كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة جمعة رجب ذكرى دخول اليمنيين الإسلام 1439هـ
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمني المسلم العزيز:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
في هذا اليوم المبارك، اليوم الأغر، اليوم التاريخي، الجمعة الأولى من شهر رجب، الذي يحمل ذكرى عظيمة من أهم الذكريات وأقدس الذكريات في تاريخ شعبنا اليمني المسلم العزيز، نتوجه بالتبريك لأبناء شعبنا ولكل أمتنا، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا للانطلاقة الإيمانية في مسيرة حياتنا لما يرضيه عنا إنه سميع الدعاء.
اعتاد شعبنا اليمني العزيز- على مر التاريخ- على الاحتفاء بهذه الذكرى، باعتبارها حملت ذكرى عظيمة، حملت مناسبةً مهمة، هي ذكرى ومناسبة اعتناق عدد كبير من أبناء شعبنا اليمني للإسلام، يوم أتى الإمام علي عليه السلام ووصل إلى اليمن، وكان معه رسالة من رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- إلى أبناء شعبنا يدعوهم فيها إلى الإسلام، وقد اتجه الكثير من أبناء هذا الشعب نحو الإسلام بكل رغبة وطواعية، وبوعيٍ وقناعة وإيمانٍ صادق، وكانت هذه محطة من المحطات المهمة في صدر الإسلام، سبقها محطات مهمة، وتلاها محطات أخرى، حتى شمل اعتناق اليمنيين الإسلام كل أبناء هذا البلد.
المناسبة وجذورها التاريخية
كان هناك منذ البداية المبكرة للإسلام، منذ أن بزغ فجر الإسلام ونوره في العهد الأول في مكة المكرمة، كان هناك أسرة آل ياسر، وكذلك آخرون ممن يحسبون من اليمن من المسلمين الأوائل، من السابقين في الإسلام، بل كانوا أول الشهداء في هذا الإسلام هم أسرة آل ياسر (ياسر هو: والد عمار بن ياسر) كان هو أول شهيدٌ في الإسلام، وهو من اليمن.
فيعبر هذا عن الانتماء في مراحل في صدر الإسلام، سواءً فيما كان المرحلة المكية، وما تلاه أيضاً يتعلق بالأوس والخزرج، الأنصار الذين سماهم الله في كتابه بالأنصار، فيما تلا ذلك على مستوى مناطق متفرقة في اليمن ومراحل متلاحقة في ذلك الزمن كل ما يمثل ذكرى مهمة وعظيمة، ويهمنا جدًّا أن نشجع على الاحتفاء بهذه الذكرى باعتبار ذلك أيضاً من الاعتراف بالنعمة والتقدير للنعمة.
واعتزاز شعبنا على مر تاريخه بهذه الذكرى، وإعطاؤه لهذا اليوم خصوصية في الاحتفاء به بأشكال متعددة وتعابير متنوعة، من بينها صلة الأرحام، من بينها ما يعرف في بلدنا بالرجبية، وأشكال متنوعة من الأذكار، من الاحتفال، من الابتهاج، من إظهار السرور، هذا شيءٌ عظيم وشيءٌ إيجابي وشيءٌ مهم وشيءٌ مفيد، ويهمنا اليوم أن نستفيد على نحوٍ أكثر وأكبر، مضافاً إلى شكر النعمة والاعتراف بالنعمة والتقدير للنعمة والاعتزاز بما ينبغي أن نعتز به، هناك أيضاً مسألة مهمة في هذا الظرف الحساس، في هذه المرحلة التي نعيشها وتعيشها أمتنا بشكلٍ عام، نحتاج إلى أن نستفيد بشكلٍ كبيرٍ جدًّا من هذه الذكرى في الحفاظ على هوية شعبنا وبلدنا، وفي الحرص على ترسيخ هذه الهوية الأصيلة، لتمتد في أجيالنا جيلاً بعد جيل.
كلمتي اليوم هي تركّز على هذا الموضوع بشكلٍ أساس؛ لأنه سيكون لنا- إن شاء الله- كلمة في القريب العاجل، سيما ونحن على مشارف العام الرابع منذ بداية العدوان الأمريكي السعودي الغاشم على بلدنا، على شعبنا، فسيكون لنا- إن شاء الله- كلمة في القريب العاجل نتحدث فيها عن مواضيع أخرى ذات صلة بشكل مباشر بمسألة العدوان وما يتعلق به.
هويتنا الإيمانية والاستهداف الممنهج
اليوم نتحدث فيما نركّز عليه في هذه الكلمة على هذا الموضوع الرئيسي ذي الصلة بهذه المناسبة: جمعة رجب، هويتنا الإيمانية، هوية شعبنا الإيمانية التي يهمنا جدًّا أيضاً أن ندخل من خلالها إلى ما نعاني منه كشعبٍ يمني، وما تعاني منه أمتنا بشكلٍ عام من استهداف كبير وممنهج وخطير جدًّا للأمة، لشعبنا في الهوية الإيمانية، وهذا هو أخطر أشكال الاستهداف، ما يعرف اليوم بالحرب الناعمة أخطر بكثير من الحرب الصلبة، من الحرب العسكرية، الاستهداف في الهوية أخطر أشكال الاستهداف، والهدف والغاية منه هو السيطرة على الإنسان أصلاً، السيطرة المباشرة والتحكم التام بهذا الإنسان يتم من خلال تجريده من هويته وتفريغه من محتواه المهم: محتواه المبدئي، ومحتواه الأخلاقي، ومحتواه القيمي، الإنسان إذا فرغ تماماً من هذا المحتوى لم يبقَ له مبادئ، لم يبقَ له أخلاق، لم يبقَ له مفاهيم صحيحة وسليمة، يصبح مجرد دمية بكل ما تعنيه الكلمة، وإنساناً أشبه بالإنسان الآلي الذي يتحكم الآخرون فيه (ما يسمى بالروبوت) يتحكم فيه الآخرون تماماً.
الإنسان هو إنسان وقيمته الإنسانية بهذا المحتوى: محتواه من الوعي، من المبادئ، من المفاهيم الصحيحة، من القيّم الراسخة، من الأخلاق العظيمة، لو فرغ منها، يوصّف القرآن الكريم هذه الحالة من هذا التفريغ: أن الإنسان يصبح كالأنعام {أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: من الآية179]، بل أسوء من الأنعام، ينحط الإنسان عن كرامته الإنسانية، عن مؤهلاته الإنسانية، عن قدراته الإنسانية، عن كل ما زوده الله به وفطره عليه كإنسان يميزه عن سائر الحيوانات: مداركه أوسع، دوره في الحياة أهم، ما يمتلكه وما زود به من تلك الطاقات والقدرات والمواهب تعطيه إمكانيةً لأن يكون في هذه الحياة على نحوٍ أعظم في سلوكه، في مواقفه، في حياته، في نهوضه بمسئوليته، في طبيعة دوره في هذه الحياة… كل هذا يضرب ضربة قاضية إذا فرغ هذا الإنسان من هذا المحتوى الذي يتشكل من الوعي والمفاهيم والمبادئ والقيّم والأخلاق.
فلذلك المعركة معنا من جانب أعدائنا سواءً على مستوى واقع شعبنا اليمني، أو على مستوى الأمة بكلها التي نحن جزءٌ منها، المعركة معنا هي معركة سيطرة، يعني: يهدف أعداؤنا إلى السيطرة علينا، هذا عنوان جامع ومانع لهدف معركة العدو معنا، الهدف الرئيسي هو السيطرة علينا، إذا سيطر علينا عدونا بشكلٍ تام، خلاص كمّل مشكلته معنا، خلّص واستفاد من كل شيء: أرضك، ثروتك، مقدراتك، بل أنت، أنت بنفسك يستفيد منك، يستغلك، يحولك في هذه الحياة أنت وما بين يديك، أنت وما لديك، أنت وما معك، أنت وما تملك، يستغلك في تحقيق مصالحه التي هي تشكل خطورةً عليك، بالنسبة لك، إنما هي فقط تمثل مصلحةً خالصةً له، يعني: القوم يريدون- كما يقال في التعبير المحلي والمثل المشهور- الجمل وما حمل، الإنسان وما معه، يشتوا يشلوا الكل، ويستغلون الجميع، يستغلون الكل، استغلالٌ للإنسان في نفسه، استغلالٌ للإنسان في مقدراته، استغلالٌ للإنسان في ثرواته، استغلالٌ للإنسان في كل ما يملكه، وفي كل ما بين يديه، طبعاً هذه كارثة يعني، مسألة خطيرة جدًّا، فيها امتهان لهذا الإنسان في كرامته، فيها استعباد لهذا الإنسان، فيها احتقار لهذا الإنسان؛ ولذلك يجب أن ننظر إلى مسألة الهوية، كمسألة في غاية الأهمية، وعلى صلة وعلاقة بالصراع، على علاقة وثيقة جدًّا بالحرب، بالصراع، بالمشكلة، أنها تمثل ركيزةً أساسيةً لتماسكنا وثباتنا، وتمثل منعة حقيقة في الحفاظ علينا، وفي الدفاع عنا.
من يفقد الهوية يعش حياة حيوانية
نحن إذا فقدنا هويتنا فقدنا كل شيء، إذا بتنا وصرنا أمةً لا هوية لها، أو شعباً انسلخ عن هويته؛ خلاص اعتبرنا انتهينا، اعتبرنا قضي علينا، لا يبقى لنا كيان، لا يبقى لنا منعة، لا يبقى ارتباط، لا يبقى لنا عوامل قوة، لا يبقى لنا أي شيء، نهائيا، خلاص انتهينا، يتحول الناس الذين انسلخوا عن هويتهم، يتحولون إلى حيوانات مسخرة، عاجزة، مستسلمة، مستغلة، لا تفكير لها، لا إرادة لها، لا استقلال لها، لا حرية لها، لا كرامة لها، مطوّعون، يصبح الإنسان في هذه الحياة حاله حال أي حمار، أو جمل، أو أي حيوان آخر، أو كبش، تتوزع الأدوار بحسب طبيعة الاستغلال: البعض يستغل كما يستغل الحمار، البعض يستغل كما يستغل الجمل، البعض يستغل كما يستغل الكبش، البعض يستغل كما يستغل… وهكذا بقية الحيوانات.
الهوية مسألة مهمة جدًّا، مسألة في غاية الأهمية، ولذلك نحن نجعل من هذه المناسبة (جمعة رجب)، الجمعة الأولى من رجب، مناسبةً رئيسية لترسيخ الهوية، والحفاظ على الهوية، وتعزيز حالة الوعي تجاه أهمية الهوية، للحفاظ على هذه الهوية جيلاً بعد جيل، ولنقوم بالدور الذي قام به آباؤنا وأجدادنا على أتمّ وجه، بمستوى جيد جدًّا.
وهوية شعبنا هوية إيمانية، يمكن أن نعبّر عن هذه الهوية بما تحدث عنه الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وروي عنه حينما قال: (الإيمان يمان)، هذه أعظم هوية، أقدس هوية، أشرف هوية، ما هناك على الإطلاق هوية أعظم من هذه الهوية، كل أمة على وجه هذه الأرض، كل فئة، كل كيان، كل طائفة، كل مجتمع مترابط له هوية واحدة، هذه الهوية هي نمط حياة تعتمد على عقائد، تعتمد على مفاهيم، تعتمد على أعراف، على عادات، على تقاليد، على- كذلك– أفكار معينة، ثقافات معينة، وتمثل عاملاً مهماً جدًّا في اجتماع أمة، في ترابط أمة، لتتجه في هذه الحياة اتجاهاً واحداً، تجمعها تلك المنظومة من: العقائد، والأعراف، والتقاليد، والسلوكيات، والاهتمامات، والعادات…الخ.
وما من أمة في هذه الأرض، ما من أمة إلا ولها هوية، إما هوية صحيحة، وإلا هوية خاطئة، وإلا هوية مختلطة فيها شيءٌ من الأشياء الصحيحة، ومزيج من الأشياء الخاطئة، حتى- أحياناً- مزيج من الخرافة، بعض الأمم، بعض الشعوب، بعض الكيانات في قسمٍ كبيرٍ من عقائدها ومفاهيمها وعادتها وأعرافها جانب كبير يعتمد على الخرافة، ولكن تبقى متشبثة، مجتمعة، الذي يجمعها، الذي يجمع ذلك الشعب، أو يجمع تلك الأمة، أو يجمع سكان ذلك البلد هي تلك العادات، والتقاليد، والأعراف، والعقائد، وذلك النمط من الحياة الذي يستند إليها ويعتمد عليها.
من نعم الله علينا، وهي نعمة عظيمة، أن تكون هويتنا كشعبٍ يمني، وكأمة مسلمة، هي الهوية الإيمانية، هذه الهوية التي إن حافظنا عليها، حافظنا عليها في الانتماء، حافظنا عليها في الالتزام، حافظنا عليها من خلال الوعي بها، حافظنا عليها في تنقيتها من الشوائب الدخيلة التي تدخل إليها وليست منها، سواءً ما كان منها بشكل عقائد أو أفكار أو سلوكيات أو عادات، وهي دخيلة، ليست منها، ليست في أصلها، إنما دخلت من هنا أو هناك- وهذا سنتحدث عنه في سياق حديثنا- إن حافظنا على هذه الهوية حافظنا على أعظم هوية تمثل أهم وأعظم ما يمكن أن نتماسك به، ما يمكن أن يحافظ على وجودنا، ما يمكن أن يمثل أهم عامل قوة بالنسبة لنا، أهم ضمانة لفلاحنا ونجاحنا وصلاحنا وقوتنا وعزتنا وكرامتنا ومنعتنا، وأهم ما يمكن وأعظم ما يمكن أن نعتمد عليه ونستند إليه في مواجهة كل التحديات وكل الأخطار، مهما كانت، فلا تتمكن من أن تهدّ كياننا، ولا أن تسقط كياننا، ولا أن تقضي على وجودنا كأمة عظيمة، وشعب عظيم.
دور الهوية في حفظ الخصوصية الفكرية
وهذا الموضوع موضوع في غاية الأهمية، أنا أقول لشعبنا العزيز: هناك شعوب أخرى لديها في هويتها، في معتقداتها، في أفكارها، في ثقافاتها قسم كبير من الخرافة، ومع ما وصل البشر إليه في هذا العصر من تقدم ومن تطور حتى في العلوم وغير ذلك، لا تزال تتشبث بتلك الخرافات وهي خرافات، لم تتنصل منها ولم تتنازل عنها، شعب هنا أو هناك، معروف اليوم، بل هناك دول من الدول الكبرى، في مصاف الدول الكبرى تعتمد في هويتها الثقافية والفكرية، وفي عاداتها وأعرافها على قسم كبير من الخرافات، هي متشبثة بها بكل تشبث، لا تفرط فيها أبداً؛ لأنها تعي ماذا يعني أن تفرط فيها، كيف يمكن لها أن تسقط كأمة، أو كشعب، أو كدولة، أو كبلد معين له اليوم حضوره في الساحة العالمية، إذا فقدت خصوصيتها الثقافية، خصوصيتا الفكرية، خصوصياتها في الحياة التي تستند إلى عقائد معينة، إلى أعراف معينة، إلى عادات معينة، إذا فقدتها خلاص، تتفكك، تتبعثر، تسقط، تنمحي، تذوب، تتلاشى، تبتلعها الكيانات الأخرى، الدول الأخرى، وتسيطر عليها وتستحوذ عليها، فهي تجعل من تشبثها بهويتها المعتمدة على قسمٍ كبير من الخرافة، ولربما يعرفون، يعرف الكثير من مفكريهم، من كبارهم، من قادتهم، يعرفون أنه عبارة عن خرافات، ولكن يقدسون تلك الخرافات ويتشبثون بها، للحفاظ عليهم ككيان، كأمة، كبلد، كدولة، كشعب، حتى لا يتفكك، يتبعثر، يتلاشى، ويتمكن الآخرون من السيطرة عليه، يرون في التشبث بها حفاظاً على كيانه ككيان.
ما بالك حينما تكون هذه الهوية هوية عظيمة في أصلها، وإن شابها شيءٌ ما من الخلل والدخيل، ولكن في أصلها، في ما هي عليه، في ما فيها من عقائد، من أفكار، من ثقافات، من سلوكيات، من… الأصل هذا أصلٌ عظيم، والذي دخل يمكن أن ينقى؛ لأنه لم يصل بعد إلى القضاء على الأصالة هذه، الأصالة هذه ممتدة، حاضرة، موجودة، قائمة اليوم، والدخيل واضح، ولا يزال إلى حدٍّ ما يعاني من الضعف، يعاني من الهشاشة، يعاني من الغرابة، نشعر به كدخيل على هويتنا وعلى ثقافتنا، على حياتنا، على عاداتنا، على أعرافنا وسلوكياتنا التي توارثناها جيلاً بعد جيل، منذ صدر الإسلام الأول.
القوى التكفيرية ومسخ الهوية الإيمانية
طبعاً هناك مشكلة، وسنتحدث عنها، يعني هناك من لهم خصومة مع هذه الهوية، إما لأسباب فكرية وعقائدية، مثلما هو حال القوى التكفيرية، أو أسباب سياسية، البعض عنده عقدة سياسية من تاريخنا اليمني على مدى 1400 عام، يعتبر كل هذا الزمن، كل ما فيه غلط في غلط، وعلى غير الصواب، ويعتبر آباءنا اليمنيين، وأجيالنا العظماء على مر التاريخ، منذ صدر الإسلام الأول إلى اليوم على غلط، إلى مرحلة سياسية معينة، أو مرحلة ثقافية أو عقائدية معينة، وبعدها يعتبر المسألة لا بأس -بدأت تصلح- هذا هو التفكير لدى بعض التكفيريين، الذي يعتبر الإسلام في اليمن أتى ليس من يوم أسلمت أسرة آل ياسر ومن معها، وليس من يوم أسلم الأنصار، وليس من يوم أن أسلمت الوفود اليمنية تباعاً، وليس منذ أن قدم علي بن أبي طالب إلى اليمن، وليس منذ أن أتى معاذ بن جبل إلى اليمن. |لا|، |لا|، هذه كلها فترة عنده غلط، كل الماضي هذا غلط، كل هذا التاريخ غلط، معقد منه جدًّا، المسألة هي منذ أن أتى الفكر التكفيري إلى اليمن، بدأ وصول الإسلام من يوم جاء التكفيريون، ومطلوب من اليمنيين أن يعتبروا كل هذا التاريخ تاريخاً خاطئاً وظلامياً، وخلاص، وكل شيء غلط في الماضي! فقط ما قبل الإسلام، وإلا من يوم جاء التكفيريون صلحت الأمور، لا بأس يعني، أو مرحلة، أو حقبة سياسية معينة! |لا|. هؤلاء في أزمة، الناس الذين عندهم هذه النظرة، الذين لهم خصومة مع هوية شعبنا على مر تاريخه، منذ صدر الإسلام الأول وإلى اليوم، عندهم مشكلة وأزمة حقيقية بسبب عقدتهم؛ لأنهم يصطدمون بهذا التاريخ بكله، يصطدمون بهذا الإرث العظيم المشرف المجيد لشعبنا العزيز، ويصبحون في مشكلة، ولهذا يعيشون أزمة نفسية، عقدة نفسية، والكثير مناسب أن يتعالجوا حتى في مشافي للأمراض النفسية، مع معالجة ثقافية وفكرية تهوّن عليهم؛ لأنهم دائما معقدون على شعبنا اليمني، ومستاؤون منه، ومستاؤون من تاريخه، ومستاؤون من كل الأجيال الماضية، كلها معقدون منها عقد، ولكن لا يهمنا أمرهم، يهمنا هذا الشعب العظيم، هذا الشعب الذي يرى في هذه الأصالة وفي الامتداد على أساسها مجدًا وشرفًا وخيرًا، ولا يتحرج من هذا، وليس له مشكلة مع تاريخه، ولا مع هويته أبداً، ليس له مشكلة لا مع علي بن أبي طالب، ولا مع معاذ بن جبل، ولا مع المراحل التاريخية ودوره العظيم فيها عبر الأجيال.
(الإيمان يمان) ما ذا يعني؟
نحن اليوم نقول: هويتنا الإيمانية (الإيمان يمان)، والإيمان ما هو؟ هل هو عبارة عن منتج محلي نصدِّره في اليمن، ونصدّره إلى بقية العالم، مثلما يطلق على الحليب حليب يماني أو منتج آخر؟ |لا|. هل هو عبارة عن ما في بلدنا من أشكال مادية: جبال، أو أشجار، أو شيء متجسد بشكلٍ ماديّ؟ |لا|. الإيمان مبادئ، الإيمان قيم، الإيمان أخلاق، الإيمان مفاهيم تنزل إلى واقع الحياة، تبنى عليها الحياة، الإيمان مواقف، فالإيمان منظومة متكاملة من: المبادئ، والقيم، والأخلاق، والسلوكيات، والأعمال، والمواقف، ومسار حياة، ومشروع حياة، وبالتالي نحن معنيون إلى أن نرتبط دائما فيما نحن عليه من عقائد، من مواقف، من سلوكيات، من أعمال في نمط حياتنا، في شكل حياتنا، في واقع حياتنا، أن ننطلق بناءً على هذه الهوية، بناءً على هذا الانتماء، وأن نحسب حسابه في كل شيء، وأن ننطلق من خلاله في كل شيء، في سلوكياتنا في أعمالنا، في تصرفاتنا، في اتجاهاتنا، في مواقفنا، في أعمالنا، أن ننطلق منطلقاً إيمانياً، والقرآن الكريم قدم لنا عن هذا الإيمان كيف هو، مواصفات المؤمنين كيف هي، آيات كثيرة تتحدث عن المؤمنين، في روحيتهم، في مبادئهم، في أخلاقهم، في سلوكياتهم، في اهتماماتهم، في جوانب كثيرة، جوانب كثيرة تحدث عنها القرآن الكريم، ولأن الحديث عن هذا الجانب حديثٌ واسع، إن امتدت بنا الحياة وواتتنا الظروف نتحدث- إن شاء الله- في شهر رمضان عن شيءٍ من هذه المواضيع، ولكن يهمنا اليوم- لأن الوقت لا يتسع للحديث الكامل والحديث الشامل عن هذا الموضوع الواسع والكبير والمهم- نتحدث باختصار.
ننبه أن الهوية الإيمانية، والإيمان في مبادئه، في قيمه، في أخلاقه، هو يمثل أهم عامل وأقوى عامل في التماسك، في الثبات، في الصمود في مواجهة التحديات، يعني: لهذا الموضوع علاقة مهمة بما نعاني منه اليوم، في التصدي للعدوان، في مواجهة التحديات التي نعيشها في هذه المرحلة، بقدر ما تتعزز هذه الهوية، تترسخ هذه الهوية، وننطلق من خلالها، بقدر ما نكون أقوى في واقعنا المعنوي والعملي، وأعظم تماسكاً، وأشدّ ثباتًا في مواجهة كل هذه التحديات، وأقدر على صناعة الانتصار في هذا الصراع، في هذه المشاكل، في هذه التحديات.
المبدأ الإيماني.. ضمانة التحرر
الإيمان له مبادئ مهمة وعظيمة، كلها تمثل عاملاً مهماً في أن تكون قوياً في هذه الحياة، في أن تكون متماسكاً، كفرد وكشعب وكأمة، تعزز هذه الحالة من المنعة والقوة والصمود، وتساعد على الموقف المطلوب، الموقف الصحيح، الموقف الذي يبنى عليه النصر.
أول هذه المبادئ التي يقوم عليها الإيمان مبدأٌ عظيمٌ مهمٌ ومقدس، تحدثنا عنه كثيراً فيما مضى من الكلمات والمناسبات، ويهمنا أن نتحدث عنه باستمرار، لا غنى للحديث عنه في أي ظرف ولا في أي مناسبة، هذا المبدأ العظيم هو: مبدأ التحرر من العبودية للطاغوت، ومن العبودية لغير الله «سبحانه وتعالى»: وهذا مبدأ رئيسي جدًّا؛ لأن الذي يهدف إليه أعداؤنا، سواءً الأمريكيون، الإسرائيليون، عملاؤهم، هم يهدفون إلى السيطرة علينا على نحو الاستعباد، يسيطر عليك تماماً، لا يبقى لك لا قرار، لا رؤية، لا مبدأ، ولا… عليك أن تعمل في هذه الحياة الذي يريده، عليك أن تتحرك في هذه الحياة كما يريد لك، عليك أن تقف الموقف الذي يريده، عليك أن تتصرف التصرف الذي يريده، هكذا يجردك من كل حالة العبودية لله، لا يبقى توجهك في هذه الحياة انطلاقاً من إيمانك بالله «سبحانه وتعالى» الذي يجعلك تتحرك في هذه الحياة بناءً على أوامر الله، توجيهات الله، على القيّم الإلهية، على المبادئ الإلهية، على الالتزامات الإيمانية، |لا|. [اتركها اتركها]، فقط ما أراده منك هو، هذه حالة استعباد! ما أراده لو صادم مبادئك، لو خالف أخلاقك، لو تناقض مع قيمك الإيمانية طبعاً، الإيمانية طبعاً، لو عصيت فيه الله «سبحانه وتعالى»، لو خالفت كتابه، لو خالفت منهجه، لو خالفت فطرتك الإنسانية، قيمك وأخلاقك، بل مطلوب منك أن تفعل ذلك. أصلاً البرنامج الذي يتحرك عليه أعداء البشرية، أعداء الإنسانية من الأمريكيين والإسرائيليين وعملائهم؛ لأن موقف عملائهم ولو انتموا إلى الأمة الإسلامية ليس سوى مجرد حالة من التبعية التامة، فموقفهم هو تابع في الأساس للموقف الأمريكي والإسرائيلي، وللتوجه الأمريكي والإسرائيلي، وهذا هو التحرك الشيطاني بكل ما تعنيه الكلمة.
فهذه الحالة من السيطرة والاستعباد هي تتنافى مع الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- الإيمان بالله يعتمد على هذا المبدأ العظيم الذي يحررك من كل أشكال العبودية، والله -سبحانه وتعالى- كرّم هذا الإنسان لم يُردْ له أن يكون عبداً لأحد، لأي أحد إلا لله؛ لأن هذه هي الحقيقة الله هو الذي خلقك، هو الذي فطرك، هو الذي أوجدك، هو ولي نعمتك في كل ما أنعم به، هو المالك الحصري لك، لستَ مِلكاً لأي أحد في هذا الوجود إلا لله، المالك الحصري لك، فأنت لست ملكاً لأي أحد في هذا الكون، ولذلك الله -سبحانه وتعالى- كرّم هذا الإنسان ولم يجعله عبداً حتى للملائكة وحتى للأنبياء ولأي طرف في هذه الدنيا.
ونجد أن الله -سبحانه وتعالى- قال في كتابه الكريم: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: الآية80]، الملائكة، الكائنات المقدسة والعظيمة، تلك الملائكة في عظمتها وسموها وطبيعة دورها، الأنبياء كذلك، وهم صفوة البشر، وخيرة البشر، وأزكى البشر، وأعظم البشر، وأرقى البشر… ليس المطلوب أن نتخذهم أرباباً، ولا أن نكون عبيداً لهم، ولا أن يكونوا هم المعنيين بالتحكم فينا في هذه الحياة والسيطرة علينا في هذه الحياة وِفق ما يريدونه هم، من عندهم هم. |لا|، ولم يريدوا ذلك هم أساساً، ولا يبتغون ذلك، ولا يطلبون ذلك، ولا يسعون الأنبياء لذلك، ما بالك عندما يأتي شرّ البرية، الأطغى والأظلم والأشرّ والأسوأ من الناس فيريدون هم أن يكونوا هم الأرباب، أن يرسموا لنا مسار حياتنا، أن يتحكموا فينا في هذه الحياة، فلا يبقى لنا قرار ولا إرادة ولا أي شيء إلا كما يريدون، أن نخضع بالمطلق لإملاءاتهم علينا في كل شأن من شؤون حياتنا، هذه مصيبة، هذه كارثة، إذا كان الله شرّفنا وكرّمنا حتى من أن نكون عبيداً لملائكته المقدسين ولأنبيائه المكرّمين، فكيف نرضى لأنفسنا أن يستعبدنا من لا يمتلكون ذرةً من القداسة، من لا يمتلكون أقل نسبة من الخير والشرف، من لا ينظرون إلينا بمثقال ذرة من عين الرحمة والخير وإرادة الخير، من هم ينظرون إلينا بكل عِداء، بكل حقد.
لو نأتي مثلاً: كيف هي نظرة الأنبياء إلى الناس؟ هي النظرة التي علمهم الله، نظرة إلى هذا الإنسان بتكريم، نظرة إلى هذا الإنسان برحمة، بخير (بإرادة الخير)، حرص على سمو هذا الإنسان، على كرامة هذا الإنسان، يحملون إرادة الخير لهذا الإنسان.
أما أولئك السيئون الأعداء الذين يسعون اليوم ليستعبدونا ويسلبوا منا كل شيء: الحرية، والكرامة، والإرادة، ويتحكموا بنا في مسار حياتنا ويسعون أن يفرضوا علينا إملاءاتهم في كل شؤون حياتنا، في الوقت الذي هم يحقدون علينا، يحتقروننا، لا يرون لنا كرامة ولا اعتباراً، ولا يريدون لنا خيراً، وكل همهم وكل إرادتهم فيما يفرضونه علينا في إملاءاتهم، في مطالبهم، في قراراتهم… حسابات كلها خاضعة لمصالحهم فقط، لمصالحهم هم، ومصالح عمياء، مصالح ليست مصالح مشروعة، ليست بالقدر المشروع، ليست بالحد المشروع، لو كانت بالقدر المشروع والحد المشروع من الطبيعي، هناك مصالح ومنافع مشتركة فيما بين البشر، نظمها الله فيما بينهم، وأراد لبعضهم البعض أن يكونوا في خدمة بعضهم البعض ونفع بعضهم البعض ومصلحة بعضهم البعض، أن يتعاونوا، أن يعملوا جميعاً لخير بعضهم البعض، لكن المسألة ليست من هذا القبيل بتاتاً.
المسألة هي أطماع هائلة جدًّا، أطماع استعمارية، أطماع المستكبرين، أطماع الطغاة والمتسلطين، من يريدون الاستحواذ على كل شيء، السيطرة على كل شيء، من يريدون أن يسحقوك، أن يسحقوا إنسانيتك، أن يسحقوا كرامتك، أن يستأثروا بكل شيءٍ عليك، إذا أعطوك قليلاً من فتات الفتات فقط وفقط بالقدر الذي تؤدي فيه دورك الذي هو دور الضعيف المستعبد الخادم الذي يفعل كل شيءٍ لمصلحتهم، هو هكذا بالقدر الذي يبقي لك وجودك كخادم، وجودك كعبد لهم، حتى تشتغل لهم يعني، تواصل دورك كعبد لهم.
ولذلك نجد أن هذا المبدأ العظيم، مبدأ التحرر من العبودية للطاغوت، من العبودية لغير الله «سبحانه وتعالى» مبدأٌ يضمن لنا من خلال تمسكنا به، إيماننا به، قناعتنا به، ترسّخه في أنفسنا ووجداننا ومشاعرنا وواقع حياتنا، يمثّل مَنَعة وحصانة وقوة في التصدي لكل مساعي أولئك في الاستعباد لنا، والسيطرة التامة علينا في أنفسنا، في حياتنا، في قراراتنا، في مواقفنا، في سلوكنا في هذه الحياة، وفي مسارات حياتنا هذه.
وفعلاً يمثل هذا المبدأ مبدأً ضامناً للتحرر، مبدأ عز، مبدأ كرامة، هذا مبدأ يقوم عليه الإيمان بكله، علاقتنا- حتى في دين الله- علاقتنا مثلاً بالأنبياء، علاقتنا بهم ليس كأرباب. بل كهداة، كقدوة، كقادة، وهم عبيد علاقتنا بهم علاقة العبيد بالعبيد، هم أسمى في عبوديتهم منا، أكثر عبوديةً لله منا من خلال تحررهم التام والكامل من كل أشكال العبودية الأخرى، ومن خلال إذعانهم المطلق لله -سبحانه وتعالى- أكثر عبوديةً منا، علاقة العبيد بالعبيد، وليس علاقة العبيد بالأرباب المتكبرين المتغطرسين المتسلطين الطغاة، كما هو شأن الآخرين (قوى الطاغوت).
المبدأ الإيماني.. القيمة الإنسانية
مبدأٌ آخر من المبادئ الرئيسية الإيمانية، مبدأ عظيم ومبدأ مهم، هو: القيمة الإنسانية والقيمة الأخلاقية: من أهم ما في الإيمان أنك إنسان لا تعيش حالة الاستهتار بهذه الحياة، بكل ما فيها، بنفسك أنت، بالإنسان كإنسان وبوجوده، فلا تمتلك تفسيراً لهذا الوجود إلا تفسيراً مادياً، وترى هذا الإنسان ووجود هذا الإنسان وحياة هذا الإنسان كما هو حال أي حيوان آخر، هذا التفسير موجود عند الكثير من الأطراف، من الدول، من الشعوب، من الثقافات، أنها لا تمتلك إلا التفسير المادي للوجود البشري، فلا يختلف وجود هذا الإنسان عن وجود جمل- مثلاً– أو ثور، أو عنز، أو قرد، أو أي حيوان آخر… كائن موجود، الغاية من موجوده، الهدف من وجوده أن يأكل ليعيش ويعيش ليأكل، يأكل، يشرب، يتزاوج، يعيش في ظل هذا الجو، يعني: كل الاهتمامات تتفرع عن هذا، ما به شيء آخر أبداً، وليس له أي قيمة، ولا لوجوده أي قيمة، ولا أي هدف سامٍ، ولا كرامة. |لا|، في الإيمان، في المبادئ الإيمانية الحقة، التي هي حق، صدق، وحقيقية، وعظيمة، ومقدسة، تفسر الوجود الإنساني هذا بوجودٍ مسؤول أتى ليتحمل مسؤولية في هذه الحياة وله كرامة وله قيمة، الله «سبحانه وتعالى» هو القائل في كتابه الكريم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: من الآية70]، القيمة الإنسانية قيمة عظيمة في الإسلام، في الهوية الإيمانية، هذا الإنسان هو كائن عظيم عليه أن يحترم هو وإلا هان، إذا لم يكن هو مستعداً أن يحترم دوره، مسؤوليته، أن يتفاعل إيجابياً مع تكريم الله له؛ يهون هو، يهين نفسه، يسقط نفسه، يدنس نفسه، يسقط اعتباره، لكن إذا هو تفاعل مع إنسانيته بكل ما تعنيه هذه الإنسانية، بكل خصائصها وفطرتها ودورها ووجودها العظيم والمقدس والمسؤول والمهم وفق التعليمات الإلهية؛ سما بأعظم وبأشرف وبأعلى من المستوى الاعتيادي يعني الإنسان كرامته كإنسان لو بقي بالحد الأدنى من فطرته، فما بالك إذا تكامل، إذا سما، إذا ارتقى في مدارج الكمال فهو يسمو أعظم وأعظم وأعظم، حتى يصبح له شأن عظيم حتى عند الله -سبحانه وتعالى-.
أهمية الوعي بهذا المبدأ
الإنسان مطلوبٌ منه في هذه الحياة أن يعي هذا المبدأ (كرامته الإنسانية)؛ لأن هناك أشياء كثيرة تمس بهذه الكرامة، في واقعه إذا انحط عن إنسانيته، عن فطرته، عن الأخلاق والقيم التي من المفترض أن يتحلى بها بطبيعة ما مكنه الله وأكرمه الله وهيأه الله له، وبطبيعة ما أناط الله به من مسئوليات وواجبات والتزامات في هذه الحياة، إذا انحط عنها مس هو بكرامته الإنسانية، لا ينبغي أن يعيش كالحيوانات الأخرى. |لا|، عليه التزامات أخلاقية، مثلاً: ليس له أن يكون إباحياً في هذه الحياة كسائر الحيوانات الإباحية؛ لأن وضعه يختلف، الله كرمه في تكوينه، وفي إمكانياته، وفي دوره، وفي مسيرة حياته في أشياء كثيرة جدًّا، فيتعامل كحيوان من الحيوانات الأخرى هو يمس هو بكرامته الإنسانية، وهو يتحمل مسئولية هذا التصرف الخاطئ، وهو يتحمل مسئولية هذا الانحطاط الذي أسقطه عن اعتباره الإنساني وعن كرامته الإنسانية.
القيمة هذه واحدٌ مما يتعلق بها أن ليس له أن يعبّد نفسه لغير الله، إذا هو عبّد نفسه لغير الله أهان تلقائياً، بشكل طبيعي يصبح إنساناً هيناً في هذه الحياة، وهو المتحمل المسئولية عن هذا الهوان، عن هذه الإهانة، عن هذا الانحطاط. إذا هو خرج عن فطرته التي فطره الله عليها، بما فيها من قيم عظيمة، مثلاً: باع نفسه، باع مواقفه في هذه الحياة هو يتحمل المسئولية في أنه انحط بنفسه، أسقط نفسه عن اعتباره الإنساني، إذا هو مس بالأخلاق والقيم والالتزامات التي فرضها الله عليه سمواً به، تكريماً له لصلتها بمسئولياته في هذه الحياة؛ لأن الإنسان عليه مسئوليات كبيرة في هذه الحياة تحتاج إلى زكاء نفس، تحتاج إلى طهارة، تحتاج إلى صلاح، تحتاج إلى قيم عظيمة، إلى أخلاق كريمة، وتسمى بمكارم الأخلاق، إذا لم يلتزم بمكارم الأخلاق؛ انحط هو.
فالهوية الإيمانية ننطلق فيها ونحن نحس بقيمة أنفسنا، فلا نمس بهذه الكرامة لا أخلاقيا، ولا بتعبيد أنفسنا لغير الله -سبحانه وتعالى- ولا بكل الانحرافات المسيئة إلى إنسانية هذا الإنسان وكرامة هذا الإنسان: الانحرافات الأخلاقية، الانحرافات في الواقع العملي… كل ما يمس بشرف وكرامة هذا الإنسان.
حالة الاستهتار، والانفلات، والفوضى في الحياة، والدناءة، والخسة، والانحطاط، والسقوط في الرذائل، وعدم المبالاة، والخروج عن حالة تقديس القيم العظيمة والأخلاق الكريمة، هذه حالة انسلاخ من الإيمان وشذوذ عن الإيمان وخروج عن الإيمان إلى حالة الفسق والاستهتار والفجور، حالة تمس بكرامة هذا الإنسان، وتستغل لاستعباد هذا الإنسان بكل سهولة، الإنسان إذا أصبح في واقع حياته على هذا النحو: منفلتاً، عابثاً، مستهتراً، لا يبقى لمكارم الأخلاق قيمة لديه، ولا يبقى للكرامة الإنسانية اعتبار عنده، يصبح إنساناً تائهاً تافهاً؛ وبالتالي يسهل ظلمه، استعباده، قهره، استغلاله، التحكم به، اللعب به، يصبح ألعوبة في هذه الحياة، ويعرف الآخرون كيف يشتغلون ليجعلوا منه مجرد ألعوبة في هذه الحياة.
ولذلك تشتغل قوى الطاغوت الشيطانية، ضمن برنامجها الشيطاني للاستهداف للناس في هذا الجانب: ضرب القيمة الإنسانية، ما يصبح عندك لنفسك أي قيمة، ترى نفسك مجرد حيوان عادي من يشتي يشتريك اشتراك، إما يدفع فيك قليلا من الفلوس، أو يعطيك بعض إغراءات، أو يستميلك من هنا إلى هنا؛ فيأخذ بك، ويسيطر عليك، ويستحوذ عليك، ويتحكم بك: إما بترغيب، وإما بترهيب يطوعك بأبسط الأشياء، خلاص تنسى انتماءك، هويتك، ارتباطك بالله، كرامتك الإنسانية تنساها، ويلعب بك كيفما يشاء ويريد، ويدفع بك أينما يشاء ويريد.
اليوم أليس البعض من الناس يعانون من هذه المشكلة، يعني: ما عنده هو لنفسه كرامة ولا قيمة، عرّض نفسه للبيع من يشتريه، من يشتري حياته، موقفه، تحركه في هذه الحياة، نحن عانينا في هذا العدوان من بعض المرتزقة أنهم أصبحوا على هذا النحو اشتراهم السعودي والا الإماراتي بقليل من الفلوس وأصبحوا عبيداً لا أمر لهم ولا خيار لهم ولا قرار لهم، وإنما ما أرادوه منه [تريد كذا، افعل كذا، اعمل كذا، اذهب هنا…]، واتخذ نفس الموقف، خلاص اشتراه، لم يعد معه في نفسه قرار ولا إرادة أبداً، عبد بكل ما تعنيه الكلمة.
البعض- أيضاً- يضيعون ويتيهون في هذه الحياة، وينسلخون عن هويتهم الإيمانية، حينما لا يعود لكل مكارم الأخلاق أي قيمة عندهم، الانحطاط، السقوط في الرذائل، السقوط- والعياذ بالله- في الفواحش، السقوط الأخلاقي يعتبر عادي عندهم، خلاص تافه، مائع، ضائع، ما عاد عنده أي شيء مهم في هذه الحياة، ولا قداسة لشيء، ولا أهمية لشيء، ولا كرامة لشيء، ولا أي اعتبار لأي شيء.
المبدأ الإيماني.. الوعي والبصيرة
واحدٌ من المبادئ المهمة والأسس والركائز المتينة في الهوية الإيمانية والانتماء الإيماني: الوعي والبصيرة، وأن يكون الإنسان مستنيراً بنور الله: إنساناً ذكياً، إنساناً واعياً، إنساناً لا يعيش حالة السذاجة في هذه الحياة، فيخدع بكل بساطة من قوى الطاغوت التي تعتمد على الخداع والتضليل كأسلوب رئيسي في السيطرة على أفكار الناس ومفاهيمهم، اليوم هناك ما يعرف بصناعة الرأي العام، هناك اليوم سعي للاستحواذ على المفاهيم، للسيطرة على الأفكار، بل على عملية التفكير نفسها وتوجيهها والتحكم بها وفق مسارات ترسم.
اليوم هذه حالة خطيرة جدًّا، الحالة الإيمانية تمثل منعة وحصانة وتغلق عند الإنسان هذه الثغرة، لا يبقى إنساناً ساذجاً، غبياً، مستحمراً، متقبلاً لكل شيء، منخدعاً لقوى الطاغوت. |لا|، عندهُ حالة من الوعي، من التصنيف، من التقييم، من التقييم حتى للواقع البشري ليس مجرد إنسان ساذج وأحمق وغبي يسمع من كل البشر، من جاء كلمه وضحك عليه ضحك عليه، ويتقبل من أي طرف. |لا|، أنت تعرف هويتك: من أنت؟ وما هي ارتباطاتك حتى في ثقافتك، في تفكيرك، في نظرتك، في مفاهيمك، لديك قنوات مأمونة وسليمة تتزود منها بقناعاتك، بعقائدك، بأفكارك، بثقافتك، بتقييمك، ولديك وعي تجاه الآخر من هو هذا الآخر؟ تعرف من هي قوى الطاغوت؟ ماهي أهدافها؟ ماهي مشاريعها؟ ما الذي تسعى له؟ ما الذي تريده منك؟
يعني لاحظوا، البعض اليوم مثلاً حين ينظر إلى أمريكا بكل سذاجة أن أمريكا تعني الحرية، تعني حقوق الإنسان، تعني الرقي والحضارة، تعني الديمقراطية، وآتية إلينا بكل هذا، نظرة سذاجة ونظرة استحمار بكل ما تعنيه الكلمة، الذي يحمل هذا التفكير هو حمار في تفكيره، ولكنه ليس له أذان كأذان الحمار يحركها وذنب كذنب الحمار يحركه، ولكنه حمار بكل ما تعنيه الكلمة في نظرته وتفكيره، غبي بشكل رهيب جدًّا، والأمريكي يسخر منه ويهزئ به؛ لأن الأمريكي قادم إلى بقية العالم لا بحرية، ولا بديمقراطية، ولا بفعل خير، ولا بإحسان، ولا بحقوق إنسان، ولا ولا… قادم ليستعمر بقية العالم، ليستعمر ويستحمر ويستغل ويستحوذ وينهب ويسيطر ويدوس الكرامة الإنسانية، ويسيطر سيطرة مطلقة، منطلق من هذه الرؤية، الذي مثلاً يمكن أن ينظر إلى إسرائيل كصديق حميم وودي ووو… هذه النظرة الساذجة الغبية.
من أهم ما في الإيمان، الإيمان الواعي، الإيمان الصحيح، وليس الإيمان الذي صنعه آخرون ليكون وسيلةً من وسائل التطويع والاستحمار. |لا|، ذاك إيمان مزيف، الإيمان على الشكل التكفيري، على الطريقة التكفيرية هو مزيف، هو وسيلة للتطويع والاستغلال ليس أكثر، هُندِس خصيصاً ليكون وسيلة معينة من وسائل التطويع ومآرب أخرى، منها عملية التشويه للإسلام في شكله الحقيقي والحضاري والراقي والعظيم والتحرري.
على كلٍ.. من أهم ما في الإسلام أنه دين النور، الله هو القائل في كتابه الكريم: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الحديد: من الآية9]، إن الله يريد لك كمؤمن أن تكون مستنيراً في هذه الحياة، واعياً، مستبصراً، لا تكون ساذجاً، أحمق، غبياً، لا تكون كالصحن اللاقط، يستقبل كل أشكال البث ويتقبلها، تدخل إليه وتصل إلى الشاشة. |لا|، تعرف من أنت وتعرف من هم أعداؤك؟، تعرف هويتك وتعرف هوية الآخرين، يصنع عندك وعياً عالياً وبصيرهً كبيرة، ومساحة واسعة في الإسلام، في القرآن مساحة واسعة هي مفاهيم، هي أفكار، هي عقائد، هي حالة من التقييم، هي تصنيفات، هي تقييم، هي توضيح، هي هدى، بصائر، نور، يعطيك فهماً صحيحاً، حتى عن مسئوليتك في الحياة، عن واقع الحياة، عن الناس، عن الصراعات، عن الأحداث… أشياء كثيرة جدًّا هي تأخذ هذا الجانب، تغطي هذا المساحة.
المبدأ الإيماني.. الإحساس بالمسؤولية
من الجوانب المهمة جدًّا في الإيمان: الإحساس بالمسئولية تجاه الآخرين وتجاه الواقع:- أنت لا تعيش كمؤمن في هذه الحياة حالة من عدم الإحساس بالمسؤولية، يعني ترى أنك غير معني بشيء، مالك دخل من شيء، مالك هم بشيء، يحصل ما يحصل في الواقع من حولك ظلم، إجرام، طغيان، مشاكل، حتى استهداف يطالك أنت، ما تشعر بمسؤولية تجاه ذلك. |لا|، الحالة الإيمانية هي: حالة يترسخ فيها بعمق الشعور بالمسؤولية تجاه نفسك وتجاه الواقع من حولك وتجاه الأمة، بل وتجاه البشرية والإنسانية، وهذه مسألة مهمة جدًّا؛ لأن البعض يعيش حالة الاستهتار وعدم الإحساس بالمسؤولية ولا يبالي بشيء، والبعض يعتبر نفسه مسلماً عظيماً، الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- يقول في نصٍ مشهور بين الأمة ومعروف بين الأمة: ((مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ سَمِعَ مُسْلِماً يُنَادِي: يَا لَلْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، الانتماء هذا يجعلك تعيش الإحساس؛ لأنه يربطك بهذه الأمة كل شيء: مصيرك، حياتك، الخير والشر، البؤس والنعيم، الضر والنفع، مصيرك مرتبط بهذه الأمة وبهذا الواقع، إذا تنكرت، إذا كنت تتهرب من هذه المسؤولية، لن يعفيك ذلك عما سيطالك نتيجة هذا التنصل عن المسؤولية؛ ستسحقك الأحداث، وستطالك الأحداث إما بشرها أو بأخطارها، ولن يعفيك التنصل عن المسؤولية ولن ينفعك، لن يجديك شيئاً ولن ينفعك بشيء، أنت واحد من هذه الأمة، إذا كلٌ منا في هذه الأمة تنصل عن مسؤوليته وتفرج على الآخرين، إنما هو يهيئ الظروف لأن يأتي عليه الدور وهو في حالةٍ من الانفراد والعجز والضعف ليسحق بكل بساطة وبكل سهولة، إذا كلٌ منا أحس بالمسؤولية تجاه الآخر، فتعاونا، وتكاتفنا، وتظافرت جهودنا؛ كنا في منعة، كنا أقوياء، كان موقفنا قوياً ومجدياً وفعالاً ووصلنا إلى نتيجة عظيمة، لكن إذا كلٌ منا تنصل عن المسؤولية هيأنا الظروف لأن نسحق- في النهاية- بكل بساطة.
اليوم لاحظوا، أليس المسلمون في العالم بأكثر من مليار مسلم، يعني: أمة كبيرة جدًّا من حيث العدد، من حيث الجغرافيا، من حيث الإمكانات والقدرات المادية، من حيث الوفرة البشرية، لكنها ضعيفة، أمة ضعيفة، لا تعيش في واقعها اليوم في الساحة العالمية ولا تحضر في الساحة العالمية بثقل، مشتتة، شيءٌ منها مرتبطٌ في تبعيةٍ عمياء بالأعداء هناك، وشيءٌ منها بالأعداء هناك، وشيءٌ منها بآخرين هناك ممن ليس لهم اهتمام بأمر هذه الأمة ولا يفكرون فيها، وقسم كبير باقون هكذا في حالة من الفراغ، في حالة من الشتات، في حالة من الاستسلام، في حالة من الانتظار السلبي لما آلات الأمور أين تتجه، وأين ستصل بهذه الأمة.
هناك دول وهناك كيانات في الأرض لا تمتلك ما تمتلكه أمتنا الإسلامية، لا من حيث المنهج العظيم الذي فيما لو تمسكت به الأمة ارتقى بها، واعتزت به، وعظمت به، واستقوت به، ولا من حيث هذه القيم والأخلاق والمبادئ العظيمة التي ابتعدت عنها الأمة فضعفت بابتعادها عنها، ولا من حيث- أيضاً– الجغرافيا المهمة في موقعها في هذه الأرض، ولا من حيث القدرات المالية والإمكانات، بكل الاعتبارات والمقاييس، بقية الكيانات والدول لا تمتلك ما تمتلكه الدول الإسلامية، وتلك الدول اليوم أقوى حضوراً، أكبر تأثيراً، بل أمتنا اليوم ليست فقط غائبة عن المشهد العالمي في أن تكون قوةً فاعلة، مؤثرة من موقعها ومن حالة استقلالٍ هي عليه. |لا|، هي غائبة عن هذا، إلى متأثرة لا مؤثرة، وإلى مستَهدَفة لا مُستهدِفة، وإلى مسحوقة وليست في الموقع المتقدم الذي تتجه فيه إلى بقية العالم بحضورٍ فاعلٍ ومؤثرٍ لمصلحتها ولمصلحة البشرية من حولها، ثم تعيش حالةً صعبة، هذه الحالة من الضعف، من الاستهداف لها، من الاختراق لها، من التأثير فيها، من اقتطاعها بكل أشكال الاستقطاع: الاقتطاع الجغرافي، مساحات كبيرة أخذت عليها وتؤخذ، الاقتطاع البشري استحواذ على كيانات، على جماعات، على دول، على أنظمة… وسيطرة تامة عليها وتحريك لها كأدوات لا تبقى انطلاقتها مستقلة ونابعة من هوية هذه الأمة، وإنما من خلال ما يعبّر عن مصالح الآخرين وعلى أساسٍ من هذه القاعدة: انطلاقة تضمن تحقيق مصالح الآخرين الضارة بالأمة، المصالح العمياء والاستكبارية، هكذا هو الواقع.
الإسلام والإيمان والهوية الإيمانية ننطلق فيها نحس بالمسئولية تجاه الآخرين، بل نحمل إرادة الخير تجاه الآخرين، الإحساس الإنساني تجاه الآخرين، سيما من تجمعنا بهم هذه الهوية، الإحساس بالأخوة الإيمانية {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: من الآية10]، تصل حالة الإحساس بالآخر من حولك الذي تجمعك به هذه الهوية إلى هذه الدرجة من الإحساس (الإخوة بكل ما تعنيه الأخوة)، الإحساس بالمسئولية تجاه الآخرين والواقع، تحس بدورك في هذه الحياة، عليك مسئولية في إقامة الحق والعدل، في مواجهة الظلم والطغيان، في الرحمة، والخير…الخ.
المبدأ الإيماني.. الوعي بطبيعة الوجود البشري
كذلك من الركائز المهمة: الوعي بطبيعة الوجود البشري، وأننا نعيش في هذه الحياة في ميدان مسئوليةٍ واختبار، في مقام الاختبار الإلهي:- الله يختبرنا، ما نواجه من تحديات هي اختبار، ما نواجه- أيضاً– في هذه الحياة، ما يعطينا الله ويمكننا فيه نعيش حالة المسئولية والاختبار كيف سنعمل، كيف سنفعل؟ هل سنطيع الله -سبحانه وتعالى- هل سنتعامل بمسئولية، هل سنلتزم بأخلاقنا وقيمنا تلك التي ننتمي إليها؟ هذه المجموعة من المبادئ، وهناك الكثير من المبادئ الأخرى لا يتسع الوقت للحديث عنها، من القيّم، حتى القيّم العملية، مثلاً: قيمة الصبر، من أعظم القيم الصبر العملي، الصبر في مقام العمل، في مقام التضحية، في مقام العطاء، في مقام التحمل للمسئولية، في إطار النهوض بالمسئولية، من أعظم القيم العملية، وكم هناك من قيّم ومبادئ إيمانية ليس المقام يتسع للاستيعاب لها والحديث عنها بكلها.
كلٌ منا عندما يعود إلى القرآن الكريم، عندما يتذكر، عندما يعود إلى قيمنا الدينية، إلى تعاليمنا الإسلامية التي علمنا الله بها كأمة يعرفها، كلها قيم عظيمة، تضمن لنا النجاح والفلاح والقوة والعزة والمنعة والترابط والتكاتف، وتجعل منا أمة قوية، منتجة، حاضرة بفاعلية كبيرة في الساحة العالمية، كلها تشكل منظومة تصنع تماسكاً، قوةً، صموداً، حضوراً فاعلاً في هذه الحياة، حضوراً ناجحاً في هذه الحياة، صلاحاً وإصلاحاً في واقع هذه الحياة، خيراً في هذه الحياة.
ولكن كلما فرطنا بها، أو ابتعدنا عنها، أو بحثنا عن البديل الذي يقدمه الآخرون لنا وهو بديل لا ينسجم بأي حالٍ من الأحوال مع هذه القيّم والمبادئ والأخلاق، كلما خسرنا، كلما ضعفنا، كلما تلاشى كياننا كأمة، كلما تمكن الآخرون من السيطرة التامة علينا والاستعباد لنا والاستغلال لنا.
الحرب الناعمة وأهدافها الشيطانية
هناك حرب تتجه لاستهدافنا في هذه الهوية، فيما بقي منها، وإلا قد دخل ما يؤثر عليها، لكن يمكن أن نعالج كل هذا، هذه الحرب تسمى بالحرب الناعمة، تهدف إلى الاستحواذ علينا في الفكر، في التوجه، في المفاهيم، في السلوكيات، والتحكم بشكلٍ تام بنا، يصبح الإنسان- كما قلنا- كالإنسان الآلي يحركه الآخرون كما يشاءون ويريدون، الحرب الناعمة هي الحرب الشيطانية التي يشتغل عليها شياطين الأنس وشياطين الجن مع بعض، كما قال الله في القرآن الكريم: {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام: من الآية112].
الحرب هذه الشيطانية خطيرة جدًّا ويجب أن يكتسب مجتمعنا اليمني ومجتمعنا الإسلامي بشكلٍ عام المنعة؛ حتى يتحصن منها، وحتى ينتبه منها، تستهدف الإنسان استهدافاً بكل أشكال الاستهداف داخله، وتحدث الأعداء عنها، مثلاً: هناك اليوم منهم منظرون لهذا النوع من الحروب، هناك في أمريكا كتابات، هناك مدارس، هناك أبحاث، هناك دراسات، هناك مشاريع عمل كبرى لهذا النوع من الحرب، هناك لدى الإسرائيلي كذلك، في الغرب كذلك، يعني: هذا أمر حقيقي، نحن لا ندّعي، وهذا مصطلح هم استخدموه هم، وإلا فهي الحرب الشيطانية بكل ما تعنيه الكلمة.
مصطلح الحرب الناعمة هو مصطلح أمريكي، مصطلح غربي، مصطلح اعتمدوه هم، ويرتبط به مشاريع عمل واسعة، نتحدث عن هذه الحرب باختصار أيضاً، ويهمنا أن تصبح هذه المسألة محط اهتمام لدى العلماء والمُثقفين والأكاديميين ولدى كل المتنورين والواعين، ليركزوا على هذا الموضوع، سيما ونحن في هذا الشهر ممكن أن نستفيد من هذا العنوان الرئيسي الذي هو: الحفاظ على الهوية، وتأصيل وترسيخ هذه الهوية لدى الأجيال لنكون أوفياء كما كان آباؤنا وأجدادنا، لا ننفصل ولا ننفصم عن هذا الماضي العظيم؛ لأنه من لا ماضي له لا مستقبل له، الحرب الناعمة تستهدف الناس في المبادئ والمفاهيم، في مبادئك، ولاحظوا مثلاً: عندنا اليوم في اليمن، هناك شغل كبير ومتنوع وواسع، ومن جهات كثيرة؛ لأن القطاعات الشيطانية متنوعة وواسعة، والشيطان أقسم أن يأتي للإنسان عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ومن أمامه، من كل الجهات، تحت كل العناوين تشتغل، ولهذا عناوين منها تأتي كعناوين دينية، بالعنوان الديني، يأتي يشتغل لك بالعنوان الديني.
البهائية والأحمدية.. الأهداف الكفرية
هناك اليوم عندنا في اليمن أشكال كثيرة من الحرب التي تستهدفنا في المبادئ والمفاهيم، حتى في المبادئ الرئيسية، حتى في الانتماء الكلي للإسلام، اليوم استجد في ساحتنا اليمنية نشاط جديد يأتي ضمن هذه الحرب هو نشاط البهائية، تحرك البهائية المستجد اليوم في ساحتنا اليمنية، هذا القادم وهذا الوافد الشيطاني إلى بلدنا يطعن في الإسلام بكل صراحة ووضوح، يشن حرباً فكرية تضليلية ضد الإسلام كدين، ويسعى إلى الإقناع للبعض للخروج عن الإسلام والارتداد عن الإسلام والكفر بهذا الإسلام، ويلقى هذا النشاط اهتماماً ورعاية ودعماً ومساندة من الغرب، ما إن- مثلاً- تقوم الدولة ضمن صلاحياتها القانونية والدستورية بأي إجراء، إلا وبدأ البريطاني يصيح، والأمريكي يصيح، والفرنسي يصيح، والأوروبي يصيح، كُلٌ يصيح من هناك.
أين منشأ هذا النشاط؟ منشأ هذا النشاط وانطلاقته ومنبعه يتجه من مدينة عكّا في فلسطين المحتلة. إسرائيل تحتضن هذا التحرك، ترعى هذا التحرك، تؤمّن لهذا التحرك الحرية الكاملة لينطلق من هناك، من داخل هذه الرعاية الإسرائيلية إلى بقية العالم، ويتحرك كل تركيزه في الطعن على الإسلام، في التشويه للإسلام، في السعي إلى دفع المنتمين للإسلام للخروج عن هذا الإسلام والكفر بهذا الإسلام، هذا ضمن الحرب الناعمة، هذا استهداف عدواني يشتغل ضد الإسلام لإخراج الأمة من الإسلام والكفر به.
شكل آخر: الأحمدية:- كذلك تشبه البهائية في الطعن في الإسلام، في إخراج الناس عن الإسلام، في الكفر بالإسلام، في الكفر بخاتم النبوة والأنبياء برسول الله محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- الإلحاد كذلك، نشاط، هناك من ينشط ويتحرك في هذا الاتجاه. التبشير بالنصرانية لإخراج أبناء شعبنا وأمتنا عن الإسلام، وكذلك على نفس النمط أشكال كثيرة جدًّا، لكن إلى هذه الدرجة إلى هذا المستوى، هذه الحرب شرسة وخطيرة لهذه الدرجة، ثم تحت العنوان الإسلامي كم تأتي من اتجاهات لتستهدفنا، كما هو الحال بالنسبة للتكفيريين تحت العنوان الإسلامي، فيشتغلون لمسخ الهوية الإيمانية والاتجاه بالإنسان اتجاهاً آخر، يصبح فيه مطوعاً ضمن تلك الجماعات التكفيرية، مرتبطاً في نهاية أمره بالنظام السعودي والنظام الإماراتي امتداداً للسيطرة الأمريكية المباشرة. فهم أصابع في الذراع السعودي في الجسد الأمريكي والصهيوني.
المسألة لها نشاط أيضاً واسع، أوسع من هكذا، في مواقع التواصل الاجتماعي يأتي- مثلاً- البث بكثير من الأفكار، بكثير من المفاهيم، إما تشكيكاً في مفاهيم، وإما زرعاً لمفاهيم أخرى باطلة، متناقضة مع قيمنا، مع أخلاقنا…
نشاط واسع، والمسؤولية اليوم كبيرة، أولاً على المجتمع الإسلامي أن يكون مدركاً لطبيعة هذه الحرب؛ لأن هذا الإدراك سيجعل الإنسان متنبهًا حذرًا مستيقظًا، حتى لا يعيش حالة السذاجة، كما قلنا- كالصحن- يعيش كالصحن اللاقط ما وصل إليه تقبله وما سمعه تأثر به، بل يعيش حالة التثبت، التبين، الانتباه، الوعي، اليقظة، يتحصن بالمفاهيم الصحيحة، بالمبادئ الصحيحة، وتترسخ لديه حتى يحتمي بها من هذا الاختراق.
هنا مسؤولية كبيرة على الجانب الرسمي والجانب الشعبي والجانب العلمائي والنخب والمتنورين والواعين والمثقفين أن يتحركوا ضد هذه الحرب وفي هذا المسار بالتحديد على نحوٍ نشط وبشكلٍ كبير وفي كل حقول المعرفة.
الحرب الناعمة ونشر المفاسد الأخلاقية
هناك أيضاً شكل من أشكال الحرب الناعمة يستهدفنا في الأخلاق والقيم، يسعى إلى تدنيس النفوس، من أعظم ما في الإيمان وما في الإسلام هو: التزكية للنفس البشرية، والتطهير للنفس البشرية، والسمو بالنفس البشرية عن الرذائل، عن الفواحش، عن الخسائس التي تدمر المجتمع، مثلاً المفاسد الأخلاقية (الفواحش) تدمر النسيج الاجتماعي، تفكك الأسرة، إذا تفككت الأسرة تفكك المجتمع، إذا لم يعد أمر المجتمع قائماً على النظام الأسري المترابط، وإذا دمرت هذه اللبنات الاجتماعية دمر المجتمع بكله. كيف تصبح العلاقات والروابط إذا لم تبقَ محفوظةً بسياجها الشرعي والأخلاقي، فيعيش الرجل في غريزته الجنسية مع زوجته فحسب، على شرع الله، على دين الله طاهراً سليماً، وتعيش هي كذلك طاهرة سليمة، ويبنيان أسرةً من واقع هذه العفة وهذا الطهر وهذا الشرف، إذا تفككت هذه الروابط، ودخلت العلاقات غير الشرعية، وأصبح الرجل على علاقات غير شرعية هنا وهناك، بامرأة هنا وامرأة هناك، وخارج هذا الإطار الشرعي والأخلاقي، وأصبحت المرأة كذلك؛ انتهى المجتمع. آفات ومصائب، لا أسر محصنة ومترابطة ستبقى، لا شرف، ولا كرامة، ولا سمو في النفوس، النفوس تدنس، تنحط، يصبح الإنسان تافهاً، خسيساً، نذلاً، سيئاً، لا قداسة عنده لشيء ولا احترام لشيء ولا كرامة لشيء، ساقطاً يمكن أن يستعبده الآخرون بكل بساطة، حتى نظرته إلى الحياة تتغير، واقعه العملي والحياتي يتغير. هذه حالة من التدمير للمجتمع: الاستهداف للأسرة وللنظام الأسري في الإسلام، الذي يبني أسرة موحدة عفيفة صالحة متماسكة: (أب وأم، زوجة وزوج، أخوة وأبناء) بينهم كل الروابط الأسرية العظيمة، تفكيك للنسيج الاجتماعي، ثم يصبح مجتمعاً مبعثراً، مفرقاً، مشتتاً، لا تجمعه أي روابط، ولا أي أواصر، ولا أي علاقات، إلا العلاقة الحرام التي لا قداسة فيها ولا رحمة فيها ولا خير فيها ولا شرف فيها ولا ثمرةً طيبة لها.
هناك تركيز على هذا الجانب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال اختراق الجو المحافظ في المدارس والجامعات، والتأسيس لعلاقات غير سليمة، غير مشروعة، غير مستحبة لدى البعض، تدخل كثقافة، وينظر البعض إليها على أنها تمثل حضارة، أن الحضارة هي هكذا: علاقات غير مرتبطة، غير منضبطة، غير أخلاقية، روابط غير شرعية، مفاسد ورذائل، ونحن لا نرمي بهذا الكلام الطلاب والطالبات، الكثير منهم شرفاء، ولكننا نتحدث كي يكونوا منتبهين؛ لأن هناك من يروج اليوم لهكذا علاقات وروابط غير شرعية ولا أخلاقية، من يروج لحالة من الانفلات في العلاقات، لفوضى في الاختلاط والعلاقات، لفوضى في الروابط والتواصل، وانخلاعاً وانسلاخاً عن كل الضوابط الشرعية والأخلاقية التي تحمي المجتمع المسلم وتحافظ عليه وتصونه، تصون المرأة وتحافظ عليها لتكون عفيفةً طاهرةً شريفةً كريمةً أصيلة، تكون نواةً لأسرة عظيمة، وتحمي الرجل كذلك، ليكون إنساناً عفيفاً زكياً صالحاً طاهراً شريفاً نظيفاً، فيكون أيضاً مع تلك المرأة نواةً لأسرة تبنى على هذه القيم العظيمة، تعيش حالة الترابط، الروابط المقدسة، لقد جعل الله الرابطة في نظام الأسرة الإسلامية رابطة مقدسة، سليمة، نظيفة.
اليوم الغرب يروج عبر بعض المنظمات، عبر الهجمة الإعلامية، الهجمة التي تأتي عن مواقع التواصل الاجتماعي، عن مواقع في الإنترنت، الهجمة الإباحية الخليعة، الشنيعة، القبيحة، الفظيعة، الشيطانية، الخطيرة، السيئة جدًّا… يأتي ليدمر كل هذا الجو الراقي في واقعنا، كل هذه المحافظة، يأتي ليُعَلم الناس الفوضى في الروابط، والفوضى في الاختلاط، والفوضى في التواصل… وهكذا حتى تنشأ روابط غير شرعية.
يجب التقيُّد بالتعاليم الإسلامية، بالأخلاق والقيم الإيمانية؛ لأنها تحمي مجتمعنا وتصونه وتحافظ على قوته وتماسكه، ويجب أن نعي أن الانفلات في الروابط والعلاقات بين الرجل والمرأة ليس حضارة أبداً، إنما هو خسة، إنما هو دناءة، إنما هو انحطاط، إنما هو تدمير للمجتمع المسلم، للأسرة المسلمة، تمزيق للنسيج الاجتماعي الإسلامي.
ويجب أن نعي أن ذلك حرب بكل ما تعنيه الكلمة، إسقاط للإنسان، حتى يصبح إنساناً ساقطاً، مائعاً، تافهاً، حقيراً، نذلاً، لا شرف عنده، لا أهمية عنده لشيء أبداً، فعلاً من يصبح ساقطاً أخلاقياً هل يبقى عنده كرامة؟ هل يبقى عنده شرف؟ هل يبقى عنده غيرة؟ هل يبقى عنده حمية؟ هل يبقى عنده إباء؟ هل يبقى عنده عزة؟ هل يبقى عنده مَنَعة؟ |لا|، من يصبح ساقطاً أخلاقياً في العلاقات غير الشرعية فيما بين الرجال والنساء، أو أي شكل من أشكال الفواحش والإباحية، لا يبقى لديه إحساس لا بكرامة، ولا شرف، ولا عزة، ولا إباء، ولا غيرة، ولا حمية، ولا أي شيء من هذه الأشياء، عندها يصبح رخيص النفس وقابلاً للاستعباد.
الحرب الناعمة وكسر الروح المعنوية
أيضاً شكلٌ آخر من أشكال الحرب الناعمة، يستهدف كسر الإرادة والروح المعنوية لدينا، إشعارنا بالضعف والعجز والضعة والحقارة والاستسلام وأننا لا شيء، وتكبير قوى الطاغوت في أنفسنا وأمام أعيننا، حتى ترى في أمريكا، في إسرائيل، في عملاء أمريكا وإسرائيل من كيانات هنا وهناك شيئاً كبيراً عظيماً ومهماً، إما بنظرة الاستقواء، يعني: ترى فيهم أقوياء جدًّا، وأنت ضعيف جدًّا لا شيء، أو الاستعظام: الحضارة، القوة، العظمة، ونحو ذلك من المسميات ..|لا|، هناك المعيار الأساسي في النظرة التي يربينا عليها الإيمان ويربينا عليها الإسلام في ثقافته، في مبادئه، في أخلاقه، في قيمه، هي نظرة تنطلق من المعايير القِيَمِيَّة والأخلاقية:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ***** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا،
الأمم توزن بهذا الميزان: (بميزان الأخلاق والقيم)، الناس يوزنون بميزان الأخلاق والقيم، هذا الميزان الإنساني، هذا الميزان والمعيار الإلهي الذي أرادنا الله أن نزن به الآخرين وأن ننظر إلى الآخرين منه كَنَافذة نطلّ منها على واقع البشرية، القوة، المنعة، العظمة في الشعوب بقدر ما تمتلك، بقدر ما تكون حرة، عزيزة، كريمة، متمسكة بمبادئ وأخلاق وقيم عظيمة.
يسعون إلى كسر الروح المعنوية، إلى إشعارنا بالعجز، بالضعف، بالضعة، وأيضاً باليأس، و يحاولون أن يبثوا فينا روح الهزيمة، هذا شيء يحرصون عليه، حتى في ظل هذا العدوان هناك شغل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر القنوات الفضائية، حرب نفسية شرسة، حرب إعلامية شرسة، إرجاف، تهويل…وهكذا، سعي لإرهاب الناس، سعي لزرع روح الخوف واليأس والضعف في نفوسهم.
الإيمان هو يَعْبَؤُك بالروح المعنوية العالية جدًّا، تشعر بالقوة وأنك مع الله والله معك، وتعتز بقيمك ومبادئك، وتؤمن بموقفك وبعدالة قضيتك، وتكون قوياً جدًّا بهذا، ثم هو يخلصك من كل عوامل الضعف النفسية، ما كان منها ثقافياً، ما كان منها أيضاً نتيجة للواقع السلوكي، كل العوامل المؤثرة سلباً، التي تحطمك، تحطم شعورك، تحطم نفسيتك، يخلصك منها، والكلام عن هذا الجانب يطول ويطول، يعبؤك بشعور العزة، والكرامة، والإباء، والمنعة، والثقة بالله، والاعتماد على الله، والتوكل على الله…الخ.
الحرب الناعمة وإفراغ الهمم
يعملون ضمن هذه الحرب الناعمة– أيضاً– على إماتة روح الاهتمام فيك، أو صرف حالة الاهتمام نحو أشياء تافهة، يعني: لا تبقى مهتماً لشيء، طبعاً هذا يعود إلى موضوع المسؤولية الذي تحدثنا عنه سابقاً، تكون إنساناً مستهتراً في الحياة، ما شيء عندك مهم، [يا أخي يتقاتلوا، دعهم وشأنهم، يعملون ما يريدون لا شأن لي بهم ]، ما عندك اهتمام، تشاهد- مثلاً– أو يحصل في واقعك مآسٍ كبيرة، أحداث رهيبة ما تلتفت إليها، أو يصرف هذا الاهتمام إلى أشياء أخرى، عندك اهتمام كبير، أنت متوتر الأعصاب وتكاد أن تنفجر وعندك اهتمام كبير، لكن بقضية ثانوية، أو بشيء هامشي، أو بشيء جزئي، أو بشيء فرعي، تنسى ما هو أهم، غافل عما هو أكبر، لا تلتفت إليه أصلاً، الحالة التي ذكرها الله عن بني إسرائيل {لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ} [البقرة: من الآية61]، صبروا أن يذبح فرعون أبناءهم وأن يستحيي نساءهم، صبروا على القهر والاستعباد والذل، صبروا على كل شيء، لكن المسألة التي قالوا أنهم: لَن يصْبِرواْ عليها قالوا: {لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ}، لا بد من البصل، ولا بد من القثاء، لا بد من الفوم، لا بد من العدس، هذه مسألة لن نسكت عنها أبداً ولن نتنازل عنها بتاتاً!! هذه روحية لدى الكثير من الناس، لن نصبر في مسائل معينة، ثانوية، جزئية، وغفلة كلياً عن القضايا الكبيرة، بارد تجاه القضايا المهمة بارد، ما عنده التفات إليها، لكن حامي وعسر إذا القضية قضية فرعية تافهة، جزئية هنا أو هناك.
هذه من الجوانب التي يركزون عليها وتساعد، في الوقت نفسه، هي تساعد على السيطرة على الإنسان، اللعب به، التحكم به إذا كان منصرفاً عن القضايا المهمة، يترك للأعداء أن يتحركوا فيها كما يشاؤون ويريدون؛ فيصلون إلى حيث يريدون أن يصلوا في استعباد هذا الإنسان والسيطرة على هذا الإنسان.
لجنود هذا الميدان: هيا للمواجهة بصبر وعزيمة
على كل حال أصبح هذا العنوان (الحرب الناعمة) عنواناً رئيسياً اليوم في العالم، تشتغل عليه الدول والمكونات والقوى والفئات، يجب أن نسعى في هذا البلد ونحن نواجه العدوان في معركته العسكرية إلى التصدي ضمن هذه الحرب الناعمة لكل أشكال الاستهداف، وأن يتحرك جنود هذا الميدان في واجبهم وبمسؤولياتهم: العلماء، المثقفون، المتنورون، الواعون، الأكاديميون، في المدارس، في الجامعات… الناشطون الإعلاميون، الجميع، جنود هذا الميدان عليهم أن لا يكونوا أقل استبسالاً وأضعف صبراً من جنود الميدان العسكري، أولئك المستبسلون، الصامدون في مواجهة الطائرات والصواريخ والقنابل الذكية والراجمات الصاروخية والمدفعية الحديثة التي تعمل بالليزر، كل وسائل الفتك والتدمير وهم صامدون في مواجهتها.
أنا أناشد كل رجال ميدان الحرب الناعمة، أناشدهم بالله: لا تكونوا أضعف وأقل اهتماماً في هذا الميدان من أولئك الشرفاء والأبطال العظام والأخيار والصامدين والصابرين في الميدان العسكري، وإن كانوا هم أيضاً مستهدفين بالحرب الناعمة، لكنهم هناك في صمودهم وثباتهم العظيم، عليكم أن تكونوا أنتم صامدون في حربكم الثقافية والفكرية والإعلامية، والمنبر الإعلامي اليوم منبر مهم، منبر مهم.
المدجنون للشعب وضرورة التصدي لهم
مواجهة أيضاً لحركة الجمود التي تسعى لتجميد الشعب اليمني في ظل الوضع الراهن، بعض التيارات المحسوبة على الدين والتدين، تحاول تعظ الناس يجلسوا في البيوت وما لهم حاجة من شيء، ويتعلموا وكفى، ولا يتدخلوا في شيء، لا يسمح لهذه التيارات أن تسيطر على الساحة وأن تنتشر في الساحة لتجميد الناس؛ لأن معنى هذا تكبيل للناس، وتدجين للناس، وإخضاع للناس ليسيطر عليهم العدو بكل بساطة، من يسعى لأن يحول شعبنا إلى مزرعة دجاج، من الدواجن التي تنتظر حتى يؤتى بالسكين للذبح فهو يجني على هذا الشعب ويظلم هذا الشعب، من يسعى إلى نزع روح المسؤولية والإحساس بالمسؤولية من أبناء هذا الشعب هو ظالم، والظالمون الثقافيون، والظالمون في الحرب الناعمة لا يقلون أبداً عن أولئك المجرمين الذين قتلوا الناس بقنابلهم، من يدمرون إيمان الناس لا يقلوّن سوءاً وشراً وخطورةً عمن يقتلون الناس بقنابلهم.
الجانب الإعلامي له صلة كبيرة بهذا الموضوع، هناك -أيضاً- على المستوى السياسي عملية تضليل كبيرة وفي كل المستويات تجاه الواقع، تجاه الأحداث، ينبغي الالتفات إليها. على كُلٍ أكثرنا في الحديث عن هذا الموضوع، والكلام عنه كثير، نأمل من الآخرين الاهتمام إن شاء الله.
دعوة لحضور الفعالية الكبرى
يبقى لنا كلمة قريبة إن شاء الله، هناك الفعالية المهمة جدًّا، فعالية مرور ثلاثة أعوام والاستعداد للعام الرابع في التصدي للعدوان، هذه الفعالية مهمة، الحضور الواسع فيها يعبر عن صمود شعبنا، عن تماسك شعبنا، عن قوة إرادة هذا الشعب، أن ثلاث سنوات من القتل والتدمير والاستهداف بكل أشكال الاستهداف لم تكسر إرادة هذا الشعب؛ لأنه (الإيمان يمان)، ولأنه {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: من الآية8]، هذا الشعب عزيز بإيمانه، وبالتالي صامد، لا تنكسر إرادته مهما كان حجم هذا العدوان، صمد كل هذه الثلاث السنوات، قدّم التضحيات العظيمة، لكنه بقي شعباً حراً وعزيزاً وعظيماً وينال شرف الصمود والثبات، وليس مهانة ومذلة الاستسلام والعجز وضعة الخنوع. اليوم نحن معنيون بالحضور الكبير- إن شاء الله- في الفعالية المركزية بصنعاء، والتفاعل مع كل الإجراءات والترتيبات لصالحها، للتعبير عن هذا الصمود، عن هذا التماسك، عن هذا التوحد، عن هذا الثبات.
أزمة الغاز.. توضيح مهم
هنا يهمني أيضاً، أن أشير إلى مسألة مشكلة الغاز، أزمة الغاز سيما في أمانة العاصمة، هي أزمة يقال عنها الكثير، ويقال فيها الكثير، وهناك حملة إعلامية ومعاناة، هذه المعاناة تستغل من قبل البعض بشكلٍ سلبي، أنا أود أن أقدم توضيحاً مختصراً وألقي- في الوقت نفسه – باللائمة على الجهات الرسمية بأنها لا توضح بما يكفي تجاه هذه المشكلة، ما هو سبب أزمة الغاز والنقص في توفر مادة الغاز؟ أولاً من أين يؤتى بهذا الغاز؟ من مأرب. كان المعني في الفترة الماضية بمسألة الغاز وتوفير الغاز هي شركة الغاز، شركة رسمية متواجدة في صنعاء، وكانت تتحمل فيما مضى هذه المسؤولية: (الإتيان بالغاز، وتوفير مادة الغاز)، حوربت هذه المؤسسة، وجرت أشكال من عملية الاستهداف لها حتى أصبحت في صنعاء شبه مشلولة، ما تستطيع تقوم بدور فعال ودور حقيقي في توفير مادة الغاز، بعدما تحكّم أولئك من مأرب في عملها ولم يعطوها هي كشركة، ولم يوفروا لها كشركة، ولم يتركوا لها حرية العمل كشركة مسؤولة بمثل ما كان عليه الأمر في الماضي، ضايقوها وحاربوها واستهدفوها بكل أشكال الاستهداف؛ حتى أصابوها بالشلل، تحول هذا الدور إلى التجار، المسؤول عن هذا من؟ المسؤول عن هذا مرتزقة العدوان، لو تركوا لشركة الغاز المسؤولية كما كانت في الماضي تماماً، وتركوا مسار هذا العمل كما كان عليه الحال في الفترات الماضية ما قبل حربهم على الشركة، بالأقل يبقى هناك جهة واضحة محددة تتحمل المسؤولية، إن قصرت أو فرطت أو تهاونت حوسبت، لكنهم أصابوها بالشلل وعطلوا دورها، ثم حولوا الدور بدلاً عن ذلك إلى التجار.
التجار فيهم البعض من الناس الجيدين، العقلاء، الذي يتفهم أن يستفيد وينتفع وفي الوقت نفسه ينفع هذا الشعب الذي يعاني، ويتفهم ظروف هؤلاء الناس، وقد يقنع بنسبة معقولة من الربح، وفيهم الكثير من الطماعين واللصوص والانتهازيين ومصاصي الدماء، الذي لن يبالي في سبيل الحصول على أكبر قدر من الربح حتى لو مات الناس جوعا، وحتى لو بلغت معاناتهم كيفما بلغت، ما عنده مشكلة، أهم شيء يحصلوا على نسبة عالية من الربح.
أتت قصة المقطورات هذه التي توفر وتقوم بعملية نقل الغاز، تجمّع في المسألة عدة عوامل:
العامل الأول: إصابة مؤسسة الغاز بالشلل في عملها عما كان عليه في الماضي، وعليها مسؤولية أن تقدم شرحاً كاملاً عن ذلك، وعلى الجانب الاقتصادي ضمن مسؤولية الدولة أن يشرح هذا بشكلٍ تام، وإلا لن أسكت عنهم أنا.
العامل الثاني: الانتهازيون والطماعون من التجار، وليس كل التجار، لكن الباقي ساروا بسيرتهم، يقولون: [كيف أبيع برخص، وهؤلاء بائعون بأرباح كبيرة، أريد أربح مثلهم]، فأتى هؤلاء على أساس أنهم يستحوذون أو يستغلون هذه المعاناة، من الذي هيأ هذا الظرف بالدرجة الأولى؟ بالدرجة الأولى هو من عطّل عمل شركة الغاز، من أصاب شركة الغاز بالشلل، هو الذي حول العملية لتتحول إلى عملية تجارية من خلال التجار، أتى هؤلاء النصابون من التجار والطامعون ومصاصو الدماء الذين لا إنسانية فيهم ولا رحمة ولا شفقة، وإذا تركوا فهم جهنميون، حسبنا الله ونعم الوكيل، ما يرحموا ولا يشفقوا حسبنا الله، إذا تركوا، قضية خطيرة أن يتركوا، يعني: ما با يشفقوا في الشعب نهائياً.
يضاف إلى ذلك تلعب في عملية التعبئة، مثلاً: التعبئة في مأرب تخضع لحسابات فيها ألاعيب كثيرة، عدة محافظات منعت حصتها الرسمية، يعني منعوا منها حصتها، محافظة كذا خلاص لا يصرف لها حصة، إنما يتصدّق عليها بنسب معينة من المحافظات الأخرى لتصل إليها بعض قاطرات الغاز.
المشكلة اليوم أيضاً فيها تقصير على الجهات المسؤولة في الدولة، بمعنى: بوسعها أن تفعل شيئاً، أن تخفف من هذه المعاناة، الأمر يحتاج إلى ماذا؟ طالما والمرتزقة عطلوا دور شركة الغاز وأصابوه بالشلل، حولوا المسألة للتحول إلى مسألة تجارية من خلال التجار، التجار فيهم أطراف مستغلة وأشخاص انتهازيون وطامعون ومصاصو دماء، المرتزقة في مأرب من خلال كل هذا ومن خلال عمليات تقطُّع بين الحين والآخر، يحجز لك ويتقطع لك على قواطر، مثلاً: في بعض الأحيان القواطر التي ستتجه إلى العاصمة صنعاء، يحجزونها يومين، ثلاثة أيام، أربعة أيام، أسبوعاً، قال لك: قطاع، قطاع في مناطق السيطرة التابعة للمرتزقة، ما تستطيع الدولة تصل إليها وتقوم بمسؤوليتها في فك هذا القطاع، ويخلي الناس يتعذبوا في صنعاء، مرتاح؛ لأنه ما فيه ذرة من الإنسانية ولا ذرة من الإحساس بالمسؤولية، مرتزق، بايع، باع وطنه بكله، خليك من عاد يهمه أمر الناس، حتى لو أسرته في صنعاء متعذبة، لا يبالي.
اليوم المسؤولية على الجميع، أولاً هناك مسؤولية أساسية على المرتزقة من يوم عطلوا عمل الشركة وأصابوه بالشلل، ومن يوم يسمحون بهذه التقطعات، ومن يوم قطعوا حصص على محافظات، ومن يوم يتلعبون في عملية التعبئة، ومن يوم يتلعبون بالأسعار حيناً وحيناً آخر، أساليب كثيرة يستخدمونها في الإضرار بالناس.
المسؤولية على التجار في هذا الأسلوب الانتهازي القبيح والمستغل والظالم، المسؤولية على الدولة في صنعاء، على المؤسسات الحكومية، على الجهات المعنية التي لم تبذل جهداً كبيراً يساعد على التخفيف من هذه المعاناة.
المطلوب دور مشترك رسمي وشعبي، المرتزقة هم أُولَٰئِكَ مجرمين وطغاة، فيما بقي مطلوب أن يكون هناك تعاون، أنا أولاً أنصح التجار: اتقوا الله، وإذا لم تتقوا الله فأنتم ستكونون في خصومة معنا ومع الشعب، لن نسكت عنكم، حتى أني أفكر أن يتم عملية حصر دقيقة جدًّا للتجار من يلتزم منهم فلا بأس، من لا يلتزم يتعاون عليه الشعب وتتعاون عليه الجهات الرسمية، يكون عرضة لأن يقرح جو من مرة، يخسر كل شيء، خلاص لن يسكت عنه الشعب، لكن المسألة لا ينبغي فيها تصرف منفلت؛ لأن هذا سينال تجاراً أبرياء أو متفهمين أو مستعدين للتفاهم.
الدولة معنية بالأساس، والناس يعينونها، بلاغات، إذا عرف أي إنسان بأي تاجر يخبئ مقطورات الغاز مسؤولية وواجب شرعي عليه أن يبلغ، يتصل بالجهات المعنية، الجهات المعنية تحدد أرقاماً وتعلنها، من عرف بمقطورات غاز، أو تاجر يخبئ غاز، أو يبيع بأكثر من السعر المحدد يبلغ، يتصل: [الووو فلان عنده قاطرة، والا يبيع بأغلى، أو يخبئ الغاز ومكانه كذا…]، ويقدم ما لديه من معلومات، الدولة عليها أن تتعامل بشكل عاجل وسريع وتتخذ إجراءاتها.
التجار يمكن الكثير منهم يتعقلوا، وهناك فيهم ناس فيهم خير، إنما قد يقول: [بين العور أعور عينك]. |لا|، بين العور ابق صحيحاً ابق مبصراً ولا تعور عينك؛ لأنه سيأتي من يعور الثانية، وبعدها تتحول أعمى، دع لك عينك ويسلموا لك (عيونك الثنتين) لا تعور عينك.
فالموضوع يحتاج إلى اهتمام وجدية أكبر من الجانب الرسمي، تعاون من التجار، مَنْ فيه خير منهم، تعاون من المواطنين بالبلاغات عن أي عملية تخبئة، يعني: أي عملية إخفاء، من يُخبئ يكشفوه، من يبيع بأكثر يبلغوا به، تعاون في سلاسة تحرك القاطرات في النقاط الأمنية، لا مسألة الجهات التي هي جهات أمنية، ولا الجهات التي هي جهات معنية بأمور مالية يجوز لها أن تُعرقل حركة القاطرات، تتخذ إجراءات لا بأس، ما المطلوب حالة من الانفلات؛ لأن البعض إما تفريط، وإما إفراط، إما إفراط وإجراءات تبطئ من حركة القاطرات، وإلا فلاّته، تتجه القاطرات ومن خبّأ خبّأ، ما هو صح كذا، لا بد من عمل مسؤول، لا بد من إجراءات سلسة، لكن دقيقة، قوية، فعالة، هذا ممكن، هذا متاح، مراقبة حركة القاطرات، التأكد من وصولها، التأكد من حركة سيرها لا يحتاج إلى أن تُحجز أياماً أو أوقاتاً طويلة في نقاط هنا أو هناك، أو معابر هنا أو هناك، |لا|، المسألة ما تحتاج كذا.
مع كل هذا نحن نشيد بكل إعزاز، بكل تقدير بالصبر الكبير لشعبنا العزيز على هذه المعاناة وغيرها من المعاناة، ولكن هذه المعاناة يجب أن تتفهم، يجب أن يكون هناك جهد كبير وجدّية عالية في التخفيف من هذه المعاناة، وإن شاء الله بقية الحديث يأتي في الكلمة القادمة.
أسال الله –سبحانه وتعالى– أن يوفقنا لما يرضيه، أن يوفقنا للحفاظ على هويتنا الإيمانية والانطلاقة على أساسها في واقع حياتنا بكله، حتى نكون مجتمعاً عظيماً، وحتى ننطلق وفق قول الرسول –صلوات الله عليه وعلى آله–: (الإيمان يمان والحكمة يمانية)، ونحتاج إلى حكمة مع إيمان، بعض مع بعض، أسأل الله التوفيق والسداد.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛