المحاضرة الرمضانية الخامسة والعشرون للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 30 رمضان 1439هـ 14-6-2018
بالتقوى والإيمان نصنع النصر ونقهر العدوان
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
محاضرة اليوم هي خاتمة لسلسلة المحاضرات الرمضانية، التي حرصنا فيها أن نستفيد من خلال النصوص القرآنية والآيات المباركة ما يساعدنا ويفيدنا في تعزيز حالة التقوى، التي هي عنوانٌ رئيسيٌ وهدفٌ مهمٌ في عملية الصيام في شهر رمضان المبارك، وقال الله -جلَّ شأنه- في شأن ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: الآية183].
ومن المعلوم أن التقوى هي ثمرة الإيمان الصادق الواعي، الإيمان الصادق، وليس فقط مجرد الإيمان الذي هو ادعاء، كم من المدَّعين للإيمان، الإيمان وفق ما قدَّمه القرآن، الواعي الذي يستند إلى البصيرة والوعي من خلال ما ورد في القرآن الكريم عن أسس الإيمان، عن حقائق الإيمان، عن صفات المؤمنين، فالتقوى هي ثمرة لهذا الإيمان الصادق الواعي، وبالتالي حرصنا خلال كثير من المحاضرات الماضية أن نركِّز على جوانب كلها ذات صلة بالجانب الإيماني، بما يساعد على تحقيق التقوى، التركيز على الإيمان بالله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وترسيخ الإيمان بوعده ووعيده، والحديث عن الجزاء في الدنيا وفي الآخرة، والحديث عن جهنم، والحديث عن الجنة، هو في هذا السياق، ضمن ارتباطه بوعد الله ووعيده، وثمرته: الخوف من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- الخوف من عذابه، من بأسه، من انتقامه، من جبروته، والرغبة إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- والخوف والرغبة جانبان أساسيان، عندما يتوفر الخوف والرجاء، جانبان أساسيان مساعدان في استقامة الإنسان، وفي توجيه مسيرة حياة الإنسان في هذه الحياة، في تصرفاته وأفعاله ومواقفه، الإنسان ينطلق من خلال مشاعر نفسية.
كذلك في الجانب الإيماني المحبة لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وكل هذه المشاعر النفسية، مشاعر الخوف، مشاعر الرجاء، مشاعر المحبة، تمثِّل حوافز ودوافع داخلية في الإنسان تدفعه نحو العمل، نحو الموقف، نحو التصرف، وتؤثِّر بشكلٍ مباشر على الإنسان في أفعاله، في تصرفاته، في التزاماته، في اهتماماته، في مواقفه، والقرآن الكريم أعطى مساحة واسعة تترك هذا التأثير الإيجابي، لها هذا الأثر العظيم والمهم، مما يدفع بالإنسان في صراط الله المستقيم.
أيضًا حرصنا على أن نلحظ الجوانب الإيمانية في مساراتها الرئيسية: العناية بفرائض الله وأدائها والالتزام بها، الانتهاء والحذر من التعدي لحدود الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- الاستقامة السلوكية والأخلاقية، التركيز على جانب المسؤولية، والربط في ذلك بالقرآن الكريم وبالاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهذه كلها جوانب رئيسية تتحقق بها التقوى، ولا يمكن للإنسان أن يغفل عنها، كلما ابتعد عن ذلك أو أهمل في ذلك؛ كلما فرَّط في التقوى، كلما عرَّض نفسه لسخط الله وعذاب الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-.
الأثر العظيم لهدي القرآن الكريم
النصوص القرآنية إذا تأمل فيها الإنسان، والأثر العظيم لهدى الله في القرآن الكريم يصيغ الإنسان المؤمن هذه الصياغة، في نفسيته، في روحيته، في أعماله، في توجهه، في مواقفه، ينطلق في هذه الحياة وهو متحرر من كل المؤثِّرات التي تساعد على استعباده واستغلاله، لا يقبل بأن يكون عبدًا إلا لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- همه وهدفه الأكبر في هذه الحياة وتوجهه نحو الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وهذه مسألة أساسية جدًّا، أساسية جدًّا، بالذات في هذه المرحلة، في هذه الظروف، في مواجهة هذه التحديات التي تواجهها أمتنا الإسلامية، وشعبنا اليمني المسلم العزيز، نرى قيمة هذا الإيمان، أهمية هذا الإيمان في أن نحافظ على هويتنا مجتمعًا مؤمنًا صالحًا مستقيمًا، وأن نرتقي في ذلك، حتى نكون أكثر استجابةً لله، وطاعةً لله، وانسجامًا مع هدى الله، وتمسكًا بهدى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وكذلك حتى نكون أكثر صمودًا وثباتًا وتماسكًا في مواجهة الطاغوت المستكبر، المتمثل بأمريكا وإسرائيل، الساعي إلى استعبادنا واستغلالنا والسيطرة علينا، والذي يوظِّف كل أدواته في المنطقة- أدواته الإقليمية والمحلية- جنودًا مجندة تسعى معه بكل ما تملك لتنفيذ هدفه في ذلك.
لاحظوا، على مستوى العوامل الرئيسية التي تؤثِّر في الناس، مسألة الخوف: الخوف عامل رئيسي لدى الكثير من الناس، يخضعهم للطاغوت، يدفعهم نحو الاستسلام، يشعرهم- دائمًا- بالعجز والضعف، يكبِّلهم عن تحمل المسؤولية، يركعهم ويفقدهم الشعور بالحرية والكرامة والعزة، التربية الإيمانية هي: تعلِّمنا أن نخاف من عذاب الله فوق كل شيء، الله يقول: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: الآية175].
{فَلَا تَخَافُوهُمْ}، القرآن يحررك من كل حالات الخوف من الآخرين، من قوى الشر والطاغوت والاستكبار والنفاق، يحررك نهائيًا من الخوف منها، يرتقي بك حتى لا تكترث بكل ما بأيديها من وسائل للجبروت والقمع، أنت تمتلك من الإيمان بالله، من الإيمان بقضيتك العادلة، من الاستعداد العالي للتضحية، من الوعي بطبيعة الأحداث في هذه الحياة، بطبيعة قوى الشر والطاغوت وما تريده وما تسعى له، من إباء النفس وعزتها وكرامتها، من الثقة بالله والاعتماد عليه والتوكل عليه، من سمو الهدف في هذه الحياة، من اتجاه آمالك نحو الله فيما وعد به في الدنيا والآخرة، ما يحررك من أن تتحول إلى خائفٍ مذعورٍ منهم، وخانعٍ مستسلمٍ لهم.
{أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} [التوبة: من الآية13]، وهكذا من جديد يحررك من الخشية منهم، في مقابل أن تخشى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- تخشى الله -جلَّ شأنه- في أن تفرِّط في مسؤولياتك، في أن تقصِّر في واجباتك، في أن يستعبدك الآخرون، وأن يعملوا على السيطرة عليك، وعلى توجيهك فيما هو معصية لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-.
القيمة الإيمانية اليوم قيمة أساسية للحفاظ على الإنسان المسلم في هويته، في استقامته، حتى لا يتحول في هذه الحياة إلى منافق عميل، ليس له من مهمة إلا أن يكون جنديًا مخلصًا يُنَفِّذ أجندة أمريكا وإسرائيل، ويعمل لما هو لصالحهم؛ لأن قوى النفاق تسعى لتحقيق ذلك تحت راية أمريكا وإسرائيل، إلى تحويل المجتمع الإسلامي إلى مجتمع مجَّند مع أمريكا، كما هو حال النظام السعودي، النظام الإماراتي، يسعون إلى تحويل بقية المجتمع المسلم على شاكلتهم، مجنَّدًا لخدمة أمريكا وإسرائيل، وأجندة أمريكا وإسرائيل، ومصالح أمريكا وإسرائيل، وتصبح وجهته في هذه الحياة هي هذه الوجهة، مشروعه في هذه الحياة هو هذا، اتجاهه في هذه الحياة هو هذا، لا يحمينا إلا الإيمان الواعي الصادق، الاعتصام بالله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- والاهتداء بهديه، والتمسك بنهجه، والاقتداء برسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
لنرسخ في نفوسنا حب الله ورسوله والجهاد في سبيله
على مستوى المحبة لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- والمحبة لرسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- والمحبة للمسؤولية، والتقدير لها، والوعي بقيمتها وأهميتها، يعلِّمنا القرآن أن نكون مؤمنين من هذا النوع الذي يحب الله ورسوله والمسؤولية (الجهاد في سبيل الله) فوق كل شيءٍ في هذه الدنيا، والله حينما قال في كتابه الكريم: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: الآية24]، هذه الآية المباركة هي تعلِّمنا كيف تكون التربية الإيمانية الفعلية والحقيقية، التي أثرها في وجدان الإنسان، في مشاعره، في المحبة، أن يرتقي إلى هذه الدرجة من المحبة لله، فيحب الله فوق كل شيء، فهذا المستوى في المحبة لرسوله العظيم محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيحبه بعد الله فوق كل شيء، ويحبه كعبد لله، ورسول لله في موقع القدوة والقيادة والهداية، يقتدي به، يتأسى به، يهتدي به، والمحبة للمسؤولية من واقع القناعة بها، والوعي بأهميتها، وقيمتها في القربة إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وأثرها العظيم، ونتائجها المهمة في الدنيا وفي الآخرة، {وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ}، هذا الجانب يجب أن يترسخ وأن يتعزز، هو الذي يحرر الإنسان من كل الإغراءات التي تستعبد الكثير من الناس، وتستميلهم لدرجة أن يتمكن الأعداء من شرائهم واستعبادهم، وتحويلهم إلى دمى طيعة وخانعة ومستغلة، لتنفيذ ما يشاؤون ويريدون.
إذا تحرر الإنسان في مشاعره، في خوفه: فلم يخف إلا الله فوق كل شيء، ولم يعد يكترث بأعداء الله، وفي محبته: فأحب الله فوق كل محبة، حتى فوق محبته لأقاربه، الأب، الأبناء، الإخوة، الزوجة، فوق محبة العشيرة، فوق محبة المال الذي كد وسعى لجمعه، فوق محبته للتجارة التي يخشى كسادها، فوق محبته لمسكنه الذي يرتضيه ويرغب به، إذا تحررت المشاعر؛ تحرر الإنسان في واقع الحياة، فلم يعد بالإمكان أن يُستعبد، ولا أن تقهره قوى الطاغوت، ولا أن تستعبده، ولا أن تهزمه أبدًا، مهما كان حجم الأحداث، ومهما كان حجم الصعوبات، ومهما كان مستوى الأخطار والتحديات، هو ذلك الحُر في مشاعره، وبالتالي الحُر في موقفه، والمتجه إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- بهذا المستوى من الإيمان الذي تملَّك مشاعره وجوانحه ووجدانه وإحساسه.
ثم في الرجاء والأمل: آماله، رغباته، رجاؤه، نحو الله فيما وعد به، فيما وعد به في الدنيا والآخرة، ومرضاة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أكبر وأسمى هدف يحمله ويسعى لتحقيقه في هذه الحياة، {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: من الآية72]، أكبر همه وأعظم أهدافه أن يرضى الله عنه، رضى الله الغاية الكبرى والمهمة لديه، هذه هي تربية الإيمان، ويعي ما يترتب على مرضاة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في أن يحظى برعاية من الله، بعون من الله، بتوفيق من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وهو في كل ذلك يرتبط بالقرآن الكريم، يهتدي بالقرآن الكريم، يستبصر بالقرآن الكريم، يساعده على ذلك التجاؤه الدائم بطلب الهداية، وتوجهه العملي؛ لأن القرآن كما قال الله عنه: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: من الآية2]، والمتقون هم يتجهون عمليًا، فيستفيدون من القرآن ويهتدون به في إطار تحركهم العملي، نهوضهم بالمسؤولية، سعيهم للاستقامة والالتزام والطاعة، بهذا يزيدهم الله هدايةً بكتابه القرآن الكريم.
الرسول الكريم القدوة والقيادة والأسوة
يقتدي برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وتحدثنا- عندما وصلنا للحديث عن غزوة بدر- عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو المُعَلِّم والهادي، وهو -صلى الله عليه وآله وسلم- القدوة والقيادة والأسوة، وقدَّمه لنا القرآن الكريم في هذا الموقع: قدوةً، وهاديًا، ومعلِّمًا، ومبشرًا، ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، قدوة في الالتزام والطاعة، والخوف من الله، والاستقامة على منهج الله، وهادٍ في الصراط المستقيم، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ} [الشورى: من الآية52-53].
وأيضًا في موقع المسؤولية، في مواجهة التحديات والأخطار والمشاكل، في الصبر في مواجهة الصعوبات، رسول الله قدوة لنا في ذلك، تحدث الله عن ذلك في سورة التوبة، الرسول قدوة لنا في الجهاد في سبيل الله، {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} [التوبة: من الآية120]، تحدث في سورة الأحزاب في هذا السياق: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: من الآية21].
يا أيها العَالِم، يا أيها المثقف، يا أيها المسلم في أي موقع من مواقع المسؤولية، في أي مسار من مسارات الحياة أنت، إن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هو القدوة والأسوة، هو الذي جاهد، هو الذي واجه الطاغوت والاستكبار، هو الذي ضَحَّى، هو الذي عَانَى، هو القدوة لك، الذي تحرك بكل عظمة، بكل ثبات، بكل صمود، بكل صبر في مواجهة كل التحديات والأخطار والمشاكل والصعوبات، لا تنكسر أمام التحديات، قدوتك رسول الله لم ينكسر أبدًا، لا تخنع أمام الطاغوت، قدوتك هو رسول الله الذي قهر الله به كل طواغيت الأرض، لا تهُن، ولا تصب بحالة التراجع والضعف، فقدوتك هو رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي هو أعظم البشرية جميعًا في مستوى إيمانه بالله، وصموده، وثباته، ونهوضه بالمسؤولية، وتحمله في مواجهة الصعوبات والشدائد، هو قدوتك، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، ولا تتنصل عن المسؤولية وتتهرب منها، ذاك رسول الله لم يتنصل ولم يتهرب.
الاقتداء بالرسول يحمينا من أنماط التدين المنحرف
وتحدثنا عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ لأن الاقتداء برسول الله يحقق للإنسان السير في الاتجاه الصحيح، ويقدِّم لنا الحالة التطبيقية السليمة للدين؛ لأنه- كما قلنا- هناك اتجاهات تقدِّم لنا أشكالًا وأنماطًا من التدين والدين الذي ينحرف بنا عن جادة الصراط المستقيم، ويطوِّعنا لصالح الأعداء: إما اتجاه الجمود والخنوع الذي ينتهجه البعض، الجمود الكامل، وتعطيل جانب المسؤولية، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والولاء، والعداء، وهذا الاتجاه- بشكل تلقائي- يحوِّل الأمة إلى أمة سهلة، يمكن للعدو أن يسيطر عليها بكل بساطة، ما الذي يحول بينه وبين ذلك؟ وأن يستعبدها، وأن يستغلها، وأن يهيمن عليها، وأن يسحقها، وأن يذلها، وأن يقهرها، واتجاه الجمود والخنوع والتنصل عن المسؤولية أبدًا لا يعبِّر عن الاسلام في منهجه المتكامل، ولا عن الإيمان في حقائقه، رسول الله هو القدوة، {لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ} [التوبة: من الآية88]، {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ}، آيات كثيرة في القرآن، لدرجة أن الله يقول للرسول: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: من الآية84]، هل بعد هذا شيء؟!
أو الاتجاه الآخر: اتجاه التوحش الأعمى الذي عليه التكفيريون، تعبئة للقتال، تعبئة حتى للتضحية والشهادة، ولكن مع فصل عن المسار الصحيح والاتجاه الصحيح، ومع تعبئة من الحقد والكراهية والضغينة للمجتمع الإسلامي، وتدجين بشكل معين يحوِّل الإنسان إلى مجرد قنبلة يمكن لليهودي أن يقذف بها المجتمع الإسلامي في أي بقعةٍ شاء وأراد، حالة منفصلة عن الوعي والبصيرة، حالة تعتمد على أسس معينة: تكفير للمجتمع المسلم، تعبئة ضد القوى الفاعلة في الأمة التي تحول بين أمريكا وإسرائيل وبين إكمال سيطرتها التامة على الأمة، القوى المتحررة من هيمنة الطاغوت والاستكبار، التعبئة عليهم تحت عنوان: [رافضة، ومجوس، وكفار، وعناوين كثيرة]، التوحش الأعمى الذي يربي الناس ليكونوا أداة بيد أمريكا وإسرائيل، بات هذا واضحًا ومكشوفًا، كما حدث في سوريا، فكانوا في الجبهة الواضح تبعيتها لأمريكا، الموقف الأمريكي تجاه الوضع في سوريا ما هو؟ الاستهداف لنظام الأسد، باعتبار ارتباطه بمحور المقاومة، ومناهضة أمريكا، والمواجهة لإسرائيل، كانوا في ذات الجبهة، الاستهداف للنظام السوري لهذا الهدف نفسه، ضمن البوصلة الأمريكية، ضمن التوجه الأمريكي، ضمن التوجه الإسرائيلي، وصلت حالة التعاون بينهم وبين إسرائيل أن تدعمهم بالسلاح، أن تجاهر بارتياحها لموقفهم، بدعمها لموقفهم، أن تداوي جرحاهم.
في العراق- كذلك- كانوا ضمن البوصلة الأمريكية، في اليمن كذلك، واليوم من يقاتلون؟! ما هو الموقف الأمريكي تجاه الأحداث في اليمن؟!
الموقف الأمريكي واضح، هو في رأس وطليعة الاستهداف لنا كشعب يمني مسلم، هذا واضح جدًّا، موقف صريح معلن وبيِّن، والباقون من الأدوات يشتغلون- تحت- في إطار هذا الموقف الأمريكي والإسرائيلي، نفس الشيء إسرائيل عبَّرت من خلال نتنياهو ومسؤولين آخرين، ومن خلال وسائلها الإعلامية، ما هي وجهتها في العدوان في اليمن، أين اتجاهها، هل اتجاهها لمساندتنا كشعب يمني؟! لا. هل اتجاه أمريكا لوقف العدوان علينا، أو أنها هي التي ترعى هذا العدوان، وتوجهه، وتشرف عليه، وتديره، وتوفر له الغطاء، وبسلاحها نُقْتَل، وبخططها نُحَارَب؟! وهم كانوا في ذات الجبهة، في ذات التوجه.
جماعة يزيد ومنهجهم في التحريف
وطبعًا في سياق حديثنا عن غزوة بدر حاول أولئك الحاقدون، أولئك المسيئون لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يقتطعوا فقرة من سياقها- في سياق الحديث عن غزوة بدر- وأن يفصلوها عن مدلول سياقها، ويحاولون أن يروِّجوا لها كفقرة مقطوعة عن السياق للتشويه، وهذا من الخذلان لهم أن لا يتوفقوا ليستفيدوا من هذه المحاضرات، بما فيها من التذكير من خلال كتاب الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وأن ينشغلوا بالتحريف والتشويه والإساءة إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وغير غريبٍ عليهم فعل ذلك، هم الذين وصلوا في إساءتهم لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لدرجة أن يجعلوا من التعظيم له شركًا، إذا أنت تعظم رسول الله، يتهمونك بالشرك، ويعتبرون التعظيم لرسول الله شركًا، والاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، بدعةً ومعصيةً يستحق الإنسان أن يعاقب عليها- بنظرهم- أقصى العقوبات، وهم يقتدون بيزيد، يزيد الذي كان يلعب هذه اللعبة بالتحريف وفصل النصوص عن السياق، وعندما أراد أن يبرر سكره وشربه للخمر قال في شعره المشهور:
ما قال ربك ويلٌ للذي سكروا بل قال ربك ويلٌ للمصلينا
أتى ليقطع (فويلٌ للمصلين) عن سياقها وعن دلالتها في مضمونها، ويقدِّم لها مدلولًا آخر، هم جماعة يزيد، يشتغلون بنفس الطريقة, الخذلان لهم! سياقنا في الحديث كان واضحًا في أن رسول الله هو رسول مجاهد، هو قدوةٌ في الجهاد، في تحمل المسؤولية، في مواجهة الصعاب والتحديات والأخطار والمشاكل، رجل مواقف، رجل مسؤولية، لم يتهرب من المسؤولية، ولم يتنصل عنها، ولم يتهرب عن مواجهة المشاكل كيف ما كانت، هذا هو المعنى الحقيقي الذي أردناه في ذلك السياق وفي ذلك الحديث.
فعلى كُلٍ، نحن معنيون بالاهتمام بالتمسك بالقرآن الكريم، أن نسعى لصياغة توجهنا في هذه الحياة في أفعالنا، في تصرفاتنا، في مواقفنا، في ولاءاتنا وعدائنا على أساس القرآن الكريم، والاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهذا الذي يحقق لنا التقوى.
أنشطة مشكورة خلال الشهر الكريم
هنا أيضًا ندخل في محور آخر في حديثنا، وبفضل الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- كان هناك أنشطة واسعة في شهر رمضان المبارك، الخيرون في الشهر المبارك، وبعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية نشطت خلال شهر رمضان المبارك نشاطًا خيريًا بارزًا في مساعدة الضعفاء والمساكين والفقراء والمحتاجين، الجانب الرسمي بذل جهودًا متميزة، وحظي فيها بمعونة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- فتمكَّن من توفير نصف الراتب في أول الشهر، وهو يقوم الآن بتوفير نصف راتب- بجهود كبيرة- مع قدوم العيد، وهذا جهد متميز ومشكور.
أيضًا، كان هناك جهود كبيرة لتوفير الغاز، وبتوفيق الله، وبرعاية الله، وبفضل الله، وبرحمته كان هناك نجاحات جيدة، مع وجود الكثير من العوائق، ولكن لأول مرة- منذ بداية العدوان- يتوفر الغاز بهذا السعر وبهذه الكيفية، كان هناك جهود في أمانة العاصمة لتوفير المياه، لربما هذا الشهر المبارك متميز عن كثير من ما مضى في توفر المياه، والغاز، وتنظيم المرور، والنظافة، وبعض الأشياء المتميزة.
كذلك كان هناك حضور شعبي واسع ومشرِّف وإيماني في مناسبة يوم القدس العالمي، وهذا كان أمرًا عظيمًا ومهمًا ومعبِّرًا عن هذا الاستشعار للمسؤولية، عن هذا الوفاء لقضايا الأمة الكبرى.
كذلك كان هناك هبة شعبية وقبلية متميزة عندما حصل أول اختراق فيما يتعلق بالساحل الغربي، وتحرك الكثير من المقاتلين الشرفاء الأبطال والأعزاء إلى الجبهات في الساحل الغربي.
ليكن رمضان منطلقًا لتعزيز حالة التقوى
ما بعد شهر رمضان يسعى الإنسان أن يكون امتدادًا لما قد استفاده في شهر رمضان من طاقة إيمانية، طاقة روحية، لنتحرك في مواجهة المشاق والأخطار والصعوبات.
ما بعد شهر رمضان المبارك، نأمل أن نخرج بطاقة إيمانية قوية، بزيادة في الوعي، وأن يكون المسار هو نفسه، الاستمرار في تعزيز حالة التقوى، حالة الإيمان، حالة الوعي، الاتجاه العملي في كل المسارات، تعزيز الحالة الأخلاقية والقيمية والسلوكية على أساسٍ من الإيمان والتقوى، تعزيز الروابط الاجتماعية، والعلاقات، والتعاون، والاهتمام بالجانب الخيري، والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين والمساكين، الاستمرار وباهتمام كبير فيما يتعلق بالتصدي للعدوان، والتحمل للمسؤولية في مواجهة قوى الطاغوت والاستكبار، الساعية لاستعبادنا والسيطرة علينا وعلى بلدنا.
ثمرة هذا الإيمان تتجلى في واقع الحياة، أما حالة الزيف وحالة الإدعاء هي كثيرة، القرآن لا يقبل بها، والإنسان بحاجة إلى صدق مع الله، يمكنه أن يُخَادِع في هذه الحياة، لكن خداعًا للناس، أما الله لا يمكن مخادعته، والإنسان بحاجة إلى أن يتوجه بجدية وبصدق مع الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ويعتمد على الله في ذلك، يلتجئ إلى الله، لا يغتر بنفسه، لا يُعجب بنفسه، لا يعتمد على نفسه بعيدًا عن الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- نبي من أنبياء الله يقول: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: من الآية88]، نبي، يقول: [أنا لا أعتمد على نفسي، ما أتوفق في أي شيء إلا بتوفيق الله]، أنت بحاجة إلى توفيق الله في كل عمل، في كل اتجاه، في كل موقف، تحتاج إلى هذا التوفيق، كن دائم الالتجاء إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-.
رسول الله محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين، والذي كان يدعو الله، يطلب من الله: (لَا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ أَبَدًا)، [في أي شيء من أموري، في كل شؤون حياتي، في أدائي للمسؤولية، في تحركي العملي، في إيماني وطاعتي، وفي كل شؤون حياتي، لا تكلني إلى نفسي، أنا عبدك الضعيف، أنا عبدك العاجز، أنا عبدك الذي لا حول لي ولا قوة إلا بك، ولا توفيق لي إلا بك وبما توفقني له]، الالتجاء إلى الله، الاعتماد على الله {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: من الآية8]، الاستعانة بالله {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: من الآية5].
كذلك ترسيخ الإيمان بوعد الله ووعيده وبالآخرة، وبالجزاء، وأن الإنسان إذا انحرف عن نهج الله، إذا لم يسر في الاتجاه الصحيح، متمسكًا بكتاب الله، مقتديًا برسوله، فهو خائب وخاسر وهالك، هذه قضية أساسية، الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: الآية6]، (قُوا أَنفُسَكُمْ): اسع لأن تقي نفسك أنت، اعمل على أن تقيها من عذاب الله، من تلك النار، كيف تقيها؟ بالعمل الصالح، بالاستجابة لله، بالتحمل للمسؤولية.
التحديات تفرض علينا أن نكون أكثر إحساسًا بالمسؤولية
التحديات والأخطار من قبل قوى العدوان، هي تبذل كل جهدها وكل سعيها إلى احتلال بلدنا والسيطرة علينا، اليوم نحن أحوج بأن نكون أكثر إحساسًا بالمسؤولية، هذا جانبٌ أساسيٌ؛ لأن الكثير من الناس يقعد، يرضى لنفسه بالتخاذل، وسبب ذلك هو ضعف إحساسه وشعوره بالمسؤولية، يجب أن نكون أكثر وعيًا وأعلى استعدادًا وأكثر استشعارًا للمسؤولية أمام الله.
قوى العدوان بطاغوتها، بإجرامها، باستكبارها، بجرائمها، وما تسعى لتحقيقه، وهو السيطرة التامة علينا، لو قبلنا بذلك، لو خنعنا في ذلك، هذه كارثة علينا أمام الله في الدنيا والآخرة، لا يرضى الله لنا أن نقبل على أنفسنا بالذل والهوان والقهر، أن نقبل لقوى الطاغوت تلك من حركة النفاق في الأمة، التي ارتبطت بأعداء الأمة من الأمريكيين والإسرائيليين، أن يستعبدونا، وأن يسيطروا علينا، وأن يتحكموا بنا، وأن يظلمونا ويقهرونا، هذا ما لا يرضى الله لنا أن نقبل به، المسؤولية في التصدي لهذا العدوان هي مسؤولية إيمانية، ومسؤولية إنسانية، ومسؤولية وطنية، لكل الذين كانوا يقولون لنا على الدوام: [الوطن الوطن الوطن الوطن]، خلاص، تفضلوا الوطن معرَّض للخطر، خطر الاحتلال والغزو الأجنبي، الذي يعتمد على كثير من مرتزقة بينهم المنافقون من أبناء البلاد.
الساحل الغربي ومطامح العدوان
على كُلٍ، اليوم نحن معنيون، ومعركة الساحل الغربي معركة رئيسية في هذا العدوان؛ لأن قوى الغزو والاحتلال على مرِّ التاريخ- وليس فقط في هذا الزمن- على مرِّ التاريخ كانت تركِّز على جزر اليمن، على سواحله، على مدنه الساحلية، على مناطقه الساحلية، هذا كان هدفًا رئيسيًا واستراتيجيًا لكل القوى الاستعمارية، لكل الغزاة الأجانب على مرِّ التاريخ.
واليوم اتجاههم للسيطرة على الجزر وعلى السواحل، بدءًا من جزيرة سقطرى، إلى جزيرة ميّون في باب المندب، إلى السواحل والمدن، مثلما حصل في عدن والمخا، هدفهم السيطرة الكاملة، هذا هدف لأمريكا، وهدف لإسرائيل، وهدف لبريطانيا، قبل أن يكون هدفًا للإمارات، وقبل أن يكون هدفًا للنظام السعودي.
الإمارات هي أداة، المنافقون والمرتزقة من أبناء البلد هم أداة، جنود ينفِّذون المهمة، لكن لصالح مَنْ؟ لصالح الأمريكي، لصالح البريطاني، لصالح الإسرائيلي، الذي يرى في السيطرة على هذه المواقع الاستراتيجية مسألة حيوية وأساسية له على مستوى العالم بكله، وهذا هدف له على مستوى المنطقة بكلها، وعلى مستوى بلدنا.
نحن معنيون بالتحرك الجاد، العدو- بالتأكيد- يسعى إلى التصعيد في أيام العيد؛ لأنه يؤمل أن الناس في أيام العيد يفرغون الجبهات، ويذهبون إلى منازلهم لقضاء فترة العيد مع أسرهم، اليوم ليس الوقت وقت ذلك: وقت الذهاب إلى المنازل وقضاء فترة العيد مع الأسر، اليوم نحن نخوض معركة التحرر، معركة الكرامة، معركة الإباء، معركة في مواجهة الطاغوت والاستكبار، نحن معنيون بالصمود ودعم معركة الساحل، ومعركة الحدود، والانتباه في كل الجبهات، والتحرك الجاد بوعي، معركتنا مع مَنْ؟ معركتنا مع أمريكا وإسرائيل، الباقون هم أدوات تنفِّذ تلك الأجندة، الأمريكي يرى في جنديه وفي ضابطه أنه أغلى من أن يضحِّي به في الميدان، ويسعى أن يكون الفداء له هو الضابط الإماراتي، والجندي السوداني، وذلك المرتزق اليمني، المنافق الخائن اليمني، يريد أن يكونوا هم الفداء له، أن يقتلوا في الميدان هم، أن يأتي هو في- نهاية المطاف- في أي بقعة قد أطمأن إلى أنهم قد أكملوا السيطرة عليها، ولم يعد بالإمكان أن يلحق بجنوده وضباطه أي خطر، أو يصل إليهم أي ضر، يأتي ليضع له- في نهاية المطاف- قاعدةً هناك، كما فعل في العند، لكن طالما هناك أخطار. لا، يريد أن يكون من يباشر هذا الخطر هم أولئك الأغبياء، التافهون: الإماراتيون، السودانيون، اليمينيون من المنافقين والمرتزقة، وليس من الشرفاء الذين لهم موقف آخر ومختلف.
فنحن معنيون بأن نخوض هذه المعركة بوعي، بوعي مَن هم أطرافها الحقيقيون، من هم الذين يسعون لذلك، الباقون جنود لهم خدم لهم، والقوى الاستعمارية على مرِّ التاريخ كانت تفعل هكذا، من يقرأ أيام حركة الاستعمار البريطاني، هل كانت بريطانيا يوم استعمرت جنوب اليمن واحتلته، ويوم احتلت مناطق كثيرة في هذا العالم، تتحرك فقط بجنود بريطانيين من بريطانيا، من سكان لندن، وسكان الولايات والأماكن والمدن البريطانية، أم أن معظم جيشها الذي احتلت به مناطق كثيرة في العالم- آنذاك أيام نشاطها الاستعماري- كان من مناطق مختلفة، بما فيه من اليمن؟ كان هناك في الجنوب آلاف مؤلفة من المقاتلين، على رأسهم سلاطين وقادة يتبعون بريطانيا، ويقدِّم نفسه على أنه يمني، ويخوض المعركة لصالح بريطانيا، ومن أجل أن تتمكن بريطانيا من السيطرة على محافظات الجنوب، هذا الذي كان يحدث، ويكون هناك في بعض المحافظات سلطان، اسمه: [فلان ابن فلان] يمني، لكن الأمر عليه ممن؟ الأمر عليه للبريطاني.
اليوم هناك في المحافظات الجنوبية الأمر- في النهاية- لمن؟ للإماراتي، ومن الذي يأمر الإماراتي، الأمريكي بالتأكيد، تأتي المسألة لا تختلف عما كان في الماضي، ولذلك- مثلًا– عندما نشاهد بعض اليمنيين، هم مرتزقة، هم خونة، حالهم كحال من قاتلوا- آنذاك- مع بريطانيا، ومن قاتلوا في المراحل الماضية مع قوى استعمارية أخرى، حالهم حال أي خونة في هذه الدنيا، خانوا وطنهم، وخانوا شعبهم، وخانوا أمتهم.
أكبر غزو وأخطر.. يقابله أعظم صمود وأقوى!
ومهما يكن، نحن نقول للناس، نتوجه إلى أبناء تهامة الشرفاء، وإلى أبناء شعبنا العزيز: في معركتنا هذه خيارنا هو الصمود، وأنا قلت في كلمة سابقة: نحن اليوم والله أقوى وأفضل حالًا في تصدينا لهذا العدوان من أي مرحلة واجه فيها آباؤنا وأجدادنا- على مرِّ التاريخ- القوى الاستعمارية، بلدنا ليست هذه أول مرة يتعرض لغزو أجنبي، وسعي لاحتلاله من قوى خارجية. لا، على مرِّ التاريخ كم وكم وكم، ولكن هذا الغزو هو بالفعل أكبر غزو، وأخطر غزو، وأقوى عدةً وعتادًا من أي غزوٍ سبق على مرِّ التاريخ، وفي نفس الوقت صمود شعبنا في هذه المرة، ثباته، استبساله وقوة موقفه في الميدان أقوى من أي مرحلة على مرِّ التاريخ، لأول مرة يعجز الغزاة الأجانب عن الوصول إلى صنعاء لأكثر من ثلاث سنوات وهم يحاربون، على مرِّ التاريخ كانوا يصلون في وقت أبسط وأسرع، لكن- في نهاية المطاف- كان يسعى شعبنا لتحرير كل مناطقه التي تمكَّن الغزاة الأجانب من احتلالها.
أما اليوم، بحمد الله، العمق الاستراتيجي لليمن، منطقة جغرافية واسعة وكبيرة ورئيسية، وفي نفس الوقت فيها الكثافة البشرية، لا تزال حرة، ولا تزال ظهرًا قويًا ودافئًا ومتماسكًا بعون الله، بإذن الله، بفضل الله، لتحرير أي مناطق قد تمكَّن العدو من اختراقها، هو اشتغل على مناطق إما أن وضعها الجغرافي، مثلًا: مناطق معينة كلها صحراوية، أو الغالب عليها أنها شبه صحراوية، ويستفيد فيها من كثرة آلياته، ومن زخم الطيران، الذي يسعى من خلاله إلى استهداف أي أهداف أرضية مكشوفة، عندما أقول عوامل موضوعية أقصد: أنه- أحيانًا– استفاد من هذه الأمور: مناطق شبه صحراوية، عادةً يكون المقاتل فيها من أبناء الجيش واللجان مكشوفًا؛ لأنها مناطق لا يوجد فيها سواتر من الأشجار ولا من الجبال، مكشوفة، صحاري مثلًا، أو مناطق كان له فيها حاضنة شعبية بفعل الاستثمار في المشاكل السياسية، كما فعل في بعض المحافظات الجنوبية، أو بفعل التعبئة التكفيرية التي ترسِّخ الولاء للنظام السعودي والإماراتي، وتسلخ الإنسان من هويته الوطنية والإسلامية؛ فيصبح عدوًا لأبناء شعبه، مواليًا للنظام السعودي، ويعتبر الملك السعودي وليًا لأمر المسلمين كافة.
وأنا في كثير من كلماتي نصحت شعوبنا الإسلامية وكافة الدول العربية بالحذر من الفكر التكفيري الوهابي؛ لأنه فعلًا يرسِّخ الولاء للملك السعودي، يعتبره ولي أمر المسلمين، ويعتبره خليفة، مهما كان عبدًا لأمريكا، وخانعًا لأمريكا، ومواليًا لأمريكا، فيعتبره خليفة للمسلمين، يعني: مسألة خطيرة جدًّا على كل الدول، على المصريين أن يكونوا حذرين من ذلك، وإلا- في نهاية المطاف- سيتحرك التكفيريون هناك، ويحاولون أن يخضعوا مصر لصالح النظام السعودي، وعادةً يصبح أي نشاط تكفيري في أي بقعة من بقاع العالم العربي والإسلامي أداة للنظام السعودي والإماراتي، يحركانها متى أرادا، ضد أبناء ذلك الوطن، أو تلك الدولة، أو تلك السلطة، مسألة يجب الالتفات إليها جيدًا والانتباه لها، في الجزائر يجب أن يكونوا متنبهين حتى لا تتكرر المأساة، مثلما حصل في الماضي، في بلدان كثيرة يجب أن يكون الناس متنبهين.
نخوض المعركة بقوة الحق وعدالة القضية عندنا في واقعنا اليوم، يجب أن نكون متنبهين على أننا في موقف القوة: قوة الحق الذي نمتلكه، وعدالة القضية التي نحن فيها، وطبيعة المعركة التي نحن نخوضها؛ لأنها معركة تحرر، ومسألة إيمانية؛ لأننا لو خنعنا لحركة النفاق في الأمة، وأخضعتنا لأمريكا ولإسرائيل؛ لخسرنا هويتنا وإيماننا وكرامتنا وحريتنا، ولم يبقَ لنا من الإسلام إلا ذلك الشكل التي تريده أمريكا، كشكل تدجيني، وشكل يصنع لها أيادٍ وأذرعه تضرب بها أين ما شاءت وأرادت، والإسلام بمنهجه العظيم، بنبيه، بقرآنه، بتعاليمه السامية والعظيمة, هو أشرف وأقدس من أن يحوِّلنا إلى أداة طيِّعة وخانعة لأمريكا وإسرائيل.
المناطق تلك التي استطاعوا السيطرة عليها بفعل حواضنها الشعبية، التي كان البعض فيها، وليس بكلهم، البعض، كم هناك من أحرار في المحافظات الجنوبية، وأحرار وشرفاء وكرماء في المحافظات الشرقية، أما أبناء تهامة فالأغلبية الساحقة أحرار وشرفاء، ومواقفهم عظيمة، ولكن الأحرار في المحافظات الجنوبية وفي المحافظات الشرقية وأحرار تهامة بحاجة إلى مساندة قوية من الدولة، ومن الشعب في بقية المحافظات، حجم المعركة يتطلب ذلك، طبيعة الظروف تحتاج إلى ذلك، وحتى في المناطق الصحراوية وشبه صحراوية والبراري تلك لا يزال فيها جبهات صامدة وصلبة وقوية، ومثَّلت حالة استنزاف كبير جدًّا على مدى أكثر من ثلاث سنوات لقوى الغزو والعدوان.
اليوم أي اختراق في أي بقعة لا ينبغي أبدًا أن يحدث أي ارتباك أبدًا، والتركيز هو على التصدي للعدوان، على التحرك لعمليات واسعة، على تأمين الزخم البشري الذي تحتاج إليه معركة الساحل، إذا توفر الزخم البشري يمكن استعادة كل المناطق التي توغل إليها العدوان من خلال اختراقات من بعض البراري، بعض الصحاري، من بعض الأماكن المكشوفة، فيمكن- كذلك– حتى طردهم من أكثر الأماكن، وما هناك- بالنسبة لنا- أي تأثير- نهائيًا- على مستوى الموقف، يعني: البعض من الناس- مثلًا– يوم تمكَّنت قوى العدوان من احتلال بعض المحافظات الجنوبية البعض أُربكوا، والبعض اضطربوا حتى في خياراتهم ومواقفهم.
ركزوا بين السلة والذلة.. وهيهات منا الذلة
شوفوا، نحن ننطلق من موقف مبدأي، يعني: المسألة عندنا إما أن نكون أحرارًا في هذه الحياة، ولا نكون عبيدًا إلا لله، وهذه مسألة عندنا إيمانية ودينية، وجزء رئيسي في ديننا، وهي ضمن مفهوم لا إله إلا الله، هي حتى قبل الصلاة والصيام والزكاة والحج، من مفهوم لا إله إلا الله، وإما أن نكون عبيدًا لمن؟ للمنافقين، الذين هم عبيد لمن؟ لأمريكا، عبد لعبد اليهودي، وهذه مسألة عندنا فيها قرار حاسم ونهائي، والله أَنَا شَخصِيًّا– وما أنا إلا أقل من الكثير في هذا الشعب في إيمانهم، في صمودهم، في ثباتهم، في عظمتهم، في أخلاقهم، في قيمهم، في إبائهم، في عزتهم، في كرامتهم- لَأَن أَتَحَوَّل إلى ذرات صغيرة وأجزاء تتطاير في الهواء، أحب إلي، وأرغب عندي، وأشغف إلى قلبي من أن أخنع لأولئك الطواغيت، المستكبرين، الأذلاء، المهانين، الذين نراهم كيف يكونون أمام ترامب، أمام ابنته، أضعف وأذل وأقل وأحقر من أي إنسان، كيف كان ملكهم ينظر بعين الانكسار إلى ترامب يوم زار السعودية! يعني: نأسى لحال سلمان، ينظر بعينه هكذا نظرة انكسار أمام ترامب، ويجبر نفسه ويجهد نفسه ليقوم ليرقص له، وهو- أحيانًا- يصلي لله من قعود، بينما يجبر نفسه أن ينهض ليرقص لترامب من قيام، هذه حالة عجيبة.
بالتالي نحن بالنسبة لنا موقفنا حاسم، كذلك عندنا قناعة, استنادًا إلى ثقتنا بالله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- إيماننا بكتابه، إيماننا بوعده ووعيده، استنادنا إلى التاريخ في كل التاريخ، استنادنا إلى التاريخ المعاصر، إلى وقائع في الدنيا، لبنان التي تحررت من سيطرة إسرائيل، غزة التي تحررت من قبضة الكيان الصهيوني، دول أخرى في العالم تحررت، فيتنام التي واجهت غزو أمريكا، دول بأكملها، كوبا التي صمدت خمسين عامًا في الحصار، وقائع وشواهد في كل الدنيا تقول وتؤكِّد وتثبت أن سنة الله أن ينصر عباده الأحرار في مواجهة الطاغوت والمستكبرين، هذه سنة من سنن الله، تحتاج إلى صبر، تحتاج إلى ثبات، إلى عزم، إلى إرادة، إلى إيمان، وشعبنا أهلٌ لهذا كله، أوليس هو يمن الإيمان! إن لم يتجسد هذا الإيمان، إن لم يتجلَ هذا الإيمان، إن لم يظهر هذا الإيمان في الموقف صمودًا وثباتًا وتماسكًا، فأين هو، فما قيمته، فأي إيمانٍ هو؟! إيمان المطاوعة: تطلق لحيتك، والا تقصر ثوبك، والا تجول بالمسواك في فمك عرضًا وانتهى الموضوع! قيم أكبر من كل ذلك، أهم من كل ذلك، فوق كل ذلك.
نحن مستمسكون بالعروة الوثقى
فنحن نقول: ثمرة الإيمان، أعظم ثمراته، وأقوى ثمراته، هي: الإباء والعزة في مواجهة الطاغوت، الله يقول في القرآن الكريم: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا} [البقرة: من الآية256]، لاحظوا، {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ}، من هو طاغوت العصر؟ أمريكا وإسرائيل، وحركة النفاق: النظام السعودي والإماراتي، ومن معهم ممن يسعى إلى تدجين الأمة، وإخضاع الأمة، وإركاع شعوب المنطقة، لمن يريدون، ولصالح من يفعلون ذلك؟ إلا لأمريكا وإسرائيل، يذهب الإماراتي إلى أمريكا، ويقول أمام ترامب- في حالة من الخشوع، والتواضع، والانكسار، والرهبة، وجلالة الموقف عندما يكونون عند ترامب- يقول: [أنا أحب أمريكا مثلما أحب الإمارات]، مسكين، إنا لله! حالة قضعاء، محاول يتودد بكل حالة.
هؤلاء الذين ولاءاتهم لأمريكا- كما يقولون هم– يحبونها كمحبتهم لأنفسهم، نحن نقول لهم: نحن نربي أنفسنا كشعبٍ يمني– يمن الإيمان- على أن يكون الله ورسوله والجهاد في سبيله أحب إلينا من أنفسنا، من آبائنا، من أبنائنا، من أزواجنا، من عشيرتنا، من أموالنا، من مساكننا، من تجارتنا، إذا أنتم وصلت حالة الانحطاط والانكسار في علاقتكم وارتباطكم وتوليكم لأمريكا إلى هذا المستوى، تحبونهم كحب الله {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} [البقرة: من الآية165]، فالمسألة بالنسبة لنا مسألة حاسمة، شعبنا العزيز بإيمانه ويقينه لن يهون، ولن يستكين، ولن يخنع، ولن يركع، ولن يخضع إلا لله رب العالمين، التطورات أو الاختراقات التي تحصل في الميدان لن تكسر من إرادتنا، ولا من عزمنا، ولا من صلابتنا، ولا من ثباتنا، ولن تغيِّر في موقفنا، على العكس نزداد قناعة بأن المعركة باتت أوجب، وأن الموقف بات ألزم، آباؤنا وأجدادنا في الوقت الذي كان العدو والغازي الأجنبي قد احتل كل البلد من أقصاه إلى أدناه، من شرقه إلى غربه، كل اليمن، قد احتله كله، في الأخير، يصل الناس إلى قناعة أنه لا بد أن يتحرروا، وأن يطردوا ذلك الغازي الأجنبي الذي قد تمكَّن من احتلال كل البلد، يثورون ويعملون على طرده، يحاربون أربعة وعشرين عامًا، ستة وعشرين عامًا، أربعة عشر عامًا، يحاربون ويعملون على طرده، حتى يتمكَّنوا من تطهير هذا البلد، وفعلوا ذلك، ونجحوا في ذلك، وقدَّموا التضحيات لأجل الوصول إلى هذا الهدف، وتحقق هذا الهدف، حتى سميت اليمن- آنذاك- بمقبرة الغزاة.
واليوم- كذلك- نحن بفضل الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– باعتمادنا عليه وتوكلنا عليه، بالتجائنا إليه، بقناعنا بعدالة قضيتنا، في موقف أفضل ومتقدم، ونأمل- إن شاء الله، بمعونة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– أن نتحرك بما هو أقوى وأكثر فاعلية، والعدو قد وصل إلى درجة كبيرة من الوهن والتعب والإرهاق؛ لأنه دخل في هذه المعركة بكل ثقله، ولأن الأمريكي عمل على استغلال قوى النفاق أقصى حد ممكن من الاستغلال، ومعه البريطاني، ومعه الإسرائيلي حتى، وأطراف كثيرة، عملوا على حلب البقرة الحلوب، التي وصلت اليوم إلى مستوى اقتصادي متردٍ لكثرة ما حلبوها، بات ضرعها يؤلمها (يوجعها)، حلبوها بكل شدة، القبضة الترامبية هذه للحلب قبضة شديدة جدًّا.
فالعدو هو في حالة من الإرهاق {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ} [النساء: من الآية104]، منا الشهداء، هذا صحيح، ومن أعز الرجال وأغلاهم، ولكن من العدو- كذلك– آلاف مؤلفة من الخسائر التي تكبدها، على المستوى البشري: الكثير من القادة قتلوا، والآلاف المؤلفة من أفراده قتلوا، آلاف الجرحى، آلاف المعاقين، هذا على مستوى قوته البشرية، وتكبَّد خسائر كبيرة جدًّا في الإمكانات: كم آلاف مؤلفة من آلياته العسكرية دُمِّرت، أُعطبت، أُتلفت، طائرات كثيرة أُسقطت، بارجات كثيرة دُمِّرت، آخرها البارجة التي دُمِّرت بالأمس القريب دُمِّرت في البحر، كم خسر؟! وأكبر خسارة له هي الإذلال والفشل على مدى أكثر من ثلاثة أعوام، بالرغم من كل ما يمتلكه من إمكانات ومن قدرات، بالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا العزيز، هذا نفسه عامل مهم، ويجب أن يتحرك الناس- ولو كانت الأيام أيام عيد- لإسناد الجبهات.
في العام الماضي كان العنوان وكان الشعار (أعيادنا جبهاتنا)، وساهم ذلك في إفشال مؤامرات الأعداء لاستغلال العيد للتقدم، وللعلم يعني هم حاولوا أن يستفيدوا تاريخيًا، ذات مرة في التاريخ استفاد الغزاة من يوم العيد، فحققوا تقدمًا في بعض المناطق، هم حاولوا الاستفادة في الأعوام الماضية من يوم العيد على طبيعة الاستفادة من الماضي، وطبعًا الدلّال للأمريكيين في المنطقة، دلال الاستعمار هو البريطاني، هو يلعب دور الدلال، سمَّاه البعض بهذا الاسم، وصدقوا في ذلك، يعلب دورًا قذرًا وسيئًا، حتى في معركة الساحل هو ينشط في ذلك.
الساحل الغربي كبير، ويتحول- إن شاء الله، بمعونة الله، وبالتحرك الفاعل والمسؤول لشعبنا العزيز للجيش واللجان والأحرار والقبائل- إلى مستنقع يُغرق أولئك الغزاة والطامعين.
طبعًا بالنسبة ليوم الغد، الكلمة اليوم سجلت في فترة آخر النهار، لم نقطع بعد إن كان يوم الجمعة هو يوم العيد، سيظهر هذا من خلال الإعلان الرسمي الذي سيسطر على أساسه بيان من دار الإفتاء اليمنية، إذا كان الغد هو العيد، نحن نتوجه إليكم جميعًا بالتبريك، وإلى الجبهات والشرفاء الأحرار فيها، إلى أبناء أمتنا الإسلامية، ونحث على إخراج صدقة الفطرة؛ لأنها مسؤولية دينية، وواجب ديني، وفيها مواساة للفقراء الذين هم أحوج الناس إلى الرعاية، وأن لا يكون يوم العيد يوم بؤسٍ لهم، وعناءٍ لهم، وفقرٍ لهم.
أسأل الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، أن ينصرنا بنصره، وأن يعيننا بعونه، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن يوفقنا لمرضاته ولنكون من عباده المتقين، وأن يعتقنا من عذابه، ومن ناره، ومن سخطه، ومن مقته، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛