة في أمسِّ الحاجة إلى الاستفادة من رسول الله في ذلك، في إطار الاهتداء والاقتداء، وهذه مسألةٌ هامة.
شاهدنا ونشاهد ما يعانيه المسلمون في فلسطين، المسلمون الذين هم جزءٌ من كلِّ المسلمين في هذا العالم، ما يعانونه من عدوانٍ همجيٍ إسرائيلي، وإبادةٍ جماعية بكل ما تعنيه الكلمة، وما يرتكبه العدو الإسرائيلي- الذي هو عدوٌ للإسلام والمسلمين- من جرائم فظيعة جداً، يتفنن فيها بكل الأشكال والأنواع، وهو أمرٌ مؤلمٌ جداً، على مستوى الضمير الإنساني، والوجدان الإنساني، لدرجة أنَّه حرَّك الضمير الإنساني، والوجدان الإنساني، في بلدان غير مسلمة، بلدان أوروبية، بلدان آسيوية، بلدان أفريقية، وبلدان في أمريكا اللاتينية، وبلدان هنا وهناك، على مستوى الضمير الإنساني، ما يحدث من إجرام رهيب جداً، يرتكبه العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ضد الأطفال والنساء، والكبار والصغار، والإبادة الجماعية الوحشية، والتجويع… وغير ذلك، ولكن كلنا نعلم أنه إلى جانب الضمير الإنساني هناك مسؤولية، مسؤولية أخلاقية، مسؤولية إنسانية، وهناك مسؤولية دينية، من أهم الالتزامات الإيمانية على الذين ينتمون للإسلام، على الذين يؤمنون بالقرآن الكريم، والرسالة الإلهية، ويؤمنون برسول الله محمد “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وبالرسل والأنبياء، يؤمنون بالله، بكتبه ورسله وأنبيائه، هناك مسؤولية دينية، في ظل الأوامر الإلهية الواضحة والصريحة.
وعندما نشاهد موقف الكثير من أبناء الأمة، تجاه ما يحصل على إخوتهم المسلمين في فلسطين، التي هي بلدٌ مسلمٌ محتلٌ، ومحيطه كله محيط عربي وإسلامي، دول عربية وإسلامية، وبين وسط هذا المحيط من المسلمين، بين وسط البلدان الإسلامية، والشعوب الإسلامية، يأتي العدو الإسرائيلي الصهيوني، اليهودي، المجرم، ليحتل، وليقتل، وليدمِّر، ولينتهك حرمة المقدَّسات، ولينتهك الأعراض، وليرتكب جرائم الإبادة الجماعية، التي تنقل بالفيديوهات ليشاهدها كل العالم، ما يحصل وبتقييمٍ واضح، كل إنسانٍ يستطيع أن يقيم الموقف العربي والإسلامي في أكثره، فيما عليه أكثر الأنظمة، أكثر الشعوب، أكثر النخب، أنه موقفٌ متخاذل، إلى جانبه موقف متواطئ مع العدو الإسرائيلي، من بعض الأنظمة التي باتت مفضوحة في تواطئها وتعاونها مع العدو الإسرائيلي، وفي ارتباطها معه، وولائها له، ولكن هذه الحالة، الحالة السلبية جداً، والمحزنة كثيراً، والمخزية في نفس الوقت، والتي لها تبعاتها وآثارها السيئة جداً، وعواقبها الخطيرة، على كل الذين كانوا على ذلك المستوى من التخاذل والتفرج، حيث لم يتحركوا ولا في الحد الأدنى من المواقف، وكأنه لا يحصل شيءٌ هناك، ماذا يعني هذا؟ يعني: تدنٍ واضح، بل ويكاد أن يكون خموداً بشكلٍ كامل للروحية الجهادية، الأمة في أكثر شعوبها وحكوماتها فقدت تماماً الروحية الجهادية، وهذا شيءٌ واضحٌ ومؤسفٌ ومؤلم.
ولذلك خمود الروح الجهادية، وفقدانها في أوساط الأمة، هو يشكِّل خطراً حقيقياً على الأمة، وهذا من الدروس المهمة التي نستفيدها من سيرة رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ومما قدَّمه القرآن الكريم عن جهاده، وعن دوافع جهاده، وعن نتائج جهاده؛ لندرك الخطر الكبير على الأمة إذا فقدت الروحية الجهادية، وما يحدثه ذلك من فجوة كبيرة في مسيرة الاقتداء برسول الله، وفي مسيرة الانتماء الإسلامي والإيماني، وما يترتب عليه من نتائج خطيرة على كل المستويات.
مخاطر من جوانب متعددة:
- أولاً: من حيث الإخلال والتفريط بمسؤوليات عظيمة ومقدَّسة، عواقب الإخلال بها واضحةٌ في وعيد الله تعالى، وتأثير الإخلال بها على الالتزام الإيماني والأخلاقي والديني واضح.
هذه الأمة انتماؤها للإسلام– وهذا حال كل المسلمين- لا يقتصر في الرسالة الإلهية على مدى أداء بعض الواجبات، وبعض الشعائر الدينية، فيه التزام، وفيه مسؤولية ورسالة، لا يكفي- بالنسبة للمسلمين- لا يكفي أن يمارسوا بعض الشعائر الدينية، وأن يؤدوا بعض المسؤوليات، أو الالتزامات الأخلاقية، في نطاق محدود، ليس هذا محتوى الرسالة الإلهية بكلها؛ إنما هو جزءٌ منها، ولكن هناك مسؤوليات مقدَّسة، مهمة، منها: مسؤولية الدعوة إلى الخير، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وإقامة القسط في الأرض، هذه مسؤوليات كبرى، ومسؤوليات مهمة، ومن ضمن الالتزامات الإيمانية والدينية، التي هي محسوبةٌ في حساب الجزاء، وفي حساب الثواب والعقاب، وفي حساب الجنة والنار، ليست أموراً هامشية، يمكن أن يتركها المسلمون، وأن يشطبوها من لائحة اهتماماتهم والتزاماتهم العملية، ثم تكون المسألة عادية، ويكتفي الله منهم ببعض الشعائر الدينية، التي يؤدونها على نحوٍ فيه الكثير من الخلل، ومفصولةً عن بقية الجوانب، أو في التزامات أخلاقية محدودة، هذه المسؤوليات الكبرى التي على المسلمين، معنى الإخلال بها: أن يدخلوا في إطار الوعيد الإلهي.
ترك الجهاد في سبيل الله تعالى، في ظل مراحل خطيرة، الأمة فيها مستهدفة، وفي ظل هجمة حقيقية كاملة من أعدائها، تستهدف الأمة في كل مجال، وفي ظل أن يعم الجور والكفر والشر والطغيان أرجاء المعمورة، وكأنه ليس هناك أي جهة معنية بأن تتصدى له، ولا أن تتبنى رسالة الله في أخلاقها وقيمها، وعدلها وخيرها، هذه حالة خطيرة.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عندما يقول في القرآن الكريم: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التوبة:39]، كم في القرآن الكريم من وعيد.
والذين كانوا يتَّخذون مثل هذه الخيارات في عهد رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: خيارات التنصل عن المسؤولية، التخلي عن الجهاد، عدم التحرُّك مع رسول الله ومع المؤمنين، لحمل هذه الرسالة الإلهية كمسؤولية وجهاد، ماذا كان موقف القرآن الكريم منهم؟ وكيف كان موقف رسول الله منهم؟ كان القرآن يوبِّخهم، كان يجعل من موقفهم في التخلف، والتخاذل، والتنصل عن المسؤولية، والتباطؤ، ومحاولة تخذيل الآخرين، وتثبيط الآخرين، كان يجعل من ذلك دلالةً تفضحهم في مدى مصداقيتهم في الانتماء للإيمان، وكان يهاجمهم، وكان يصنِّفهم تصنيفات متنوعة:
فكان يُصَنِّف البعض منهم بالمنافقين، ممن كان لديهم اختلال في ولائهم، في ولائهم لله، وللإسلام، ولرسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”؛ بينما كانوا يوالون الكفار، كان يسميهم بالمنافقين، ويتوعَّدهم بأشد الوعيد، إلى درجة أن يقول الله في القرآن الكريم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}[النساء:145].
المنافقون فئة مرتبطةٌ في ولائها بالكافرين؛ بينما هي تنتمي للإسلام، لكنها تلعب دوراً تخريبياً في أوساط المسلمين، تخذِّلهم، تقدِّم خدمةً للأعداء، من خلال التخذيل، والإرجاف، والتثبيط، وإثارة الفتن، والسعي لإعاقة المسلمين عن الجهاد في سبيل الله، وعن التصدي لأعداء الله.
وكان أبرز دور للمنافقين هو هذا الدور: دورٌ يرتبطون فيه بالكافرين، بتقديم خدمةٍ لهم، من خلال السعي الدؤوب لإعاقة المسلمين عن الجهاد في سبيل الله تعالى، بالتخذيل، والتثبيط، والإرجاف، والتهويل… وكل الوسائل التي يحاولون من خلالها أن يعيقوا الناس عن التحرك في سبيل الله، يعيقونهم عن الاستجابة لله ولرسوله.
كانت آيات القرآن الكريم تتنزل، تأمر الناس بالجهاد في سبيل الله، والتحرك مع رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وفيها الأوامر الصريحة بالجهاد، والنفير في سبيل الله، الجهاد بالنفس وبالمال، فكانوا هم من يخذِّل، من يرجف، من يهوِّل، من يثبِّط، من ينشر الدعايات المسيئة، من يحاول أن يصرف الناس بكل جهد، وكان ذلك الدور التخريبي، الهدَّام، السيء، مما يسبب لهم، مقت الله تعالى إلى هذه الدرجة: أن يتوعَّدهم بأن يكونوا {فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}[النساء:145].
وكان القرآن الكريم يصنِّف البعض أيضاً بالذين في قلوبهم مرض، الحالة الوجدانية والنفسية لديهم، وما في قلوبهم، هي حالة غير سليمة، غير صحيحة، غير إيجابية، هم لا يعيشون حالة الثقة بالله تعالى، هم لا يحملون السَّلامة الفكرية والنفسية، والزكاء الإيماني، الذي يجعل الإنسان متَّجهاً للاستجابة لله تعالى، واثقاً بالله “جَلَّ شَأنُهُ”، منطلقاً برغبة وزكاء نفس في سبيل الله تعالى.
وكان القرآن الكريم يصنِّف البعض الآخر، أو كعنوانٍ شامل لكل الفئات بـ (المخلَّفين)، يوبِّخهم، يسخر منهم، بل يصدر على بعضهم أحكام شديدة، ومواقف شديدة جداً، {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ}[التوبة:83]، يعني: استأذنوك لأن يخرجوا معك في مرة أخرى، في جولة أخرى من جولات الصراع، في موقف آخر، {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}[التوبة:83-84]، هكذا كان يفرز المجتمع المسلم، في مدى تفاعله واستجابته فيما يتعلق بمسألة الجهاد في سبيل الله تعالى.
ولــــذلك الخلل في هذا الجانب في واقع الأمة، عندما تفقد الروحية الجهادية تماماً، وكأنه ليس من فرائضها ولا من التزاماتها الدينية والإيمانية فريضة الجهاد في سبيل الله، وترى هذه الأمة في طولها والعرض، وهي تحتل رقعةً جغرافيةً كبيرةً ومهمة على وجه الأرض، وتراها بمئات الملايين، هل يمكن أن تلتمس العذر لمئات الملايين؟! هل يمكن أن نقف في ساحة القيامة يوم الجزاء، يوم الحساب، ثلاثمائة مليون عربي، لنقول لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: [اعذرنا يا الله؛ لأننا لم نجاهد في سبيلك]، ثلاثمائة مليون ماذا سيعتذرون به يوم القيامة؟!
عندما كان سكَّان المدينة برجالهم ونسائهم خمسة آلاف نسمة، لم يكن لهم عذر في ترك الجهاد في سبيل الله، سكَّان المدينة المنورة لم يكن لهم عذر في أن يتركوا الجهاد في سبيل الله، وهم برجالهم ونسائهم، وكبارهم وصغارهم وشبابهم (خمسة آلاف نسمة)، واليوم ثلاثمائة مليون عربي يتنصَّلون عن الجهاد في سبيل الله، يتفرَّجون على إخوتهم المسلمين في فلسطين وهم يقتلون بكل وحشية، يبادون إبادةً جماعية، يُقتَّل الكبار والصغار، والأطفال والنساء، تنتهك الأعراض، تحرَّق المصاحف، تدمَّر المساجد، يجوَّع الملايين، وهم يتفرَّجون دون موقف، دون موقف! هذه حالة معناها إخلال كبير في الانتماء الإيماني والديني.
الموقف القرآني، والرسول “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، كان حاسماً في أنَّ هذه الحالة من فقدان الروحية الجهادية، ومن التنصل التام عن الموقف في سبيل الله تعالى، تعتبر خللاً في الانتماء الإيماني، خللاً كبيراً في القيم والأخلاق، تراجعاً في الإيمان، بل فقداناً للحالة الإيمانية، فقداناً للحالة الإيمانية؛ ولهــذا هناك خطر حقيقي.
ومن أهم ما في الأحداث الكبرى، والاختبارات المهمة: أنها تفرز للناس كل شيء، بما يمكِّنهم من تقييم واقعهم تقييماً شاملاً كاملاً؛ ولــذلك يمكن للإنسان أن ينعى حالة الكثير من أبناء أمتنا، أنها حالة خطيرة عليهم في دينهم، في إيمانهم، ومعنى ذلك: أنَّ الإنسان يتَّجه للهلاك يوم القيامة، هناك خسارة كبيرة عندما يخسر الناس إيمانهم، صدقهم مع الله تعالى، عندما تكون الخسارة في القيم، والأخلاق، والمبادئ، والالتزامات الإيمانية، فهي خسارة فادحة جداً، خطيرة جداً في علاقة الناس بالله تعالى، وفي مستقبلهم يوم القيامة، الوعيد من الله تعالى المتكرر في القرآن الكريم بالعذاب، هو وعيدٌ صادق، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال لعباده، ويقول لهم مجدداً يوم القيامة: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[ق:29]، فهي حالة خطيرة جداً على هذا المستوى.
- مخاطر أيضاً على الأمة في دنياها:
أمتنا الإسلامية إذا فقدت الروح الجهادية، ومات منها هذا الجانب؛ هي تفقد عِزَّتها، شجاعتها، تفقد استقلالها وَحُرِّيَّتها، كيف يمكن لأمة تفقد الروح الجهادية، أن يبقى لها شيءٌ من العزة، أن يبقى لها شيءٌ من الحرية، أن يبقى لها شيءٌ من الكرامة؟! الأمة إذا فقدت الروح الجهادية، معناه أنها: ذلت، وهانت، وضعفت، وانكسرت، وجبنت، وهذا يطمع أعداءها فيها، وفعلاً الحالة التي عليها كثيرٌ من أبناء الأمة، في تنصلهم عن أي موقفٍ في سبيل الله، لمناصرة الشعب الفلسطيني تجاه ما يحصل عليه، هي حالة ذلة، لا شك في ذلك، حالة جبن، لا شك في ذلك، حالة خوف، الكثير باتوا مكبَّلين بقيود الذلة، والخوف، والرعب، والجبن، وهذه حالة مؤسفة جداً، وتشكِّل خطورةً على الأمة، تطمع أعداءها فيها.
والحالة المؤسفة جداً في واقع أمتنا: أنَّ اليهود الذين ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، باتوا يستأسدون على أبناء هذه الأمة، معناه: حالة هبوط وتراجع كبير جداً في واقع الأمة، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جداً! شيءٌ مؤسفٌ جداً أن تكون الأمة ذليلةً أمام من ضرب الله عليهم الذلة، ومستكينةً تجاه من ضرب الله عليهم المسكنة، وتحت رحمة من قد باءوا بغضبٍ من الله، وهذه حالة خطيرة جداً!
لا شك أنَّ الأعداء يقيِّمون واقع الأمة، وعندما يشاهدون شعباً مستذلاً، مرعوباً، خائفاً، يسيطر عليه الجبن، والخوف، والرعب، والقلق، ولا يستشعر المسؤولية، قد فقد الروحية الجهادية، وفقد معها الشجاعة، والإقدام، والاستعداد للتضحية، والجرأة، والنهوض بالمسؤولية… وكل القيم؛ فإنهم يطمعون فيه، ويتشجَّعون عليه، وهم يريدون من هذه الأمة كل شيء، يريدون منها أرضها، ثرواتها، يريدون السيطرة عليها، يريدون أن يستعبدوها، وأن يذلوها، وأن يقهروها، وهذا شيءٌ خطيرٌ جداً على المسلمين.
- من المخاطر الأخرى أيضاً هي: مخاطر الخذلان، وخسارة التأييد الإلهي:
الأمة إذا تنصَّلت عن مسؤولياتها المقدَّسة والمهمة، وأصبحت أمة متخاذلة، مفرِّطة، متنصِّلة عن واجبها العظيم المقدَّس، فهي ستخسر التأييد من الله، المعونة من الله، النصر من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنه كله اقترن في الوعد الإلهي، بنهوض الأمة بمسؤولياتها، واستجابتها لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولـــذلك حينما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7]، اقترن هذا بذاك: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج:40].
والشيء المؤسف جداً: أنَّ المسلمين لا يستفيدون من تاريخهم، مرَّت الأمة بمراحل تاريخية فيها الكثير من الدروس والعبر، وعندما كانت تأتي أحياناً هجمة- مثل: الهجمة المغولية، أو الهجمة الصليبية- على بلدٍ مسلم، تفعل فيه بمثل ما يفعله الصهاينة اليوم في فلسطين، مع اختلاف في وسائل القتل والدمار، آنذاك يستخدمون السيوف، والرماح، والإحراق للمدن، والإحراق للناس، والتدمير بوسائلهم المتاحة والمتوفرة لهم آنذاك، لكن حجم الإجرام من حيث عدد ما يقتلون، وما يفعلون، والانتهاك للحرمات والأعراض، كان كبيراً، كانت بقية الشعوب تبقى متفرِّجة، وكأنَّ ما يحدث هناك لا يعنيها، وكأنَّ ما يحصل سيبقى محصوراً في نطاق ذلك البلد، وتبقى الشعوب متفرِّجة، ولكن بعد مرحلة معينة يمتد ذلك الشر على بقية الشعوب، وامتد، مثلما حصل في الهجمة المغولية، امتد على شعبٍ تلو آخر، وكل شعب يتفرَّج على ما يحدث تجاه الشعب الآخر، آنذاك لم يكن هناك وسائل إعلامية، لكن كانت تصل الأخبار إلى الناس، تصل إليهم التفاصيل، وإن لم يكن هناك مثل هذا العصر المشاهد الحية عبر التلفاز، لكن كانت تصل الأخبار إلى الناس، يعرفون في الهجمة المغولية أنَّه قُتل ثلاثمائة ألف إنسان في يومٍ واحد في مدينة واحدة، ثلاثمائة ألف إنسان! وأنها انتهكت الأعراض، واغتصبت النساء، ونهبت الممتلكات، ودمِّرت المنازل، ثم كانوا يسكتون، ولا يتحركون، ولا يدركون الخطر، ولا يستشعرون المسؤولية، ثم ينتقل الخطر إلى بلدٍ آخر، وهكذا في الهجمات الصليبية.
ثم ما بعد ذلك إلى اليوم، الحالة هي نفسها: ليس هناك إدراك للمخاطر الكبرى للتخاذل، وفقدان الروحية الجهادية، وما يترتب عليها من العقوبات الإلهية، وأنَّ الأمة تخسر فيها حتى التأييد الإلهي، يطمع فيها الأعداء أكثر، ويتسلَّطون عليها أشد، بجرأة واطمئنان، لم يعد هناك ردع، لم يعد هناك ما يردع الأعداء، وفي نفس الوقت لا تحظى الأمة برعاية من الله، ولا معونة من الله، ولا تأييد من الله، وهي في حالة تخاذل، في حالة مؤاخذة، مؤاخذة، وغضب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
فالمخاطر كبيرة جداً، وَإِذا فَقدتِ الأمة الروحيةُ الجهادية، ولم يعد لديها تحرك للنهوض بمسؤولياتها الكبرى، في الجهاد في سبيل الله، وحمل رسالة الله، والسعي لإقامة القسط في الأرض؛ هي تهبط على مستوى كل المجالات، لم يعد لديها حافز للبناء، ولا دافع لإعداد القوة… ولا شيء، يصبح الضعف ثقافة سائدة، يصبح الاستسلام والخنوع سلوكاً عاماً، تصبح مسألة الخضوع للأعداء، والتبعية لهم، والاسترضاء لهم هي السياسة العامة، فتفقد الأمة كل مقومات وعناصر البناء، التي تبنيها كأمة قوية، حاضرة في هذه الساحة العالمية، لتكون في موقف مستقل ومتميز، على حسب انتمائها لإسلامها.
وهذه حالة تشمل كثيراً من البلدان، يصبح التوجه عندهم هو: [كيف يعملوا على استرضاء العدو، وتقديم التنازلات له، ودفع الجزية له، والسعي لأن تحظى بعض الأنظمة بحمايته]، في مقابل أن تقدم له كل شيء، وأن تتعاون معه في كل شيءٍ ضد أمتها، وضد شعوبها، وبجهل، يجهلون أنَّ العدو في المرحلة التي يستغني عنهم فيها؛ لن يقدِّر لهم ما فعلوه، ولو كان كيفما كان، لو كان حجم تعاونهم وخدمتهم للأعداء، وما قدَّموه للأعداء كبيراً جداً، فلا قيمة له عند العدو، في اللحظة التي يستغني عنهم فيها؛ يبيدهم، ليس لهم أي قيمة، ولا كرامة، ولا اعتبار، ولا احترام؛ لأن نظرة العدو إليهم ليست حتى في مرتبة أنهم بشر، هو يعتبرهم مجرد حيوانات يستغلهم.
- ومخاطر أخرى في ظل هذا الخطر نفسه: مخاطر التطويع للأمة في خدمة أعدائها، وفي مصلحتهم:
يتحول واقع الكثير من الأمة خدمةً للأعداء في كل شيء، وما أسوأ أن يتحول واقع شعب من الشعوب، أو بلد من البلدان، إلى أن تُسخَّر فيه الجهود، والطاقات، والإمكانات، والقدرات، والثروة… وكل شيء، لخدمة عدوٍ مجرمٍ، ظالمٍ مفسد! هذا خسرانٌ للدنيا والآخرة، ذلٌ وهوانٌ، استعباد بكل ما تعنيه الكلمة، وضياع، مثل هذا يُضِيْع الناس، يُضِيْعُهُم، لا يبقى لهم قيمة لا في الدنيا ولا في الآخرة.
أو أيضاً يحرفون بوصلة العداء في ظل ما يخدم العدو، مثلما هو الحال في التكفيريين، كيف هو موقفهم تجاه ما يحصل على الشعب الفلسطيني؟ من أكبر الفضائح تجاه ما يحصل في فلسطين، هي: الفضيحة الكبرى للتكفيريين. أين هو عنوان الجهاد، الذي لا يفعِّلونه إلَّا لتدمير الأمة من الداخل، ولإثارة الفتن بين أبناء الأمة، تحت العناوين المذهبية والطائفية، لخدمة أمريكا وإسرائيل؟! ولا طلقة واحدة، ولا موقف واحد، ولا عملية واحدة، ولا شيء لمناصرة الشعب الفلسطيني، مع إمكانياتهم الضخمة والهائلة، وانتشارهم الواسع، وما يحظون به من دعمٍ بتوجيهٍ أمريكي من أنظمة عربية متمكِّنة، تدفع لهم المليارات من الدولارات، في سبيل دورهم التخريبي الهدَّام المدمر في داخل الأمة الإسلامية، الناشر للفتن، المفرِّق للمسلمين تحت العناوين المذهبية والطائفية، فضيحة كبرى، أين هو الجهاد؟! وأين هو الاستشهاد؟! وأين هم الانتحاريون لينتحروا في وجه الصهاينة اليهود؟! تلاشى كل شيء، وانتهى كل شيء، لكن لا يزال نشاطهم باتجاه محاولة جرِّ الأمة من جديد إلى صراعات فتنوية، فتنوية لخدمة أمريكا وإسرائيل، ولصرف نظر الأمة عن عدوها الحقيقي، العدو الحقيقي بنص القرآن، وبشهادة الواقع، وشهادة الأحداث؛ ولذلك الحالة واضحة في واقع الأمة، يعني: هذا جزءٌ أيضاً من حالة الانحراف، الذي يطوِّع البعض من أبناء الأمة لصالح أعدائها وخدمتهم.
ولذلك نجد أهمية الاستنهاض للأمة، وإحياء الروحية الجهادية فيها، ببصيرةٍ ووعي، من خلال القرآن الكريم، وسيرة رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، ونجد كيف أنَّ إحياء الروحية الجهادية يترافق معها: إحياءً للأمة كاملاً؛ لأنه لابدَّ مع إحياء الروحية الجهادية، من إحياء الأخلاق، إحياء الوعي، إحياء الإيمان في كل جوانبه، بل حتى الإحياء الحضاري، هو يترافق مع إحياء الروحية الجهادية، لتستعيد الأمة مجدها، وعزها، وحقوقها، ولتتخلص من التبعية لأعدائها، ولا يوجد سبيلٌ آخر والواقع يشهد.
في مسار القضية الفلسطينية، على مدى كل هذه العقود من الزمن، منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين، ومن بعده تمكينه للعدو الإسرائيلي الصهيوني ليواصل المشوار الظالم من بعده في الاحتلال، والقتل، والاغتصاب، والانتهاك للحرمات والمقدسات… وغير ذلك، وإلى اليوم، بالرغم من كل ما قدَّمه العرب من تنازلات، ومن عروض، وبالرغم من المراحل المؤسفة جداً، التي شهدت الكثير من تراجعهم، بل وأحياناً من تآمر البعض منهم ضد الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، هل هناك من نتيجة إيجابية لذلك؟! كل النتائج سلبية، كل الخيارات الأخرى مسارات واضحة، نتائجها واضحة، وهي: نتائج فشل وإخفاق بكل ما تعنيه الكلمة.
الأمة بحاجة إلى إحياء الروحية الجهادية لخدمة قضاياها، ولاستعادة حضارتها ودورها التاريخي، ولتحظى برعايةٍ من الله، ونصرٍ من الله، وتأييدٍ من الله، ومعونةٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
نلاحظ في ظل الحالة الراهنة، العدو الإسرائيلي عدوٌ واضح، صريح في عدائه للإسلام والمسلمين، لا التباس في أمره، عدو واضح، عُد إلى القرآن وعُد إلى الواقع والمسألة واضحة جداً، وكانت في حالة الإقرار العام في الحالة العربية، كانت مسألةً أيضاً محل اعتراف من الجميع، وإن تراجع البعض عنها في الآونة الأخيرة؛ فهو إنما بيَّن ما كانوا عليه في السر في المراحل السابقة، ليظهر إلى العلن في سنَّة الله تعالى، التي تميز الخبيث من الطيِّب، وتظهر إلى الواقع ما كان مخفياً، كما توعَّد الله في القرآن الكريم: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}[محمد:29]، تظهر الأمور وتتجلى في الواقع.
الآن أمام هذا العدو: العدو الإسرائيلي، عنوان الجهاد لا بدَّ من إحيائه، لا بدَّ أن يكون هو العنوان الذي يوصل إلى نتيجة، وهو فعلاً الذي- ضمن وعد الله تعالى، وضمن سننه، وضمن ما أكَّد عليه في كتابه- سيمثل الحل الحقيقي لزوال العدو الصهيوني، وزواله محتوم في وعد الله تعالى المؤكد عليه في القرآن الكريم، فهذا الصراع القائم حالياً، الغلبة فيه، والنتيجة الحتمية فيه، والفلاح والنجاح فيه، هو: لمسار الجهاد في سبيل الله تعالى، ضمن توجيهات الله تعالى، ضمن الانطلاقة الإيمانية المتولية لله تعالى، {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:56]، ستأتي الغلَبة، وسيتحقق النصر الإلهي، وستأتي النتيجة المحتومة في وعد الله تعالى، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}[الإسراء:7]، النتيجة المحتومة في قول الله تعالى: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}[الإسراء:8]، هذه أمورٌ لابدَّ منها.
كل الرهانات الأخرى خاسرة، وبائرة، وفاشلة، وكل الخيارات الأخرى إنما هي خيارات لها تبعات خطيرة على من يتبنونها في دينهم، وفي دنياهم، وفي عاقبة أمرهم، التي هي الخسارة والندم، وفق الوعد الإلهي المؤكَّد في القرآن الكريم في سورة المائدة، أن يصبحوا نادمين، وأن يصبحوا خاسرين، فمسار النجاح والفلاح هو مسار الجهاد في سبيل الله تعالى.
ونحن في ظل ما يحدث في فلسطين، نرى الموقف المشرِّف لإخوتنا المجاهدين هناك، وهم يواجهون العدو بإيمان، بتوكل على الله تعالى، بالرغم من انعدام الإمكانات، إمكاناتهم لا تكاد تذكر، في مقابل ما يمتلكه العدو الإسرائيلي، وما يعانونه في المقابل من خذلان أمتهم، وأنظمتها، وحكوماتها، بالرغم من امتلاكها للأسلحة الكثيرة، والإمكانات الضخمة، لكنهم يتحرَّكون بإيمان وثبات على مدى أحد عشر شهراً، والإخوة المجاهدون في قطاع غزة، يجاهدون في سبيل الله باستبسال، وثبات، وتفانٍ، مع إمكانياتهم البسيطة، لكن ذلك المستوى من التماسك، من الثبات، لا تستطيعه جيوش كبيرة من جيوش أنظمة عربية اتجهت اتجاهاً آخر، لو هبَّت عليها هبَّة أمريكية واحدة، أو إسرائيلية؛ لكادت بعضها أن تتلاشى، وأن تنهار في غضون أسابيع، إن لم يكن في غضون أيام، لكن ذلك المستوى من الاستبسال، والثبات، والتماسك، هو لأنَّ تحركهم كمجاهدين في غزة، تحرّكٌ جهاديٌ في سبيل الله من منطلقٍ إيماني، فمنحهم الله هذا الثبات، هذه الروحية العالية، هذه السكينة، هذا التماسك العظيم، وهم في قلةٍ من العدد، وفي إمكانيات متواضعة جداً، وبسيطة للغاية، لكنها فعَّالة.
وواقع العدو الإسرائيلي بالرغم من الجبروت، والظلم، والعدوان الغاشم، والإبادة الجماعية، والقتل الجماعي للأطفال والنساء، والكبار والصغار، لكنه واقع يشهد عليه بالفشل، إلى اليوم لم يستطع أن يحقق أهدافه المعلنة:
- فلا هو استطاع أن يتخلَّص من المجاهدين في قطاع غزة، من: كتائب القسام وسرايا القدس… وغيرها من الفصائل المجاهدة في قطاع غزة.
- ولا هو استطاع أن يستعيد أسراه بدون صفقة تبادل؛ إنما يستعيد بعض جثامينهم بدون فائدة، بما يشهد عليه بالخسارة.
ماذا لو حظي ذلك الصمود لأولئك الإخوة المجاهدين بالدعم والمساندة من أمتهم، بتقديم الإمكانات لهم، بالمساندة على كل المستويات: السياسية، والاقتصادية، والإعلامية… وغير ذلك؟ لكان الموقف متقدِّماً أكثر؛ لكن بالرغم من حجم الخذلان، هم في ذلك المستوى من الثبات، صمود.
في الضفة الغربية كذلك، قلةٌ قليلةٌ من المجاهدين، أعداد محدودة، لكن يقفون بفعالية عالية، بثبات، واستبسال، وتفان، وصمود، يحتاج العدو الإسرائيلي إلى أن يرسل المئات، وأحياناً الآلاف من جنوده، ليواجه مجموعة، مجموعة بعددٍ محدود من المجاهدين في الضفة الغربية، يمارس كل الجبروت، يدمِّر المنازل على سكَّانها، ويجرف الشوارع، وهو في مواجهة مع مجموعة محدودة من المجاهدين.
العدو الإسرائيلي بقدر ما هو عليه من إجرام، وعنجهية، وجبروت، وتدمير شامل، هو يكشف عمَّا هو عليه من جبن وخَوَر وضعف؛ ولــذلك يلجأ إلى استخدام ذلك المستوى من العنف، والإجرام، والطغيان، والتدمير الشامل، والاستهداف الشامل، يجبن جنوده عن مواجهة متكافئة، أو عن الدخول حتى بمستوى منطقي ومعقول، كما هو معروف عند كل الناس في العالم في المواجهات العسكرية، لكن يتعاطى بمثل ذلك المستوى من الإجرام والوحشية والعدوانية.
على كُلٍّ، ما يحدث في فلسطين هو اختبارٌ مهم لأمتنا، وهو يكشف واقع كل شعوبها، وكل أنظمتها، وكل نخبها، بمختلف أنواعهم: النخب العلمائية، والأكاديمية الفكرية… وغيرها، حتى على المستوى الاجتماعي، هو اختبار مهم جداً؛ ولذلك نحن في هذه المرحلة، وفي إطار هذه المناسبة، بأمسِّ الحاجة إلى إحياء الروح الجهادية في أمتنا من جديد.
ونحن كشعبٍ يمني نحمد الله ونشكره، أنه بتوفيقه تعالى، نحن في إطار موقفٍ نتحرك فيه على أساس الجهاد في سبيل الله، والنصرة للشعب الفلسطيني المظلوم، وفي مواجهة معلنة، وواقعية، وصريحة، وواضحة، ضد أمريكا وإسرائيل وبريطانيا، وبفضل الله تعالى تحركت قواتنا المسلحة، بمجاهديها الأعزاء، في عمليات عسكرية جريئة، لضرب العدو بكل ما نتمكن من ضربه به، ودون أي قلقٍ ولا تحرج، ودون أي سقفٍ هابط، لا سياسي ولا غير سياسي؛ إنما بكل ما نستطيع، ونسعى لما هو أكبر، بمعونة الله تعالى، وبتوفيقه “جَلَّ وَعَلَا”.
العمليات مستمرة، وكل أسبوع وله محصِّلته، من القصف الصاروخي، والاستهداف للأعداء بالصواريخ البالِسْتِيَّة والمجنَّحة، ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كُنَّا نتلهف، شعبنا العزيز يتلهف كل الأحرار فيه، أن لو أمكنهم أن يتَّجهوا بمئات الآلاف من المجاهدين، للالتحام المباشر في المعركة البرية في قطاع غزة؛ اسناداً للشعب الفلسطيني، لكن حالت بيننا وبين ذلك الجغرافيا الواسعة لأنظمة عربية، الكثير منها يتواطأ مع العدو الإسرائيلي، كُنَّا نتمنى، وقلنا- ولو على سبيل الاختبار، أو وهم يكرهوننا بهدف التَّخلُّص مِنَّا- أن يفتحوا لنا الطريق إلى قطاع غزة، لكنهم لم يفعلوا، ولن يفعلوا؛ لأنهم يتواطؤون مع العدو الإسرائيلي، يسخِّرون كل إمكاناتهم، لمحاولة اعتراض أي طائرة مسيَّرة، أو صاروخ يتَّجه لاستهداف العدو الإسرائيلي، جعلوا من أنفسهم تروساً يحملها الأمريكي ويتَّقي بها ما يوجهه إلى العدو الإسرائيلي، هذا شيءٌ مؤسف! مؤسف بكل ما تعنيه الكلمة، وله تبعاته عليهم عند الله تعالى، في عاقبة أمرهم في الدنيا، وفي مستقبلهم في الآخرة.
ولكن نحن في عملٍ مستمر، بفضل الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى” حقق الله للعمليات في البحار- في البحر الأحمر، وخليج عدن، والبحر العربي، وصولاً إلى المحيط الهندي، والعمليات التي نفِّذت حتى إلى البحر الأبيض المتوسط- حقق الله لذلك نتائج كبيرة جداً، وبات الأعداء يتحدثون فيما يتعلَّق بمعركة البحر الأحمر بمفردة (الهزيمة) مع مفردة (الفشل)، تكلموا كثيراً عن فشلهم، والآن بات قادةٌ منهم، ووسائل من وسائل إعلامهم، يصرِّحون بهزيمتهم في البحر الأحمر، أنهم فشلوا، ثم هزموا في معركة البحر الأحمر، ولم يستطيعوا أن يحموا السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي؛ لتواصل نقل ما يحتاجه من المؤن عبر البحر الأحمر، وهذا كبَّدهم الكثير والكثير من الخسائر والكلفة الباهظة.
ولـــذلك شعبنا يُسهم جهاداً في سبيل الله بعملياته هذه، وهو مستمرٌ أيضاً في تطوير قدراته، وأكرر كما قلت سابقاً: بما يفاجئ الأعداء، لقد تفاجأوا بالضربات بالصواريخ البالِسْتِيَّة، لاستهداف السفن وهي متحركة في البحار، ولأول مرة يحصل ذلك في التاريخ، كما يقولون ويعترفون، وسيتفاجؤون في البر كما تفاجأوا بالبحر- بإذن الله تعالى- بتقنيات جديدة غير مسبوقة في التاريخ بإذن الله تعالى، تساعد على التنكيل بهم بجبروت الله وبأسه، {وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا}[النساء:84]، لن نألوَ جهداً في أن نفعل كل ما نستطيع، لنصرة الشعب الفلسطيني، وجهاداً في سبيل الله، مع ألمنا الدائم وإحساسنا بالتقصير مهما فعلنا.
شعبنا العزيز يخرج في كل أسبوع- على مدى كل هذه الأشهر– يخرج أسبوعياً خروجاً مليونياً لا مثيل له في الأرض، ولا سابقة لذلك في أي شعبٍ من الشعوب، نرى حتى في بعض الساحات أربعة أجيال: الجد، وابنه، وابن ابنه، وحفيده أيضاً، نراهم في الساحات يحضرون كباراً وصغاراً، شيباً وشباناً، وحضورهم حضور واضح أنه بدافعٍ إيماني، وأخلاقي، وقيمي، وباهتمام، وبألم، وبحماسٍ كبير، وتفاعلٍ كبير، ليس خروج من لا يخرج إلَّا في الحالات النادرة جداً، خروجاً محدوداً، لأهداف سياسية… أو غير ذلك، هذا خروج هو جزءٌ من جهاد شعبنا في سبيل الله تعالى، ومن نهضته الجهادية والإيمانية، التي يجسِّد فيها أخلاق الإسلام، وقيم الإسلام، وعزة الإيمان، وهذا شيءٌ واضحٌ في واقع شعبنا والحمد لله، هو يقف مواقف الشرف، المواقف التي تبيِّض الوجوه، يوم تسود وجوه، وتبيض وجوه في الدنيا وفي الآخرة، والحمد لله على ذلك.
ولذلك نحن مستمرون، والرد قادم، وغير الرد أيضاً، مع الرد مسارٌ مستمرٌ بإذن الله تعالى، ولن نخذل الشعب الفلسطيني أبداً، ما دام فينا عِرقٌ ينبض، ما دام فينا وجودٌ للحياة؛ لأننا مع حياتنا، نحمل الإيمان بالله تعالى، ونستشعر المسؤولية أمام الله، وندرك ونعي كشعبٍ يمنيٍ مسلم قيمة الموقف المشرِّف، الذي هو مرضاةٌ لله تعالى، والذي هو شرفٌ نخلِّده لكل الأجيال اللاحقة، وهذه نعمةٌ كبيرة، والله يقول عن ذلك في كتابه الكريم: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:54].
في يوم القيامة، مرويٌ في كتب الأمة، في تراثها، في أحاديثها، أنَّ رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” يذبُّ الناس، ويفتح المجال لأهل اليمن؛ ليتقدموا على الحوض يوم القيامة، نريد أن نلقى رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” يوم القيامة ببياض وجه، بشرف، بأن نكون أيضاً من الذين اتَّجهوا للتأسي به، والاقتداء به في كل شيء: في الالتزام الإيماني والأخلاقي، في الجهاد والموقف، في العمل، في التحرك في كل المجالات، ومن ضمن ذلك: التأسي برسول الله في جهاده، في موقفه، في تحركه بالعزة الإيمانية، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون:8]، فشعبنا العزيز نال- بفضل الله تعالى- شرف العزة، والخلاص من المواقف المذلة والمهينة؛ ولــذلك هو مستمرٌ في انطلاقته الجهادية.
رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” واجه كل قوى الكفر والطاغوت، من مشركي العرب، وحقق عليهم النصر الحاسم بمعونة الله تعالى، خاض معهم معارك شرسة، وحروب كثيرة، وتحرَّك أيضاً بالإغارات، وبالغزوات، وبالتحرُّك الشامل؛ حتى حقق النصر الحاسم.
وواجه اليهود، وحقق عليهم النصر الحاسم في بني النضير، في بني قينقاع، في غزوة خيبر… في كل المعارك والأحداث، حتى نصره الله عليهم نصراً حاسماً، وأخَّرهم، وهاهم تأخروا من ذلك اليوم على مدى أكثر من ألف عام، هزيمة تاريخية ساحقة، أوصلتهم إلى الحضيض، وجعلت من بقي من بقاياهم يدفعون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون؛ بينما يوم هبطت الأمة، وفقدت روحها الجهادية، وبقدر ما ابتعدت عن نبيها؛ اِضْمَحَلَّ واقعها، وخسرت عزتها وكرامتها، فأتى اليهود من جديد ليذلوا الأمة، وهي لم تذل أبداً فيما قد مضى أمامهم، وفي مواجهتهم.
وواجه الروم، وأوصل العرب الذين كانوا في نقطة الصفر، إلى المرتبة الأولى عالمياً، لريادة الأمم، وسيادة الأمم، وهزيمة الإمبراطوريات القائمة، في ظل حمل رسالةٍ مقدَّسة، وحمل راية الجهاد في سبيل الله تعالى.
ووثَّق الله في القرآن الكريم المسيرة الجهادية لرسوله بشكل دروس وتعليمات، تبقى لأمته للمسلمين في كل العالم، جيلاً بعد جيل إلى قيام الساعة، كما في سورة البقرة وآل عمران، وسورة النساء والأنفال، وسورة التوبة والأحزاب، وسورة محمدٍ والفتح، وسورة النصر… وغيرها من الآيات المباركة؛ ولذلك لا يمكن للأمة أن تنهض من جديد، إلَّا بالجهاد، ولا أن تواجه التحديات والأخطار، إلَّا بالجهاد، وشعبنا حمل راية الجهاد في سبيل الله تعالى؛ ولــــذلك نحن مستمرون بكل راحة بال، بكل اطمئنان، وباعتبار ذلك نعمة عظيمة من الله، أننا في هذا الموقف، في إطار هذا التوجه الجهادي، وفي هذه المسيرة القرآنية المباركة.
في ختام الكلمة، فيما يتعلَّق بنعمة الله بالغيث والأمطار الغزيرة، وفيما يتعلَّق ببعض الأضرار التي حصلت- وللأسف- في بعض المحافظات، أؤكد على استمرار الجهود في دعم المتضررين ومساندتهم بتعاونٍ رسميٍ وشعبي.
كما أؤكد على أهمية الاهتمام بالأنشطة والفعاليات في مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، والتحضير للفعالية الكبرى المرتبطة بذلك، في الثاني عشر من الشهر إن شاء الله تعالى.
وَأُنَوِّه في هذا السياق، إلى أنَّ شعبنا العزيز مدعوٌ للاهتمام بذلك بدافعٍ إيماني، وانطلاقة إيمانية؛ ولـــذلك لا نسمح أبداً بأيِّ جبايةٍ ماليةٍ إجبارية لأجل خدمة هذه المناسبة، أي حالة تحصل في مثل ذلك، فهي مخالفة، وقد تكون في سياق ابتزاز من المنفلتين، أو من الطامعين، أو من المشوِّهين، الذين لا صلة لهم بالمناسبة من قريبٍ ولا من بعيد.
فيما يتعلَّق بيوم الجمعة، غداً إن شاء الله: أدعو شعبنا العزيز إلى أن يكون خروجه يوم الغد- إن شاء الله- خروجاً مليونياً، متميزاً، وفاءً لرسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، واستمراراً في حمل راية الإسلام، كما كان الآباء والأجداد الأوائل من الأنصار والفاتحين، ونُصرةً للشعب الفلسطيني، وجهاداً في سبيل الله تعالى.
نَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرَنَا بِنَصرِه، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالنَّصْر وَالفَرَج لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِي المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛