كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية لأسبوع الشهيد 1442هـ
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والشهداء والمجاهدين.
السَّلام والرحمة والمجد والخلود للشهداء الأبرار، والسَّلام والرحمة والبركات على أسرهم الصابرة المحتسبة؛؛؛
والسَّلام عليكم- أيُّها الإخوة والأخوات- ورحمة الله وبركاته؛؛؛
في ختام الذكرى السنوية للشهيد، نتحدث في ختام هذه المناسبة، والتي منذ بدايتها- وهي تستمر على مدار أسبوعٍ كامل- شهدت الكثير من الفعاليات والكلمات، وشهدت الكثير من الأنشطة والبرامج المتنوعة والهادفة والمفيدة، وهذه المناسبة هي بالفعل مناسبةٌ في غاية الأهمية؛ لأنها من المحطات المهمة التي نتزود منها المزيد من العزم، وقوة الإرادة، والاستعداد للتضحية، ونستذكر فيها قداسة القضية التي ضحى في إطارها هؤلاء الشهداء، كما أنَّ لها أهميةً كبيرة في ما يتعلق باستذكارهم، والاستفادة من سيرهم، من أخبارهم، من جهادهم، من تضحيتهم، من أخبارهم التي هي كلها دورس مهمة ومفيدة، ولا سيما أنَّ منهم الكثير ممن هم على مستوىً عظيم من الإيمان، والوعي، والبصيرة، والالتزام الأخلاقي والإيماني في كل المراحل الماضية.
ثم أيضاً ما يستفاد منه في هذه المناسبة بلفت الانتباه بشكلٍ أكثر إلى المسؤولية التي تقع على عاتق الجميع: المجتمع والدولة، تجاه أسر الشهداء، وأيضاً ترسيخ مفهوم الشهادة في سبيل الله وفق التقديم القرآني المبارك والعظيم، هذه الأشياء كلها وأكثر منها مما يتم التركيز عليه عادةً في هذه الذكرى السنوية المباركة والمهمة.
نحن أيضاً بحسب الظروف التي تعيشها أمتنا بشكلٍ عام، والظروف التي يعيشها شعبنا- أيضاً- على وجه الخصوص، نرى الحاجة الملحة لمناسبةٍ كهذه فيما تقدمه لنا أيضاً على مستوى إبراز المظلومية، وإظهار حجم ومستوى هذه المظلومية من جانب، وإبراز وإظهار مستوى الصمود، والثبات، وقوة الإرادة، والاستعداد العالي للتضحية، وما يشهد على الإباء والعزة والثبات… إلى غير ذلك.
سنلحظ- إن شاء الله- في هذه الكلمة التركيز على بعض العناوين، منها ما يتم الحديث عنه- عادةً- في كل عام؛ وإنما لزيادة التذكير، ولترسيخ المفاهيم المهمة، كما هي منهجية القرآن الكريم، وأيضاً الإشارة إلى بعض النقاط المستجدة.
عندما نتحدث عن الذكرى السنوية للشهيد، نتحدث- كما قلنا- عن مفهوم الشهادة (الشهادة في سبيل الله “سبحانه وتعالى”)، والقرآن قدَّم الشهادة في سبيل الله باعتبارها منزلةً رفيعةً، ومقاماً عظيماً، وشأناً كبيراً، وفوزاً عظيماً، وهذا أول ما يجب أن نلتفت إليه حين نتحدث عن الشهادة، بعد أن يكون لدينا فهم صحيح عن الشهادة في سبيل الله.
الشهادة في سبيل الله: هي التضحية بالحياة في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، ومعنى ذلك: من أجله، وفق التوجيهات التي رسمها، وفي الموقف الحق، وفي إطار القضية العادلة، إذا اكتملت هذه الأركان، فضحى الإنسان من أجل الله “سبحانه وتعالى”، استجابةً له، هدفه وغايته رضا الله “سبحانه وتعالى”، ووفق توجيهات الله وتعليماته، لم ينحرف عنها في إطار موقفه وفي إطار تضحيته، وكذلك كان في الموقف الحق الذي تحرك فيه، وانطلق على أساسه، وفي إطار القضية العادلة، وليس ظالماً، ولا باغياً، ولا مجرماً، ولا خائناً، ولا عميلاً لأعداء الإسلام، فالإنسان إذا اتجه على هذا الأساس الصحيح، واجتمعت هذه الأركان؛ يعتبر شهيداً في سبيل الله، وقُتِل في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، وهذا يعتبر فوزاً عظيماً؛ لأن الله “سبحانه وتعالى” منح الشهداء في سبيله امتيازاً عظيماً، بحيث تكون شهادتهم عبارةً عن انتقالٍ من هذه الحياة، إلى حياةٍ يعيشون فيها حياةً حقيقيةً بكل مشاعرهم، ويعيشون فيها في ضيافة الله “سبحانه وتعالى”، وبتكريمٍ كبيرٍ من الله “سبحانه وتعالى”، كما قال “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 169-171]، ففي هذه الآيات المباركة يبين الله “سبحانه وتعالى” بكلماته التي هي الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهي الصدق، ليس فيها ولا نسبة ضئيلة غائبة عن الحقيقة، أو ناقصة عن الحقيقة، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الأنعام: الآية115]، يبين الله “سبحانه وتعالى” هذه الدرجة العالية، هذه المرتبة العظيمة، هذا الشأن الكبير، هذه الكرامة العظيمة جداً التي يمنحها للشهداء، فهم عندما ضحوا بحياتهم في سبيل الله “سبحانه وتعالى” لم يخسروا، ولم يتجهوا في عداد الأموات، فيبقون في حالة موتٍ إلى يوم القيامة؛ إنما أكرمهم الله “سبحانه وتعالى” بأن نقلهم إلى حياةٍ هي أفضل من هذه الحياة في هذه الدنيا، أسعد من هذه الحياة، أهنأ من هذه الحياة، حياة في كرامة وفي رعاية إلهية خاصة، وفي ضيافة الله “سبحانه وتعالى”، وحياة خلصت من كل كدر، من كل الشوائب، من كل الأحزان، من كل الهموم، من كل المعاناة، حياة سعيدة على أرقى مستوى، فهم كما قال عنهم: {بَلْ أَحْيَاءٌ}، ومعنى هذا: أنها حياة حقيقية بكامل مشاعرهم ووعيهم، وفي هذه الحياة، قال: {عِنْدَ رَبِّهِمْ}، في كل ما تفيده هذه العبارة من الخير العظيم، والمرتبة الكبيرة: أنهم في ضيافة الله “سبحانه وتعالى”، وأن لهم منزلةً رفيعةً عند الله، ودرجةً عاليةً عند الله “سبحانه وتعالى”، ويحظون بتكريمٍ خاص، وبرعايةٍ خاصة، وبضيافةٍ كريمة عند الله “سبحانه وتعالى”، {عِنْدَ رَبِّهِمْ} تفوق كل مستوى من الخيال يمكن أن نتخيله عن مستوى التكريم، والرعاية، والرحمة، والفضل، وعلو الدرجات، والمرتبة الرفيعة، والرعاية العجيبة، تفوق كل مستوى يمكن أن نتخيله. {يُرْزَقُونَ}، وهذا يعني: أنهم يعيشون حياة لهم فيها رزق، ورزق مستمر من الله “سبحانه وتعالى”، ورزق كريم يلائم طبيعة تلك الحياة التي لا نعرف التفاصيل الدقيقة جداً عنها، ولكنها مؤكَّدة.
ثم يقول: {فَرِحِينَ}، هم في حالة حياة طيبة، ورزق مستمر، لن يكون عندهم أي أزمة اقتصادية، ولا ظروف صعبة، ولا معاناة بشكلها المادي والمعيشي، كل هذا انتهى، وليس عندهم أي همّ تجاه الرزق والحياة المعيشية التي هم فيها بطبيعة وظروف تلك الحياة التي قد تختلف عن طبيعة وظروف هذه الحياة الدنيا هنا على الأرض.
{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}، ومعنى ذلك: أنَّ عطاء الله المتجدد والمستمر والكريم والعجيب يُفرِحُهم بشكلٍ مستمر، فأفراحهم أفراحٌ مستمرة، ليست حالات نادرة.
في هذه الدنيا قد يأتيك ما يفرحك في بعض الأحيان، ولكن قد يعقبه ما يحزنك، وقد تكون الأفراح في واقع هذه الحياة حالات محددة، حالات معينة، حالات موسمية، حالات وقتية، ثم تنتهي ويأتي بعدها الكثير والكثير من الأحزان والهموم والمشاكل في هذه الدنيا، قد نضحك، ولكننا أيضاً قد نبكي، قد نفرح، ولكننا أيضاً قد نحزن في كثيرٍ من الأوقات، قد نتألم في كثيرٍ من الأوقات، قد تشغلنا الهموم والغم في كثيرٍ من الأحيان، في كثيرٍ من الظروف، في كثيرٍ من الأوقات تجاه كثيرٍ من الأمور. أما هناك فلم يعد هناك أي كدر، ولا أي منغصات؛ فلذلك فرحهم هو حالة مستمرة ومتجددة، هم في حالة فرح وارتياح مستمر، راحة دائمة، راحة دائمة.
ثم أيضاً يأتي ما يفرحهم أكثر، ويأتي ما يفرحهم أكثر، ويأتي بين الفينة والأخرى بحسب التدبير الإلهي الكريم الذي فيه تجليات لكرم الله الواسع جداً، يستطيع أن يقدم للإنسان أشياء كثيرة جداً، ومتنوعة جداً، وواسعة جداً، كلٌّ منها يفرحه، يرتاح به، يسعد به، يهنأ به، فهم هناك عند الله “سبحانه وتعالى” حيث لا ينبغي أن نقلق عليهم، ولا أن تقلق عليهم أسرهم، بل هم حيث ينبغي أن نطمئن كامل الاطمئنان عليهم، وعلى مصيرهم، وعلى ما هم فيه من النعيم العظيم، {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
ومع ذلك هم أيضاً فيما هم فيه من النعيم، والراحة الدائمة، والسلامة من كل المنغصات، ومن كل كدر، ومن كل همّ، ومن كل غم، هم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من رفاق دربهم الذين هم معهم في نفس الموقف، في إطار القضية نفسها، في التوجه الإيماني نفسه، {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، هم يستبشرون للآخرين، ويستبشرون لهم بهذا: أنهم يتجهون إلى مستقبلٍ مضمون، مستقبلٍ آمن، ليس فيه ما يمكن أن تَخَاف على من يذهبوا إليه بأنه سيندم، أو سيتحسر على ما فاته وعلى ما فارقه، فهم يستبشرون للآخرين، للذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، يستبشرون لهم: {أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، ويستبشرون بهم؛ لأنهم سينتقلون إلى ذلك النعيم العظيم، والكرامة العظيمة، وحيث الإنسان لا خوف عليه بأنه خسر، أو بأنه ضاع، أو بأنه هلك، أو بأنه فات عليه ما لا يصل في مقابله إلى ما هو أفضل. لا، لا خوفٌ عليهم من خطر، لا خوفٌ عليهم من عذاب، لا خوفٌ عليهم من هلاك، لا خوفٌ عليهم من ضياع، اتجهوا إلى مستقبلٍ سعيدٍ ومضمونٍ وآمن، {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}؛ لأن الإنسان لن يندم لأنه انتقل إلى هناك، بل سيفرح ويستبشر ويسعد، ويرى أنَّ تلك الحياة هي الحياة الطيبة التي يتمنى معها كما تمنى المؤمن من أصحاب أهل القرية: {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}[يس: 26-27].
هكذا نجد أنَّ الشهادة في سبيل الله مرتبة عالية، وأنها بكل ما تعنيه الكلمة فوزٌ عظيم، فوزٌ عظيم، فهنيئاً لمن فازروا بالشهادة في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، هنيئاً لهم.
عندما نأتي للحديث عن الشهادة من نافذةٍ أخرى، هي من جانب: فوز عظيم ومهم، ومن جانبٍ آخر: في إطار التربية الإيمانية والالتزام الإيماني، ينبغي أن يصل الإنسان في التزامه الإيماني وفي تربيته الإيمانية إلى مستوى الاستعداد التام للتضحية في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، فهي ذات أهمية كبيرة من هذا المنظار، من هذا الزاوية: من زاوية التربية الإيمانية والالتزام الإيماني، في إطار انتمائك الإيماني، لا يتحقق لك أن تصل إلى المستوى الإيماني المطلوب، إلَّا إذا تحقق هذا في واقعك: أن تصبح على استعدادٍ تامٍ للتضحية بحياتك، بنفسك، بروحك في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، هذا أمرٌ يلزمك من جوانب كثيرة: على مستوى الالتزام العملي الإيماني؛ لأن هناك التزامات عملية، وهناك أيضاً على مستوى الارتقاء الروحي والأخلاقي، الإنسان إذا وصل إلى هذا المستوى الإيماني: إلى مستوى الاستعداد التام، والجهوزية الكاملة للتضحية بحياته في سبيل الله، فهذا يعبِّر عن ارتقاء روحي، وارتقاء أخلاقي، معنى ذلك: أنَّ نفسك قد زكت إلى مستوى جيد فوصلت إلى هذه المرتبة، وأنَّ مكارم الأخلاق العظيمة والكبيرة تجذَّرت في وجدانك، وفي مشاعرك، وفي وعيك، حتى وصلت إلى هذا المستوى من الاستعداد للعطاء والتقدمة والبذل، وهذا يهيئك عملياً للقيام بمسؤوليات هي من صميم التزاماتك الإيمانية؛ لأن هناك في الالتزام الإيماني مسؤوليات مهمة جداً، ولكن قد يرد الناس عنها الخوف من أن يقتلوا، الخوف من التضحية، التهرب من التضحية.
عندما نأتي إلى جملة من المسؤوليات والالتزامات الإيمانية ذات الأهمية الكبيرة إيمانياً، وذات الأهمية الكبيرة في واقع الحياة، وفي أثرها الإيجابي في واقع الحياة. مثلاً: من المبادئ الإيمانية الأساسية والضرورية التي لا يكتمل الإيمان إلا بها: التحرر من الطاغوت، التحرر في حياتنا هذه من سيطرة الطاغوت علينا، من سيطرة الطواغيت الظالمين، المجرمين، المستكبرين، الذين يسيطرون على الناس فينحرفون بهم عن تعليمات الله وعن توجيهات الله، ينحرفون بهم عن الحق، وينحرفون بهم عن العدل، ويمارسون الظلم لهم، والاستعباد لهم، والاستغلال لهم، هؤلاء الطواغيت سواءً تمثلوا بكيانات: دول ظالمة متجبرة، أنظمة متسلطة، أو شخصيات مضلة… أو أيًّا كان شكلهم، لا بدَّ في التحرر من سيطرتهم وهيمنتهم إلى أن نصل إلى ما يؤهلنا إلى ذلك، وهو الاستعداد التام للتضحية؛ لأنهم يستخدمون أسلوب الجبروت والظلم والقمع، والاستهداف للناس في حياتهم، والترويع، وارتكاب الجرائم بحق البشر، وسفك الدماء، كأسلوب للسيطرة على الناس، لإخضاعهم، للهيمنة عليهم، لزرع الخوف في نفوسهم، وحينها تصبح حالة الخوف من الطاغوت حالةً تكبِّل المجتمعات لهم، تقيدها عن الحرية، تقيدها عن الاستقلال والكرامة، تقيدها حتى طاعتها لله، فتجعل طاعة أولئك الطغاة والظالمين والمستكبرين والمجرمين فوق طاعة الله “سبحانه وتعالى”؛ نتيجة الخوف الشديد، ونتيجة التهرب الكبير من التضحية، من الثمن الذي قد ندفعه في سبيل أن نتحرر من طغيانهم وظلمهم وجبروتهم وهيمنتهم وشرهم، وتكون النتيجة أسوأ، تكون الخسارة أكبر، يكون مستوى ما يقدِّمه الناس وهم في إطار الهيمنة، والخضوع، والاستسلام للطغاة والظالمين والمستكبرين، أكبر بكثير مما كانوا سيضحون به في سبيل الله، في أن يحصلوا على العزة، والكرامة، والحرية في مفهومها الصحيح، فيتحررون من هيمنة الطغاة والظالمين والمجرمين والمستكبرين.
هناك التزام لإقامة العدل، علينا أن نسعى لإقامة العدل، وأن نتصدى للظلم والظالمين، وهذا معناه: أن نكون في مشكلة مع الظلم والظالمين، والظلم والظالمين معنى ذلك: أن يتحركوا لاستهدافنا، لإلحاق الشر بنا، للإضرار بنا، وهذا يستدعي أن نكون على مستوى عالٍ من التجلد، من العزة، من الاستعداد للتضحية، من الإباء، القيم التي ترتبط بالشهادة، مثل: قيمة العزة والإباء، قيم عظيمة، والمبادئ التي ترتبط بالشهادة مبادئ عظيمة، وفي مقدمتها: التحرر من هيمنة الطغاة والمستكبرين، وكلها إيمانية، تلك المبادئ مبادئ إيمانية، وتلك القيم قيم إيمانية، فنجد في مسألة الشهادة في سبيل الله، والتربية على الاستعداد لها، والشغف بها، والمحبة لها، والتطلع إليها؛ باعتبارها فوزاً عظيماً، وباعتبارها مقاماً عالياً عند الله “سبحانه وتعالى”، ومرتبة كبيرة عند الله “سبحانه وتعالى”، وباعتبارها ضرورة لالتزاماتنا الإيمانية على المستوى المبدئي، وعلى المستوى القيمي والأخلاقي، ثم على المستوى العملي.
عندما نتحرك في كثيرٍ من الأعمال المهمة والأساسية، لا نستطيع أن نتحرك بالشكل المطلوب، وأن يكون أداؤنا أداءً فاعلاً، مجدياً، مثمراً، منتجاً، إلَّا إذا تحررنا من قيود الخوف، ومن أغلال المذلة، وامتلكنا الجرأة الكافية للعمل في مختلف الظروف، في مختلف الأوقات، وهذا مما يفيد عندما تتربى الأمة على الشهادة، وعلى حب الشهادة في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، وعلى الاستعداد العالي للتضحية في سبيل الله “سبحانه وتعالى”.
كما أنَّ الإنسان إذا ارتقى إلى هذا المستوى من الاستعداد للبذل والعطاء، فتترسخ في نفسه روحية العطاء إلى أعلى المراتب، وأرقى المستويات، وحينها يصبح إنساناً معطاءً في هذه الحياة، تجذَّرت في روحيته حالة العطاء وروحية العطاء، فيصبح إنساناً خيِّراً، وعنصراً فاعلاً، وإنساناً مثمراً، ومنتجاً، ومساهماً، وفاعلاً، مصدر خيرٍ لأمته ومجتمعه ومحيطه، وهذه كلها ذات أهمية كبيرة بالاعتبار الإيماني والإنساني والأخلاقي، فهكذا نجد الثمرة العظيمة من كل الجوانب، وبكل الاعتبارات، وبكل الحيثيات لهذه المسألة.
ثم إنها أرقى تعبير، وأكبر دلالة على مصداقية الإنسان في انتمائه، في انتمائك الإيماني، في انتمائك الأخلاقي، في انتمائك إلى المبادئ الإلهية، عندما تصل إلى مستوى الاستعداد للتضحية في سبيل الله، ثم إلى مستوى أن تتوفق لنيل ذلك، فتضحي في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، ما قبل التضحية هو الاستعداد النفسي، هو القرار الذي يتخذه الإنسان، هو التصميم والعزم وقوة الإرادة التي تجعل الإنسان ينطلق وهو حاضر في أي لحظة، في أي ظرف، في أي موقف، في أن يبذل حياته في سبيل الله، في مثل هذا الظرف أنت ستكون الإنسان الذي ينال التوفيق من الله “سبحانه وتعالى” بالثبات على مبادئك، على قيمك، على منهجك العظيم، على موقفك الحق، في تمسكك بقضيتك العادلة فلا تفرط، وأكبر ما يمكن أن يصل بك إلى مستوى الثبات مهما اختلفت الظروف، مهما كان حجم الأخطار، مهما كان مستوى التحديات: هو هذه التربية الإيمانية على حب الشهادة، وعلى الاستعداد للشهادة، ستكون أنت الذي يثبت يوم يتراجع الآخرون ممن يخافون، ممن يتنصلون عن المسؤولية ويتهربون من التضحية، ممن يروِّعهم العدو بجبروته وسطوته، ويمكن حتى أن يستعبدهم بسبب ذلك، فتكون أنت ذلك الثابت الذي لا يتزحزح ولا يتراجع مهما كان حجم المخاوف والأخطار والتحديات، الثابت في كل الظروف وفي كل المراحل، وتكون رجل المسؤولية، الذي يتحلى بالمسؤولية حتى في الظروف التي يتنصل عنها الكثير، عندك استعداد لأن تعمل ما يجب عمله، أن تفعل ما يجب فعله، أن تتحرك حيث يجب أن تتحرك مهما كانت الظروف، لم تعد مكبلاً ولا مقيداً بقيود الخوف والمذلة والرعب، تحررت، تحررت.
ثم عندما نأتي إلى مستوى الحياة، وظروف الحياة، ومتطلبات الحياة، وواقع الحياة، نجد أهمية التربية على الشهادة في سبيل الله “سبحانه وتعالى” وقيمتها الإيمانية في ذلك؛ لأننا في واقع هذه الحياة كمجتمع بشري بمختلف فئاته، واتجاهاته، وأديانه، وعقائده… وإلخ، باختلاف ثقافته، باختلاف المشاريع والأجندة التي يتحرك فيها البشر، نعيش في واقع هذه الحياة في ظروف مخاطر وصراعات وتحديات، هذا جزءٌ من حياة المجتمع البشري، لا يخلو مجتمعٌ من المجتمعات البشرية، ولا أمةٌ من الأمم البشرية في شتى أقطار الأرض، إلَّا وهي تعيش ظروفاً من التحديات، والأخطار، والصعوبات، والتطلعات لمشاريع أو أهداف أو أعمال، وكلها تحتاج إلى تضحية، كلها تحتاج إلى تضحية، أي أمة لديها مشروع عملي طموح، أو تواجه تحديات معينة، ومخاطر معينة، تحتاج في سبيل تحقيق ذلك لكي تنجز مشروعاً كبيراً طموحاً مهماً، أو لكي تتصدى لخطرٍ كبير، أو تتغلب على تحديات معينة، تحتاج إلى التضحية، البشر كلهم على هذا النحو، المؤمن والكافر، والبَّر والفاجر… الكل، كل المجتمعات البشرية هي هكذا تعيش في هذه الأرض.
عندما نأتي إلى الساحة الإيمانية والمجتمعات المؤمنة، هل يمكن أن يغيب هذا الجانب؟ لو غاب؛ لكان ذلك نقصاً تجاه ظروف ومتطلبات أساسية واقعية في الحياة، ولكانت هذه مشكلة، فمعنى ذلك: أنه نقص في الجانب الإيماني والساحة الإيمانية ولدى المجتمعات الإيمانية ما لا حتى يتساوون به مع بقية المجتمعات من البشر، مع أنَّ القيمة الإيمانية أرقى على المستوى الإنساني والأخلاقي، أرقى مما يمكن أن تكون عليه أي أمة في ثقافتها، في مبادئها، في قيمها، أرقى مبادئ، أعظم مبادئ: هي المبادئ الإيمانية؛ لأنها إلهية، وأعظم قيم، وأعظم أخلاق: هي الأخلاق الإيمانية؛ لأنها هي التي تعبِّر عن الفطرة الإنسانية بشكلٍ نقيٍ وصحيح، وأعظم مشاريع عملية وأهداف في هذه الحياة: هي الأهداف التي ترسم في إطار التوجيهات الإلهية؛ لأنها العدل والحق والخير الذي فيه صالح البشرية، فلو نقص هذا الجانب من الساحة الإيمانية وعن الواقع الإيماني؛ لكان نقصاً في متطلب من المتطلبات الضرورية في هذه الحياة.
لا يمكن في هذه الحياة- كما قلنا- لا لكافرين، ولا لمؤمنين، ولا لفاجرين، ولا لصالحين، أن ينجزوا مشروعاً عظيماً ومهماً، أو أن يواجهوا تحدياتٍ كبيرة، أو أن يواجهوا صعوبات كبيرة، أو أن ينجزوا أشياء مهمة في واقع هذه الحياة، إلَّا بتضحيات؛ فبالتالي في الواقع الإيماني ستكون هذه المسألة (مسألة التضحية) بأرقى وأسمى وأعظم مما تكون عليه هذه الحالة في أي حالةٍ أخرى خارج الإطار الإيماني؛ لأنها في السياقات الأخرى قد تأتي تضحيات في سبيل ظلم، في سبيل بغي، في سبيل تحقيق طموحات وأهداف غير مشروعة ولا محقة ولا صالحة، قد تأتي في إطار غير إيجابي في هذه الحياة، أما في الحالة الإيمانية الصحيحة، فهي لا تأتي إلا بمقتضى الحق والعدل والخير، وما فيه الصالح الحقيقي للناس في حياتهم وفي آخرتهم، ولذلك لن يغيب هذا، لو غاب عن الساحة الإيمانية؛ لكان المؤمنون هم الأجبن بين المجتمعات البشرية، والأقل إنجازاً، والأضعف تحملاً للمسؤولية، والأكثر بُعداً عن إنجاز أي أمر مهم في هذه الحياة، ولأيضاً خسروا قيمة ذات اعتبار لدى المجتمعات البشرية؛ لأن التضحية ذات اعتبار إنساني عند المجتمعات البشرية، قيمة أخلاقية عالية، فلذلك أتت في الواقع الإيماني على نحوٍ أفضل، وعلى نحوٍ أكبر.
عندما نأتي إلى الظروف التي نعيشها كأمةٍ إسلاميةٍ في هذه المرحلة، وكشعبٍ يمني، وبقية شعوب المنطقة بشكلٍ عام، نجد أيضاً القيمة الكبيرة جداً لمفهوم الشهادة في سبيل الله “سبحانه وتعالى” في الظروف التي نعيشها، وفي التحديات التي نواجهها، ونجدها من المتطلبات المهمة في كل السياقات المذكورة آنفاً، في سياق: أن ننجز مشاريع مهمة تبني واقعنا، وتصلح واقعنا، وتغير واقعنا إلى الأفضل، وفي سياق: أن نواجه التحديات، وأن نتحدى الأعداء من الطغاة والظالمين والمستكبرين، الذين هم في حالة هجوم على أمتنا، أمتنا الإسلامية بشكلٍ عام وبمختلف شعوبها، هي في حالةٍ من الاستهداف المعادي من قوى الاستكبار والشر العالمي، وفي مقدمتها: أمريكا وإسرائيل، وأمتنا مستهدفة استهدافاً شاملاً على كل المستويات: على المستوى الثقافي، والفكري، والإعلامي، والاقتصادي، والسياسي، والأمني، والعسكري، والاستهداف لها استهداف يشمل كل مجالات حياتها، وفي نهاية المطاف الهدف الرئيسي من وراء كل أجندة الأعداء ومؤامراتهم: هو السيطرة الكاملة على هذه الأمة، والاستغلال لهذه الأمة في واقعها البشري، وفي إمكاناتها المادية، وعلى مستوى موقعها الجغرافي، ومعنى ذلك: أنَّ الأمة إذا لم تتجه بكل جدية للتصدي لهذا الاستهداف؛ فإنها معرَّضةٌ لأن تخسر كل شيء: دينها ودنياها، حريتها، وكرامتها، وعزتها، ووجودها كأمةٍ لها منهج، لها مشروع، لها حضارة، لها قيم، لها أخلاق، الأعداء يسعون إلى تذويب هذه الأمة ككيان لا يبقى لها كيان، لا تبقى أمة، وإلى تشتيتها وتفكيكها كلياً، وبعثرتها بشكلٍ كامل، والسيطرة عليها وتطويعها، واستعبادها واستغلالها، وهذه حقيقةٌ مؤكَّدة لا شك فيها، لا شك فيها.
والقرآن الكريم والإسلام العظيم من أهم ما يقدِّمه لنا: أنه يحررنا من ذلك إذا التزمنا به، إذا تمسكنا به، إذا سرنا على منهجه، إذا آمنا بمبادئه إيماناً نلتزم به في واقعنا العملي، وفي استشعارنا للمسؤولية، يحررنا من ذلك، بل إنَّ الإسلام في أعظم مبدأ من مبادئه التي تعبِّر عنها كلمة الشهادتين، وفي مقدمتها: شهادة أن لا إله إلا الله، من أول ومن أهم ما يقدِّمه لنا: أنه يحررنا من ذلك، وليس فقط يحررنا من تقديم طقوس معينة لأصنام حجرية، وإنما أيضاً يحررنا من العبودية للأصنام البشرية، التي هي أكثر خطورة حتى من الأصنام الحجرية.
الصنم الحجري الذي كان يتوجه إليه العرب في يومٍ من الأيام، ما كان ينفعهم، وضرهم منه فيما قدموه له من طقوس، وفيما اعتقدوه له من شركٍ في الألوهية مع الله “سبحانه وتعالى”، في كل ما يترتب على ذلك من شر كبير عليهم، وعقوبات كبيرة، وصرف كامل عن هدي الله، وعن منهج الله، وفيما في ذلك من خرافة وضياع وشتات، لكن الأخطر من ذلك هم الأصنام البشرية من الطغاة والمجرمين، الأخطر من ذلك هو الطاغوت في كياناته الكبرى، التي هي بشكل أنظمة متسلطة، وحكومات جائرة، ودول وكيانات كبيرة، لها مشاريع وأجندة تهدف إلى استغلال بقية المجتمعات البشرية، والسيطرة عليها في كل شيء: في قرارها، في حريتها، في أفكارها، في ثقافتها، بما يطوِّعها ويخضعها إخضاعاً تاماً، وبما يساعد على السيطرة عليها سيطرةً مطلقة، فتتحول في نفسك كعربيٍ مسلم، أو كرجلٍ مسلم من أي بلدٍ أنت، تتحول في هذه الحياة إلى مجرد خاضع مسخَّر مطيع بشكلٍ كامل لأمريكا ولإسرائيل، وتتحول مسيرة حياتك هنا في هذه الدنيا وفق ما يرسمه الأمريكي والإسرائيلي، إما بشكلٍ مباشر، وإما عبر عملائه، تتحول جهودك، وأعمالك، وطاقاتك، وتحركاتك في هذه الحياة ومواقفك وفق ما يريده الأمريكي والإسرائيلي فيما يحقق مصلحته، وليس مصلحتك أنت، وفيما يسبب لك أنت سخط الله عليك، وغضب الله عليك، فتخسر في الدنيا وتخسر في الآخرة، وهذه مسألة خطيرة جداً، لنواجه هذا الخطر وهذا التحدي الذي يستهدفنا من قوى الشر والاستكبار والإجرام لمواجهة طاغوت العصر المتمثل بأمريكا وإسرائيل وعملائهم، نحتاج إلى ترسيخ هذا المفهوم العظيم: الذي هو الشهادة في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، لماذا؟ لأنه لا بدَّ منه ليس لنفنى، بل لننتصر، لا بدَّ منه في تحقيق الانتصار.
إذا كنا مجتمعاً معطاءً، إذا كنا أمةً تقدِّم التضحيات، معنى ذلك: أننا سنكون أمةً عزيزة، أبيةً للضيم، أمةً تمتلك الشجاعة، وتمتلك الحرية، وتمتلك قوة الإرادة، تمتلك العزم الذي لا بدَّ منه في مواجهة تحدياتٍ كهذه، معنى ذلك: أننا سنحضر في الميدان في كل مجال: في الميدان السياسي، الميدان العسكري، الميدان الاقتصادي، ونحن نحمل طاقةً كبيرة، ونحمل استعداداً عالياً للعمل، للأداء، للتضحية، فسنكون على أعلى مستوى من البذل، من العمل، من الجهد، من الجرأة، من الشجاعة، من الإقدام، وسنعمل- كما قلنا في البداية- ما يجب أن نعمله، هناك الكثير مما يجب أن تعمله الأمة، وستترسخ في واقع حياتنا كل هذه القيم: العزة قيمة إيمانية عظيمة جداً، وتليق بالإنسان، والله أكرم الإنسان عندما أراد له أن يكون عزيزاً، أكرم عباده المؤمنين عندما قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8]، لا يمكن أن نكون أمةً عزيزةً، تتجسد العزة في مواقفها وفي مسيرة حياتها، إلَّا إذا كنا في جرأتنا وإقدامنا على مستوى الاستعداد العالي للتضحية وللشهادة في سبيل الله، وتحركنا لمواجهة التحديات والأخطار والأعداء مهما كانت إمكاناتهم، ومهما كان جبروتهم، ومهما كانت الوسائل التي بأيديهم، وعملياً ثبت ذلك، ثبت عملياً، بدءاً بتاريخ الأنبياء “عليهم الصلاة والسلام”، وفي ختام هذه التجربة الكبيرة العملية التي عاشها الأنبياء تجربة رسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، التضحيات التي كانت وقدمت في واقع المسلمين، في أوائل المسلمين في ذلك العصر، أثمرت نصراً، أثمرت عزةً، أثمرت كرامةً، صنعت التحولات، صنعت المتغيرات بإرادة الله “سبحانه وتعالى”، بنصره، بعونه؛ لأن الله “سبحانه وتعالى” عندما تصل الأمة في أدائها، في قيمها، في أخلاقها، في ثباتها، في موقفها، في مصداقيتها، إلى هذا المستوى من العطاء والثبات مع التضحية، فالله “سبحانه وتعالى” يمنحها النصر، يقف إلى جانبها، يعينها، يؤيدها، ينصرها.
فلمواجهة هذه التحديات والأخطار، ولنكون أمةً قوية، أمةً باسلةً ومستبسلة، أمةً عزيزةً وأبية، أمةً ثابتةً وصامدة، أمةً لا تتراجع، أمةً لا يكبلها الأعداء بمخاوفهم، بتهديداتهم، بإرجافهم، بتهويلهم، لا بدَّ أن نصل إلى هذا المستوى من الاستعداد للتضحية، وأن نرسخ هذه الثقافة بمفهومها الصحيح والواعي، والمرتبط بما قدمه القرآن الكريم.
اليوم المعركة هي معركة الأمة كل الأمة، والاستهداف ليس جديداً في واقع هذه الأمة؛ وإنما هو وفق مراحل مستمرة، ونحن في مرحلة مهمة وحساسة، ووجدنا أن ثمرة مفهوم الشهادة في سبيل الله وفق المفهوم الصحيح، التقديم الصحيح، أثمر نصراً في واقع هذه الأمة، وأصبحت نماذجه قائمة في الساحة وحاضرة في الساحة بكل نجاحٍ ملموسٍ وواضح، التجربة في فلسطين تجربة الجهاد والاستشهاد أثمرت نصراً، حريةً، عزةً، كرامةً، ما نراه في قطاع غزة هو نموذج حي، يشهد لصحة وإيجابية وأهمية وضرورة هذا المفهوم، عندما يقدم بشكل صحيح كيف يصنع في واقع الأمة متغيرات مهمة وإيجابية، يصنع الحرية بإرادة الله “سبحانه وتعالى”، والكرامة والعزة والاستقلال، يصنع النصر.
عندما نجد النموذج في لبنان أمامنا متجسداً ومنذ سنوات عديدة، منذ بداية انطلاقة المقاومة الإسلامية في لبنان، ثم ما صنعته من انتصارات كبيرة في عام 2000 وفي عام 2006، وما منَّ الله به أيضاً من انتصارات لاحقة في لبنان وسوريا وغيرها، نجد ما قبل ذلك نموذجاً عظيماً وكبيراً متمثلاً بالثورة الإسلامية في إيران، حررت إيران الإسلام من هيمنة أمريكا، ومن نفوذ إسرائيل، ومن الأداة التي كان يعتمد عليها الأمريكيون والإسرائيليون في السيطرة على الشعب الإيراني المسلم، متمثلةً بالنظام الملكي و(الشاه) آنذاك، ثم فتحت المجال أمام الجمهورية الإسلامية لتكون نموذجاً ورائداً كبيراً في الساحة الإسلامية، في الحرية والاستقلال، والتصدي للهيمنة الأمريكية، والتصدي للعدو الإسرائيلي.
النموذج القائم في سوريا والعراق، والنموذج القائم والمتجسد في التضحيات الكبيرة وفي العزم الذي لا يلين الذي يقدمه شعب البحرين، نماذج تاريخية كثيرة في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، وفي مختلف المراحل لأمتنا، إن كل ذكرى من العزة، وإن كل ذكرى للنصر هي مرتبطة بهذا المفهوم العظيم، وهذا كافٍ في أن ندرك مدى أهميته، ومدى قيمته، ومدى ما يترتب عليه في واقع هذه الحياة، وبما أننا اليوم في معركة بهذا الحجم، وتحدٍ بهذا المستوى، فنحن معنيون كأمةٍ إسلامية أن نرسخ هذا المفهوم؛ لأنه مفهومٌ كما قلنا يصنع النصر، وإذا امتد في أوساط الأمة، وتعزز في واقع الأمة، فإنه يهب الأمة من العزم وقوة الإرادة والتحرك الفاعل ما تحتاج إليه في هذه المرحلة.
العدو في هذه المرحلة لا يكتفي بأن يتحرك من الخارج، ويستهدف الأمة من واقعه ومن ميدانه هو، العدو سعى لاختراق الأمة إلى واقعها الداخلي، ومن خلال حركة النفاق في داخل الأمة، المتمثلة اليوم بأنظمة وحكومات معروفة، كالنظام السعودي، والنظام الإماراتي، وعسكر السودان، وآل خليفة في البحرين، ومؤخراً التحق النظام المغربي بهذا المسار السيء، بهذا الانحراف الكبير، وربما قد يلحق آخرون.
هنا لا مشكلة بالنظر إلى أن حالة الفرز والتمييز هذه والتجلي للحقائق يساعد الكثير على مستوى الوعي، على مستوى الفهم الصحيح لطبيعة ما يجري في المنطقة، من هذا الجانب هناك إيجابية كبيرة جداً، أمتنا الإسلامية وساحتنا الإسلامية، سواءً على المستوى العربي، أو خارج الجانب العربي، تحتاج في المقدمة إلى وعي، إلى وعي كبير جداً؛ لأن من أكبر ما كانت تعاني منه الأمة في المراحل الماضية: هو عندما يتحرك المنافقون في داخل الأمة لصالح السياسات الأمريكية والإسرائيلية وهم يختفون تحت أقنعة معينة، وتحت أغطية معينة، وتحت شعارات معينة، وتحت عناوين معينة مخادعة للناس، عندما كشفوا عن حقيقة أمرهم، عندما كشفوا عن وجههم الأسود، عندما كشفوا عن خيانتهم وعن ارتباطهم المباشر مع الإسرائيلي، والإسرائيلي نحن نعرف أنه كيان عدوان، تشكَّل ذلك الكيان على أساسٍ من العدوان، والظلم، والقهر، والاحتلال، ومصادرة الحقوق، والقتل، وارتكاب الجرائم، ووجوده في فلسطين قائمٌ على هذا الأساس، حالة لا شرعية لها أبداً، ولا تمتلك ذرةً من الحق، كلها بغي، كلها عدوان، كلها إجرام، كلها مصادرة للحقوق، كلها ظلم، كلها قائمة على سفك الدماء بغير حق، على سرقة حق الآخرين من أبناء أمتنا، وما فعله ببقية الشعوب المجاورة لفلسطين، وما يشكله من خطر على الأمة بكلها، بل أكثر من ذلك، اليهود الصهاينة هم يشكلون خطراً على المجتمع البشري بأكمله.
فعندما أتى ما يسمونه الآن بقطار التطبيع، مجموعة من الأنظمة والجهات والكيانات التي تحركت علناً، وكشفت عن ارتباطها بالإسرائيلي، وعلاقتها به، التي هي علاقة روابط عملية، علاقة مشروع وأجندة، التحقت بالمشروع الأمريكي الإسرائيلي، وما هو المشروع الأمريكي الإسرائيلي؟ إلا مشروع عدائي يستهدف أمتنا الإسلامية، يهدف على مستوى المنطقة إلى تمكين العدو الإسرائيلي لأن يكون هو من يقود هذه المنطقة، وأن يكون هو وكيل أمريكا في المنطقة المسيطر على الآخرين، والمستحوذ على هذه المنطقة بشكلٍ كامل.
أمريكا لا تجد في السعودي وكيلاً لائقاً لها، هي- كما عبَّرت- ترى فيه بقرةً حلوباً، وهذه النظرة لا تختلف بالنظر إلى بقية العملاء، قد ترى في البعض حتى أقل من البقرة الحلوب، قد لا ترى في بعض أدواتها في المنطقة، وقد لا ترى في بعض عملائها والخونة الذين أطاعوها واتبعوها، واتجهوا للولاء لها والخنوع لها، والتحرك وفق توجيهاتها، قد لا ترى فيهم إلا ما يشبه الأحذية، فهم أشباه الأحذية التي يلبسها العدو، ويحاول أن يركل بها هذه الأمة وأبناء هذه الأمة، وأن يدوس بها هذه الأمة، قد لا ترى فيهم أكثر من ذلك، أقل حتى من مستوى البقرة الحلوب.
فحقيقة المعركة القائمة في واقع الأمة، وحقيقة الاستهداف لهذه الأمة هو معركة تقودها أمريكا وإسرائيل، ينظَّم البعض من أبناء هذه الأمة من كيانات مختلفة إلى صف العدو كعملاء وأدوات وخونة، ويخترق من خلالهم هذه الأمة في ساحتها الداخلية.
التفاصل هذا، والتمايز هذا، والفرز هذا وفق السنة الإلهية التي أكد عليها الله في القرآن الكريم: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: من الآية179]، والمسؤولية التي تقع على عاتق الأمة بعد هذا الفرز وهذا التجلي، وبعد هذا الوضوح، وبعد هذا المستوى من بيان الأمور وتجلي الحقائق، مسؤولية كبيرة جداً، لو حاول البعض أن يتنصل عن المسؤولية، وأن يحاول إثارة الالتباس من جديد، بالرغم من وضوح الأشياء وتجليها، وضوح من هو مع العدو الأمريكي والإسرائيلي، وحاول أن يتجه كما يفعله أولئك المنافقون، كما يفعله أولئك العملاء، كما يفعله أولئك الخونة الذين أظهروا خيانتهم، وأظهروا ارتباطهم بالأعداء بشكلٍ واضح، ودخلوا في مراحل عملية أكثر خطورةً مما قد مضى على المستوى الفعلي، ويسعون بشكلٍ مستمر إلى جرَّ المزيد والمزيد من المجتمعات والكيانات والدول والحكومات إلى صفهم، ويسعون إلى إنزال هذه الحالة إلى الواقع الشعبي، وجرَّ ضعفاء الإيمان، وضعفاء الوعي من الشعوب نفسها، إلى مربعات الخيانة، وإلى حضائر التدجين، لصالح الأعداء، لو حاول البعض أن يثير الالتباس من جديد، تحت الشغل على عناوين تهدف إلى تحويل بوصلة العداء إلى الداخل الإسلامي، فلا يتأثر به ولن يتأثر به إلا الأغبياء الذين أرادوا لأنفسهم أن يكونوا بشكلٍ مستمر أغبياء، يتغابون.
مسألة استهداف الداخل الإسلامي، وتحويل بوصلة العداء إلى الداخل الإسلامي: إما على مستوى توجيه كل حالة العداء إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، والشعب الإيراني، أو على مستوى دول محور المقاومة بشكلٍ عام: العداء لحزب الله في لبنان، العداء لسوريا، العداء للعراق، العداء للأحرار في المنطقة بشكلٍ عام في اليمن والبحرين وبقية المناطق، أو تحت عناوين مذهبية: تحت عنوان العداء للشيعة، أو العداء لمناطق معينة، أو حتى تحت العناوين السياسية، كل محاولات توجيه بوصلة العداء إلى الداخل في أمتنا الإسلامية، وصرف حالة الوعي واليقظة، وإبعاد الأمة عن التصدي للأعداء الحقيقيين الذين يشكلون خطورةً حقيقيةً على هذه الأمة، إنما هو عملٌ لصالح الأعداء، وجزءٌ من أجندتهم.
لاحظوا، فيما مضى من الذي كان يتحدث بشكلٍ دائم عن الخطر الإيراني؟ كان هو الأمريكي والإسرائيلي، قبل أن يكون هذا هو الحديث الدائم والكلام الدائم، والموقف الذي يتردد بشكلٍ دائم ليلاً ونهاراً لدى السعودي والإماراتي وبعض الأنظمة، كان الذي يتحدث هكذا هو الأمريكي، هو الإسرائيلي، يقول: الخطر إيران، إيران تشكِّل خطراً، إيران عدو، كان الأمريكي يفعل ذلك على مدى سنوات طويلة، ثم الآخرون كالببغاوات اتجهوا- كالببغاء- يرددون نفس المنطق الأمريكي والإسرائيلي، من الذي عمل إلى إشعال نيران الفتنة الطائفية في أوساط الأمة، وجيَّش وحرَّك وحاك خيوط المؤامرة في تحريك التكفيريين في داخل الأمة، وهيأ لهم الظروف، ووفر لهم الأجواء الملائمة، ووفر لهم الدعم الكافي عبر عملائه، لإشعال نيران الفتنة الطائفية؛ لتمزيق الأمة من الداخل تحت عنوان الفتنة الطائفية؟ إنما هو الأمريكي والإسرائيلي اشتغل على ذلك، واتضح جلياً في الأخير، وصرحوا في منابرهم الانتخابية بذلك، واعترفوا في مقابلاتهم الإعلامية بذلك، والوثائق تثبت ذلك، والواقع الفعلي يثبت ذلك.
وهكذا نجد أن الذي تشتغل عليه الأنظمة العميلة لأمريكا وإسرائيل، سواءً مواقف معينة، مشاكل هنا، حروباً هناك، مؤامرات هنا أو مؤامرات هناك تستهدف الأمة من الداخل، هي تخوض في ذلك معركةً هي معركة الأمريكي والإسرائيلي، ليست معركتها هي، السعودي ومن معه ممن يباشرون العدوان على اليمن في التحالف، هم يخوضون هذا العدوان تحت الإشراف الأمريكي وبالتنسيق الواضح والتعاون الواضح مع إسرائيل، وفي مؤامراتهم على لبنان، في مؤامراتهم على سوريا، في مؤامراتهم على العراق، في مؤامراتهم الواسعة ضد الشعب الإيراني المسلم، في استهدافهم هنا أو هناك لأحرار الأمة، في تواطئهم على الظلم المستمر بحق شعب البحرين، في كل ذلك هم يخوضون معركة الأمريكي والإسرائيلي، في البحرين هناك سلطة آل خليفة الظالمة المتجبرة الفاسدة مرتبطة بالإسرائيلي بشكلٍ بشعٍ ومفضوح ومخجل، دنيء جداً، بكل دناءة وبكل حقارة.
وهكذا نجد أن المعركة التي تستهدف الأمة، سواءً فيما هناك من مؤامرات وحروب ومكائد تجاه الشعوب الحرة، وتجاه محور المقاومة، أو على بقية الأمة، هي كلها في إطار الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي لهذه الأمة، لو حاولوا العملاء أن يبرزوا عناوين معينة، وأن يجعلوها هي البارزة، سواءً على مستوى قنواتهم الإعلامية، أو أسلوبهم في الطرح السياسي، والتقديم السياسي، والتفسير للأحداث، فإنما هي مغالطة، إنما هي عملية تزييف لحقائق قد ملأت الواقع في منطقتنا بشكلٍ تام، فلنكن على وعي بأن المعركة اليوم هي معركة الأمة كل الأمة، معركة الأمة جميعاً في مواجهة خطرٍ يستهدفها، يقود هذا الاستهداف ويتحرك فيه الأمريكي والإسرائيلي، والآخرون من الأدوات والعملاء ارتبطوا بهذا العدو، ويعملون لصالحه، مهما كانت عناوينهم التي يسعون من خلالها إلى الخداع للسذج والبسطاء من الناس ممن لا يمتلكون شيئاً من الوعي، أو هي عبارة عن استغلال لمشاكل، واستثمار في أزمات ومشاكل معينة، لكنها كلها لصالح أمريكا وإسرائيل.
وأمتنا اليوم معنية في ظل هذا الاستهداف الشامل، وفي ظل معركةٍ تعنيها جميعاً، إلى تعزيز وتظافر الجهود، وترسيخ مستوى التعاون، نحن أمةٌ مسلمةٌ واحدة، مهما تعددت البلدان، تعدد البلدان لا يعني أن تتجزأ المعركة، هذا ما يجب أن نعيه جميعاً، نحن أمةٌ مسلمة، هذا الانتماء العظيم يشرفنا جميعاً، ويجمعنا جميعاً، والاستهداف لنا جميعاً في نفس الوقت، فمعركتنا اليوم معركة واحدة، وكل من يتحرك في الساحة وهو يحمل هذا الوعي، ويدرك ويستشعر مسؤوليته تجاه هذه الأمة، هو يتحرك وفق المفهوم الصحيح، هو ينطلق من المبادئ العظيمة التي تنتمي إليها هذه الأمة، هو يتحرك في الاتجاه الصحيح الذي ينبغي أن يشكر عليه، أن يعتبر اتجاهاً إيجابياً وصحيحاً، لا أن يعتبر هذا خطأ، ما الذي يسعى إليه عملاء أمريكا وإسرائيل، هم يسعون إلى حصار كل شعبٍ بمفرده، وإلى أن يتحركوا في مؤامراتهم المؤامرة تلو الأخرى على شعبٍ هناك، على جزءٍ من أبناء الأمة هناك، ثم يتجهون بقضهم وقضيضهم: الأمريكي، والإسرائيلي، وكل أدواتهم، لاستهداف بعضٍ من أبناء الأمة هنا أو هناك، وليقولوا للآخرين: [أنتم فلتبقوا مكانكم، لا تتحركوا، لا تقولوا شيئاً، سنقول عنكم إيرانيين، سنقول عنكم كذا، سنطلق عليكم ألقاباً معينة واسماءً معينة]، هذا كله بهدف تجزئة المعركة؛ للسعي للنجاح فيها.
ولكننا نقول لأمتنا جميعاً نحن أمةٌ مسلمةٌ واحدة، والاستهداف لنا واحد، ويجب أن نكون في خندقٍ واحد، ويجب ألَّا نقبل بتجزئة المعركة التي تستهدفنا جميعاً، ويجب أن تبقى عناويننا الرئيسية بارزة وواضحة، العدو هو أمريكا وإسرائيل، والآخرون هم عملاء وأدوات، نحن نعي هذه الحقيقة مهما أظهروا من عناوين مخادعة.
القضية الرئيسية، وهي القضية الفلسطينية، ستبقى قضيةً أساسيةً بالنسبة لنا، مهما فرط فيها الآخرون الذين قد انكشف أمرهم، واتضحت حقيقتهم، وإذا بهم مجرد منافقين، وبعضهم اليوم يدخل في مشاريع مباشرة لصالح دعم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وفي مؤامرات مكشوفة، لمصلحة إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ويشتركون حتى في الحصار ضد الشعب الفلسطيني، ومعظمهم يقاطعون الشعب الفلسطيني مقاطعة في كل شيء، أو في أغلب الأشياء؛ بينما يمدون جسور التعاون مع العدو الإسرائيلي في كل أشكالها، وهم على قطيعة مع الشعب الفلسطيني، تلك القطيعة المتعمدة- التي تحولت إلى سياسةٍ بالنسبة لهم- هي في حقيقة الأمر عمل عدائي ضد الشعب الفلسطيني.
القطيعة مع الشعب الفلسطيني، ومد الجسور مع إسرائيل في نفس الوقت، يعني: أنهم في صف إسرائيل ضد ذلك الشعب المظلوم، وصل الحال ببعضهم كما بالنسبة لسلطة الإمارات، بالنسبة للسلطة في البحرين أن استعدوا باستقبال بضائع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة وفي أطراف القطاع، أن يستقبل بضائعه في الوقت الذي قاطعها الأوروبيون، فكانوا إلى هذا المستوى من الدناءة والانحطاط والتعاون مع الإسرائيلي، وهناك أجندة ومشاريع وشراكة مع الإسرائيلي فيما يضر بشكل مباشر بالشعب الفلسطيني، بل هناك استهداف بأشكال من الاستهداف للشعب الفلسطيني.
الذي قام به النظام السعودي في اعتقاله لنشطاء محسوبين على حركة حماس في فلسطين، وبقائهم في سجونه مع التعذيب، ومع المضايقة لهم، هو عمل عدائي، هو استهداف، وليس لهم من ذنب، وليس لهم من مشكلة مع هذا النظام السعودي، إلا أنهم يدعمون المقاومة ضد إسرائيل، معنى هذا اصطفاف واضح في صف إسرائيل.
فمرحلة الاصطفاف هذه هي: إما أن تكون مع أمتك، مع مبادئك، مع قيمك الإسلامية، مع الحرية والكرامة والاستقلال، مع الخير لهذه الأمة؛ وإما أن تكون مع أعدائها فيما هو شرٌ عليها، فيما هو ضرٌ بهذه الأمة، خانعاً، لا قيمة لك، لا شرف لك، لا اعتبار لك، لا كرامة لك، أنت بنظرهم مجرد أداة من الأدوات.
ولأن المعركة هي معركة الأمة جميعاً، ولأن الحاج الشهيد الكبير قاسم سليماني “رحمة الله تغشاه”، والمجاهد العزيز أبو مهدي المهندس، قتلتهما أمريكا مع رفاقهما في هذا السياق: باعتبارهما قائدين من قادة هذه الأمة، من أبناء هذه الأمة، من أحرار هذه الأمة، في معركةٍ هي تعني هذه الأمة، ولذلك قلنا عنهما وعن رفاقهما أنهم: شهداء هذه الأمة، شهداء الأمة الإسلامية، واستشهدوا عندما قتلتهم أمريكا؛ لأنهم يتصدون لخطرٍ هو يشمل هذه الأمة، وهو يهدد كل هذه الأمة، ويجب أن نقدر لكل قائدٍ من أبناء هذه الأمة يحمل هذا التوجه، ويتحرك فيه، أن نقدره، أن نعرف قدره، أن نعتبره يسير في الاتجاه الصحيح، وأن نعتبره إذا استشهد بطلاً من أبطال الأمة الإسلامية، وشهيداً من شهداء الأمة الإسلامية كافة، هذا ما يجب عليه أن نكون كأمةٍ إسلاميةٍ تعزز حالة التعاون والتآخي بينها، كما أمرها الله “سبحانه وتعالى”، وكما ذلك في مصلحتها، وكما ذلك يعزز من قوتها، ومن موقفها.
هذا ما يجب أيضاً أن نرسخه على مستوى محور المقاومة، وأحرار الأمة في كل أقطارها، أن نرسخ وأن نعزز هذا التوجه في إطار شعوب بلداننا هذه كافة: أننا أمةٌ واحدة، في الخندق الواحد، في الموقف الواحد، وأولئك الذين يصطفون مع إسرائيل، تحت الراية الأمريكية، تحت الهيمنة الأمريكية، ويقبلون بإسرائيل وكيلاً لأمريكا في المنطقة تقودهم، ويرتبطون بها على هذا الأساس: سياسياً، وإعلامياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وأمنياً؛ هم الخاسرون، هم المنحرفون، هم الشاذون عن المسار الصحيح والاتجاه الصحيح الذي عليه الأمة، ويجب أن تكون عليه الأمة، هم الذين يخدمون عدو الأمة فيما لا يفيدهم، في نهاية المطاف خسارتهم كبيرة، خسارتهم كبيرة؛ لأن برنامج التطبيع في كل تفاصيله سيكون على النحو الذي يعزز سيطرة إسرائيل عليهم هم في المقدمة، الشعوب التي هي في حالةٍ من المنعة، في حالةٍ من المقاومة، شعوب الجهاد والاستشهاد والمواقف الصحيحة، شعوب الحرية والاستقلال والكرامة، هي ستكون في منعة من هذه السيطرة، من هذا الاستحواذ؛ أما أولئك فهم يتجهون فعلياً إلى تمكين الإسرائيلي وبكل طوعية من السيطرة عليهم، فيتحولون بكل ما في أيديهم من إمكانات ووسائل للعمل في مصلحة العدو الإسرائيلي، تصبح وسائلهم الإعلامية أبواقاً لخدمة إسرائيل، منابرهم حتى منابرهم التي تعنى بالخطاب الديني تشتغل على هذا الأساس، كُتَّابهم، مثقفوهم… الكل سيتحركون كأبواق للإسرائيلي، يروجون للتطبيع مع إسرائيل، للولاء لإسرائيل وأمريكا، للاشتراك والاصطفاف في صف العدو والاشتراك معه، يروجون لذلك، على المستوى السياسي يحاولون أن يقنعوا بقية البلدان هنا أو هناك، ضغطوا مؤخراً على باكستان وعلى إندونيسيا، وربما يسعون في الضغط على بلدان أخرى بوسائل متعددة، بمعنى أن برنامجهم العملي يتجه لمصلحة إسرائيل، لا يعملون حتى لأنفسهم شيئاً، وليس في صالحهم ذلك، والله إنهم خاسرون، ولكن هذه ورطتهم، هذه مشكلتهم، هذه خسارتهم، هذا خيارهم الخاطئ والمنحرف عن منهج الإسلام العظيم، عن مبادئه العظيمة والكريمة.
والمعنيون في الاتجاه الصحيح من أحرار الأمة، ومحور المقاومة، وكل الناضجون في هذه الأمة، كل المتطلعين للحرية والاستقلال والكرامة، هم المعنيون أن يواصلوا المشوار بكل قناعة، بكل ثبات، بكل استبسال، وهذا أهم درسٍ نستفيده من ذكرى كهذه: الذكرى السنوية للشهيد، التي تعلمنا فيها أن الحرية من الطاغوت وهيمنته، وألَّا نكون عبيداً إلا لله، وأن نعيش بكرامة، وأن نسعى للاستقلال، وأن نسعى للتمسك بالمبادئ الإلهية العظيمة، وأقدس وأشرف وأسمى شيء في هذه الحياة، وأنه يستحق منا حتى التضحية بالروح؛ لأننا لن نخسر مع الله أبداً، إذا لقينا الله في هذا الميدان، نلقاه شهداء بكل ما تعنيه الكلمة، لا يمكن لأي إنسانٍ يخسر حياته، أو يقاتل تحت الراية الأمريكية والإسرائيلية بشكلٍ مباشر أو عبر العملاء في المنطقة، أن يكون شهيداً إذا لقي الله؛ إنما يكون خاسراً، خسر حياته في خدمة أمريكا وإسرائيل، من لا يقدرون له ذلك، ولا يعرفون له ذلك، ولا يعتبرونه حتى جميلاً؛ إنما يعتبرونه إنساناً تافهاً، تمكنوا من خداعه، وتمكنوا من السيطرة عليه واستغلاله.
في هذه المناسبة المباركة وفي هذه الذكرى السنوية المباركة، والتي شهدت الكثير من الفعاليات، نؤكد على ما تقدمه لنا هذه المناسبة من دروس وعبر مهمة جداً، في مقدمتها: الثبات على هذا الموقف، ومواصلة المشوار في هذا الطريق العظيم، طريق الشهداء الذي رسموه، والذي قدموا فيه أعظم الدروس في ثباتهم، في استبسالهم، في تفانيهم، في عطائهم، اليوم المسؤولية كبيرة؛ لأنها تقاس بتلك المبادئ العظيمة، وتقاس بهذه التضحيات العظيمة، أمام هذه التضحيات الوفاء لها مسؤولية كبيرة جداً علينا جميعاً الجد في أداء هذه المسؤولية، والاهتمام، وحمل روحية العطاء والتضحية واجبٌ كبيرٌ علينا، وجزءٌ أساسيٌ من الوفاء لأولئك الشهداء، الوفاء لهذه الأهداف العظيمة التي قدموا أنفسهم في سبيل الله “سبحانه وتعالى” من أجل تحقيقها.
نحن معنيون اليوم أن نتصدى لهذه الهجمة علينا وعلى أمتنا، أن نتصدى لهذا العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على بلدنا، كجزءٍ من هذه الهجمة الأمريكية الإسرائيلية التي تستهدف الأمة بكلها.
نحن معنيون بتعزيز حالة التعاون والإخاء مع أبناء أمتنا ومع أحرار أمتنا؛ لدحر الأعداء، لدحر الإسرائيلي- في نهاية المطاف- من هذه المنطقة بكلها؛ لأنه غاصبٌ، مجرمٌ، محتلٌ، ظالمٌ، ولا شرعية له في وجوده في هذه المنطقة، وفي كيانه الإجرامي المحتل الغاصب، وفي دحر الأمريكي من هذه المنطقة، دحر قواعده العسكرية التي هي لتثبيت سيطرته على المجتمع في منطقتنا بشكلٍ عام، وأيضاً التخلص من هيمنته على كل المستويات: السياسية، والثقافية، والفكرية، والعسكرية، والأمنية… وغيرها، أمتنا أمةٌ في انتمائها للإسلام جديرة بالحرية والاستقلال، ولا حرية ولا استقلال ولا كرامة مع الهيمنة الأمريكية، والخنوع لإسرائيل، والارتباط بإسرائيل.
نحن معنيون بأن نواصل هذه المعركة مستعينين بالله “سبحانه وتعالى”، متوكلين عليه، واثقين به، وبنصره، وبأن التضحيات تصنع النصر، بأن دماء الشهداء تصنع الانتصارات الكبيرة، وبأننا كلما قدمنا المزيد من قوافل الشهداء ونحن في هذا الموقف الثابت وفي هذا المشوار المستمر، فإن الله “سبحانه وتعالى” يحقق لنا كأمةٍ مسلمة أهدافنا الكبيرة والمشروعة والمحقة، والعادلة والعظيمة، لندفع عن أنفسنا الظلم، والبغي، والعدوان، والطغيان، والشر، والإجرام، ولنحقق لأنفسنا الحرية، والكرامة، والاستقلال، والعزة، ولننال رضى الله “سبحانه وتعالى” الذي هو الغاية الكبرى والعظيمة.
في واقعنا الداخلي نأمل المواصلة بالاهتمام الكبير في دعم الجبهات بالمال والرجال، والعناية بالجبهة الداخلية بكل مسؤولية، على مستوى الجانب الرسمي في كل ما عليه أن يعمله، وعلى مستوى الواقع الشعبي، وعلى مستوى التعاون بين الجميع في حماية الجبهة الداخلية من المشاكل، من الاختراق، من الاستهدافات، من كل أشكال الاستهداف: بالحرب الناعمة، بالتضليل، بصناعة المشاكل، بالاستثمار في المشاكل والقضايا، بتهديد السلم الاجتماعي، التصدي لكل هذه الأخطار، حماية الجبهة الداخلية على كل المستويات، والتحلي بالمسؤولية في معالجة أي مشاكل في واقعنا الداخلي، والتعامل معها بشكلٍ صحيح، يتجه إلى المعالجة الفعلية، وإلى النقد البناء، وإلى التعامل الراشد، وليس إلى التعامل الذي يبتعد عن المسؤولية، والتعاطي المنفلت، والرمي بالاتهامات والإساءات، والجزاف بإطلاق المواقف غير الصحيحة ولا الحكيمة، ومعنيون بتعزيز الموقف في التصدي للخطر، والتصدي للأعداء، والسعي لبناء واقعنا ليكون أقوى وأقوى على كل المستويات في مواجهة كل التحديات، إضافةً إلى العناية بالتكافل الاجتماعي.
نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفقنا وأياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن ينصر شعبنا المظلوم، وأمتنا الإسلامية في مواجهتها مع أعدائها.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛