كلمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في افتتاح الأنشطة والمراكز الصيفية 1442هـ
حياكم الله جميعاً، وأهلاً وسهلاً ومرحباً.
نرحب بكل الحضور، وفي المقدِّمة: الآباء العلماء ورجال الدولة، وعلى رأسهم الأخ رئيس الوزراء… وجميع الحاضرين.
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الحاضرون جميعاً
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
نتحدث اليوم في إطار افتتاح الدورات والأنشطة الصيفية؛ على أساس الحث على التفاعل كما ينبغي مع هذه المحطة التربوية والتثقيفية والتعليمية المهمة، ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا جميعاً لما يرضيه عنا، إنه سميع الدعاء.
يقول الله “سبحانه وتعالى” في كتابه الكريم: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام: الآية122]، في الآية المباركة من سورة الأنعام يقدِّم الله “سبحانه وتعالى” مقارنةً مهمةً جداً، من خلال هذه المقارنة يتبين للإنسان ما ينبغي أن يعتمد عليه في مسيرة حياته؛ لأن كلاً من الحالتين المذكورتين في الآية المباركة، هما نقيضان لبعضهما البعض، إمَّا أن تكون في هذا الاتجاه، وإمَّا أن تكون في الاتجاه الآخر، ليس هناك خيارٌ ثالث.
فالخيار الأول في هذه المقارنة المهمة جداً، عندما قال “جلَّ شأنه”: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}، الله “سبحانه وتعالى” كما خلقنا وأحيانا على المستوى المادي، خلق الإنسان من نطفة، قبل ذلك خلقه من الطين، من التراب، ومنحه ما منحه في جسمه وفي مداركه، لكن هناك حياة ذات أهمية كبيرة جداً، لها أهميتها القصوى في أن تؤدِّي دورك في هذه الحياة كما ينبغي، بأن تنتفع بما وهبك الله “سبحانه وتعالى” من قدرات وطاقات ومدارك، فتستثمرها في أداء دورك في هذه الحياة على أحسن وجه، وعلى أكمل وجه، وكما ينبغي، فيتحقق لك بذلك السمو والكمال الإنساني، وتكون في واقع حياتك وفي مسيرة حياتك تقوم بدورٍ إيجابيٍ ومثمرٍ وبنَّاء، فتكون عنصراً خيِّراً، فاعلاً على نحوٍ إيجابيٍ في هذه الحياة.
ولذلك الحياة التي يكون فيها الإنسان مجرد لحمٍ وشحمٍ ومدارك عمياء، لا يبصر بها، لا يستنير بها، لا يعي دوره جيداً في هذه الحياة، لا يستشعر مسؤولياته كما ينبغي في هذه الحياة، فهو بمنزلة الأموات، وإن كان على المستوى العضوي في قائمة الأحياء، ولكنه في شعوره، في وجدانه، في إحساسه، في وعيه، وكأنه ليس حياً، كأن الله لم يعطيه أي مدارك، كأن الله لم يعطه أي طاقات، ولم يعطه أي مدارك يستبصر بها، يدرك حياته في هذه الدنيا ومسؤولياته فيها كما ينبغي.
ولذلك يقول الله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا}، الإنسان في واقع الحال ما لم يحظ بالحياة الحقيقية في جانبها المعنوي، في مشاعره الإنسانية، في إحساسه بالقيم العظيمة، في وعيه، في إدراكه الصحيح لمسؤولياته في هذه الحياة؛ فهو بمنزلة الأموات، الذي يحييه: هو هذه الصلة الإيمانية بالله “سبحانه وتعالى”، صلة عظيمة جداً.
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}، الصلة الإيمانية بالله “سبحانه وتعالى” هي صلة حياة، وفيها مفاتيح الحياة، وهي التي من خلالها يتحقق للإنسان أن يكون حياً في مشاعره، حياً في وجدانه، حياً في إحساسه، حياً حياة الإيمان، حياة القيم، حياة المبادئ، حياً في شعوره بالمسؤولية، حياً في إحساسه بالكرامة، ثم يتحرك على أساس النور: نور الله “سبحانه وتعالى”.
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}؛ ليبين الله لنا في هذه العبارة المهمة: أنَّ صلة الإيمان والهداية بالله “سبحانه وتعالى” ليست مجرد مبادئ وتعليمات جامدة، راكدة، ذهنية، لا تترك أثرها في نفسية الإنسان، في روحية الإنسان، في وجدان الإنسان، في مشاعر الإنسان، في اهتمامات الإنسان، في دوافع الإنسان، في أعمال الإنسان وسكناته وحركاته، لا، الذي يميِّز هذه الصلة بالله “سبحانه وتعالى” (صلة الإيمان والهداية): أنها تترك أثرها الكبير في الإنسان على مستوى روحيته، تحيي فيك الروحية الإيمانية بكل ما يتبعها، وبكل ما يترتب عليها، وبكل ما ينتج عنها ومنها.
الروحية الإيمانية لها أثر كبير في نفسية الإنسان، تتغير نفسية الإنسان إلى حدٍ كبير؛ وبالتالي اهتماماته، أولوياته في هذه الحياة، مشاعره الحية، التي تجعله يتفاعل جيداً مع محيطه في هذه الحياة، مع الواقع من حوله في هذه الحياة، لا يعيش ميت الضمير، ولا متبلِّد المشاعر، ولا يعيش في حالةٍ من الموات على مستوى الوعي والإدراك، لا، هو بروحيته الإيمانية في حالة يقظة، انتباه، تفاعل، إحساس بما يجري حوله، إدراك لمسؤوليته، وتلك القيم الإيمانية تحوَّلت بالنسبة له إلى مشاعر، وليس فقط إلى معلومات ذهنية، العزة بالنسبة له شعور، والكرامة بالنسبة له إحساس… وهكذا تأتي بقية القيم: الرحمة، الرأفة، التي تدفعه إلى الاهتمام بالناس من حوله، وبالواقع من حوله، الإحساس بالمسؤولية، الغيرة والإباء… وهكذا كل المعاني والقيم العظيمة أصبحت ذات تجذر في وجدانه، وفي إحساسه، وفي مشاعره، فلذلك هو يتجه تلقائياً بكل تفاعل، فالأثر هنا هو أثرٌ على مستوى النفس: زكاءً، وإحياءً في هذه النفس لكل تلك المبادئ والقيم، حتى تتحول إلى حالةٍ من المشاعر والإحساس في الوجدان والنفس.
ثم كذلك مع هذا الجانب النفسي، وهذا الأثر النفسي المهم جداً، تأتي من الله “سبحانه وتعالى” الهداية، على مستوى الفكرة، على مستوى الرؤية، على مستوى البصيرة، على مستوى المفاهيم، والإدراك الصحيح لما ينبغي علينا أن نعمله، لما ينبغي علينا أن نبني عليه مسيرة حياتنا، فيتجه الإنسان في مسيرة حياته، في حركته في هذه الحياة، في كل اتجاهاتها، على مستوى الأولويات، والأعمال، والسلوكيات، والمواقف، والولاءات، ليس من منطلق المزاج الشخصي، والأهواء النفسية، والانفعالات المزاجية، وإنما على نورٍ من ربه.
ولذلك يأتي في الآية المباركة قوله “سبحانه وتعالى”: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}، فهو يمشي في هذه الحياة، {يَمْشِي}: عبارة عن حركته في هذه الحياة، حركته العامة، بما فيها من سلوكيات، واهتمامات، وأعمال، ومواقف، وولاءات، وتصرفات، وهو ينطلق من زكاء نفس، من شعورٍ بتلك القيم العظيمة، ومن رؤيةٍ هادية، من فكرةٍ صحيحة، من مفاهيم منيرة، ولذلك هو يدرك جيداً ما عليه أن يعمل، ويتحرك على أساس نور الله “سبحانه وتعالى”، المتمثل بهدايته “جلَّ شأنه”.
هدى الله “سبحانه وتعالى” هو النور الذي يضيء للإنسان في هذه الحياة، فيرى الحقائق كما هي، بعيداً عن التأثر بالمؤثرات السلبية؛ لأن المؤثرات السلبية تمثل حالة عمى للإنسان، فلا يدرك كثيراً من الحقائق.
الإنسان إذا كان في حالةٍ مزاجية، وفي حالةٍ نفسيةٍ سيئة، لم يتزك في نفسه، ولم يهتد بنور ربه “سبحانه وتعالى”؛ فهو يعاني من حجب كثيرة تحجبه عن إدراك الحقائق، وعن التفاعل معها، حتى لو أدرك بعض الحقائق التي تفرض نفسها عليه، أو تفرض نفسها في واقعه، فهو يعاني في نفس الوقت من عدم تفاعل، من موت الضمير، وما أكثر الذين يعانون من موت الضمير، مهما كان حجم الأحداث من حولهم، مهما كانت في مستوى تأثيرها، واستفزازها، وإزعاجها، فالبعض لا يتفاعل مع ذلك.
نحن لاحظنا في واقع حياتنا على مستوى ما نعانيه من عدوان تحالف العدوان على بلدنا، أو ما يجري على الشعب الفلسطيني في فلسطين، نرى الأحداث المأساوية، المظالم الكبيرة، الأحداث المؤلمة والمزعجة والمستفزة، المظلومية الرهيبة جداً، والبعض مهما كان حجم المأساة، فكما قال الشاعر: (ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ)، (ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ).
البعض من الناس مهما كانت الأحداث عاصفةً، والتحديات قائمةً، تفرض نفسها على الواقع، وعلى الناس في هذا الواقع، فهو يتعامى عنها، يتجاهلها، وكأن التجاهل يمثل حلاً بالنسبة له، لا تستفزه؛ لأن وجدانه بارد، ولأن ضميره ميت، ولأن إدراكه للحقائق ضعيف ومشوش؛ وبالتالي يُمنِّي نفسه، وما أكثر الذين يُمنُّون أنفسهم بأن تأتي المتغيرات هكذا بشكلٍ تلقائي دون أن نتحمل المسؤولية فيما علينا أن نعمل، بدافع إيماننا، بدافع إنسانيتنا، بدافع الضمير والاستشعار للمسؤولية، وبحسب أيضاً الهداية الإلهية، هداية الله لنا فيما يوجِّهنا إليه، ويأمرنا به، ويدُّلنا عليه، وينبِّهنا بشأنه.
فالآية المباركة تبين لنا عظمة هذه الصلة بالله “سبحانه وتعالى”؛ لأن صلتنا بالله ليست فقط منحصرةً أن ندعوه عند الضراء، إذا أصبنا بالمرض، أو عانينا من الفقر، أو واجهنا بعضاً من الظروف القاسية في هذه الحياة، نتجه إليه بالدعاء: أن يفرِّج عنا، أن يعطينا، أن يمنَّ علينا، هذا جزءٌ من علاقتنا وصلتنا بالله “سبحانه وتعالى”، ولكن هذه الصلة هي أساسيةٌ في كل شيء، هذه الصلة بالله “سبحانه وتعالى” التي نتمتع فيها بالحياة الحقيقية، والتي نبتني فيها في واقعنا النفسي، ثم ننطلق على أساس ذلك في ميدان العمل، في مسرح الحياة، في ميدان المسؤولية، ونحن على مستوى النفس، والأثر النفسي، والزكاء النفسي، استفدنا من هذه الصلة بهذه الحياة المهمة: حياة المشاعر، حياة القيم، حياة الإيمان، حياة الإحساس بالكرامة، والعزة، والمبادئ العظيمة، التي تسمو بالإنسان كإنسان، وتحقق له كماله الإنساني، ثم النور الذي نتحرك على أساسه في هذه الحياة، فلا نتخبط في سلوكياتنا، في أعمالنا، في مواقفنا، في اهتماماتنا، في أعمالنا، تخبطاً ناتجاً عن منطلقات خاطئة، أو مفاهيم خاطئة، أو تصورات باطلة.
عندما ننظر في ساحتنا العامة على المستوى البشري، أو في ساحتنا الإسلامية، ما أكثر من يعانون- كما قلنا- من موتٍ في الضمير، ومن تشوشٍ في الرؤية، ومن تشوشٍ في الرؤية، ومن غباء فيما يتعلق بالمفاهيم الصحيحة، بل إنَّ البعض يكونون في مقامات علمية: سواءً جامعية… أو غيرها، ولكنهم لا يمتلكون الرؤية الصافية، الرؤية المنيرة، التي تضيء للإنسان فيرى الحقائق كما هي، ويدرك مسؤولياته كما ينبغي، ويدرك ما عليه أن يعمل، تأتي المؤثرات الأخرى فتؤثر على الإنسان، فالشطر الأول من المقارنة، هو يبين لنا هذه الصلة بالله “سبحانه وتعالى”: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}.
أمَّا الشطر الآخر من هذه المقارنة فيقول: {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}، حالة رهيبة أن يكون الإنسان في واقع حياته في الظلمات، في الظلمات، ظلمات الجهل، ظلمات العقد النفسية، التأثيرات السلبية، التي تؤثر على رؤيته، على مفاهيمه، على تصوراته، على قناعاته، على أفكاره، على منطلقاته في هذه الحياة، {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}، ظلمات تتراكم وتكثف حتى لا يخرج منها، حتى يبقى دائماً يتخبط في داخلها تائهاً، لا يدرك الحقائق، لا يرى الحقائق، الحجب المظلمة كثيرة، وتأتيه من كل الجوانب، من كل المؤثرات السلبية؛ وبالتالي يبقى متخبِّطاً في هذه الحياة، قناعاته خاطئة، أفكاره خاطئة، تصوراته خاطئة، ومنطلقاته خاطئة، وهكذا ينطلق بشكلٍ خاطئ في مواقفه، يتخذ قرارات خاطئة جداً، خطورتها عليه في هذه الحياة، وخطورتها عليه أيضاً في مستقبله في الآخرة، لها تأثيرات سيئة جداً، ليست من الحكمة في شيء، وليس لها أي إيجابية في واقع الحياة، سلبياتها كبيرةٌ جداً، ونتائجها وخيمةٌ جداً في الدنيا والآخرة.
ولأنه ليس على صلةٍ بالله “سبحانه وتعالى” (صلة الهداية والنور)؛ فهو لا يخرج من تلك الظلمات، يبقى تائهاً فيها، حتى تكون الحالة التي يصل إليها هي حالةٌ تزيده تشبثاً بما هو فيه من الظلمات، {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، المنكرين لهدى الله، المعرضين عن هدى الله، المتجاهلين لتعليمات الله “سبحانه وتعالى”، المتنكِّرين لتوجيهات الله، ولهداية الله “سبحانه وتعالى”، ينطلقون من حالة مزاجية، ومن أهواء نفسية، ومن عقد شخصية؛ وبالتالي تصوراتهم التي يعتمدون عليها هي خاطئة، وعندما يتشبثون بها، أو يعجبون بها، فإنما لأنها تناسبت وانسجمت مع عقدهم الشخصية، فكرة خاطئة انسجم معها بعقدته الشخصية، بأهوائه النفسية، فأعجب بها، وزَيَّنَت له ما هو فيه من الموقف الخاطئ، أو القرار الخاطئ، أو التصرف الخاطئ، فأصبح متشبثاً به أكثر، ومتمسكاً به بشكلٍ أكثر؛ وبالتالي يستمر فيما هو فيه كحالة التائه المتخبط، وهي الحالة الحتمية، إذا لم يتصل الإنسان بالله “سبحانه وتعالى” بصلة النور والهداية الإلهية، لن يكون إلَّا في حالة الظلمات، لن يكون إلَّا تائهاً، يتحرك على أساس الكثير من المفاهيم الخاطئة، والتصورات الباطلة، والحالة المزاجية النفسية التي تزين له ما هو فيه، فيزداد تشبثه به، وتمسُّكه به.
هذه المقارنة في غاية الأهمية؛ لأنها تعطينا فرصةً لاتخاذ القرار الصحيح، كلٌّ منا في مسيرة حياته بحاجةٍ إلى أن يبني هذه المسيرة في حياته على أساسٍ صحيح، على أساسٍ يوصله إلى الغايات العظيمة، إلى النتائج المهمة والكبيرة، يحقق له رضوان الله “سبحانه وتعالى”، يحقق له الخير في الدنيا والآخرة، يحقق له أن يكون على بيِّنةٍ من ربه، وبصيرةٍ من أمره، وعلى هدىً من الله “سبحانه وتعالى”.
فالله “سبحانه وتعالى” من خلال هذه المقارنة العظيمة والمهمة، يبين لنا أهمية الصلة به في أثرها النفسي، وأهميتها في الواقع العملي، للإنسان شخصياً على المستوى الفردي، وعلى المجتمع كمجتمع، والأمة كأمة، فيما يتحقق لها في واقع حياتها، والنتيجة السلبية رهيبة جداً في الحالة الأخرى التي يفقد الإنسان هذه الصلة بالله “سبحانه وتعالى”.
فإذا جئنا إلى واقع الحياة ابتداءً، قبل أن نتحدث عن المشاكل، قبل أن نتحدث عن التحديات، قبل أن نتحدث عن الشيطان والمضلين والمفاسد، قبل أن نتحدث عن مؤثرات الضلال، ابتداءً الإنسان بحاجةٍ ملحةٍ وماسّة في سموّه الإنساني، في تكامله الإنساني، في ألَّا يهدر حياته، في ألَّا يضيع عمره، في ألَّا يخسر جهده، في ألَّا تكون أعماله وبالاً عليه، ووزراً عليه، يكتسب بها الآثام، ويحمِّل نفسه من خلالها بالأوزار الثقيلة، ابتداءً نحن بحاجة إلى النور، إلى نور الله، إلى هدايته، إلى هذه الصلة بالله “سبحانه وتعالى”، التي نحيا بها حياة الإيمان في مشاعرنا، ومداركنا، وقيمنا، وأخلاقنا، وإحساسنا، الذي تتجذر فيه مكارم الأخلاق، وتتجذر فيه القيم العظيمة، حتى تتحول إلى إحساسٍ نحس به، ويحيا ضميرنا، فيكون هناك انسجام ما بين الواقع النفسي، الحالة النفسية، المشاعر النفسية، الإحساس الوجداني، وما بين الفكرة الهادية، ما بين المفاهيم الصحيحة، ما بين التوجيهات الإلهية، نجد أنفسنا منسجمين معها، متفاعلين معها، متشوِّقين للعمل بها، نعي قيمتها، نعي أهميتها، نستشعر فضلها وإيجابياتها في هذه الحياة، فنتفاعل، نتفاعل من عمق أنفسنا، من عمق مشاعرنا، من أعماق قلوبنا، وننطلق بكل جدية.
الحالة الأخرى حالة المتنكِّرين لهدى الله “سبحانه وتعالى”، المنقطعين……….. الحالة الأخرى الخطيرة جداً، الحالة التي يتخبط فيها المنقطعون عن هذه الصلة بهداية الله ونوره، هي حالة خطيرة جداً، سلبياتها كبيرة، وأكثر الناس يعانون في الأساس من هذا التخبط فيما يحملونه من تصورات ظلامية، من أفكار ظلامية؛ وبالتالي يؤثِّر ذلك على منطلقاتهم، على مواقفهم، على قراراتهم، على توجهاتهم، على اهتماماتهم، على سلوكياتهم، ولا ينتفعون من كل المستجدات والمؤثرات والمتغيرات في واقع هذه الحياة؛ لأنهم لا يدركونها، لا يدركونها، كالإنسان الذي هو في الظلمات، لا يرى الحقائق من حوله، لا يرى الواقع من حوله بشكلٍ صحيح؛ وبالتالي لا يتفاعل كما ينبغي.
ثم إذا جئنا إلى واقعنا فيما يتعلق بالتحديات والأخطار، ابتداءً من المخاطر الكبيرة على هذا الإنسان، وهو مستهدف من عدوه الأول: من الشيطان، الشيطان ما الذي يسعى له في حربه على الإنسان؟ يسعى إلى إضلال هذا الإنسان، مثلما قال إبليس في قسمه: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ}[النساء: من الآية119]، يتوَّعد بالإضلال، يتوَّعد بالإغواء.
الحرب الشيطانية على الإنسان هي حرب تضليلٍ وإغواء، {لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[الحجر: من الآية39]، الإغواء (التضليل) هو يأتي إلى الجانب النفسي والفكري لدى الإنسان، إلى مشاعرك؛ ليدنس هذه المشاعر، لينمِّي في وجدانك الأشياء السلبية، وليطفئ في شعورك ووجدانك كل تلك القيم الفطرية التي وهبك الله إيَّاها، أو يحاول أن يغطي عليها ويدفنها، أن يدفنها في عمقك، فتبقى هناك دفينةً لما تراكم عليها من المؤثرات السلبية والرين الخطير.
ثم على الإضلال على مستوى الفكرة ، على مستوى التصور، على مستوى المفاهيم، فيصبح عندك مفاهيم خاطئة، أفكار خاطئة، تصورات ليست صحيحة، لا فيما تقيِّم به الأشياء، ولا فيما تحكم به على الأشياء، ولا في نتائجها التي تتوقعها أنت، وتسعى للوصول إليها أنت، ولذلك الشيطان فيما هو يعمل هذا العمل: في استهدافه للإنسان، وفي حربه على الإنسان، كل أوليائه يعملون هذا العمل.
الطاغوت الذي هو الذراع الشيطانية في الواقع البشري، هو يشتغل على هذا النحو، ولهذا يقول الله “سبحانه وتعالى”: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}[البقرة: من الآية257]، {يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ}، حتى فيما قد منحهم الله على مستوى الفطرة، أو وصل إليهم من صوت الحق والهدى، فهم يخرجونهم عنه إلى مربع الظلمات، حيث لا يدركون الحقائق، وحيث يكونون فريسةً سهلةً للإغواء والتضليل، وللاستغلال لهم، والتيه بهم.
فالإنسان في واقع هذه الحياة هو يواجه أيضاً، يعني: مع حاجتنا على مستوى السمو والكمال، وعلى مستوى النجاح في هذه الحياة، وأن نستثمر هذه الحياة بشكلٍ صحيح، فيما يصل بنا إلى رضوان الله “سبحانه وتعالى”، وإلى خير الدنيا والآخرة، نحتاج أيضاً على مستوى ما نواجهه من التحديات، إن لم نمتلك النور الذي يقدمه الله لنا، إن لم نستضئ به، إن لم يكن هو ضياؤنا في هذه الحياة، فالبديل المؤثر علينا:
- على أفكارنا.
- على تصوراتنا.
- على منطلقاتنا.
- على اهتماماتنا.
- على أولوياتنا.
هو الضلام، هو الظلمات، هو الظلمات الخطيرة جداً، التي يعمى بها الإنسان، والتي لها أيضاً الأثر السلبي على نفسيته، مقابل (فَأَحْيَيْنَاهُ):
- يموت فيك ضميرك.
- يموت فيك كل الشعور بتلك القيم العظيمة:
- كل الإحساس بالكرامة.
- كل الإحساس والشعور بالعزة، والإباء والغيرة.
- كل ما يمكن أن يساهم في تفاعلك بشكلٍ إيجابي مع هدى الله “سبحانه وتعالى”.
هي كل ذلك تأثيرات سيئة جداً في نفسك، والأعداء هم يشتغلون، هم يعملون على أن يعمموا حالة الظلمات إلى كل قطرٍ وبلد، إلى كل منزلٍ ومدرسة، إلى كل شخصٍ وفرد، هم يحرصون على ذلك، هم يحاولون، الشيطان والطاغوت وأولياء الشيطان شغلهم الرئيسي الذي يعملون عليه: هو التضليل والإغواء عل كل المستويات، وفي كل المجالات، وبكل الأساليب، فلا بدَّ أن يسعى الإنسان لأن يتحصَّن، أن يتحصن: أن يمتلك من هداية الله “سبحانه وتعالى” ومن نوره ما يحصنه، ما يحافظ عليه، ما يصونه:
- يصونه في نفسه، في روحيته.
- ويصونه في فكره، في فهمه، في تصوراته، في نظرته، في رؤيته.
هذه مسألة مهمة جداً.
إذا جئنا إلى واقعنا العام، نحتاج إلى ذلك كله، بشكلٍ عام، الإنسان في كل مراحل حياته، لا يصل إلى مرحلة يمكن أن يكون فيها مستغنياً عن الحصول على المزيد من الهداية الإلهية، والمعارف القرآنية، والثقافة الهادية، الإنسان في كل مسيرة حياته يحتاج إلى المزيد وإلى المزيد.
إن الله “سبحانه وتعالى” قال لمن؟ لنبيه محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، الذي قال عن نفسه: (أنا مدينة العلم)، (أنا مدينة العلم)، قال عن نفسه هذا القول بحق، بحق، فيما منحه الله من العلوم والمعارف الإلهية، الواسعة، الكثيرة، العظيمة، المهمة، مع ذلك يقول الله له “سبحانه وتعالى” معلماً إياه دعاءً من أهم الأدعية: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه: من الآية114]، {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، لم يقل: [خلاص، قد أنا رسول الله، وأنا أصبحت مدينة العلم، ولن أحتاج إلى أي معلومة إضافية، شكراً]، يأتي إليه مثلاً جبريل “عليه السلام”، فيقول: [شكراً يا أخي قد عندي ما يكفي ويفي، خلاص، كم تشتي أجلس طالب لما أموت؟! وعاد أستفيد وأبقى دائماً أحتاج أتعلم، وأستفيد وأتلقى المزيد والمزيد]، لا، وعلَّمه الله أن يقول: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، في طول مسيرة حياة الإنسان، حتى إلى أن يلقى الله “سبحانه وتعالى”، يحتاج إلى المزيد والمزيد من الهداية الإلهية، من المعارف الصحيحة، من المفاهيم الصحيحة؛ نظراً لمستجدات الحياة، لمتطلبات المسؤولية، لتحديات الحياة، والمخاطر في هذه الحياة، فنحتاج بشكلٍ عام (كباراً، وصغاراً).
ثم على مستوى العناية بأجيالنا، هذه الأجيال المباركة، الناشئة، إن لم نتحمل مسؤوليتنا في العناية بها، والاهتمام بها، فسيكون هذا تقصيراً، وتفريطاً، وذنباً، الله “سبحانه وتعالى” قال في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم: من الآية6]، {وَأَهْلِيكُمْ} عليك مسؤولية تجاه أسرتك، مسؤولية أيضاً تجاه أبناء مجتمعك، مسؤولية في أن تسعى لما يقيهم من عذاب، وأول ما يقيهم من عذاب الله: هو أن تعمل على تزكية أنفسهم، على تربيتهم وتنشئتهم النشأة الطيبة، النشأة الصالحة، النشأة الزكية، النشأة المباركة، وأن تسعى لأن يكونوا مستنيرين بنور الله، مستبصرين بهدى الله، على بينةٍ من ربهم، على هدىً من ربهم، لا يكونون عرضةً لإضلال المضلين، واستقطاب المفسدين.
ولذلك علينا أن نتجه بكل جدية إلى هذا الجيل، وهذا الجيل عندما ينشأ، ينشأ النشأة الطيبة منذ نعومة أظفاره، ينشأ النشأة المباركة، يستقي من معين العلم النافع، من منابع الهداية الإلهية، وينشأ على ذلك، ويتربى على ذلك، سيكون جيلاً عظيماً؛ لأن هناك فرق كبير:
- بين عملية الترميم لهيكل قد أصبح بالياً، وقديماً، وعتيقاً، ومتضرراً.
- وبين البناء، البناء على أساسٍ صحيح منذ البداية.
التنشئة الطيبة، التنشئة المباركة منذ الطفولة والصغر، تكون ثمراتها عظيمة جداً، آثارها عظيمة جداً، تحقق الأثر والسمو الكبير:
- في نفسية الإنسان.
- في طاقاته.
- في مداركه.
- في مواهبه.
- في مؤهلاته.
فيبتني بناءً مميزاً، ويؤدي في هذه الحياة دوراً عظيماً، دوراً مميزاً بما يمتلكه:
- من زكاء نفس.
- من هداية فكرة.
- من مواهب.
- من طاقات.
- من قدرات.
فيقدم في واقع مجتمعه الخير الكثير، يكون عنصراً فاعلاً، خيِّراً، مثمراً، منتجاً، ولذلك العناية بهذا الجيل الناشئ مسؤولية كبيرة جداً.
الدورات الصيفية هي فرصة مهمة لتحقيق هذا الهدف، وهي إسهامٌ مهم، إضافةً إلى غيرها من الجهود والأنشطة التعليمية، والأنشطة كذلك التثقيفية والتربوية، هي محطة مهمة جداً:
- من جانب الدفع بالنشء، إلى الاستفادة منها، والاستثمار لها، والإقبال عليها.
- ومن جهة المشاركة من كل الذين يمتلكون القدرات التثقيفية والتعليمية والتربوية، ويمكنهم المساهمة في ذلك، هذا إسهام مهم جداً، ومسؤولية عظيمة، ودور مهم جداً.
عندما نحصن أنفسنا ومجتمعنا من كل أشكال الاختراق الظلامي، المضل المفسد، هذا سيجعلنا في حالةٍ حقيقية من الحرية، بكل ما تعنيه مفردة (الحرية)، الحرية بمفهومها الصحيح، بمفهومها الحقيقي والواقعي.
ولذلك نأمل- إن شاء الله- أن يكون هناك توجه كبير على المستوى المجتمعي، وتوجه كبير من جانب الذين يمتلكون القدرة التثقيفية والتعليمية، والخلفية العلمية والثقافية اللازمة، للإسهام في هذه الدورات الصيفية، والعناية بها، والسعي للاستفادة منها.
هذا له أهمية في واقع الحياة، في واقع الحياة:
- في حاجتنا كبشر.
- وفيما نواجهه من تحديات.
- وفي طبيعة مسؤولياتنا، التي علينا أن نتحملها بكفاءة عالية، بمستوى من الزكاء النفسي، والهداية الإلهية، والبصيرة، والوعي، والفهم الصحيح، كما ينبغي.
من جانب آخر: فيما يتعلق بمسؤوليتنا العامة، تجاه الواقع الذي نعيشه:
نحن- كما قلنا- في مواجهة عدوان، عدوانٍ تشرف عليه أمريكا، عدوان بتخطيط وتدبير (إسرائيلي، بريطاني، أمريكي)، تنفذه أدوات من عملائهم على المستوى الإقليمي والمحلي، ونحن في إطار هذه المسؤولية نتحرك من واقع وعي، من واقع إدراك لمسؤوليتنا أمام الله “سبحانه وتعالى”، فهم صحيح لما يهدف إليه هذا العدوان من سيطرة علينا، وعلى بلدنا، بما ينتج ويترتب على هذا العدوان- فيما لو تمكَّن من تحقيق أهدافه- من مخاطر رهيبة.
الواقع من حولنا معروف على مستوى الأمة بشكلٍ عام، عشنا الأيام الماضية، ونحن نتابع باهتمام كبير، وبتنسيقٍ أيضاً في إطار محور المقاومة، الجولة التي استجدت ما بين أخوتنا الفلسطينيين، وما بين العدو الإسرائيلي، العدو الإسرائيلي فجَّر الموقف في إطار تلك الجولة من الاشتباك، عندما أقدم على تعديات خطيرة وكبيرة، تستهدف المسجد الأقصى، وسعى إلى المزيد من خطواته السيئة والخطيرة، في تهويد مدينة القدس، وفي سعيه للسيطرة على المزيد من أحياء المدينة، وبالذات الأحياء القديمة، والأحياء القريبة من المسجد الأقصى، اعتداءاته اليومية، وجرائمه اليومية، بحق الشعب الفلسطيني مسألة معروفة، وهي- بحد ذاتها- تعطي الحق والمشروعية للشعب الفلسطيني، لأن يطرد ذلك الكيان الغاصب، وذلك العدو المجرم، الذي ارتكب أبشع الجرائم، منذ بداية أمره، منذ بداية اغتصابه وتواجده على أرض فلسطين.
هذه الجولة كان فيها الكثير من الدروس والعبر:
من أهم ما فيها: أننا رأينا، ورأى العالم أجمع، الثمرة الطيبة للصمود، للثبات، للتحرك الجاد، في مواجهة العدو، وعندما كان بين الإخوة الفلسطينيين في هذه الجولة مستوى جيد من التنسيق والتعاون، كانت الثمرة ثمرة طيبة، وثمرة مهمة جداً.
ولذلك نحن نشد على أيدي إخوتنا الفلسطينيين في تعزيز هذا التآخي والتعاون، في ترسيخ هذا المستوى من التعاون والتنسيق فيما بينهم؛ لما له من أهميةٍ كبيرةٍ جداً.
واحدةٌ من الحقائق الجلية: أن الشعب الفلسطيني المسلم، بتوكله على الله “سبحانه وتعالى”، بصموده، وصبره، وتضحياته، هو جديرٌ في أن يكون بمستوى المسؤولية، في التصدي للعدو الإسرائيلي، طالما استمر في أخذه بعناصر وأسباب النصر، والتأييد الإلهي.
والذي يقع على عاتق بقية الشعوب أن تكون:
- جنباً إلى جنب حاضنةً لهذا الشعب، ولمقاومته الباسلة.
- مؤيدةً بالكلمة، وبالمال، وبالموقف، في أي مستوى يتطلبه الواقع، وتفرضه المسؤولية.
- وأن تكون مواكبةً للأحداث، مع تحسيسها الشعب الفلسطيني بأنها دائماً إلى جانبه، بأنها معه، بأن قضيته قضيتها.
وهذا هو الواقع: المسؤولية تقع على عاتق الأمة جمعاء، في أن تكون حاضرةً بصوتها المسموع، بكل المواقف الداعمة، والمؤيدة، والمساندة.
لقد أراد الأعداء من خلال مساعيهم في التطبيع، إلى أن يقدموا خدمةً للعدو الإسرائيلي، في أن يجمدوا هذا المحيط العربي والإسلامي، تجاه أي موقف مناصر للشعب الفلسطيني؛ حتى يستفرد العدو الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني، ويسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية، والقضاء عليها، ولكنهم فشلوا بحمد الله “سبحانه وتعالى”.
وتجلَّى مع هذه الجولة من الاشتباك مع العدو الإسرائيلي، مدى تفاعل الشعوب، وتألمها، وتحركها، وتأثرها، وتفاعلها، تجاه ما يجري، وهذه صحوة ضمير في الواقع العربي والإسلامي، نأمل أن تتزايد أكثر فأكثر.
أملنا من شعبنا اليمني العزيز أيضاً: أن يواصل ما هو فيه من تفاعل، من تجاوب مع كل الخطوات العملية اللازمة، نحن أكدنا مراراً وتكراراً أن شعبنا اليمني بهويته الإيمانية، وانتمائه الإيماني، بقيمه العظيمة، هو يتطلع إلى أن يكون له دورٌ كبير، وفاعلٌ جداً، في إطار التصدي للعدو الإسرائيلي، وفي إطار الموقف من العدو الإسرائيلي، وفي الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.
نحن بحمد الله “سبحانه وتعالى” في هذا البلد، لدينا من المقومات المعنوية والإيمانية، ما يساعدنا على أن يكون هناك دور متميز، في طليعة شعوب أمتنا، في طليعة البلدان من حولنا، بدأت حملة التبرعات وإن كانت صادفت وقت العيد، وأيام العيد، وأثرت عليها أيام العيد، إضافةً إلى تأثير الظروف الراهنة، التي نعاني منها على المستوى الاقتصادي والمعيشي؛ نتيجةً للعدوان على بلدنا، لكننا حاضرون أن نقتسم اللقمة الواحدة مع إخوتنا في فلسطين، حاضرون أن نؤثرهم على أنفسنا؛ لأن شعبنا اليمني هو شعب الأنصار، هو شعب الأنصار الذين قال الله عنهم في كتابه الكريم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: من الآية9]، وشعبنا سيؤثر على نفسه، ولو كان به خصاصة، ولو كان مستوى المعاناة كيف ما كان، ستستمر حملة التبرعات المالية، بتنسيقٍ قويٍ مع إخوتنا الفلسطينيين، عبر ممثليهم في صنعاء؛ حتى يكون الجميع مطمئناً، بأن ما يقدمه من تبرعات، ومن إسهامات، يصل إلى المقاومة الفلسطينية.
والذي حدث في الاشتباك الأخير مع العدو الإسرائيلي هو جولة من جولات الاشتباك والحرب، ولكن الصراع مستمر، والتحدي قائم، والمسؤولية مستمرة، والدعم المستمر للمقاومة الفلسطينية مسألة مهمة جداً؛ لأنها عند أي جولة من الاقتتال، أي جولة من الاشتباك مع العدو الإسرائيلي، ولا بدَّ من جولات قادمة وقادمة، ستكون على مستوى أقوى، في ضرب العدو الإسرائيلي، وهو- إن شاء الله- في موقع الضعف، وأصبحت المسألة واضحة جداً، هناك اعتراف في الوسط السياسي الإسرائيلي، بأن الذي حدث في هذه الجولة هو انتصار للمقاومة الفلسطينية، وهزيمة للعدو الإسرائيلي، وإن شاء الله سيتلقى العدو الإسرائيلي المزيد من الهزائم والانتكاسات، وصولاً إلى أن يمنح الله شعبنا الفلسطيني، وأمتنا الإسلامية، النصر الحاسم، والفتح المبين، في استئصال ذلك العدو المجرم، مهما حظي به من دعم أمريكي وبريطاني، ومن تواطؤ من بعض المطبعين الخائنين، المحسوبين على أمتنا العربية والإسلامية، فالله “سبحانه وتعالى” هو مولانا، نعم المولى، ونعم النصير، هو خير الناصرين.
ولذلك نجد أنه هزم في هذه الجولة، حصل على مساندة أمريكية:
- على المستوى العسكري.
- على المستوى السياسي.
- على المستوى الإعلامي.
حصل وحظي بمساندة بريطانية واضحة، حصل أيضاً على منابر إعلامية من بعض الدول، الذين طبعوا معه، وخانوا أمتهم، ولكنه فشل مع كل ذلك؛ لأن من الحتميات الثلاث، التي تحدثنا عنها في محاضرة يوم القدس العالمي:
- أن يسقط هذا الكيان، أن ينتهي هذا العدو، أن يخسر وأن ينهزم
- ومن الحتميات: أن يخسر الذين يقفون إلى جانبه، بخسارته، وقبل خسارته أيضاً.
ولذلك نحن معنيون في مواصلة كل الجهود، وكل المساعي، الداعمة للمقاومة في فلسطين، والجهود المساندة للشعب الفلسطيني، والسعي لأن نكون في واقعنا العملي بمستوى الإسهام في أي مستوى كان، ونحن كنا على رصدٍ مستمر لطبيعة التطورات والأحداث، لاتخاذ أي قرارات إضافية، تواكب مستوى التحديات، وطبيعة الخطر، ومستوى الأحداث، ونأمل من الله “سبحانه وتعالى” أن يوفق شعبنا لأن يؤدي هذا الدور المميز والعظيم، الذي هو جديرٌ به، بهويته الإيمانية، بإبائه، بحريته، بشجاعته.
كما نأمل أيضاً على مستوى شعوب أمتنا بشكلٍ عام، أن تزداد حالة الصحوة للضمير، والاستشعار للمسؤولية، والالتفاف أكثر وأكثر حول هذه القضية، التي تعني الأمة جميعاً، وتقع المسؤولية فيها على عاتق الأمة بشكلٍ عام.
نكتفي بهذا المقدار في هذا اللقاء.
ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
و ؛ السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ؛؛