المحاضرة الرمضانية السابعة عشر للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 21 رمضان 1439هـ
العشر الأواخر.. محطة عظمى للتزود بالتقوى
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
في شهر رمضان المبارك، وهو شهر الرحمة والخير والبركات، وأتاح الله فيه للإنسان فرصةً عظيمةً ومهمة للتزود بالتقوى، ولإصلاح نفسه، ولتزكية نفسه، كما فتح له آفاق العمل الصالح، والمضاعفة عليه بالأجر والحسنات، وفتح له أبواب الاستجابة للدعاء، وهيأ له من ظروف الإقبال إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ما لربما ليس في غيره من الشهور.
العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك لها- أيضًا– خصوصيتها، ولها فضلها العظيم، ولها أهميتها، فخلال ما قد مضى من شهر رمضان المبارك يفترض أن الإنسان قد استفاد منه بشكلٍ كبير، من خلال صيامه، من خلال قيامه، من خلال إقباله فيه بالدعاء، من خلال اهتمامه بالقرآن الكريم، والإصغاء لهدى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- من خلال الأعمال الصالحة، مثل: الإحسان، مثل: الاهتمام بالمسؤوليات العامة، مثل: القيام بالواجبات… إلى غير ذلك، الاحتراز عن المعاصي، الاستقامة على طاعة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- مجموع هذه العوامل يفترض أن تكون قد تركت أثرها الكبير والإيجابي على الإنسان في نفسيته، في مشاعره، في إقباله إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وجعلته أقرب إلى أن يتحقق في واقعه الاستجابة لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: من الآية186]، أن يكون أكثر استجابةً لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في واقعه العملي، في طاعته لله، في تجنبه للمعاصي، في التفاتته إلى ما كان مقصرًا فيه من المسؤوليات، أو من الأعمال المهمة والأساسية، بتوبته إلى الله، وإقباله إلى الله، وإنابته إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-.
فعندما تأتي العشر الأواخر يكون في وجدانه وشعوره أكثر إحساسًا بالقرب من الله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى، بالخشوع لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ومنشد نحو الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- تصبح فرصة مهمة جدًّا للدعاء، إضافة إلى أن الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- هيأ العشر الأواخر هذه بما فتح فيها من آفاق، وما هيأ فيها من ظروف، وما ضاعف فيها من الأجر، لتكون- كذلك– مهيأة بشكل أفضل، لتمثِّل فرصة عظيمة, وحقيقة فالشهر بكله فرصة، والعشر الأواخر منه فرصة أعظم وأكبر وأهم، يتهيأ لها الإنسان، يستعد لها الإنسان، يتأهل نفسيًا، تربويًا، إيمانيًا، من خلال ما قد مضى من الشهر لها أكثر، ثم يستثمرها، لو أن الإنسان فكر على نحو مختلف أن يهمل في شهر رمضان بكله، ما عدا العشر الأواخر، أو ما عدا الليالي المحتملة فيها ليلة القدر، قد لا يوفق، لا يوفق أصلًا.
فنحن في العشر الأواخر يفترض أن نركِّز فيها بشكل كبير على التوجه بالدعاء نحو الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- بالالتجاء إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وأن نركِّز على المسائل المهمة، وأن نحرص على أن نكون قد ضبطنا واقعنا النفسي على أساسٍ من التقوى، واقعنا العملي على أساسٍ من تقوى الله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى، والإنسان بحاجة في كل ذلك إلى الله، مطلوب من الإنسان التوجه إلى الله، اتخاذ القرار بمصداقية وعزم على الاستقامة والتقوى، الإصغاء لهدى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- والاستجابة، والله هو يتدخل، بالالتجاء إليه، بالدعاء، بالاستعانة، هو القائل في كتابه الكريم: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد: الآية 17]، وهذه عبارة مهمة للغاية {وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}.
الإنسان بحاجة إلى أن يعطيه الله هذه المَنَعَة، هذه السيطرة النفسية على المشاعر، على الميول، على الرغبات، على الشهوات، القدرة على هذا الانضباط وهذا التماسك، العزم وقوة الإرادة التي تجعل الإنسان يتماسك عند الإغراءات، عند الميول، أو عند الانفعالات، عند الغضب، أو عند المخاوف، عند القلق، في كل الأحوال والمشاعر النفسية التي تؤثِّر على الإنسان في أعماله، في مواقفه، في قراراته، في خياراته، في اتجاهاته في هذه الحياة، هذا شيءٌ مهم.
ليلة القدر.. ما ذا تعني!
في العشر الأواخر أيضا هناك ليلة عظيمة ومهمة، اسمها (ليلة القدر)، ليلة القدر تحدث عنها القرآن الكريم بصفتها ليلةً مهمة واستثنائية، وعندما نأتي إلى النصوص القرآنية لنتعرف من خلالها على ليلة القدر، وأهمية ليلة القدر، وماذا تعنيه، الله ذكر هذه الليلة في سورة مخصصة لها، في سياق الحديث عن عظمة القرآن الكريم، وعن صلته بالتدبير الإلهي، وعن كونه مرتبطًا بألوهية الله، وملكه، وعظمته، وحكمته، ورحمته، وتدبيره لشؤون عباده، سميت السورة بسورة القدر، وتحدثت في آياتها عن هذه الليلة، {إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ} [القدر: الآية1]، وتحدث عنها- أيضًا– في سورة الدخان، وكذلك الحديث هناك مرتبطٌ بنزول القرآن فيها، والآية في سورة الدخان قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3-4].
فالله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى تحدث في كتابه المبارك عن ليلة القدر أنها ليلة نزول القرآن، ثم هو “جلَّ شأنه” قال في سورة البقرة في القرآن الكريم عن القرآن الكريم، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: من الآية185]، ففي سورة البقرة بيَّن لنا الشهر الذي أنزل فيه القرآن أنه شهر رمضان المبارك، الذي أنزل فيه القرآن، والليلة بالتحديد التي أنزل فيها القرآن هي ليلة القدر، فإذًا ليلة القدر بلا شك ولا امتراء هي في شهر رمضان، ما هناك أي شهر آخر هي فيه، وهي ليلة تستمر حتى مطلع الفجر، كما هو موضح في السورة التي سنتلوها ونتحدث على ضوئها إن شاء الله.
ليلة القدر واتصالها بالتدبير الإلهي
ليلة القدر، لماذا سميت بليلة القدر؟ يقول المفسرون أنها بمعنى ليلة تقدير الأمور وقضائها، وكما في سورة الدخان: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}، يعني: يفصل كل أمر حكيم، بمقتضى حكمة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وعلى ضوء تدبيره الحكيم. الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- هو المدبِّر لشؤون السماوات والأرض، ولشؤون البشرية بكلها، هو ملك السماوات والأرض، ومالك السماوات والأرض، ورب السماوات والأرض، وهو أيضًا رب الناس وملكهم وإلههم، وهو ليس بمعزل عن واقع هذه الحياة، بحيث يتصور أنه إنما فقط- مثلًا– لاحَظَ الجانب التكويني، فخلق الكائنات والمخلوقات، وأعطاها خصائصها، وأعطاها ما فيها من مميزاتها وعناصرها ومؤثراتها، وو…الخ. ثم انعزل عن هذا العالم، يتفرج عليه، ويصبح هذا العالم إما يسير تماتيك وبس، ما عاد به تدخل إلهي نهائيًا، أو أنه ترك هذا العالم يتفاعل طبقًا لتلك التصاميم والتدابير التي قد بناها عليه وانتهى الموضوع، وترك وضع البشر. |لا|، الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- هو الملك المدبر لشؤون السماوات والأرض، والحي القيوم، من أسمائه الحسنى القيوم، ويتحدث عن نفسه في كتابه الكريم أنه المدبِّر لشؤون السماوات والأرض، وأنه الملك، ولذلك نجد في القرآن الكريم آيات كثيرة، يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ} [يونس: من الآية3]، (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) تعني: استيلاؤه وسلطانه وملكه، فهو “جلَّ شأنه” بعد خلق السماوات والأرض لم يترك هذه السماوات والأرض، إنما قام بتدبير أمر السماوات والأرض، وإدارة شؤون السماوات والأرض بشكلٍ مستمر وفق تنظيمه وتدبيره، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ}، يدبر أمر السماوات والأرض، وشؤون السماوات والأرض، ويتدخل في ذلك.
هو القائل أيضًا: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: الآية2]، يقول في آيةٍ أخرى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: الآية5]، فهو المدبِّر لشؤون السماوات والأرض، وواقع السماوات والأرض هو واقع حركي وحيوي وتفاعلي، ليس واقعًا راكدًا ولا جامدًا، وواقعًا متحركًا بشكل كبير، الكون بكله في حالة حركة مستمرة، {كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [لقمان: من الآية29]، وعملية منظَّمة بتدبير حكيم ودقيق جدًّا، والحالة التفاعلية في العالم والكون وفي الأرض حالة تفاعلية مستمرة، وحالة ليست راكدة أبدًا، نجد في واقع الأرض- مثلًا– في الواقع التكويني، كم من متغيرات في اليوم والليلة، متغيرات في شأن البيئة، في شأن الواقع الحياتي، في شأن المخلوقات، في واقعها، في كل شؤونها، والحديث عن هذا الجانب يطول جدًّا، ولسنا بصدد التوسع في ذلك.
هناك جوانب أخرى تتصل بالبشر، والإنسان دوره أساس في هذا الوجود، في هذا العالم، سُخِّر له ما فيه السماوات وما في الأرض، وعليه مسؤولية كبيرة ومهمة، وهذا الدور الذي أتيح له وحُمِّل إياه، كخليفة لله في أرضه دورٌ لا ينفصل عن تدبير الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وعن تدخله، وعن إدارته لشؤون الناس، فهو ملكهم، وإلههم، وربهم، والقيوم: القائم على كل نفسٍ بما كسبت، والقائم بتدبير شؤون عباده على الدوام، لا يغفل لحظة، وبعلمه: المحيط بكل شيء، وهو أيضًا الخبير: العالم بخبر كل شيء، وهو “جلَّ شأنه” الحكيم الذي يقضي في أمور عباده بمقتضى الحكمة، والعزيز الذي يقضي- أيضًا– بمقتضى العزة، والرحيم الذي يقضي ويدبِّر بمقتضى- أيضًا– رحمته.
فالله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى مدبِّر لشؤون السماوات والأرض، وضمن نظام تدبير شؤون البشر، ضمن حكمته، وطريقته، وسنته في إدارة شؤون البشر هناك ليلة في العام، هي: (ليلة القدر)، وسميت باسمها هذا (ليلة القدر) للتعبير عن ماهية هذه الليلة، وما هو شأنها، ما يقضى فيها، ما يدبَّر فيها، فهي ليلة تتصل بالتدبير الإلهي لواقع البشر، لواقع الأرض، وما يقضى للناس فيها، وما يدبَّر في شأنهم وما يكتب.
التدبير الإلهي ومواكبته للواقع المتجدد
والله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى قد علم مسبقًا، وقد قضى مسبقًا، ورتَّب أمور هذا الكون مسبقًا منذ خلقه لهذا الكون، ولكن هناك أشياء كثيرة تتصل بواقع حياة البش، الله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى قال في آيةٍ أخرى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: من الآية13]، والتدبير لواقع البشر ترتبط به أمور متعددة في حكمة الله وتدبيره ورحمته، وفي واقعهم المتجدد.
في الواقع البشري، الله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى عندما أنزل كتابه الكريم في ليلة القدر، كان لهذا دلالتان مهمتان جدًّا:
الدلالة الأولى: عظم هذا القرآن وعظم شأنه، فاختير لنزوله أعظم وأشرف وأقدس ليلة، أقدس وقت في الزمن، وهذا يدل على عظم القرآن وعلى علو شأنه، وعلى عظمته وقدسيته.
ثانيًا: اتصال القرآن الكريم بالتدبير الإلهي؛ لأن محتوى هذا القرآن يتصل بالتدبير الإلهي، فالله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ربط واقع عباده فيما يكتب لهم وفيما يكتب عليهم في أشياء كثيرة جدًّا من شؤون حياتهم بمدى علاقتهم بالهدى، مدى تجاوبهم مع هذا الهدى، مدى ارتباطهم بهذا الهدى، مدى موقفهم من هذا الهدى.
الإنسان لأعماله وتصرفاته وتحركاته في هذه الحياة نتائج محتومة على أعماله، إذا كانت في جانب الخير لها نتائج، إذا كانت في جانب الشر لها نتائج، ويكتب على ضوء ذلك للإنسان أو عليه بحسب اتجاهه في هذه الحياة، والقرآن الكريم أكَّد هذه الحقيقة، منذ قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: الآية13]، خلاص لازم له، مصيره، ما يكتب له، أو يكتب عليه، يترتب على مساره، على قراره، على اتجاهه، على أفعاله، على تصرفاته في هذه الحياة، والله يعامل هذا الإنسان بناءً على ذلك، سواءً كفرد، أو كمجتمع، الإنسان شخصيًا في واقعه الشخصي، في مساره الشخصي، في تصرفاته الشخصية؛ أو كمجتمع في توجهه كمجتمع، فيما يربطه كمجتمع من مواقف مشتركه، من اتجاهات، من تصرفات، من واقع مترابط، وهذه مسألة مهمة جدًّا ندرك هنا مدى أهمية القرآن، أهمية الهدى، أهمية العلاقة بهذا الهدى وما يترتب عليها في واقع الحياة في الدنيا، وما يترتب عليها- أيضًا– في الآخرة.
فإذًا، نلحظ عدة اعتبارات: –
الاعتبار الأول: أن نمتلك الإيمان واليقين بأن المدبِّر لشؤون حياتنا ولشؤون الحياة من حولنا هو الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: هو الذي خلق، هو الذي يحيي ويميت، هو الذي يرزق، هو الذي يُعز، هو الذي يُذل، هو الذي ينصر، هو الذي يقدِّر شؤون العباد، وحياتك مرتبطة بالله فيما يكتب لك أو عليك، هذا يُفترض أن يشدك نحو الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- باعتبار كل أمورك بيده: حياتك بيده، موتك بيده، رزقك بيده، أجلك بيده، العز، الذل، كل ما يُكتب لك أو يدبر لك هو بيده، هو المدبِّر لأمرك، هذا يفترض أن يشدك إليه، هو الذي إن مسَّك بضرٍ فلا كاشف له إلا هو، هو الذي إن يردك بخيرٍ فلا راد لفضله، لا أحد يستطيع أن يمنع عنك هذا الخير، حتى لو اجتمع الإنس والجن على أن يمنعوه عنك لا يستطيعون أبدًا، هذه نقطة مهمة في جانب الإيمان والتقوى والعلاقة بالله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى والارتباط بالله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- إيماننا بأن المؤثِّر، والمدبِّر، والمقدِّر، والمسيطر، والقاهر، والمهيمن، هو الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وأنه هو الذي يملك أن يتدخل في شؤون عباده، وأن يغيِّر وأن يقدِّر ما يشاء ويريد، وبقدرته، وبقهره، وبهيمنته، وبنفوذ أمره وإرادته، هذا يشدنا نحو الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-.
كثيرٌ من الناس ما الذي يصرفهم عن الله؟ ما الذي يشدهم نحو الطاغوت؟ هو الوهم، هو السير وراء السراب والخيال والوهم والغرور، هي الوعود الشيطانية والأمانيّ الشيطانية، يظن أن بإمكانه أن يعتز- مثلًا– يطلب العزة فيسير وراء الطاغوت لينال العزة، والعزة لله جميعًا، بل لله العزة جميعًا، يطلب الرزق مثلًا، يطلب الخير، يريد لنفسه الخير، فيخطئ، ويتوهم، ويغلط، ويسير في اتجاه آخر وراء الشر، يسعى لمكاسب معينة، لاهتمامات معينة، الإنسان- كما قلنا- دائمًا مهووس بالربح والخسارة، بهذا الهاجس: هاجس الربح والخسارة، يخاف ويخشى الخسران، ويسعى لنفسه يريد الخير {وإنه لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: من الآية1].
فالإنسان يسعى ويغلط ويهن، فإذا كان لدى الإنسان هذا الوعي، هذا الإيمان، هذا اليقين: أن كل الأمور بيد الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- هو المدبِّر، وهو المقدِّر، وأن الذي سيتدخل في شؤون حياتك (فيما يكتب لك، أو يكتب عليك) هو الله المقدِّر، والمدبِّر، والذي يحكم ولا معقِّب لحكمه، هذه نقطة مهمة جدًّا.
ثم إن الله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى هو ربنا، وملكنا، وإلهنا، وإله السماوات والأرض، العظيم، الرحيم، الحكيم، القوي، العزيز… إلى آخر أسمائه الحسنى، ومن خلال تلك الأسماء الحسنى، ومن خلال النصوص القرآنية؛ تتضح لنا طريقة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وسنته في التدبير لعباده، تدبير عباده هو من مقتضى رحمته، عزته، حكمته… إلى آخر أسمائه ، وهو “جلَّ شأنه” قد رسم السنن في هذه الحياة التي بنى عليها تدبيره لهذا الإنسان بشكلٍ عام، مثلًا: في مقابل الخير: الخير، في مقابل الشر: العقاب، في مقابل كذا النتائج كذا، في مقابل كذا يترتب على ذلك… وهكذا.
فعلى هذا المستوى نعي وندرك أن الله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى يكتب للناس، أو يكتب عليهم كمجتمع، أو للإنسان كشخص على ضوء اتجاهه وعمله وسعيه في هذه الحياة، ما يسوء بما يسوء، بالسوء من العمل، بالسوء من الفعل، بالسوء من القول، {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: من الآية30]، بأيديكم، لتصرفاتكم، لأعمالكم الأثر، كذلك العلاقة بالقرآن الكريم، بالهدى، بالتعليمات الإلهية، تعليمات إلهية تحقق لنا الوقاية من عذاب الله، الوقاية من الشرور، الوقاية من كل ما فُطرت النفس البشرية على التوقي منه: الخزي، الهوان، الشقاء الـ…الخ.، كل ما فطرت النفس البشرية على الوقاية منه، يتحقق هذا بالإتباع لتعليمات الله والالتزام بتوجيهاته.
طبعًا لا يعني ذلك أن لا يعاني الإنسان في هذه الحياة، الإنسان يعاني في هذه الحياة، هذه الحياة ميدان مسؤولية، ميدان اختبار، ولكن تختلف المعاناة، أولًا: طبيعة هذه المعاناة، هل هي معاناة وأنت في عمل الخير، أو هي معاناة وأنت في عمل الشر؛ لأن الإنسان سيعاني حتمًا، لا بد من أن يعاني، واقع الحياة هو كذلك فيه معاناة، إذا كانت معاناة وأنت في جانب الخير، فهي معاناة مكتوبة، محسوبة إيجابيًا، لها آثارها الإيجابية على نفسك، على واقعك، فيما يكتب لك، مكتوبة حتى النصب، والتعب، والمخمصة، يعني: الجوع، الظمأ، التعب، كل مجهود محسوب ومكتوب، إما يخفف الله عنك سيئات، إما يسقط به عنك وزرًا، إما يحقق لك به نتائج، فهي مثمرة، لها إيجابية، لها قيمة، لها أثر وناتج إيجابي في واقع الحياة، ويدخل معها التيسير من الله، أمامك فرصة للعودة إلى الله، للالتجاء إلى الله، أن ييسر، أن يدفع عنك الكثير، أن يدفع عنك ما هو أكثر مشقةً على النفس، ما هو أكثر تعبًا على النفس، ما هو أكثر خطرًا، ما هو أعظم شرًا، ما هو أسوء عاقبةً.
أما المعاناة في جانب الشر فهي جزءٌ من النتيجة السلبية، وهي حالة سلبية غير مثمرة، لها ثمرة واحدة إذا تذكر الإنسان ورجع فقط، وإلا فتصبح حالة سيئة جدًّا، وتتفاقم، ولها آثارها السيئة، ثم ما وراءها في الآخرة هو أفظع وأنكى وأكبر.
فإذًا، الإنسان إذا فهم، إذا استوعب أن اتجاهه في هذه الحياة وفق توجيهات الله، وتعليمات الله، وتمسكه بهدى الله، فيه السلامة له من الضلال، من الضياع في هذه الحياة، ومن الانحراف عن نهج الله في هذه الحياة، والسلامة من الشقاء حتى على المستوى النفسي، يحس بأنه في طريق عز، في طريق خير، في طريق شرف، في طريق سمو للنفس والكرامة، يحس بقيمة وجوده، بمعنى وجوده، بأهمية وجوده، بثمرة وجوده، يمتلك طموحات كبيرة، آماله عند الله، رجاؤه عند الله، في مغفرة الله، في رضوانه، في الوصول إلى مستقر رحمته، إلى الجنة، بالسلامة من العذاب، وهنا في الدنيا مشدودٌ دائمًا ومتطلعٌ نحو الله، يرجو الله، يرجو نصره، يرجو عونه، يحس بقيمة هذا الوجود، بقيمة هذه الأعمال، بقيمة هذه المسؤوليات، بأهمية ما هو فيه، وما يترتب عليه في الدنيا والآخرة.
أو أن يعيش حالة الضياع، والإحساس بالضياع إذا أتجه اتجاه آخر بعيدًا عن هدي الله، بعيدًا عن نهج الله، بعيدًا عن تعليمات الله؛ فيضيع في هذه الحياة، ويعيش حالة الضياع، حالة التيه، أعمال كبيرة، جهود كبيرة، معاناة كبيرة؛ ثم في النهاية الخسران المبين، يخسر الدنيا والآخرة، ومصيره جهنم في الآخرة.
أهم ما ينبغي أن نطلبه من الله تعالى
والإنسان في حساباته، وهو يلتفت إلى واقع نفسه وما يهمه تجاه نفسه، يُفترض في حساباتنا كمسلمين، نؤمن بالله، ونؤمن باليوم الآخر، نؤمن بعقاب الله ووعد الله ووعيده، أن يشدنا ذلك نحو الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وأن يجعل عندنا اهتمامات وأولويات في هذه الحياة، وأن يُلفت نظرنا إلى التحديات والأخطار الكبيرة، فمن المهم- مثلًا– أن يكون الإنسان حريصًا على النجاة من عذاب الله كمسلم، هذا شيء طبيعي، ثقافتك، منهجك الذي تعود إليه، كتاب الله (القرآن) الذي هو كتاب هداية لك، يثقفك بهذا، يربيك على هذا، يرسخ عندك الاهتمام بهذه المسألة: العتق من النار، وأن يكون من أهم أولوياتك فيما تطلبه من الله لنفسك، وأنت الحريص عليها، الحريص على ما فيه الخير لها، الحريص على سعادتها، الحريص على أن تفوز، أن تفلح، ألَّا تخرج من هذه الحياة بالخسارة والضياع، ثم يكون مصيرك إلى جهنم “والعياذ بالله”.
من أهم الطلبات، وأهم ما نسأله من الله، وأهم ما نرجوه من الله أن يقدِّره لنا، أن يكتبه لنا، هو: النجاة من عذابه، العتق من النار، وهذا كان من أهم الأولويات لدى المؤمنين، لدى عباد الله وأوليائه من الصالحين، تحدث القرآن الكريم عنهم، أنه من أهم اهتماماتهم في دعائهم، فيما يطلبونه من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: الآية201]، {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان: من الآية65-66].
في آخر شهر رمضان، ورد في الأثر: (وَآخِرُه إِجَابَة، وَعِتقٌ مِنْ النَّار)، في ضمن الأولويات والاهتمامات الكبيرة، والقرآن يربيك أن تكون إنسانًا لديه وعي، لديه فهم، لديه اتجاه صحيح في تحديد أولوياته واهتماماته في جانب الأخطار وفي جانب الخير لنفسه، في جانب الخير وفي جانب الشر، أولوياتك في جانب الخير التي تأمل الحصول عليها، والوصول إليها، وأن تتحقق لك في حياتك في الدنيا وفي مستقبلك في الآخرة، ثم المخاطر من جانب الشر التي تحرص على الوقاية منها، والسلامة منها، وألَّا تقع فيها، فتنشد إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- بالدعاء ليَمُنَّ عليك بفضله وكرمه، وبالتوفيق في الواقع العملي، لما ينجيك من ذلك ويقيك من ذلك.
هذه واحدة من أهم المسائل التي يفترض أن يركِّز الإنسان عليها في آخر شهر رمضان: أن ينجيه الله من النار، من عقابه، من سخطه، من مقته، من عذابه، وأن يعتق رقبته من النار، ومن كل ما يسبب للوصول إليها من الأعمال، والأقوال، والتصرفات، والمواقف، أن ينجيه الله من ذلك، ويركِّز على الاهتداء بالقرآن؛ لأن الله رسم وبيَّن ووضَّح ما يسبب إلى الدخول في النار، والأعمال التي هي سبب للوصول إلى الجنة، حديث القرآن يتركَّز على هذا في أمره وفي نهيه.
ثم على المستوى الشخصي الإنسان له متطلباته في هذه الحياة، يطلب من الله التوفيق لما فيه مرضات الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- لما فيه الخير؛ لأن الإنسان إذا حظيي بالتوفيق الإلهي للسير على نهج الله، والتمسك بهدى الله، والطاعة لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- فكل الخير يترتب على هذا، كل الوعود الإلهية. استقامتنا العملية، طاعتنا لله، اهتداؤنا بهديه، التزامنا بنهجه، يترتب عليه كل تلك الوعود التي وعد بها الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: رضوانه، الخير، السعادة، الفوز، الفلاح، النصر، الكرامة، العزة، السلامة، النجاة، الجنة، المغفرة… كل تلك الرغبات والمتطلبات العظيمة والمهمة هي تترتب على ذلك.
فالإنسان يأمل من الله المغفرة، يطلب من الله المغفرة على ذنوبه، على أخطائه، على تجاوزاته، على غفلته، ويحرص بشدة على طلب المغفرة، والنجاة من العذاب، والفوز بالجنة، ويطلب من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- التوفيق لمرضاته، وطاعته، والاهتداء بهديه، والتمسك بمنهجه، هذا من أهم الطلبات التي يحرص عليها الإنسان، ويطلب من الله، هناك للإنسان هموم في هذه الحياة، مشاكل، معاناة، يطلب من الله ما يتعلق برزقه، ما يتعلق بطلباته الملحة، ويربط أموره كلها بحكمة الله، بتدبيره؛ لأن الله هو الأعلم بما هو المصلحة لك، بما هو الخير لك، بما هو الأنفع لك، بما هو الأفضل لك، الإنسان- أحيانًا- يدعو بالشر دعاءه بالخير، يطلب شيئًا فيه شرٌ له، {وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، علم الإنسان محدود، فهمه محدود، يحتاج إلى مساعدة الله ورعاية الله ومعونة الله في كل شيء.
فالاتجاه بناءً على هذا: في سؤل الإنسان وطلباته في أمور حياته، في شئونه، في همومه، في مشاكله، في قضاياه، في أسراره، فيما بينه وبين الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-… إلى غير ذلك. على مستوى واقع الأمة، يفترض أن الإنسان عنده اهتمامات، يطلب من الله ويتضرع إلى الله بالنصر لعباده المستضعفين، والفرج لهم، والهداية لهم، والتوفيق لهم، والعون لهم، واليسر لهم…الخ. وأن يدفع عنهم شر الأشرار، وأن يبطل كيد الأعداء…الخ. ويكون الإنسان متجهًا في ذلك كله بناءً على التوجه العملي والاستجابة؛ لأن الله قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: الآية186]، يكون الإنسان عازمًا، مصممًا، متخذًا قراره بالاستجابة لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- والإيمان به، ويحرص الإنسان على استثمار العشر الأواخر بكلها.
لنعرف أهمية وعظمة ليلة القدر
أيضًا من الجوانب المهمة فيما يتعلق بليلة القدر، وهي ليلة تقدير الأمور وقضائها، وليلة تتصل بالتدبير الإلهي، الإنسان يعرف أن هذه الليلة- أيضًا– ليلة مباركة، ومضاعفٌ فيها الأجر على العمل، وفيها بركة كبيرة جدًّا فيما يتعلق بالأجر والثواب ومضاعفة العمل إلى عشرات الآلاف في أضعاف العمل.
ولهذا يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: الآية1]، يعني: القرآن الكريم، الله ذو الشأن والعظمة أنزل كتابه هذا في ليلة القدر كجزءٍ أساسيٍ متصلٍ بتدبيره وتقديره وما يترتب على ذلك. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: الآية2]، ليلةٌ عظيمة الشأن، كبيرة الأهمية، لها فضلها، لها أهميتها، لها عظمتها، لها شأنها الكبير، هذا تعظيم لها، عبارة تعظيم: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 2-3]، أفضل من ألف شهر، ولذلك يقولون: أن الأعمال تضاعف فيها، وما عمله الإنسان فيها يضاعف بعشرات الآلاف من الأضعاف، ما يعادل ألف شهر، وأكثر من ألف شهر، وإحياء هذه الليلة في العبادة والطاعة كأن الإنسان أحيا أكثر من ألف شهر، تطلع عشرات الآلاف من الليالي، لها أهمية كبيرة جدًّا.
من الغبن ومن الخسران أن تفوت الإنسان ليلة فيها هذه الفرصة الكبيرة جدًّا لمضاعفة الأجر والثواب والعمل الصالح، خسارة رهيبة جدًّا جدًّا، يفترض أن يركِّز الإنسان، هذه غنيمة، هذه رحمة عظيمة من الله، هذه كرامة، من كرم الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن يفتح لعباده مجالًا يحصلون من خلاله على هذا الفضل وهذا الأجر.
{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 4-5]، فيها السلامة من نزول العذاب الإلهي على البشرية إلى حين طلوع الفجر، فهي ليلة عظيمة في تدبير الله وفي شأن عباده، وليلة مهمة جدًّا.
حتى ندرك ليلة القدر
طبعًا، تختلف الروايات في مظان هذه الليلة في إطار العشر الأواخر، وما قبل العشر الأواخر، من الليلة التاسعة عشرة التي قد انقضت، ولكن من المهم أن يعي الإنسان جيدًا أن الطريقة الصحيحة هي الاهتمام بالعشر الأواخر بكلها، وليس فقط ليلة الحادي والعشرين، أو ليلة الثالث والعشرين، أو ليلة السابع والعشرين، أو ليلة التاسع والعشرين، بل العشر الأواخر بكلها، هذه الطريقة الصحيحة، وهي التي ركَّز عليها قدوتنا ومعلمنا وهادينا رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، كان يتجه إلى الاهتمام بالعشر الأواخر بكلها، ويعظم فيها إقباله، واهتمامه، وكثرة عبادته والتجائه إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وتوجهه نحو الله، كان في العشر الأواخر بشكلٍ عام، من دون الاقتصار على ليلة محددة، أو ليلة معينة، بل كان يهتم ويتجه للاهتمام بالعشر الأواخر بشكلٍ عام.
لذلك، الشيء الصحيح هو الاهتمام بالليالي العشر الأواخر باهتمام كبير وإقبال عظيم نحو الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- هذا من المهم جدًّا، ويركِّز الإنسان على التوفيق، والدعاء بحسن الخاتمة، والدعاء بالنصر، والدعاء بالهداية، والدعاء بكل هذه الأهداف الكبرى للإنسان المؤمن التي تعلم في مدرسة التقوى والهدى أن تكون محط اهتمامه، وأولويات بالنسبة له، ولا يغفل عن شئونه الخاصة، البعض- مثلًا– بحاجة إلى الزواج، يطلب من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن ييسر له الزواج بما يحقق له آماله، رجل شاب، أو شابة تطلب- كذلك– أن ييسر الله لها زوجًا صالحًا، تعيش معه حياةً سعيدة، تؤسس معه أسرة طيبة، أو إنسانًا يعاني من المرض، أو إنسانًا يعاني من الفقر، أو إنسانًا يعاني… ولكن لا يغفل الإنسان عن الاهتمامات الكبرى والقضايا المهمة والمصيرية بالنسبة في حياته وشأنه.
نسأل الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن يوفقنا وإياكم لاغتنام هذه العشر الأواخر، ولا ننسى الدعاء للمجاهدين في الجبهات، لا ننسى- أيضًا- قيمة الأعمال الجهادية، قيمة الإحسان، كأسباب للتوفيق والقربة إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-.
نسأل الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن ينصرنا بنصره، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛