المحاضرة الرمضانية الأولى للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1 رمضان 1439هـ 16-5-2018
شهر رمضان المحطة السنوية لتزود بالتقوى
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمني المسلم العزيز:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، شهر الخير والرحمة والفلاح، شهر الصيام، نتوجه إلى أبناء أمتنا الإسلامية كافة بالتهاني والتبريكات، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحله علينا بالخير والبركات، وأن يوفقنا فيه لما يرضيه عنا من صالح الأعمال إنه سميع الدعاء.
شهر رمضان المبارك الذي أتى هذا العام والأمة تواجه فيه الكثير من التحديات والأخطار، وهو بالنسبة لشعبنا اليمني المسلم العزيز للمرة الرابعة على التوالي وهو في ظل العدوان الأمريكي السعودي الغاشم، بل ويأتي هذا الموسم وهذا العدوان في ذروته، الأمة بشكلٍ عام، وشعبنا العزيز ضمن هذه الأمة في مواجهة هذه التحديات، الجميع أحوج ما يكونون إلى الاستفادة من هذه المحطة السنوية التربوية المعطاءة، من هذا الموسم الإلهي الذي جعله الله -سبحانه وتعالى- من فضله موسم خيرٍ ورحمةٍ وبركات، وفتح فيه لعباده آفاق الخير، وآفاق الهداية، وآفاق الفلاح والنجاح، ولكن بطبيعة الحال، هذا لا بد فيه من جانبنا نحن كأمةٍ إسلامية، كمسلمين رجالًا ونساءً في مقام التكليف أن نحرص على الاستفادة من هذه الهبة الإلهية، من هذه النعمة الإلهية العظيمة، أن نستثمرها، وأن نستفيد منها، وأن نستغلَّها بأقصى ما يمكن، مع الاعتماد على الله -سبحانه وتعالى- والاستعانة به -جلَّ شأنه-؛ ليوفقنا، وليعيننا، وليهدينا، فالإنسان بحاجة دائمًا إلى التوفيق الإلهي في كل عملٍ صالح، وفي كل اتجاهٍ خيّرٍ، لا بد للإنسان من الاستعانة بالله والاعتماد على الله -سبحانه وتعالى-.
الخطوة الأمريكية استهداف لقضيتنا الكبرى
الأمة بحسب ثلاثة اعتبارات، والمسلمون بشكلٍ عام بحسب ثلاثة جوانب، يهم الجميع أن يستفيدوا من هذا الشهر المبارك، نحن كأمةٍ إسلامية نواجه تحديات وأخطاراً غير مسبوقة، الهجمة العسكرية الكبيرة من جانب أعداء الأمة التي تستهدفنا، سواءً في بلدنا في اليمن، أو تستهدف أمتنا، والمؤامرات الكبيرة، وكلنا رأينا وشاهدنا ما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية في نقل سفارتها إلى مدينة القدس كخطوة عدوانية متقدمة تستهدف الأمة في قضيتها الكبرى، في قضيتها المركزية، وتهدف إلى النيل من مقدسات الأمة الإسلامية، ومن أخطر ما تُستهدف فيه الأمة أن تُستهدف في مقدساتها، هذا جانب خطير من جوانب الاستهداف للأمة، ثم في موقع مدينة القدس من القضية الرئيسية والمركزية للأمة في مواجهة أمريكا وإسرائيل، القضية الفلسطينية، موقع مدينة القدس من هذه القضية هو المركز في هذه القضية، هو اللب في هذه القضية، موقع حساس جدًّا في هذه القضية، استهداف على مستوى القضية بشكلٍ عام، واستهداف في جانبٍ أساسيٍ وحساسٍ منها.
الخطوة الأمريكية هذه غير غريبة على أمريكا، أمريكا مشاركة ومساهمة مع إسرائيل جنبًا إلى جنب منذ زمنٍ طويل في كل ما جرى ويجري في فلسطين، والأقصى، ومدينة القدس، وفي كل ما جرى ويجري في الساحة الإسلامية بشكلٍ عام، والمنطقة العربية في أقطارها التي شهدت أحداثاً كبيرة، كل ما في المنطقة من مؤامرات ومكائد ومخططات تستهدف النيل من أمتنا الإسلامية، في المنطقة العربية وخارج المنطقة العربية، كلها تشترك فيها أمريكا وإسرائيل، وإنما دأب البعض من أبناء الأمة على محاولة التفريق بين أمريكا وإسرائيل؛ ليبرروا لأنفسهم طبيعة علاقاتهم مع أمريكا، وإلا فأمريكا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة، وهما ثنائيان يشكِّلان الخطر الكبير على أمتنا الإسلامية، وارتبط بهم ثلاثي الشر من أبناء أمتنا، وهم المنافقون، فكانوا فعلًا إضافةً في الخطورة على هذه الأمة، وطرفًا رئيسيًا في كل المؤامرات والمكائد والأجندة التي تستهدف الأمة.
شهر العطاء لمواجهة التحديات الكبرى
فأمتنا الإسلامية اليوم وهي تواجه هذه التحديات والأخطار، وتخوض معركتها: عسكريًا، وأمنيًا، وسياسيًا، وإعلاميًا، واقتصاديًا، وفكريًا، وثقافيًا، وفي كل المجالات… هي أحوج ما تكون إلى الاستفادة من هذا الشهر المبارك في كل ما أعدَّ الله فيه من عوامل تربوية مساعدة إلى حدٍ كبير للأمة فيما تحتاج إليه، وهي في مقدمة ما تحتاج إليه تحتاج إلى هذا العطاء التربوي الذي يحفل به شهر رمضان المبارك، الذي هو عطاءٌ لمن يستفيد منه، لمن يسعى ويحرص على أن يكتسبه وأن يغتنمه من هذا الشهر المبارك.
نحتاج في مواجهة التحديات هذه: إلى الصبر، إلى العزم، إلى القوة المعنوية، إلى الطاقة الإيمانية، ونحتاج إلى البصيرة، إلى الوعي، إلى الفهم الصحيح، إلى المعرفة السليمة والصحيحة للعدو، للواقع من حولنا، لمسؤولياتنا، لما علينا أن نعمل، للحلول والرؤى والأفكار الصحيحة التي تساعدنا على التحرك الصحيح والتصرف الصحيح، وهذا بالذات، وهذا في الحقيقة من أهم ما يقدِّمه لنا شهر رمضان المبارك، إذا نحن اتجهنا بتركيز واهتمام وعناية، نكتسب من صيام شهر رمضان المبارك: العزم، القوة، الصبر، التحمل، كذلك الجَلَد والتَّجَلد في مواجهة الشدائد والمحن والمتاعب والصعوبات، نكتسب من شهر رمضان المبارك، من خلال العودة القوية جدًّا إلى القرآن الكريم، العناية بتلاوته، العناية بتدبر آياته، الإصغاء لهديه، التركيز على نوره؛ نستفيد الوعي، نستفيد ونكتسب البصيرة النافذة حتى نرى بنور الله، وحتى تزول عنا غشوات العمى، وحتى نرى الأشياء على حقيقتها، ونستهدي بهدى الله -سبحانه وتعالى- فيما فيه: من إرشاد، من تعليمات، من تقييم، من تبصرة…إلى غير ذلك.
ثم بالقرب من الله -سبحانه وتعالى- بالدعاء، بالاستعانة بالله، نكتسب الرعاية الإلهية، بالقرب من الله -سبحانه وتعالى- نحظى برعايةٍ منه، بعونٍ منه، بألطافٍ منه، ونحن الفقراء إلى الله، الفقراء إلى رحمته، إلى عونه، إلى لطفه، إلى توفيقه، إلى نصره، إلى تأييده، المحتاجون حاجةً مطلقةً إلى فضله.
فهذا الشهر هو مأدبة الله لخير الدنيا ولخير الآخرة، للفضل كله، للفلاح، للنجاح، والإنسان تجاه الواقع العام، وتجاه واقعه الشخصي، حتى فيما يعانيه على مستوى واقعه الشخصي من: هموم، وآلام، ومشاكل، ومعاناة، وعوائق، وصعوبات، وتحديات، المشاكل والهموم الشخصية، المشاكل والهموم العامة، القضايا الكثيرة التي تعنيك أنت هذه هي فرصتك للإقبال إلى الله، إلى ربك الكريم، إلى رحمته الواسعة التي وسعت كل شيء، هو ينادينا، هو يدعونا، هو الذي فتح لنا هذا الأُفق وهذه الواحة من فضله ورحمته وكرمه، فلندخل إلى هذه الواحة، واحة الرحمة والخير والفلاح.
الغاية من الصيام.. لعلكم تتقون
الله -سبحانه وتعالى- قال في كتابه الكريم : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: الآية183]، هكذا قال -سبحانه وتعالى-: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، صيام شهر رمضان يشكِّل في عطائه التربوي، في أثره النفسي والمعنوي، في إيجابياته المكتسبة، في واقع الإنسان، في أعماله، وتصرفاته واتجاهاته في الحياة، يُشكِّل وقاية، الإنسان الضعيف، الإنسان الذي تهدده الأخطار والتحديات، والإنسان الذي يجني كثيرًا على نفسه بسوء تصرفاته، بكثير أخطائه، بتجاوزاته، بأعماله اللامسؤولة يجني على نفسه ويجني على المجتمع من حوله، هذا الصيام في أثره التربوي النفسي يصحح مسيرة هذا الإنسان في أعماله وتصرفاته، حتى تكون أكثر مسؤوليةً، أكثر اتزانًا واستقامةً فيما يدفع عنك وبيل وعواقب أخطائك وتصرفاتك السيئة، يشكِّل وقايةً من عذاب الله -سبحانه وتعالى- يشكِّل وقاية للنتائج الحتمية التي يدفعها الإنسان كثمنٍ باهض على انحرافاته، على أخطائه، على معاصيه ومخالفاته لتوجيهات الله -سبحانه وتعالى-.
الإنسان أحوج ما يكون إلى التقوى، أحوج ما يكون إلى السيطرة على نفسه، على تصرفاته، السيطرة على هذه النفس في مقام الرغبات والشهوات، والسيطرة على هذه النفس في مقام التحديات والصعوبات، ففي تلك وفي تلك يحتاج إلى الصبر، يحتاج إلى التماسك، يحتاج إلى المَنَعَة والقوة والتحمّل، حتى يسيطر على نفسه؛ ليثبت في مواجهة الرغبات، وليثبت في مواجهة التحديات، هذا هو عطاء الصيام، لكن إن استحضر الإنسان، إن أدرك هذه القيمة، هذا الأثر، هذه الإيجابية. أما إذا كان الإنسان غافلًا لا يستفيد شيئًا،
إذا كان الإنسان لا يرى في الصيام إلا وسيلةً لتحريك الشهية للطعام، حتى يتحضر في شهيته ونهمه وشغفه بالطعام لحين يأتي الليل فينقضّ متوثبًا إلى مائدة الطعام، فيلتهم أقصى ما يستطيعه من الطعام؛ حينها لا يستفيد شيئًا من صيام شهر رمضان، وإذا كان لا يرى في ليالي شهر رمضان المبارك إلا فرصة للسهرات، ليضيع كل أوقاته وهو متسمّر بعيونه، ببصره نحو شاشات التلفاز، أو منكبًا- لا يرفع رأسه- على مواقع التواصل الاجتماعي، أو منشغلًا هنا وهناك مع أخلاء الهوى وأصدقاء الضياع، فهذه هي الكارثة، هذه هي الطامة، تتحول تلك الليالي المباركة، ليالي الخير، ليالي الهداية، ليالي ممكن أن تعمرها بالوصل مع الله، بالإقبال إلى الله بروحك، روحك التي تحتاج إلى هذا الاطمئنان الذي لن يتوفر ولا يتوفر إلا بأن تعيش جو الإيمان، جو الاتصال النفسي والمعنوي بالله -سبحانه وتعالى- جو التوجه بالروح والوجدان والمشاعر والحس والذهن نحو الذكر لله -سبحانه وتعالى- وإلا لن تكتسبه من أي شيءٍ آخر، إنما تزداد سُعارًا، وتزداد تلهفًا وشدةً نحو المزيد والمزيد مما لا يوصلك إلى نتيجة، إذا اتجهت في أي اتجاه آخر.
هذا الفراغ الروحي الذي يشعر به الإنسان، ويتعذب به الإنسان، ويعاني منه الإنسان لا يسده ولا يشبعه إلا الإقبال إلى الله، حاجة فطرية، إذا أراد الإنسان أن يسده باللهو والغفلة والضياع واستهلاك الأوقات الثمينة جدًّا التي هي من أهم ما أعطاك الله في حياتك، وما وهبك في عمرك، فأهدرتها وأضعتها؛ تضيع بدون نتيجة، بدون فائدة، بدون ثمرة.
شهر إصلاح النفس وتنقيتها
ثم الإنسان أيضًا، والأمة الإسلامية بشكلٍ عام فيما تواجهه في هذا العصر من ما يسمى بالحرب الناعمة: حرب شعواء، حرب كبيرة وخطيرة تستهدف الأمة في ثقافتها، تستهدف الأمة في روحيتها، تستهدف الأمة لمسخ هويتها الإسلامية، لإبعادها أكثر وأكثر وأكثر عن كل مبادئها العظيمة، وقيمها وأخلاقها الفاضلة والكريمة، لإبعادها ومسخ هويتها عن كل ما في دينها من مبادئ عظيمة، أو أخلاق مهمة، أو قيم، أو أعمال عظيمة، حرب لإفساد الأمة، وتمييع الأمة، وتضييع الأمة، ومسخ ثقافة الأمة، وتضليل الأمة، حرب الإفساد والتضليل والتضييع أخطر حرب تواجه الأمة اليوم.
في مواجهة هذه الحرب حتى نكسب التقوى التي ستحفظ لنا التماسك الروحي والتربوي والنفسي، ولنكتسب الوعي والبصيرة التي سنتحصن من خلالها في المفاهيم والوعي، نحتاج إلى اغتنام فرصة شهر رمضان، والاستفادة من شهر رمضان، الاستفادة من صيامه، من قيامه، من صالح الأعمال فيه، من الجهاد فيه، من الإحسان فيه، من كل القرب المقربة إلى الله فيه، وأيضًا إلى القرآن، إلى الهدى، إلى الوعي والبصيرة التي نستفيدها من خلال القرآن وثقافة القرآن الكريم.
ثم الإنسان، حتى بغير النظر إلى هذه التحديات والأخطار والهجمة غير المسبوقة على الأمة، وبغض النظر- كذلك- عن هذه الحرب الناعمة: حرب التضليل والإفساد التي تستهدف الأمة، بالنظر إلى الواقع الاعتيادي للحياة، النفس البشرية تفتقر دائمًا إلى العناية بها، النفس البشرية حساسة جدًّا، وتعيش واقعًا فيه الكثير من المؤثرات التي تؤثر عليها في هذه الحياة، في واقع الحياة الكثير مما يؤثر على النفس البشرية، وكما جسد الإنسان يحتاج إلى عناية مستمرة به غذاءً، وتنظيفًا، وصحةً… وأشياء كثيرة جدًّا. النفس كذلك بحاجة إلى عناية مستمرة بها.
أتى شهر رمضان المبارك ليكون من أهم الوسائل التي يستعين بها الإنسان على العناية بنفسه، عملية توضيب للنفس البشرية، تنقية، تنظيف، تصليح، تجهيز، ورشة تدخل فيها النفس البشرية من خلال العناية بها، والاستثمار لهذه الفرصة المباركة، ثم يتجه الإنسان إلى إصلاح الكثير مما قد تخرب في هذه النفس البشرية، كأي جهاز يدخل في حالة عناية لإصلاحه، وتوضيبه، والعمل على معالجة ما فيه من خلل… وهكذا. فلا ينبغي أن نفوّت هذه الفرصة الثمينة من خلال الصيام نفسه، والعناية فيه بتقوى الله -سبحانه وتعالى- واجتناب ما يحبط الأعمال، نحن بحاجة إلى أن نتقي الله -سبحانه وتعالى-.
ورد في معنى الحديث عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-: (رُبَّ صَائِم لَيسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الجُوع وَالظَمَأ)، ليس له لا أجر، ولا قربة إلى الله، ولا أثر نفسي، ولا أثر معنوي، ولا أثر وجداني، ولا تأثير في أعماله وتصرفاته… ولا أي شيء. هو ذلك بنفسه قبل شهر رمضان وبعد شهر رمضان، البعض ينحرف أكثر؛ لكثرة ما يقترف في شهر رمضان من المعاصي والذنوب، ويدنس نفسه، وينتهك حرمات هذا الشهر في نهاره وفي لياليه، يخرج محملًا بعبءٍ جديدٍ إضافيٍ وفظيع ومثقل وخطير جدًّا، يحتمل به الآثام- والعياذ بالله- والتبعات السيئة. لا بد من تقوى الله -سبحانه وتعالى-.
شهر القرآن والدعاء
العناية أيضًا في هذا الشهر المبارك بالقرآن الكريم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: من الآية185]، لنحرص على الاستفادة في هذا الشهر المبارك من القرآن ومن ثقافة القرآن، فنكتسب المزيد والمزيد من الوعي والبصيرة، وما يشدنا إلى الله، وما يترك أثره العظيم فينا تربويًا ونفسيًا، وهذا جانب أساس جدًّا. الحرب التضليلية، الحرب الإعلامية، الحرب التثقيفية والفكرية مستعرة جدًّا وهَوْجاء وكبيرة للغاية، لا يتحصن الإنسان منها إلا بنور القرآن، وبهدى القرآن، وبثقافة القرآن.
ثم العناية بالدعاء والإقبال إلى الله: هذا شهرٌ عظيم يستجاب فيه الدعاء لمن أقبل إلى الله واستجاب لله، استجب لله يستجب لك {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي} قال الله -سبحانه وتعالى- في نفس آيات الصيام ، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: الآية186]، لا بد من الاستجابة لله والإقبال إلى الله، ونركز في الدعاء على المسائل المهمة: الدعاء بالمغفرة، الدعاء بالعفو، طلب الرحمة، طلب النصر، طلب العون، طلب الهداية، طلب التوفيق، طلب خير الدنيا والآخرة، كذلك إذا كان للإنسان مشاكل شخصية، قضايا ملحة في واقعه الشخصي يمكن أن يدعو الله ويتقرب إلى الله، والله قريب من عباده، يسمع دعاء من دعاه، لا يحتاج الإنسان لا إلى وساطات، ولا يحتاج إلى أمور من هنا وهناك ومتاعب، يسمع دعاءك بشكل مباشر إذا دعوته، لكن فاستجب لله يستجب لك الله {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي} قال الله -سبحانه وتعالى-.
العناية بجوانب الأعمال الصالحة: الأعمال الصالحة من الواجبات والمسؤوليات في المقدمة، يحرص الإنسان على الاهتمام بها، والنوافل المقربة إلى الله -سبحانه وتعالى- كذلك بشكل إضافي، الله -جلَّ شأنه- يضاعف الأجر على الأعمال، وورد عن النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- ما يفيد أن الحد الأدنى في مضاعفة الثواب في شهر رمضان إلى سبعين ضعفًا، ثم هناك مجال مفتوح وواسع، هذا الحد الأدنى حسب ما أفاده الحديث عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وفضل النافلة فيه كفضل الفريضة في غيره، وفضل الفريضة فيه سبعين ضعفًا، فالمجال مفتوح، وبعض الأعمال هي مضاعفة من الأساس أضعافًا كثيرة، مثل: الإنفاق في سبيل الله هو من الأساس مضاعف بسبعمائة ضعف، فكيف إذا ضُوعِفت هذه الأضعاف إلى سبعين مرة في ما هي عليه من مضاعفة كم ستطلع؟ فرصة كبيرة للتقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- بالأعمال الصالحة.،
شهر الإحسان والجهاد والعطاء
مما يحرص الإنسان عليه: الإحسان، الإنفاق في سبيل الله، العناية بالفقراء والمساكين والضعفاء والمحتاجين والمكروبين، هذا من أعظم الأعمال وأهم القرب إلى الله -سبحانه وتعالى- والله قال: {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
، وفي آيةٍ أخرى قال: {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، الإحسان مهم، آيات كثيرة في القرآن الكريم تحث على الصدقات، على العناية بالفقراء والمساكين والفئات المحتاجة والمتضررة، في ظل ظروف العدوان هناك الكثير من المعانين جدًّا بحاجة إلى العناية بهم.
من أعظم الأعمال أيضًا الجهاد في سبيل الله، عمل عظيم وعمل مهم، والأمة في هذه المرحلة، وشعبنا العزيز وهو يواجه العدوان الأمريكي الإسرائيلي بحاجة إلى الجهاد في سبيل الله في مواجهة قوى الغزو والعدوان الظالمة المتعدية بغير حق، والتصدي لهذا العدوان بنية صادقة وصالحة، استجابة لله -سبحانه وتعالى- وعنايةً وتحركًا من أجل عباد الله المستضعفين، جهاد عظيم، وفضل وقربة عظيمة إلى الله -سبحانه وتعالى-.
هذا العدوان الظالم الذي على رأسه أمريكا، الذي اعترفت مؤخرًا بمشاركتها المباشرة، وأنها أرسلت للمشاركة في هذا العدوان من أسمتهم بأصحاب القبعات الخضراء… وإلى آخره. هذا العدوان الذي وراءه إسرائيل داعمة، مؤيدة بشكل صريح، مساهمة، مشاركة بشكل واضح، هذا العدوان الذي يمارس أبشع الجرائم بحق شعبنا العزيز، التصدي له قربةٌ إلى الله جهاد في سبيل الله، وعمل عظيم من أهم وأعظم الأعمال، يمكن للشباب استثمار هذا الشهر المبارك في المساهمة الفاعلة بالجهاد في سبيل الله، ولا يفوتنا أيضًا أن نحث على أن يكون من أهم ما يركز فيه شعبنا العزيز والمؤمنون والمؤمنات: الدعاء للمجاهدين بالنصر والعون والتثبيت والتأييد، هم أيضًا- الإخوة في الجبهات- ليستغلوا فرصة هذا الشهر الكريم بالتقرب إلى الله فيما هم فيه من صبر ومصابرة وثبات وجهاد وتضحية، وليضرعوا دائمًا إلى الله بالدعاء، وليكثروا من ذكر الله -سبحانه وتعالى-.
نحن بمشيئة الله سنحرص خلال هذا الشهر المبارك- كما في العام الماضي- أن يكون لنا بعون الله- وإذا سمحت الفرصة إن شاء الله- سلسلة من المحاضرات التي نركِّز فيها على مواضيع تربوية وإيمانية ومواضيع مهمة، وسنحرص- إن شاء الله- على عدم التطويل في كثيرٍ منها بإذن الله.
ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، إنه سميع الدعاء وهو أرحم الراحمين، وأن يتقبل منا ومنكم في هذا الشهر المبارك صيامه وقيامه وصالح الأعمال فيه إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛