كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في الذكرى السنوية للصرخة 1439هـ
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
شعبنا اليمني المسلم العزيز، الإخوة الأعزاء الحضور في هذه الفعالية والمسيرة الحاشدة:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
في هذا اليوم المبارك نحيي مناسبة الصرخة في وجه المستكبرين، وهتاف الحرية والبراءة الذي أطلقه السيد/ حسين بدر الدين الحوثي –رضوان الله عليه– بتاريخ 2002/1/17م، من مدرسة الإمام الهادي –عليه السلام– بمران، صرخة:
الله أكـــــــــــــــــــبر
المــوت لأمـريكـــا
الموت لإسرائيـــل
اللعنة على اليهود
النصـــر للإســــلام
هذه الصرخة التي أطلقها -رضوان الله عليه– كشعارٍ لمسيرةٍ قرآنية، وكعنوانٍ لمشـروعٍ عمليٍ لتصحيح واقع الأمة، والنهوض بها لمواجهة التحديات والأخطار المصيرية، وكخطوة عملية حكيمة وفعَّالة لتحصين المجتمع المسلم من التطويع والتدجين لأعدائه المستكبرين، وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل، ولحماية المجتمع المسلم من الانحراف به في ولاءاته وعداواته لصالح أعدائه.
وهتاف البراءة- أيضًا– موقفٌ فعَّالٌ في إفشال كثيرٍ من الخطوات المعادية الرامية إلى اختراق الأمة من الداخل بهدف إفسادها وتضليلها واستغلالها، وهو موقفٌ ضمن مسارٍ عملي، وخلفه ثقافة، وخلفه رؤية ومشـروع، وبجانبه خطوات عملية أخرى، كـ: مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، وبناء الأمة وعلى كل المستويات: سياسيًا، وعسكريًا، واقتصاديًا، وثقافيًا، وفي كل المجالات، حتى تكون في مستوى التحمل للمسؤولية، وبمستوى مواجهة الأخطار والتحديات.
وهو -أيضًا- موقفٌ طبيعيٌ وسليمٌ، ومشروع في ظرفٍ حسَّاس ومرحلةٍ خطيرة، يتوجب على الأمة فيها: اليقظة، والوعي، والتحرك الجاد، والتحمل للمسؤولية في مقابل الهجمة الأمريكية والإسرائيلية الشاملة وغير المسبوقة، حيث دخلت المنطقة منذ ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مرحلةً جديدة سعت فيها أمريكا، ومعها إسرائيل ومن يتحالفون معها، إلى السيطرة الشاملة والتامة على أمتنا الإسلامية: إنسانًا، وأرضًا، ومقدرات، وموقعًا جغرافيًا، وبدافع استعماري، وبدافع– أيضًا– عدائي، وليس فقط بهدف السيطرة على ما في هذه المنطقة من موارد اقتصادية، هناك عداء لهذه الأمة، وهو دافعٌ إضافيٌ إلى دافع الأطماع، دافعٌ إضافيٌ لاستهداف هذه الأمة والسعي للسيطرة الشاملة عليها.
الاستعمار واستهدافه للأمة على كل المستويات
والتحرك الأمريكية والإسرائيلي في اتجاه السيطرة على الأمة ليس فقط تحركًا عسكريًا، بل هو استهدافٌ شامل، اتجه ليس فقط لاحتلال الأرض، وإنما لاحتلال النفوس، والسيطرة على الإنسان في: فكره، وثقافته، ورأيه، والسيطرة على هذا الإنسان في مسارات حياته وفي وضعه بشكلٍ كامل.
السيطرة على الوضع السياسي في منطقتنا، والسيطرة اقتصاديًا، والسيطرة إعلاميًا، والسيطرة في كل المجالات وفي كل الاتجاهات، وسيطرة معادية، ليست سيطرة بهدف إرادة الخير لهذه الأمة، والسعي لما فيه مصلحة هذه الأمة، إنما هي سيطرة العدو على عدوه، وعدوٌ -في الوقت نفسه- حاقد ومستكبر، ومجردٌ من كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، عدوٌ يسعى إلى السيطرة العسكرية علينا بشكلٍ تام، وأن تتحول منطقتنا هذه التي تحتل وتتبوأ موقعًا جغرافيًا مهمًا على مستوى العالم، أن تكون أهم المناطق فيها، وأهم المواقع فيها قواعد عسكرية يجعل فيها جنوده، ويسيطر من خلال ذلك سيطرةً تامة.
يسعى على المستوى السياسي إلى السيطرة الشاملة علينا كأمةٍ إسلامية في هذه المنطقة العربية بالدرجة الأولى، وفي سائر العالم الإسلامي، وليس ليهتم بنا على الوضع السياسي، حينما يتحكم بواقعنا السياسي يعمل على هندسة هذا الواقع بكل ما يضمن له السيطرة التامة علينا، الانتقام منا كأمةٍ مسلمة، والإذلال لنا، والتصميم والهندسة لواقعنا السياسي فيما يضمن له إضعافنا والوصول بنا إلى حافة الانهيار.
كيف يهندس واقعنا السياسي؟ يصنع واقعًا سياسيًا مأزومًا، مليئًا بالمشاكل، غارقًا في النزاعات، تعيش القوى والمكونات فيه حالةً من التباين الشديد، والتنازع على كل المسائل والأمور، والخلافات الساخنة، والأزمات المعقدة، حتى نتحول إلى أمة مأزومة تعيش دائمًا المشاكل المتفاقمة في واقعها السياسي؛ حتى لا تتمكن أبدًا أن تنهض، ولا أن تبني نفسها وواقعها. يشجع الانقسامات، يغذي المشاكل، يعمل على اختلاق المزيد منها، يوسع دائرة الانقسامات تحت كل العناوين، يشجع على الصـراعات، ويتجه لبعثرة هذه الأمة وتفكيكها.
– على المستوى الثقافي والفكري والإعلامي: يسعى إلى السيطرة التامة على الإعلام، على المدارس والجامعات في مناهجها، يسعى إلى السيطرة حتى على الخطاب الديني.
– في الجانب الإعلامي يسعى إلى أن يسيطر على كل النشاط الإعلامي في داخل الأمة، على الإعلاميين أنفسهم في أدائهم الإعلامي؛ فيتحولون -فيما يكتبون- إلى أقلام تخط له كل ما يخدمه، كل ما يبرر له مواقفه وسياساته ومساراته العملية، كل ما يساعده على استغلال الأمة، وعلى تدجين الأمة، وعلى السيطرة على الأمة، كل ما يتوافق مع كل خطوة يخطوها لضـرب هذه الأمة، كل ما يضلل هذه الأمة ويغطي على الحقائق ويزيف الوقائع، على مستوى الإعلاميين في نشاطهم الإعلامي: في التحليلات، في المقالات، في الطرح الإعلامي في كل البرامج والأنشطة الإعلامية، أن يتحول إعلاميو هذه الأمة إلى أبواق ينفخ فيها؛ فتكون صوتًا له، تتكلم بما يخدمه، يما يخدع الرأي العام، بما يصنع رؤية مغلوطة في أوساط الأمة، ونظرة خاطئة وغبية تجاه كل تحركات هذا العدو، بما يقلب الحقائق التي هي حقائق كبيرة وحقائق مهمة، والانخداع فيها والتضليل فيها له تداعيات كبيرة في مواقف الأمة، كل ما يساعده على تكبيل هذه الأمة والانحراف بها عن مساراتها الصحيحة في مواقفها، ومشاريعها العملية، واهتماماتها؛ فيدجِّنها له ويخضعها له.
– في المدارس، في المناهج: على مستوى المناهج المدرسية والجامعية، وعلى مستوى –أيضًا– ما يحمله المدرسون من آراء وأفكار، ما يقدِّمونه إلى التلاميذ والطلاب، التضليل للمدرسين، والتأثير عليهم، والسعي لأن يحملوا آراء خاطئة، وثقافات مغلوطة، ومفاهيم سلبية، كلها تسهم في سيطرة الأمريكي على منطقتنا، وفي خدمة الإسرائيلي، ولصالح السياسات الأمريكية والإسرائيلية.
والاتجاه -أيضًا- إلى الطلاب -كذلك- لتنشئتهم على مفاهيم ترسِّخ فيهم الولاء بإخلاص لأمريكا، والنظرة بإيجابية إلى العدو الإسرائيلي، نظرة خاطئة ونظرة مغلوطة، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يصنع وعيًا ونورًا لهذه الأمة، وفهمًا صحيحًا لهذه الأمة تجاه واقعها وتجاه أعدائها.
– على مستوى الخطاب الديني: يسعى العدو إلى السيطرة عليه، فتكون هناك أقلام وكتابات، -وأيضًا- هناك أنشطة لعلماء سوء من علماء السلاطين، من علماء البلاط، من علماء الضلال الذين يعملون لصالح العدو، تصدر فتاوى تدجِّن هذه الأمة لأعدائها ولعملائهم، تسعى –أيضًا– بالدفع بالأمة إلى كل ما يتوافق مع نفس السياسات الأمريكية والإسرائيلية: في العداء، في الموقف، في التصرفات، في تبرير السياسات والمواقف، كما نشاهده اليوم في هيئة كبار علماء السعودية، في مفتيها، وهو يسطر كل فترة الفتوى التي تناسب السلطة العميلة لأمريكا، والتي تبرر الموقف الذي يتجه في نفس السياق الذي رسمته أمريكا وأرادته إسرائيل.
وهكذا سعي للسيطرة الشاملة، وهذه السيطرة تهدف –أيضًا– -وبشكلٍ رئيسي- إلى انتزاع كل عناصر القوة، وكل ما يساهم في بناء هذه الأمة لتواجه هذا العدو. أسلوب خطير جدًّا للسيطرة الشاملة والكاملة، أخطر من الاقتصار على السيطرة العسكرية، لو كان التوجه الأمريكي والإسرائيلي توجهًا عسكريًا بحتًا، ليس إلى جانبه سعي في كل المسارات والاتجاهات، ليس إلى جانبه سيطرة: فكرية، ثقافية، نفسية، صياغة للإنسان بما يعبِّده لهم، بما يحوِّل دوره في هذه الحياة في كل اهتماماته وطاقاته، وفي كل ما يمتلكه من مؤهلات وعناصر لخدمتهم، لو كان التحرك عسكريًا فحسب لكانت المسألة هينة وبسيطة، ولكنه تحركٌ شامل، وتحركٌ شيطاني، وتحركٌ مدروس يستغل حالة الغفلة في هذه الأمة عن فهم طبيعة هذا الصراع، وما تحتاج إليه الأمة بحسب طبيعة هذا الصـراع وأسلوبه ومساراته واتجاهاته ومجالاته.
– السيطرة على المستوى الاقتصادي؛ حتى تتحول كل ثروات وإمكانات هذه الأمة، وبالذات المواد الخام: سواءً البترول، أو غيره من المواد الخام في منطقتنا تتحول لصالح العدو، ونتحول نحن في واقعنا الاقتصادي إلى مجرد سوق استهلاكية، وأمة تستهلك ولا تنتج، ولا تبني لها اقتصادًا حقيقيًا، أمة عطَّلت في داخلها الإنتاج والاستغلال والاستفادة من خيراتها وثرواتها، فثرواتها كمواد خام تتجه لصالح العدو، يستغلها هو، يستفيد منها، ويصدِّر إلينا بعضًا منها كسلع، ندفع له قيمتها بثمن باهض جدًّا، ومع ذلك نعيش حالة دائمة من الأزمة الاقتصادية، والمشاكل الاقتصادية، والمحنة الاقتصادية التي تجعل منا أمة فقيرة ومعانية وبائسة وشقية، وأمة تعيش الكثير والكثير من المشاكل والأزمات، تُفرض عليها سياسات اقتصادية تعتمد على الربا، تعتمد على الاستيراد بشكلٍ تام وتعطيل الإنتاج والبناء الاقتصادي، تعتمد على سياسات إدارية خاطئة جدًّا؛ ينتج عن ذلك بطالة بشكلٍ واسع ومتفشٍ، وحالة من الضياع بشكلٍ كبير والبؤس والعناء الشديد، الذي يساهم في نشوء: مشاكل اجتماعية، ومشاكل اقتصادية، وبيع للضمير، وبيع للأخلاق، وبيع للوفاء، وبيع للولاءات، وبيع للمواقف، وارتهان وخنوع لصالح الأعداء.
وهكذا في كل المجالات وفي كل الاتجاهات سعي لسيطرة شاملة في كل واقع حياتنا، وفي كل مسارات عملنا ونشاطنا في هذه الحياة، أرادنا الأمريكي والإسرائيلي أن نكون نحن وكل ما بأيدينا وكل ما نسعى له في هذه الحياة لهم، تحت سيطرتهم، تحت تحكمهم، وأن يكونوا هم المتحكمين في كل شؤون حياتنا، وفي كل مسارات أعمالنا، نفعل ما يريدون منا أن نفعل، نقف الموقف الذي يريدون لنا أن نقفه، نوالي من يريدون منا أن نوالي، ونعادي من يريدون منا أن نعادي.
الكارثة الكبرى للخضوع والاستسلام
وما مؤدى هذه الحالة إذا قبلنا بها، وإذا سلمنا أمرنا لهم، وقبلنا بالخضوع لهم والاستسلام لهم، ومكنَّاهم من السيطرة التامة علينا، وقررنا أن نسير في كل شؤون حياتنا على حسب ما يريدون وما يفرضون وما يقررون، هل المسألة سهلة؟ |لا|، مؤدى هذا كارثي علينا، وخسارة بكل ما تعنيه الكلمة: خسارة في الدنيا، وخسارة في الآخرة، وخسارة فظيعة وقبيحة وشنيعة؛ لأنك عندما تضحي بكل شيء لصالح عدوك، في خدمة عدوك، في طاعة عدوك، العدو الحاقد، العدو المجرم، العدو الشيطاني الذي يتحرك بأجندة شيطانية، العدو الذي لا يستحق منك أن تقدِّم إليه أي جميل، ولا أن تفعل له أو تحقق له أي مصلحة، هو يتعامل معك بدافع الحقد، والاستهتار، والاستكبار، والعدوان، والطغيان، والإجرام، وهو يحتقرك بكل ما تعنيه الكلمة، فتقبل بأن تكون له: أعمالك، تصرفاتك، حياتك، حتى على مستوى حياة الناس، يريد أن يجنِّد من أبناء هذه الأمة أكبر قدر ممكن من المقاتلين، ثم يكونون هم فداءً بأرواحهم وحياتهم ودمائهم لجنوده، يُقتلون في أي معركةٍ يريد هو أن يخوضها بهم، في أي معترك مع أي طرف في هذا العالم، سواءً في داخل الأمة مع أحرارها، وضد رجالها وشرفائها وأخيارها، كما يفعل اليوم في كثيرٍ من الأقطار وفي كثيرٍ من البلدان، أو ضد أي قوة منافسة له في الساحة العالمية، سواءً مثلما فعل في الماضي في معركته مع الاتحاد السوفيتي، التي خاضها بعرب ومسلمين، فقُتِل منهم مئات الآلاف فداءً للضباط والجنود الأمريكيين، بدلًا من أن يقتل أي جندي أمريكي، أو ضابط أمريكي، فخاض معركته مع الاتحاد السوفيتي -آنذاك- بمقاتلين ومجنَّدين من أبناء الأمة، من كل بلدانها وشعوبها، وبأموال مدفوعة من ثروة هذه الأمة، دفعتها -آنذاك- أنظمة عربية، على رأسها النظام السعودي، أليست هذه خسارة؟! أن تتحول ثروتنا إلى تمويل للأمريكي، نحن كأمة مسلمة، نحن كمنطقة عربية، تتحول ثروات هذه المنطقة إلى ثروة للأمريكي، يرغد بها، يحل بها مشاكله الاقتصادية، يحل بها مشكلة البطالة في أمريكا، تنمي الميزانية الأمريكية، ثم يستفيد منها –أيضًا– لتمويل حروبه، اعتداءاته، مشاكله في داخل أمتنا، ضد الأحرار من أمتنا، وفي خارج أمتنا ضد القوى المنافسة والمناوئة الأخرى.
ويخطط مستقبلًا لمعركة مع الصين من هذا النوع، وهو اليوم يخوض معارك كثيرة في الساحة، هي معركته هو، ولو أنها تمول بمال عربي ومال الأمة الإسلامية، ويقاتل فيها ويضحى فيها بالعرب، وبعشرات الآلاف من العرب فداءً له ولجنوده ولضباطه، حتى لا يخسر جنديًا أمريكيًا أو ضابطا أمريكيًا إلا عند الضرورة القصوى، هذا الذي يسعى له.
مؤدى هذه العمالة، مؤدى القبول بهذه السيطرة، مؤدى أي خيارات للاستسلام أو للعمالة، هو مؤدى يصل بالأمة إلى الخسارة الرهيبة بكل ما تعنيه الكلمة، الخسارة والإفلاس على كل المستويات: على المستوى المالي تخسر الأمة، تنفق الكثير والكثير من أموالها، وتستنزف في مواردها الاقتصادية، وتصل إلى حافة الإفلاس، كما عليه اليوم كلٌ من النظام السعودي والنظام الإماراتي، كلٌ منهما وصل اليوم إلى درجة عجز كبير في الميزانية يحتاج للإيفاء به ولتوفيره إلى الاستدانة، النظام السعودي اليوم يتدين (يقترض)، والنظام الإماراتي كذلك فيما يقدمون مئات المليارات إلى الخزينة الأمريكية، ولصالح الأمريكيين، ويستفيد الإسرائيلي من كل ما يقدمونه للأمريكي، إن لم يكونوا يقدمون له –أيضًا– ما يخصه، كارثة، مصيبة، خسارة على المستوى الاقتصادي، خسارة على المستوى السياسي خسارة -بكل ما تعنيه الكلمة- في كل شيء، خسارة في هذه الحياة وخسارة في الآخرة، خسارة في هذه الحياة؛ لأن مؤدى الإذعان للسيطرة الأمريكية أن ينتج عنها واقع بئيس وكارثي وتدميري؛ لأن كل السياسات والمخططات والمؤامرات الأمريكية والإسرائيلية التي تقدم إلينا كأمة، وتفرض على واقعنا كأمةٍ مسلمة في المنطقة العربية بالدرجة الأولى، وفي غيرها كذلك، كلها مؤامرات لتدميرنا، كلها مؤامرات لخسارتنا، كلها مؤامرات حاقدة ومعادية تؤدي بنا إلى الانهيار.
مصير المجتمع إذا تمكن الأمريكي من السيطرة
على مستوى واقعنا كمجتمعٍ مسلم: إذا تمكَّن الأمريكي من السيطرة التامة علينا، ماذا ينتج عن ذلك؟ نتحول إلى مجتمع خاسر وسيء، مجتمع مليء بالمشاكل السياسية، والأزمات الاقتصادية، ومفكك ومبعثر، تنشأ مشاكل تحت كل العناوين، تساعد كلها على بعثرته، على تمزيق حتى نسيجه الاجتماعي: عناوين مناطقية، عناوين طائفية، عناوين عنصرية، عناوين… كل العناوين التي تمزق المجتمع، تبعثر المجتمع، تعزز التباينات والنزاعات والصراعات بين أبناء المجتمع، كلها تنزل ضمن تلك السياسات، تلك الأنشطة، تلك البرامج التي يشتغل عليها الأمريكي والإسرائيلي في منطقتنا، ثم نتحول إلى مجتمع مليء بالأزمات والعاهات الاجتماعية، مجتمع غارق في المخدرات، في الفساد الأخلاقي، في الميوعة وخسران الشرف والضمير والقيم، مجتمع مليء وموبوء بالإيدز والمشاكل الصحية، والآفات الرهيبة والفظيعة في كل شيء، مجتمع محطَّم، فَقَدَ كل عناصر القوة، كل عناصر المَنَعَة، كل العناصر والعوامل التي تساهم في بناء واقعه، في تقويته، في حمايته، في النهوض به، كلها يجرد منها؛ فيتحول إلى مجتمع بئيس، ومجتمع فاقد لكل حالات الوعي، مجتمع غبي، مجتمع ضال، مجتمع منحرف، مجتمع منحل، مجتمع مائع، مجتمع فاسد، يطغى عليه الفساد في كل شيء، هذا ما تريده أمريكا وإسرائيل، هذا ما تسعى له أمريكا وإسرائيل، هذا ما تعمل من أجله الكثير والكثير من الخطط والأنشطة والبرامج التي تدخل إلى ساحتنا العربية والإسلامية تحت عناوين مخادعة ومسميات مخادعة، وكلها للتضليل والخداع، عنوان براق، لكن وراءه أنشطة تدميرية وهدَّامة ومفسدة، وتأتي تلك العناوين، يروج لها في هذه الساحة -الساحة العربية والإسلامية- سياسيون ومسؤولون من موقع المسؤولية في تلك الحكومة أو تلك، في تلك الدولة أو تلك، وإعلاميون، وعلماء سوء، ومثقفون أغبياء يشتغلون لصالح العدو، وآخرون كثر وكثر، فيروِّجون لعنوان معين، أو لنشاط معين، أو لموقف معين، ولكن خلفيته تدميرية، كارثية، تفسد واقع هذا المجتمع وتحطِّمه، وهذا ما يسعى له الأمريكي، وما يعمل من أجله الإسرائيلي.
النتيجة الأخطر.. لو قبلنا بالمستعمر
مؤدى هذه السيطرة أن يفصلنا الأمريكي والإسرائيلي عن انتمائنا وهويتنا الإسلامية، وهذه مسألة من أخطر المسائل على الإطلاق، وتلقى تجاهلًا كبيرًا لدى الكثير من أبناء هذه الأمة، وتُهمش في الحديث عن الخطر الأمريكي والإسرائيلي، وهي نقطة جوهرية وحسَّاسة وفي غاية الأهمية، لا يمكن للإنسان أبدًا أبدًا أبدًا أن يكون عميلًا لأمريكا وإسرائيل، أو يكون خانعًا مستسلمًا، وخاضعًا ومسلِّمًا للسيطرة الأمريكية والإسرائيلية؛ إِلَّا وينفك وينفصل عن مبادئ الإسلام وقيم الإسلام وأخلاق الإسلام؛ لأن مبادئ الإسلام العظيمة، وقيمه وأخلاقه الكريمة، ومشروعه في الحياة لا ينسجم بأي حالٍ من الأحوال مع ما تريده أمريكا، وما تسعى له إسرائيل، المسار والطريق الذي يدفعك فيه الأمريكي، ويدفعك نحوه الإسرائيلي، وتتحرك فيه مسارعًا لاسترضائهم، والتودد إليهم، والتقرب إليهم، هو مسار ينفصل كليًا عن المبادئ الإلهية، عن تعاليم الله، عن إسلامه العظيم، إسلامه الأصيل، إسلامه الحقيقي الذي جاء به رسول الله محمد بن عبد الله –صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله– وأتى في القرآن الكريم.
هناك إسلام من نوعٍ آخر، إسلام تعرَّض لبرمجة كثيرة، تعرَّض لحالة من التزييف والتغيير، ليس هو الإسلام الحقيقي، بقي فيه بعضٌ من الشكليات، وحرِّفت فيه كثيرٌ من المفاهيم والمعارف، وقُدِّم ليكون توليفة مختلفة عن الإسلام في حقيقته، الإسلام كما هو في القرآن، والإسلام كما كان عليه رسول الله خاتم النبيين محمد –صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله–.
الإسلام السعودي هو توليفة تتناسب مع ما تريده أمريكا، ومع ما تريده وتسعى له إسرائيل، ويخضع دائمًا للمزيد والمزيد من عمليات التغيير، ومن عمليات البرمجة التي تحذف وتعدِّل وتضيف وتقرر وتزيد وتنقص… وهكذا. إسلام من نوعٍ آخر، إسلام يدجِّن أبناء الأمة ليس في التسليم لله والاتباع لرسول الله والاتباع للقرآن الكريم، بل الاتباع لترامب ونتنياهو، لأمريكا وإسرائيل، الخنوع والطاعة لأمريكا وإسرائيل، والولاء والتبعية المطلقة لأمريكا.
هذا هو إسلامٌ آخر، ليس إسلام محمد، ليس الإسلام الذي هو دين الله الحق، الإسلام الأمريكي السعودي الإماراتي نموذج مختلف، هو النموذج النفاقي، هو النفاق وليس الإسلام، وليس من الإسلام في شيء، له الاسم وبعض الشكليات، أما الجوهر والمضمون والأساس والمسار فهو مسار النفاق لخدمة أمريكا وإسرائيل.
منطلقات أمريكا في سياستها تجاه أمة الإسلام
مؤدى العمالة والولاء لأمريكا وإسرائيل، ومؤدى الاستسلام والخنوع والقبول بالسيطرة الأمريكية والإسرائيلية على الأمة، لا بد وأن ينفصل بالإنسان عن مبادئ الإسلام، فالذي ترسمه أمريكا، والذي تسعى له إسرائيل، وتدفعنا نحوه لنسير عليه: إما كعمل، إما كموقف، إما كولاء، إما كسلوك، إما كسياسة، إما كتصرف، في أي شكلٍ من أشكال التحرك الإنساني، كل ما يرسمونه، كل ما يقررونه، كل ما يدفعون الناس للمسير فيه هو ينطلق من خلال ما هم عليه، أمريكا ترسم للناس ما هي عليه هي، بدوافعها العدائية، الاستكبارية، الشيطانية، ترسم للناس ما هو إفساد، ما هو ضعة، ما هو سقوط، ما نهايته خسارة.
هل أمريكا وهل إسرائيل تنطلق في سياساتها تجاهنا -نحن كأمة إسلامية وكمنطقة عربية تنطلق- من منطلق قيم، مبادئ عظيمة، خير؟! أين هو ذلك الخير؟ أين هي تلك القيم؟ أين هي تلك المبادئ؟ هل فيما تفعله في فلسطين من جرائم: استعباد، وإذلال، واضطهاد، وقتل، ونهب، وسيطرة، وسطو، واستهداف للمقدسات، واستهداف للإنسان؟ هل في قتلها لأطفال فلسطين، ورجال وشعب فلسطين، ونساء فلسطين، واستهدافها للمقدسات في فلسطين، في قلعها لأشجار الزيتون، في سيطرتها على الأراضي، على المزارع، على البيوت، واستحواذها عليهم، ونزعها من أيدي أصحابها ومالكيها؟! هل فيما تنشره من فساد أخلاقي، فساد سياسي، فساد اقتصادي، إفساد للحياة بكل ما في الحياة وفي كل مجالات الحياة وشؤون الحياة؟! هل فيما فعلته في العراق، وفعلت كل شيءٍ هناك، بما في ذلك ما فعلته في سجن أبو غريب؟! هل فيما فعلته وتفعله في أفغانستان؟! هل فيما هندست له ورعته في سوريا؟! هل في استهدافها لشعب لبنان العزيز؟! هل فيما تفعله في مختلف أقطار المنطقة العربية والعالم الإسلامي؟! هل فيما تفعله وتفعله اليوم وترعاه من مجازر جماعية، وإبادة وحشية، وارتكاب لكل أصناف الجرائم بحق شعبنا اليمني المسلم العزيز؟! |لا|، أولئك كل ما يفعلونه ويرسمونه شر، إجرام، فساد، طغيان، فهذه العناوين: الفساد، الجريمة، الرذيلة، المنكر، الفحشاء، الضعة، الهوان، السقوط الإنساني والأخلاقي، الإفلاس القيمي والمبدئي، هي الناتج لكل أنشطتهم وسياساتهم ومؤامراتهم، وما يسعون لدفعنا كأمةٍ فيه.
مصير المسارعين في تولي اليهود والنصارى
ولذلك كل من يسارع في خدمة أمريكا، وفي الولاء لأمريكا، وفي التبعية لأمريكا وإسرائيل، كلما خطى خطوةً في ذلك الاتجاه، ابتعد بتلك الخطوة مسافات وأميالًا عن مبادئه، عن قيمه، عن أخلاقه بحكم انتمائه للإسلام، هذا الإسلام الذي تنتمي إليه، لا تنطلق خطوة في المسارعة في الولاء لأمريكا، والتبعية لأمريكا، والولاء لإسرائيل، إلا وأنت ابتعدت بتلك الخطوة وخرجت بها عن مبادئك كمسلم، وقيمك كمسلم، والقرآن أكَّد على هذه، حينما قال الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: الآية51]، (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) بهذا التعبير العجيب والمهم، والذي يحوي هدايةً عظيمة وهدايةً مهمة، وهو في نفس الوقت زاجر كبير وعظيم ومهم، يدل على خطورة المسألة، وعلى ما يترتب عليها، يؤكِّد هذه الحقيقة (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)، انخلع وانسلخ وخرج عن مبادئ قيمه، عن انتمائه، عن هويته، فهو في الوقت الذي يعبر عن نفسه وعن انتمائه بأنه مسلم، وأحيانًا بأنه حامل الراية الإسلامية، كما يفعل النظام السعودي، هو في واقعه وحينما خطى خطوات المسارعة في الولاء والتبعية لأمريكا وإسرائيل، هو خرج عن مبادئ هذا الإسلام، وأصبح من أولئك، هو في طريقهم الذي رسموه له، هو في مسارهم الذي حددوه له، وهو منفصلٌ كل الانفصال، وبعيدٌ كل البعد عن هذا الإسلام الحق، عن ديننا العظيم.
فالتبعية والولاء لأمريكا وإسرائيل، وإمكانية استحكام السيطرة علينا كأمة إسلامية يهدد -بكل ما تعنيه الكلمة- هذه الأمة في انتمائها الإسلامي الحق، وفي هويتها الإسلامية الصحيحة والصادقة، تتحول هذه الهوية إلى هوية ممسوخة، إسلام لكن تحته نفاق، الإسلام شك|لا|، الإسلام عنوانًا، لم يعد له واقع، لم يعد له مضمون، كما قال الله: {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، تتحول هذه المسألة، أو يتحول الواقع هكذا بمثل ما حكاه، ووفق ما حكاه الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- {إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، تصبح في طريق الظلم، وأي ظلم أكبر من ظلم اليهود الصهاينة وظلم الأمريكيين؟! هل في العالم -في هذه الساحة العالمية بكلها- أظلم من أمريكا وإسرائيل، إلا من يحذو حذو أمريكا وإسرائيل، من يوالي أمريكا وإسرائيل، تراه تحوَّل إلى إنسان متوحش، حتى ولو كان ينتمي للإسلام، إلى إنسان مستهتر بالقيم والأخلاق، إلى إنسان لا يتورع من ارتكاب أبشع الجرائم وأفظع الانتهاكات وممارسة أقبح السلوكيات، وشاهدنا ذلك، شاهدنا مصاديق هذا النص القرآني في واقع الحياة في سلوك النظام السعودي، في سلوك النظام الإماراتي، في سلوك الدواعش والتكفيريين، الذين يرتبطون بمشاريع وأجندات ومخططات ومؤامرات أمريكا وإسرائيل، ظهروا على هذا النحو متجرِّدين من قيم الإسلام، من مبادئ الإسلام، من أخلاق الإسلام، وأصبحوا متوحشين بكل ما تعنيه الكلمة في سلوكهم الإجرامي الذي لا يختلف عن السلوك الأمريكي والسلوك الإسرائيلي، الاستباحة للدماء بما في ذلك قتل الأطفال والنساء باستباحة واسترخاص وتجويز وتسويغ، القتل الجماعي للناس حتى في المدن، والقرى، والأسواق، والمساجد، والطرقات، وفي أي مكان، استباحة عامة لدم الإنسان، لحياة الإنسان، هذا هو النهج الأمريكي الإسرائيلي، استباحة لممارسة الاغتصاب وجرائم الاستباحة الجنسية للناس، سواءً الرجال والنساء والأطفال، هذا هو سلوك أمريكا، مثلما فعلته في سجن أبو غريب وغيره.
ترى الدواعش على نفس المنوال، ترى النظام الإماراتي يحذو حذوهم في ذلك، حذو بني إسرائيل في هذا الزمن، حذو اليهود الصهاينة في هذا العصر، حذو الأمريكيين، ثم ترى النظام السعودي يحذو حذوهم كذلك، يتجرد الإنسان في تبعيته، في ولائه لأمريكا وإسرائيل، وهي حالة غير سليمة، ولا صحيحة، مخالفة للإسلام، ومخالفة للفطرة، عندما يتجه الإنسان هذا الاتجاه.
المشروع القرآني حصانة للأمة من الانحراف
ولذلك نحن نقول: إن هذا المشروع القرآني، وهذه المسيرة القرآنية في شعارها، في مشروعها العملي الكبير والواسع، الذي يدخل فيه مسارات عملية في كل المجالات: على المستوى السياسي، والاقتصادي، والثقافي، والإعلامي، في كل شؤون الحياة، على مستوى الموقف المهم في السعي لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، على مستوى السعي الدؤوب لنشـر الوعي، واستنهاض الأمة بوعي تجاه خطر أعدائها، واستنهاضها لتحمل المسؤولية بوعي وبفهم، وعلى أساس العودة إلى القرآن الكريم، والتمسك بثقافة القرآن الكريم، والوقوف في المواقف التي وجهنا الله بها في القرآن الكريم، على مستوى السعي الدؤوب لربط هذه الأمة من جديد بالقرآن وبالاقتداء برسول الله –صلوات الله عليه وعلى آله– وبالعودة العملية لاتباع هذا القرآن، وتصحيح واقعها على أساس ثقافته ونوره وهديه، والعمل على رفع مستوى الوعي لديها، حتى تكون محصَّنة من تلك الهجمة الهائلة جدًّا جدًّا جدًّا لتضليلها وخداعها، هجمة إعلامية هائلة، هجمة تضليلية على المستوى الثقافي والفكري كبيرة جدًّا، هجمة تحت عنوان: (الحرب الناعمة)، لإفسادها، وتمييعها، وتضليلها، وتدنيسها، هذه الهجمة الهائلة يحمينا منها مشروعٌ قرآنيٌ، العودة إلى القرآن الكريم كرؤية عملية، وكثقافة نتثقف بها، تحصننا من التضليل، وتزكو بها نفوسنا في مواجهة كل مساعي الإفساد، هذه مسألة تحتاج إليها الأمة في مقابل تلك الهجمة الأمريكية والإسرائيلية الشاملة، والتي ليست عسكريةً فحسب، نحتاج فيها إلى العودة إلى القرآن الكريم، كتاب الله الحق، كتاب الله الذي هو نور يخرجنا من الظلمات، ويكشف كل ظلمات أولئك الظلاميين من الأمريكيين والإسرائيليين وكل عملائهم، الذين يتحركون تحت كل العناوين، ومنها عناوين دينية، كما يفعل التكفيريون، وكما يفعل المفتون التابعون للنظام السعودي، والمرتبطون بالنظام الإماراتي.
نحتاج إلى نشر الوعي، إلى الثقافة القرآنية، إلى التحرك بمسؤولية، وهذا خيار صحيح، وخيار سليم، وخيار مشروع، الخيارات الأخرى واحدٌ منها هو: خيار العمالة، الولاء لأمريكا، الولاء الذي ينشأ عنه تبعية مطلقة لأمريكا، وسير في هذه الحياة في كل شيء على ما تريده، يصبح الإنسان يعيش حالة التبعية المطلقة، ينتظر من أمريكا كل شيء: التوجيهات، التعليمات، الأوامر، ويتحرك على ضوء ذلك.
أبواق الضلال وأساليبهم في الإضلال
{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية52]، وللأسف يتجه أصحاب هذا الخيار: خيار العمالة، خيار المنافقين بنص القرآن الكريم، يتجهون في هذا الاتجاه بمسارعة، وبجد عجيب، وبتفانٍ، وببذل لكل شيء، ألا نشاهد هذا لدى النظام السعودي؟! ألا نشاهده في النظام الإماراتي؟! ألا نشاهده في كل المتولين لأمريكا وإسرائيل؟ في كل بقاعنا، في كل بلداننا يسارعون مسارعة، ينطلقون في كل المجالات، البعض من الإعلاميين، والبعض من الخطباء، والبعض من علماء السوء، والبعض من الثقافيين الظلاميين، والبعض… من كل أصناف هذه الأمة، يتحرك كبوق ينطق، وكقلم يكتب ما فيه خدمة لهم، بما يتوافق مع سياساتهم، فريق واسع من أبناء الأمة اتجه هذا الاتجاه، لا شغل لهم، ولا عمل لهم، ولا هَمَّ لهم إلا السعي لتدجين الأمة، ولصنع مفاهيم وترسيخ مفاهيم باطلة، ولتزييف الحقائق والوقائع، ولتوجيه اللوم بكل ما يستطيعون تجاه كل من لم يقبل بهذه السيطرة الأمريكية والإسرائيلية، كل من يتحرر من هذه التبعية يُوَجَّه إليه أشد اللوم، هناك من يفتي ضده فتاوى باسم الدين، يكفِّره، يُفسِّقه، يعتبره ضالًا، منحرفًا، خارجًا عن الإسلام جملةً وتفصيلًا، لماذا؟ لأنه لم يقبل بأن يكون مواليًا لأمريكا وإسرائيل، لم يُذعن للتبعية المطلقة لأمريكا وإسرائيل، يصبح مدانًا ومجرَّمًا ومذنبًا لديهم، ومرتكبًا -بنظرهم- لأكبر جريمة على الإطلاق في هذا العالم، يوجِّهون إليه كل أشكال اللوم، وكل العبارات والمصطلحات المسيئة إليه، والمضللة له، والمكفِّرة له، يقال عنه: مجوسي، ورافـضي، وملحد، ومشـرك، وفاسق، وفاجر، وضال، وباغي، ومتمرد، ومنقلب، ويطلقون كل الألفاظ، ويوجِّهون إليه كل العناوين السيئة والمسيئة.
فريق واسع، –أيضًا– من الإعلاميين ليل نهار يتناوبون على شاشات التلفزيونات، وكذلك في المحطات الفضائية، ويكتبون في الصحف والمجلات، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، متفننون ومتفرِّغون لإطلاق سيل لا ينتهي من: السب، والشتم، والافتراء، والبهتان، والدجل، وكل أساليب وعبارات ومصطلحات التشويه، لا يتركون نبزًا ولا لقبًا ولا أي عبارة فيها سب أو إساءة أو شتم إلا وأطلقوها.
ونحن في هذا الزمن وفي هذا العصر رأينا مصداق قول الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– عن عباده المؤمنين، الثابتين، الصامدين، الأوفياء لنهجهم وأمتهم ودينهم ونبيهم، في قوله تعالى: {وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}[المائدة: من الآية54]، لأننا لم نرَ ولم نقرأ عن زمنٍ مضى في التاريخ يوجه فيه اللوم على من يأبى الخنوع لأمريكا وإسرائيل، من يرفض التبعية لليهود الصهاينة والمضلين وفريق الشـر من أهل الكتاب، لم نرَ أبدًا مثل مستوى اللوم الذي يوجه في هذا العصر، اللائمون في هذا الزمن امتلكوا فيه ما لم تمتلكه قوى الضلال والباطل والمضلون والمبطلون على مرِّ التاريخ.
اليوم وسائل الإعلام، الوسائل التي توصل الصوت، وتؤثِّر في الرأي العام كثيرة: المحطات الفضائية، الراديو، الإنترنت، الصحف الورقية، الكتب، والمناهج، والدراسات… أنشطة كثيرة بألوان وأنواع متعددة، أكثرها في هذا الزمن تصب في اتجاه توجيه اللوم بكل الأنواع، بكل العبارات، تحت كل العناوين ضد من يرفض التبعية لأمريكا وإسرائيل، يصبح أكبر من يُجَرَّم، وأكبر مخطئ، وأكثر ما يتوجه في وسائل الإعلام، وكل الوسائل الأخرى، وكل الوسائل التي تتوجه للتأثير على ذهنية الناس، كلها تحمل اللوم تجاه من يقف الموقف الحق، الموقف الصحيح.
–أيضًا- الذين اتجهوا اتجاه الخنوع والاستسلام والتقبل للسيطرة الأمريكية والإسرائيلية هم كذلك لا يختلفون عن أولئك؛ لأنهم بسكوتهم، بجمودهم في حالة من القابلية للسيطرة الأمريكية والإسرائيلية، وأفسحوا المجال، ورضوا على أنفسهم بأن تسيطر عليهم أمريكا وإسرائيل.
الساكت، الصامت، القاعد، الجامد، الخانع، هو يجعل نفسه جاهزًا لهذه الحالة من التبعية والتقبل لتلك السيطرة، ليس هو في موقف، ليس هو في مَنَعَة، ليس في حالة نقول عنه أنه ممانع لهذه السيطرة عليه، ثم هو –أيضًا– لا يكتفي بذلك، بل كثيرًا ما يوجه اللوم والنقد، لمن؟ لمن يتحركون في الاتجاه الصحيح، لمن لهم موقف مشرف، لمن تحمَّلوا المسؤولية التي فرضها عليهم دينهم، ولهم الحق فيها بالفطرة، يوجه إليهم اللوم؛ ليبرر قعوده، وجموده، وصمته، وسكوته، وتجاهله لكل هذه الأخطار ولكل هذه التحديات.
الموقف الصحيح المنسجم مع مبادئ الإسلام
المسار الصحيح الذي ينسجم مع القرآن الكريم، الذي يمثِّل استجابةً حقيقيةً وصادقةً لتوجيهات الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– في كتابه الكريم، في آياته المباركة، وتنسجم بشكلٍ واضح مع مبادئ هذا الإسلام الحق، مع أخلاقه، مع قيمه وتمثِّل –أيضًا– اقتداءً حقيقيًا وصادقًا برسول الله محمد –صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله– هي نتحرك لنعادي عدونا، هذا العدو الذي يستهدفنا في كل شيء: يستهدفنا عسكريًا، ويستهدفنا اقتصاديًا، ويستهدفنا ثقافيًا، ويستهدفنا إعلاميًا، ويستهدفنا بكل وسائل الاستهداف وأساليب الاستهداف، ويمثِّل خطورةً حقيقيةً مؤكَّدةً علينا في كل شيء: في ديننا ودنيانا، في حياتنا في الدنيا، وفي مستقبلنا في الآخرة.
التحرك الصحيح أن نعلن بالبراءة منه، وأن نسعى عمليًا للتصدي له في كل المجالات، وفي كل الاتجاهات، من واقع العداوة الصادقة، من يقول: أنه يعادي، ولكنه يخفي هذا العداء، ويختزنه في داخله، ولا يترجمه عمليًا: لا بكلام، ولا بموقف، ولا بعمل، ولا تصرف؛ هو كاذب، يقول لك: [يا أخي نحن نعادي أمريكا، نعادي إسرائيل، فقط لا نريد: لا شعارات، ولا مواقف، ولا أعمال، نحن خبأنا هذه العداوة هنا]، هذا مجرد كلام فارغ، لا أساس له، تبرير ضعيف، لا يمكن أبدًا أن يكون مقنعًا، ولا أن يُسقِط عنهم المسؤولية فيما هم عليه من تفريط وعصيان لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أمرنا الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن نقول، وأن نفعل، وأمرنا الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن نجاهد، الجهاد ضد من هو؟! إلا ضد أعدائنا المستهدفين لنا، المعادين لنا، المتآمرين علينا، المستهدفين لنا في ديننا ودنيانا، وفي أرضنا، وفي عرضنا، وفي شرفنا، وفي كرامتنا، وفي قيمنا، وفي أخلاقنا، الذين يسعون ليسلبوا منا حريتنا وإرادتنا وقرارنا، وأن يتحكموا بنا، وأن يستعبدونا، أن نكفر بالطاغوت الذي يسعى إلى استعبادنا من دون الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- والطاغوت في هذا العصر يتمثل في أمريكا وإسرائيل ومن يحذو حذو أمريكا وإسرائيل، هذا هو الطاغوت في زمننا هذا.
{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا}[البقرة: من الآية256]، لا بد أن نكفر بهذا الطاغوت المستكبر، وأن نكون على تباينٍ معه، وأن لا نقبل أبدًا بالتبعية له، ولا مع كل عملائه الذين يسعون لخدمته، ذلك نفاق، تلك التبعية هي التي عبَّر عنها القرآن بقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51].
أما الاتجاه الصحيح فالله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: الآية54]، هل هذه الصفات تنطبق على النظام السعودي، أو على النظام الإماراتي، أو على من هو معهم ويدور في فلكهم من التبعية المطلقة لأمريكا، واتخاذ إسرائيل وليًا وصديقًا وحليفًا وحميمًا، هل تنطبق عليهم هذه الصفات؟! |لا|، تنطبق عليهم حالة الارتداد عن الدين في مبادئه، عن الدين في قيمه، عن الدين في أخلاقه، والاتباع لقيم أخرى، ليست قيمًا مثلى أبدًا، صفات سيئة، مسارات خاطئة، توجهات منحرفة رسمتها لهم أمريكا، وحددتها لهم إسرائيل، ودُفعوا إليها، فاندفعوا بغرور ومسارعة.
خيار الآخرين، خيار المنافقين في العمالة والتبعية لأمريكا وإسرائيل، هو الخيار الخاطئ، والخياني، والمنحرف، والذي يمثِّل نفاقًا وخيانةً وانحرافًا، يتوجه إليهم اللوم، ويتقلدون عارًا وخزيًا -نعوذ بالله منه- يلقون الله يوم القيامة بسواد الوجوه؛ لأنه يوم القيامة، هؤلاء الذين انتموا إلى هذا الإسلام، منهم من يلقى الله يوم القيامة ببياض وجه، ومنهم من يلقى الله بسواد وجهه، يلقى الله ويكون وجهه كخائن ومتراجع ومنسلخ عن مبادئ هذا الدين، وقيمه الإيمانية والأخلاقية والعملية، يلقى الله يوم القيامة أسود الوجه، سواد الوجوه يوم القيامة للخونة الذين خانوا أمتهم، وخانوا دينهم، واتجهوا بالتبعية لأعداء هذه الأمة؛ فظلموا هذه الأمة، وظلموا البشرية بكلها، من يرتبط بأعداء الأمة يظلم الأمة ويظلم –أيضًا– البشرية بكلها؛ لأن فريق الشر: اللوبي الصهيوني الذي يقود -اليوم- أمريكا، ويتحرك –أيضًا– في دول أخرى من العالم، وتبعه وضمنه إسرائيل، هذا اللوبي هو فريق الشـر -اليوم- من أهل الكتاب الذي يشكِّل خطورة كبيرة على البشرية بكلها، وعلى الأمن والسلم في العالم برمته، وليس فقط في المنطقة العربية، هو أراد المنطقة العربية مرتكزًا للسيطرة في بقية الأرض، في بقية الشعوب، على بقية البلدان.
الجريمة كبيرة، والانحراف خطير، والمسارات اليوم مسارات رئيسية وفاصلة ومهمة، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالموقف من الدين نفسه، من الإسلام نفسه، من القرآن نفسه، من الرسول نفسه. التبسيط للمسألة هو الذي خدع الكثير من السذج والمغفلين، فاستبسطوا العمالة، واستهانوا بالولاء لأمريكا ولإسرائيل، وكأن المسألة طبيعية، وكأنه يمكن لك أن تبقى: مسلمًا، صالحًا، من أهل الجنة، وفي نفس الوقت مواليًا لأمريكا، وصديقًا لإسرائيل، هذه مسخرة، هذه سخافة.
على الأمة أن تعي أين يجب أن يكون مسارها
اليوم على الأمة أن تكون واعية، وأول ما تعيه: أين يجب أن يكون مسارها، وكيف هو الخيار الصحيح؛ لأن الواقع التي تعيشه الأمة ضمن هذه الثلاث المسارات:
- مسار عمالة واضحة وتبعية واضحة لأمريكا وإسرائيل.
- مسار استسلام، وخنوع، وتدجين، وقبول فعلي للسيطرة الأمريكية والإسرائيلية، وقبول بالانقياد وقت أن يصل الدور إليهم.
- ومسار آخر هو المسار الحر في هذه الأمة، المسار الشريف، المسار الصادق، المسار الوفي لمبادئ هذا الإسلام، وقيم هذا الإسلام، وأخلاق هذا الإسلام، وتعليمات الله في كتابه الكريم بالمعاداة لأعداء الأمة، والبراءة منهم، والمباينة لهم، هذه مسألة أساسية في القرآن، كل من ينكرها، أو يكذِّب بها، فهو يكذِّب بآيات الله الواضحة، الصـريحة، البينة في القرآن الكريم، في سورة براءة، وفي سورة آل عمران، وفي سورة المائدة، إِنَّ آيات القرآن كلها تجعل هذه المسألة مسألة مفصلية وفارقة، يتحدد بها مسار الإنسان في الدنيا ويوم القيامة، المسألة ليس فيها مزاج، وليس فيها مزاح، ومهما بسّطها الآخرون لتسويغ العمالة، وتبسيط الارتهان لأعداء الله، وتسويغ التبعية لأمريكا وإسرائيل، فهم بذلك يجنون على أنفسهم، ويجنون على الأمة بكلها من حولهم، والمسألة إلى جانب الدين والإيمان والقرآن والاتباع والاقتداء لرسول الله –صلوات الله عليه وعلى آله– المسألة –أيضًا– مرتبطة بمصلحتنا الحقيقية كأمة إسلامية، إن العاقبة اليقينية التي لا بد منها لكل الذين اختاروا مسار النفاق والعمالة والتبعية لأعداء الأمة هي الخسران، أن يصبحوا خاسرين، وأن يصبحوا نادمين، هذه حقيقة أكَّد عليها القرآن في سورة المائدة، وتحققت إلى اليوم في كثيرٍ ممن اتجهوا هذا الاتجاه، ويلحق بهم الباقون واحدًا تلو الآخر، لا يكملون الدور إلا ووقعوا في النتيجة نفسها.
لكن خيار موقف البراءة والمباينة لأعداء الأمة، والسعي للتصدي لمؤامراتهم الهدَّامة والتدميرية والمضرة بالأمة، هو انسجام مع القرآن، انسجام مع الإسلام، ثبات على هذا الدين ومبادئه وقيمه وأخلاقه، ويحفظ لهذه الأمة حريتها، أن تكون أمة حرة، مستقلة، متحررة من التبعية لأعدائها، ويحفظ لها مصالحها الحقيقية، يدفع عنها: الإذلال، والقهر، والاستعباد، والاسترخاص، والاستغلال؛ ويحفظ لها: هويتها، وثروتها، وأرضها، وعرضها، وشرفها، وكرامتها، وهذه مسألة مهمة جدًّا، وعواقبها حميدة، وعواقبها إيجابية.
أما عواقب: الارتهان، والاستسلام، والخنوع، والضعة، والعمالة، والتبعية؛ فهي أن تخسر نفسك، وأن تخسر حياتك، وأن تخسر كل ما بيدك لصالح عدوك الذي لن يرعى لك هذا الجميل، ولن يقدِّر لك ذلك لا في الدنيا، ولا في الآخرة.
خيار الشرفاء وخيار العملاء
اليوم شعبنا اليمني العزيز وهو يتصدى للعدوان الأمريكي السعودي، هذا العدوان ما الذي يريده منا؟ ما هدفه منا؟ بلا شك أن الهدف -كما قلنا مرارًا وتكرارًا- هو السيطرة علينا، السيطرة على اليمن إنسانًا، تصبح أنت كإنسان، إن كنت مقاتلًا، لا يبقى لك في هذه الحياة إلا أن تقاتل معهم، تذهب للقتال معهم في أي ميدان يحددونه لك، وفي أي معركة يوجهونك لها: باطل، ظلم، طغيان، اعتداء، تذهب في أي ميدان، في أي جهة، لتكون فداءً لهم، تضحي بحياتك فداءً للضابط السعودي وللضابط الأمريكي وللضابط الإماراتي.
تكون سياسيًا، لك وظيفة واحدة: غطاء لعدوانهم، وسعي عملي جاد لكل ما يبرر عدوانهم. إعلامي: تصبح بوقًا لهم، ينفخون فيك ببهتانهم وباطلهم وزورهم، وهكذا في أي مجال تصبح لهم، ما كان لديك من قدرات، أو خبرات، أو طاقات، أو مواهب، أو إمكانات، تشتغل بها لخدمتهم، وتتحمل بذلك الوزر والإثم والمعصية والذنب والخسارة في الدنيا والآخرة، إضافة إلى أنك فقدت حريتك لم تعد حرًا، لم تعد حرًا، لا قرار لك، لا أمر لك، سلطتهم عليك، وأمرهم عليك، وقرارهم عليك فوق إرادتك لنفسك، وفوق قرارك لنفسك، وفوق إرادتك لنفسك، فقدت حريتك، فقدت إنسانيتك، تتحول إلى إنسان مفرَّغ من إنسانيته، إلى عبد لئيم، خانع، مفتري، دجال، ظالم، مجرم، مستكبر، جاحد للحقائق، متنكر للقيم، متنكر للمبادئ، متنكر حتى لفطرتك التي فطرك الله عليها، وتصبح شريكًا لهم في كل ما هم عليه، وفي كل ما فعلوه، وفي كل ما يرتكبونه من الجرائم والآثام، شريكًا لهم في عارها في الدنيا، وفي عقوباتها في الدنيا وفي الآخرة، فقدت كل شيء، خاسر، خائب، خائن، مدنس لنفسك، وتتحمل وزرًا كبيرًا.
أما في خيار كل الشرفاء في هذا البلد، كل الأحرار في هذا البلد: خيار التصدي لهذا العدوان، ورفض هذه السيطرة، أن لا نقبل للأمريكي ولا لعملائه وعبيده الأذلين والخانعين والأغبياء والضالين والمنافقين، أن لا نقبل لهم بأن يسيطروا علينا؛ لأننا شعبٌ، أولًا: لا يمكن أبدًا أن نجازف بتلك المبادئ والقيم التي ننتمي إليها؛ لأننا آمنا بها إيمانًا، هي صلة ما بيننا وبين الله، عبوديتنا لله، ورفضنا لكل أشكال العبودية لكل طواغيت العالم، مسألة إيمانية ودينية ويقينية، نحن عليها، عليها نحيا، وعليها نموت، وعليها نبعث -إن شاء الله- يوم القيامة ونلقى الله بتوفيقه، وبفضله، وبكرمه، ببياض وجه، فهي مسألة إيمان، (الإيمان يمان، والحكمة يمانية).
–وأيضًا- لدينا وعي ولدينا إرادة، نحن نمتلك الحرص والإرادة على أن نكون في هذه الحياة أحرارًا، ومن حقنا أن نكون أحرارًا، من حقنا أن نكون شعبا حرًا، وبلدًا مستقلًا، لا يعيش حالة الوصاية، ولا العبودية، ولا الإذعان لأي طاغوتٍ مستكبر، لا للأمريكي، ولا للإسرائيلي، ولا لأيٍ من عملائه في المنطقة: لا النظام السعودي، ولا النظام الإماراتي، من حقنا هذا، حقنا أن نكون أحرارًا، وأن نكون في هذه الحياة مستقلين، هذه مسألة إيمانية، دينية، وحق مكفول في المواثيق والأعراف الدولية، حق مكفول بشريعة السماء وبمواثيق أهل الأرض، من حقنا أن نكون أحرارًا، لا يمتلك أي طاغية ولا أي مجرم من أي بلدٍ أتى، من المنطقة، من الإقليم، أو أتى من قارةٍ من قارات الدنيا حقًا أن يفرض نفسه علينا، وأن يتحكم بنا، وأن يفرض إرادته علينا، من واقع العداوة.
الشرعية للشعب لا للطاغوت
فمعركتنا اليوم، ونحن نتصدى لهذا العدوان، معركة حرية واستقلال وكرامة، العناوين التي يطلقونها هي أكاذيب، وأكاذيب لا تبرر لهم عدوانهم في نفس الوقت، وليست المسألة شرعية، الشرعية للشعب اليمني في موقفه الحق، والشـرعية ترتبط بالحق، لا شرعية لباطل، لا شرعية لظلم، لا شرعية لفساد وطغيان، لا شرعية لطاغوت مستكبر، لا شرعية أبدًا، الشـرعية هي لهذا الشعب في موقفه الحق، في إرادته المحقة، وسعيه المحق لأن يكون شعبًا حرًا وبلدًا مستقلًا، في تمسكه بمبادئه وقيمه وأخلاقه، هذه هي الشـرعية الحقيقية، ووالله لو قبلنا لأنفسنا أن نكون أدوات وعبيدًا وخدامًا، مثلما فعل الآخرون، لغيَّروا هذا العنوان، ولكن لو فعلنا ذلك خسرنا الدنيا وخسرنا الآخرة، وكم ساومونا على ذلك، وكم حاولوا فينا لنقبل بذلك، ولكن يأبى الله لنا، ويأبى رسوله لنا، ويأبى قرآنه لنا، وتأبى نفوسٌ في هذا البلد وفي هذا الشعب من كل أبنائه من الرجال والنساء، من الكبار والصغار، من كل أطيافه حلَّ في قلوبهم نور الإيمان، وأحسوا وعاشوا وتذوقوا عزة هذا الإيمان، وشرف هذا الإيمان، وكرامة هذا الإيمان، يأبى الله لهم أن يقبلوا بالذل والعبودية لغيره، هذه معركتنا معهم في كل جزءٍ، وفي كل مساحة، وفي كل اتجاه، وفي كل محور، وفي كل منطقة باتت فيها اليوم معركة، سواءً في الجهات الشرقية، أو في جهات الحدود، أو في الساحل الغربي، أو في المناطق الوسطى، أو في جهة المناطق الجنوبية.
معركة الآخرين معنا يقودونها هم من واقع التبعية لأمريكا، والطاعة لأمريكا، والتودد لإسرائيل، من واقع الخيانة، من جزء من مشاريعهم وأجندتهم في المنطقة، ونحن نتجه من هذا الموقع: من موقع الثبات على: مبادئنا، وقيمنا، وديننا، وأخلاقنا، ومن واقع حقنا المكفول في الحرية والاستقلال؛ لأننا نريد أن نكون أحرارًا ومستقلين ولا يستعبدنا الآخرون، وهذا حقٌ لنا.
مستجدات الساحل. وأهم ما يجب التركيز عليه
اليوم يتجه العدو ليلقي بكل ثقله في الساحل الغربي، مع أنه يُصَعِّد –أيضًا– في محاور كثيرة من محاور القتال، ويلقي بثقل كبير في معركة الساحل الغربي، هناك جهود مشرفة وعظيمة من جانب الجيش واللجان، وأحرار هذا البلد، والذين نزلوا إلى هناك من القبائل، وفي طليعة هذا الموقف أحرار تهامة، هذه الجهود مقدرة وعظيمة ومهمة، حجم المعركة هناك يتطلب المزيد من التحشيد، المزيد –أيضًا– من التفويج، سواءً من المحافظات، ويشترك الجميع في الدفع لهذا التحشيد: علماء، مثقفون، وجاهات اجتماعية، مشائخ، الكل معنيون بالتحشيد لهذه المعركة؛ لأن العدو يحاول أن يلقي فيها بكل ثقله.
ونحن نؤكِّد على أنه مهما حقق من اختراقات هناك لا تعني أبدًا نهاية المعركة، وأنا أقول وأؤكِّد، وقلت سابقًا: أن ميدان تهامة هو ميدان مناسب لتكبيدهم الخسائر، أولئك الغزاة، أولئك المجرمين، وإلحاق الخسائر الكبيرة بهم، والتنكيل بهم، ميدان ملائم، ميدان كبير جدًّا، مليء بالمدن، مليء بالقرى، مليء بالمزارع، الأشجار، الوديان، أحسن وأنسب ميدان يغرقون فيه، إضافة إلى أنهم يحتاجون إلى قوة كبيرة، وهذه القوة تحتاج إلى أن تتشتت، لا يستطيع أن يغطي لك مساحة تهامة أبدًا، يحتاج إلى أن يتشتت، قد يُكَتِّل -أحيانًا- قوته فيحدث اختراقًا هنا، لكنه -في النهاية- يحتاج إلى أن يشتت هذه القوة، وتكون الفرصة مواتية لضربها والقضاء عليها.
مئات قُتِلوا من مرتزقتهم وجنودهم وخونتهم، وأعداد أُسِروا، وأعداد كبيرة من آلياتهم دمِّرت، وهذا ما يجب أن نسعى له بشكل مستمر: تدمير كل ما أدخلوه إلى هناك من قوة، وندرك أن الميدان هناك ميدان ملائم ومناسب لضربهم والتنكيل بهم وإلحاق الخسائر بهم.
المسألة الرئيسية التي يجب أن نركِّز عليها في معركة الساحل الغربي هي: الاستمرار في التحشيد، واقع المعركة يتطلب زخمًا بشـريًا، وكان النزول في آخر شهر رمضان المبارك نزولًا كبيرًا، وأسهم بشكل فاعل ومباشر -بتوفيق الله ومعونته- من إيقاف أكبر هجوم نفَّذوه، وأعدوا له عدة كبيرة، ولكن فشلوا، تلك النهضة، وتلك الهبة، وذلك النزول الكبير والتحرك الواسع -بتوفيق الله ومعونته- أسهم في إيقاف وإفشال هجومهم، وكانت مشكلة كبيرة عليهم؛ لأن خطتهم للمعركة كانت على أساس حسم المعركة بشكل سريع وعاجل، وهم يدركون أن طول المعركة يكبدهم الكثير من الخسائر، يستنزفهم، يؤثِّر عليهم، يؤثِّر على سمعتهم بما ألحقوه من نكبة إنسانية بالسكان في المدن هناك.
ولذلك مطلوب الاستمرار في التحشيد، والتماسك أمام أي اختراق، وعدم القلق، والسعي لاحتواء الاختراقات، والسعي لضـرب ما نزل هناك وما جلبوه إلى هناك من قوة، حتى يتحول الساحل الغربي إلى أكبر مستنقع يغرقون فيه، وإلى مقبرة موت وهلاك لهم، هذا ما ينبغي علينا أن نركِّز عليه.
ونحن بالنسبة لنا معركتنا معركة حرية، وكرامة، ودين، ويقين، يعني: ليس هناك شيء يمكن أن يكسر إرادتنا، ولا أن يوهن من عزمنا، ولا أن يغيِّر من قناعتنا، ولا أن يؤثِّر على موقفنا، موقف ثابت، موقف مبدئي، موقف راسخ، وموقف نرى -بفضل الله ومعونة الله- التوفيق والتيسير والنصر والتأييد، ونحن نعرف أنه لولا التأييد الإلهي لكانت المعركة حسمت في بداية العدوان وانتهت، وسيطروا على اليمن بكله، ولكن رعاية الله وعون الله، والتضحيات الكبيرة، والاستجابة الواعية والإيمانية والصادقة من أحرار وشرفاء هذا البلد أسهمت هذا الإسهام في أن نكون في موقف ثبات، وصمود، وشموخ، وعزة، وكرامة، وموقف فعَّال ومجدي ومؤثر، ومكبد للأعداء الخسائر الهائلة جدًّا في العتاد والعدة والجنود، كم قتل منهم، وكم دمِّرت عليهم، وكم خسـروا من إمكانات هائلة، وهذا حالنا وحالهم، سيستمر إلى أن يحكم الله.
ميناء الحديدة ومبررات العدوان.. توضيح مهم
لا تعويل في معركة الساحل على حلول سلمية من جانب الأمم المتحدة، المبعوث الأممي أتى إلى اليمن، قدَّم مبادرة بخصوص الميناء، تفاعلنا معها إيجابيًا، هذه المبادرة كانت قد قُدِّمَت من قبل في أيام ولد الشيخ، وهي: أنه بناءً على أن العدو يبرر استهدافه لمحافظة الحديدة بمسألة الميناء، ويزعم افتراءً ودجلًا وبهتانًا وكذبًا أن الصواريخ تأتي من إيران إلينا عبر الميناء، وهو يدرك، سواءً الإماراتي، أو السعودي، أو الأمريكي، يدرك قبل غيره أنه يكذب، وأنه يفتري، وأن كلامه بهتان وباطل؛ لأنها لا تدخل في الأساس إلى الميناء أي سفينة، إلا بعد ترخيصهم وإذنهم، وبالعبور من عندهم، من عند قطعهم البحرية المتواجدة في محاذاة الساحل، وبترخيص من الأمم المتحدة، وبآلية تفتيش، وآلية رقابية، وإجراءات شبيهة تمامًا بالإجراءات التي تنفذها إسرائيل في حصارها لقطاع غزة، ومواد وأشياء محدودة يسمحون بدخولها إلى الميناء، وأكثر من أربعمائة صنف -كما ذكرت سابقًا- ممنوع دخولها عبر الميناء إلى البلد، يعني: حصار، أشياء بسيطة ومحدودة يسمح بدخولها من ضروريات الحياة، بترخيص، برقابة، بتفتيش، بإجراءات كثيرة.
مع ذلك قبلنا بأن يكون للأمم المتحدة دور رقابي في نفس الميناء، ودور فني ولوجستي ومساعد في عمل الميناء، ولكن -في النهاية- الأعداء رفضوا هذه المبادرة بعد أن قدَّمها المبعوث الأممي إليهم رفضوها.
أضف إلى ذلك الذريعة الأخرى المتعلقة بمسألة الإيرادات: أن الإيرادات التي تأتي من الميناء -بزعمهم- يُستفاد منها في الدفاع عن هذا البلد، وفي التصدي للعدوان، نحن قلنا: لا مانع عندنا أن تُجمع الإيرادات التي تأتي من إيرادات الحديدة، يضاف إليها الإيرادات التي هي حق مستحق للشعب اليمني: إيرادات النفط في مأرب، والنفط والغاز في شبوة وحضـرموت، إيرادات الموانئ الأخرى والمنافذ الأخرى، الأموال التي طُبِعت في روسيا، وهي حق مستحق للشعب اليمني، وسرقها العملاء والمرتزقة، تجمع كل هذه الأموال وتخصص لدفع المرتبات، وتدفع المرتبات، وتجمع الإيرادات الوافية لما يلزم من المرتبات في مناطقنا الحرة التي لم يحتلها الأعداء، تُجمع في البنك المركزي في صنعاء، وتُصرف برقابة من الأمم المتحدة وتأكد أنها جُمعت للمرتبات، وصُرفت للمرتبات.
في نهاية المطاف؛ لأن المسألة ليست إلا تعلُلات، وأباطيل، وادعاءات فارغة من جانبهم، هم يعرفون أن الإيرادات تُجمع لثلاثة أشهر، لأربعة أشهر، أحيانًا لشهرين، ثم تُصرف كنصف راتب، يوَّفر منها –أيضًا– ما يشغل مستشفيات، ما يشغل مؤسسات الدولة، نفقات تشغيلية متواضعة، هم يعرفون ذلك، في الأخير تهرَّبوا مع أن أعذارهم الواهية وادعاءاتهم الكاذبة قد قُطعت بقبولنا لمبادرة المبعوث الأممي. هناك تهرَّبوا، ويحاولون أن يقدموا كلامًا آخر، ومبادرات ثانية، ومطالب أخرى، المسألة -كما قلنا من البداية- ليست إلا أكاذيب، ادعاءات، تعلُّلات، تبريرات واهية وزائفة، الهدف: السيطرة على هذا البلد، وفي المقدمة: الموانئ، الجزر، الساحل، المناطق المهمة، لحصار هذا الشعب، للإضرار بأبناء هذا البلد.
لا تعويل على حلولهم وبصمودنا يتحقق النصر
فإذًا، لا تعويل على حلول من هنا أو هناك، وهذه الأحداث كما غيرها، كما الوضع في فلسطين، كما الوضع سابقًا في العراق، كما كل نكبة لحقت بأي شعبٍ من شعوب أمتنا، يتجلى بوضوح أنه لا العالم الغربي الذي يأتي ليتحدث كثيرًا عن حقوق الإنسان، وعن الديمقراطية، وعن الحرية، وعن وعن… عناوين كثيرة، ولا الأمم المتحدة التي لها -كما يقال- لها مواثيق، ولها قوانين، ولها مبادئ، ليست إلا كلامًا لا يُنفَّذ حينما تكون النكبة على شعبٍ مستضعف، ولا مجلس الأمن، ولا أي طرف في هذا العالم يمكن أن يُعول عليه أبداً، إذا نُكب شعبٌ من شعوب أمتنا واستُهدف وظُلِم لا يعول إلا على الله، ولا يثق إلا بالله، ولا يتوكل إلا على الله، ويتحمّل مسؤوليته هو بنفسه ويتحرك.
اليوم هذا ما فعلته كثيرٌ من البلدان الحرة والشعوب الحرة، اليوم عندما نشاهد ما عليه المقاومة الإسلامية (حزب الله في لبنان)، أو المقاومة الفلسطينية في غزة، أو نرى الأحرار في سوريا والعراق، أو نرى ما تنعم به الجمهورية الإسلامية في إيران من عزة وكرامة وحرية واستقلال، الكل تحركوا ليكونوا أحرارًا، تحمَّلوا مسؤوليتهم، كافحوا، وجاهدوا، وحاربوا، وناضلوا، وواجهوا، وضحوا، وفعلوا كل شيء، وقدَّموا كل شيء، كانوا على ما كانوا عليه من حرية.
صمودنا إلى اليوم، بقاء مناطقنا هذه التي تنعم بالحرية والاستقلال والكرامة، بقاء واقعنا على هذا النحو: نرى أنفسنا أحرارًا، وعرضنا في هذه المناطق مُصان، وشرفنا مُصان، لماذا؟ بالتوكل على الله، بالثقة بالله، بالاعتماد على الله، بتحمّل المسؤولية، بالتضحية، بالجهاد بالموقف، بالعمل، بالقتال، بالثبات، هذا الذي يُجدي، هذا الذي يُفيد، هذا الذي يمثِّل استجابة واعية ومسؤولة وصحيحة لتوجيهات الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ولسننه وقوانينه في هذه الحياة، إن الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- هو نصير عباده الأحرار الذين يتحملون مسؤوليتهم، من يتجه لينصر نفسه مستنصرًا بالله، متمسكًا بالله، معتصمًا بالله، واثقًا بالله، معتمدًا على الله، فالله معه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}[محمد: من الآية7]، النصر من الله، يأتي مع العمل، مع التضحية، مع المسؤولية، مع الموقف، مع الاستجابة العملية، مع التحرك الجاد، يأتي التأييد الإلهي {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}[الحج: من الآية40]، مع الإيمان الواعي الصادق، الإيمان الذي يُبنى عليه موقف، الإيمان الذي يترجمه عمل، الإيمان الذي تجليه تضحية، {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْـرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية47]، هذا المسار وهذا الاتجاه هو الاتجاه الصحيح، والذي مضى عليه شهداؤنا الأبرار في تهامة، في الساحل الغربي، الشهيد الرئيس/ الصماد –رحمة الله عليه– والأخ الشهيد البطل، فارس محافظة عمران، وبطل محافظة عمران، الشهيد العزيز/ سلطان عويدين –رحمة الله تغشاه– ذلك الشيخ الشهم الذي نزل مقتحمًا، وفي موقفٍ بطوليٍ عظيم لقي الله ببياض وجه، سلطان محمد صالح عويدين، هذا الرجل الذي سيسجله التاريخ، هو وكل الشهداء الأبرار في الساحل الغربي الذين حذوا حذو الشهيد الرئيس الصماد.
واليوم الساحل الغربي أمانتهم عندنا وعند الأحرار في بلدنا، ومعنيون جميعًا بالتحرك ضمن هذا الخيار للتصدي لهذا العدوان من موقع المسؤولية الدينية، والإيمانية، والإنسانية، والفطرية التي لا ينحرف عنها إلا خائن، نجمع صفنا، نوحد كلمتنا، نتحرك على هذا الأساس، تتظافر في هذا الاتجاه الجهود الرسمية والشعبية.
لفتة لفلسطين وشكر لسيد المقاومة ولكل الأحرار
لا يسعني الوقت للحديث عن بقية المواضيع والمسائل على المستوى المحلي، أو على المستوى الإقليمي، لكني أؤكِّد هنا -من جديد- أننا جنبًا إلى جنب مع شعبنا الفلسطيني في مساره التحرري، وفي مساره المسؤول في الدفاع عن المقدسات وعن الأرض والعرض، وفي التصدي للمؤامرة الكبيرة المسماة بصفقة القرن، والتي يسهم فيها النظام السعودي إسهامًا مباشرًا لصالح أمريكا، ولصالح وخدمة إسرائيل.
صراعنا اليوم مع النظام السعودي والإماراتي؛ لأننا اتجهنا في هذا الخيار: خيار الحرية، خيار المقاومة، خيار العداء لأعداء الأمة، والتصدي لمؤامراتهم الظالمة، والسعي لتحرير أمتنا بكلها وأوطاننا بأجمعها.
اليوم، من جديد أتوجه بالشكر إلى كل أحرار الأمة المتضامنين معنا، بدءًا بسيد المقاومة والجهاد سماحة الأمين العام لحزب الله السيد/ حسن نصر الله، الذي نتوجه إليه بالشكر والتقدير والإعزاز، الذي تضامن وقدَّم أعظم الكلام من مقامه العظيم والعالي، نحن نتوجه إليه بالشكر مجددًا، إلى حزب الله، إلى كل أحرار الأمة في العراق، وفي سائر بلدان المنطقة، إلى تونس التي يصلنا منها رسائل الوفاء والتضامن المعبِّرة عن إنسانية، عن أخلاق، عن قيم، كذلك بقية الأحرار في بقية البلدان، لا يتسع الوقت للحديث عن ذلك.
في الأخير نتوجه إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن ينصرنا بنصره، أن ينصر كل أمتنا في معركة التحرر، في معركة الحق، في مواجهة قوى النفاق وقوى الطاغوت والاستكبار، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، ويفرِّج عن أسرانا، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛