كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة الذكرى السابعة لثورة 21 سبتمبر 1443هـ
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في هذه المناسبة والذكرى العزيزة نتوجه بالتبريك لشعبنا اليمني العزيز، وهذه المناسبة ذات أهميةٍ كبرى؛ لأنها تتعلق بإنجازٍ عظيمٍ لشعبنا العظيم، ولثورةٍ لا زالت مستمرة، تمثِّل أهميةَّ كبيرةً لشعبنا في أهدافها، في مضمونها، في نتائجها، فيما يتعلق بحاضره، وفيما يتعلق بمستقبله.
ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر هي ثورةٌ ضروريةٌ، انطلق فيها شعبنا، وتحرك فيها شعبنا من واقع الضرورة، والحاجة الإنسانية والأخلاقية.
إذا جئنا لنستذكر ما قبل هذه الثورة، وتلك الوضعية التي كان يعاني منها شعبنا العزيز؛ ندرك بكل وضوح الحتمية لهذه الثورة بكل الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية، وباعتبار المصلحة الحقيقية لهذا الشعب العزيز.
ما قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر هي مرحلة الوصاية: الوصاية الخارجية على شعبنا، الوصاية التي من خلالها فرَّطت القوى السياسية آنذاك باستقلال وحرية شعبنا وبلدنا، وهو تفريطٌ كبير، وتفريطٌ كارثي، يترتب عليه النتائج الخطيرة جداً، والتي كانت ستمتد لتصل بالوضع في بلدنا إلى الانهيار التام من جانب، وإلى الاحتلال الكامل والسيطرة الخارجية الكاملة على هذا البلد وعلى هذا الشعب، وهذا أسوأ ما يمكن أن يحدث لبلدنا، وأخطر ما يمكن أن يحدث على شعبنا.
في تلك المرحلة وبقرار من مجلس الأمن تواطأت معه بعض القوى الداخلية، والتي كانت في سدة الحكم آنذاك، وكانت هي في الوضع الرسمي التي تقود البلد رسمياً آنذاك، وُضِعَ البلد هذا تحت البند السابع، ونصب وصياً عليه (على هذا الشعب)، ومتحكماً في قراره، وآمراً وناهياً ومقرراً في كل شؤونه: السفير الأمريكي، وانتقل القرار وصلاحية اتخاذ القرار من الرئاسة (المقر الرسمي في البلد لإدارة شؤون هذا البلد) إلى السفارة الأمريكية، التي أصبحت هي المقر الرئيسي، الذي يدار منه أمر هذا البلد، وتعد فيه الخطط، وتنطلق منه التوجيهات والأوامر لإدارة شؤون هذا البلد، وكان هذا واضحاً وجلياً ورسمياً، ولم يكن عن طريق الخفاء، ولم يكن عن طريق محاولة التفافية، ويتم إخراجه بصورة مقبولة، أصبح أمراً واضحاً رسمياً، وبطريقة وقحة للغاية، وبشكلٍ غريبٍ جداً.
أصبحت القوى السياسية والجهات الرسمية في البلد، تتعامل مع السفارة الأمريكية على هذا الأساس، على هذا الأساس، وأصبحت الوصاية على شعبنا وبلدنا مسألةً رسميةً، ليس هناك أي جدل بشأنها، ولا أي نقاش، وأصبحت في الجو العام وكأنها مسألة حتمية، مقبولة، ينبغي أن يتقبلها الجميع، وأن يتحرك على أساسها الجميع.
في ظل تلك الوضعية من الوصاية المعلنة الرسمية التي تسند بقرار علني من مجلس الأمن، ويتم العمل على أساسها في شؤون البلاد على المستوى الرسمي، اتجه الوضع في البلد في كل المجالات بلا استثناء إلى الانهيار:
الوضع السياسي كان يتعقد يوماً فيوماً، ويسوء أكثر، وتكبر الأزمة السياسية في البلد.
الوضع الاقتصادي كان يتفاقم، وكانت معاناة شعبنا تزداد، ليس بفعل الظروف، ليس لأن هناك حصاراً مفروضاً على شعبنا في وصول احتياجاته ومتطلباته الأساسية، وليس لأن موارده وثرواته الطبيعية تعيش أو تكون تحت احتلالٍ مباشرٍ معلن، وسيطرة خارجية معلنة، الوضع بناءً على أنها ثروات هذا البلد، وأن إيراداتها لمصلحة هذا الشعب، ولمصلحة الدولة، ولمصلحة المرتبات…إلخ.
ثم أيضاً على مستوى بقية الأمور، مثلاً: الحكومة آنذاك، الجانب الرسمي والسلطة في البلد آنذاك، تظهر على أنها متحالفة مع الأمريكيين والأوروبيين والخيلجيين، وأنها تحظى بمساندة دولية، وأنَّ لها علاقات طبيعية مع كل الدول، بمعنى: أنها في واقعها على أساس أنها في ظل ظرفٍ طبيعي، وليس في ظل وضعٍ استثنائي، يبرر أن يكون هناك أزمات، وأن يكون هناك معاناة، لا، أمامك آنذاك في صنعاء سلطة، تحظى بعلاقة مع كل الدول، تحظى بمساندة دولية، يقول المجتمع الدولي ويعلن على أنه معها، وأنه يدعمها، وأنه يقدِّم لها المساعدات المالية، والدعم السياسي والمادي… وغير ذلك، مع كل ذلك، أزمات اقتصادية خانقة جداً، وتتجه نحو الانهيار الاقتصادي التام.
ثم على المستوى الأمني، انهيار أمني شامل، تصبح صنعاء بنفسها مسرحاً للاغتيالات والتفجيرات، تنتشر القوى التكفيرية، وعملاء أمريكا من التكفيريين والقاعدة والدواعش، القاعدة آنذاك هي التي -قبل أن يظهر عنوان داعش- تنتشر في معظم أرجاء البلد وصولاً إلى صنعاء، وبتسهيلات واضحة، اغتيالات حتى للموظفين الرسميين، استهدافات مكثفة للأكاديميين وللنخب في هذا البلد، تفجيرات شاملة تستهدف الأمن، وتستهدف الشعب، وتستهدف الكل، فالحالة الأمنية يعبَّر عنها بالانهيار الأمني، الاستهداف حتى للمنتسبين للأجهزة الأمنية في الأمن السياسي آنذاك وفي غيره.
ثم على بقية المستويات: الوضع الاجتماعي يزداد سوءاً، الحالة الإعلامية والثقافية والفكرية كلها تصب في اتجاهٍ يساعد على تفكيك النسيج الاجتماعي لشعبنا، على ضعضعة الوضع الداخلي في بلدنا، على تفاقم الأزمات في كل المجالات، ولم يكن أيٌّ منها يتجه على نحوٍ إيجابي، يتجه بشعبنا نحو سياسات إيجابية، أو معالجات للمشاكل بطريقة صحيحة وسليمة… أو غير ذلك، حتى على المستوى الأخلاقي، الذي كان يعمل عليه الأعداء هو أن يسلبوا من شعبنا هويته الإيمانية، أن يجرِّدوه من كل عناصر القوة المعنوية مع المادية؛ حتى يصلوا به إلى الانهيار التام؛ ليتمكنوا من السيطرة التامة عليه وهو في حالة استسلام، لم يعد يمتلك أي عناصر للتصدي لكل ما يعاني منه من استهداف.
وهذه الحالة واضحة، يعني: نحن هنا لا ندَّعي ادِّعاءات باطلة، أو نتكلم بما ليس معروفاً، يكفي أن يعود الإنسان ويستذكر تلك المراحل لمن عاشها، ويستذكر تلك الحقائق وهي معروفة، أو حتى على المستوى الإعلامي، هي أمور معروفة، وكان الكل يعترف بها، فهو وضعٌ غريب، لم يكن وضعاً سليماً، أن يكون هناك سلطة في البلد، وأن تكون مدعومةً ومسنودةً من المجتمع الدولي، من الأمريكيين والأوروبيين والخليجيين، وأن يكون لها علاقات دولية مع الروس والصين، ومع شرق الأرض وغربها، وأن يكون الوضع الذي في البلد ليس في حالة حصار خانق، ولا حرب شاملة، ثم تكون الأمور كلها تتجه نحو الانهيار في كل المجالات، حالة خطيرة جداً، حالة سلبية جداً، معناه أنَّ الإدارة لشؤون هذا البلد، والتي على رأسها أولئك الأوصياء، الذين جعلوا منهم أن يكونوا هم في مقام الوصاية على البلد، أنهم كانوا يرتِّبون الأمور في طريقة إدارتهم لشؤون هذا البلد بما يحقق أهدافهم الشيطانية، هم بكل وضوح كانوا يتجهون بهذا البلد إلى الانهيار التام.
عندما نستذكر ما يتعلق بموضوع الجيش، ما الذي فعلوه في مسألة الجيش؟ قصة غريبة، كانوا يسلبون منه كل عناصر القوة، عملوا على تفكيكه، عملوا على إضعافه، كانوا يجرِّدوه من وسائل القوة، اتجهوا إلى سحب سلاح الدفاع الجوي وتدميره في مراسم وحفلات مع عملائهم الخونة، الذين كانوا في مناصب رسمية.
اتجهوا إلى تفكيك الجيش من الداخل بكل أشكال التفكيك، زرعوا المشاكل داخل الجيش، عبثوا بوضع الجيش تحت عنوان الهيكلة، اتجهوا آنذاك أيضاً إلى السيطرة على الصواريخ، وكان لديهم برنامج لتدمير الصواريخ الباليستية.
اتجهوا إلى العبث في القوات الجوية، لدرجة أنَّ الطائرات الحربية كانت تسقط في وسط صنعاء، كانت تسقط وهي في أنشطتها الاعتيادية الروتينية، تسقط في وسط صنعاء.
اتجهوا إلى العبث في القوات البحرية حتى أوصلوها إلى حافة الانهيار، كل عناصر القوة كانوا يتجهون للسيطرة عليها وتجريدها من كل عوامل قوتها، واستغلوا الوضع السائد آنذاك في توجه القوى السياسية من جانب، وفيما كان هناك من إفلاس لدى البعض: البعض من المسؤولين، البعض من القوى السياسية، إفلاس على كل المستويات: إفلاس على مستوى الإحساس بالكرامة، إفلاس على مستوى الانتماء الوطني، إفلاس على مستوى الانتماء الإيماني، فوجدوا آنذاك ظروفاً مهَّيأة، يعملون فيها بكل راحة للوصول إلى أهدافهم التي كانت تشكِّل خطورة كبيرة على هذا الشعب.
طبعاً لو استقر الوضع أو استمر الوضع على ما كان عليه، لو لم يثر شعبنا، واستمرت الحالة على ما هي عليه، استمر مثلاً الوضع الاقتصادي حتى وصل إلى الانهيار التام، واستمر الوضع السياسي إلى مستوى الانهيار التام، استمر الوضع الأمني إلى مستوى أسوأ مما كان عليه، مع أنه بالنسبة للوضع الأمني كان قد وصل إلى مستوى يمكن القول عنه بالانهيار، يمكن توصيفه بالانهيار، انتهى وضع الجيش بشكلٍ كامل، معناه: أنَّ البلد كان يذهب نحو التفكك، نحو الضعف التام، نحو الاستسلام التام، معناه: أنَّ القواعد الأمريكية التي كانت قد بدأت بما فيها قاعدة في وسط صنعاء للمارينز الأمريكي، وقاعدة في العند، أيضاً ستُوسَّع في أماكن ومواقع جغرافية ذات أهمية كبيرة في بلدنا، ومعناه: أنَّ القاعدة كانت تؤدي دورها بالقدر الذي يريده الأمريكي ليوصله إلى تبرير احتلاله وسيطرته التامة، ومعناه: أنَّ البلد تحت عنوان الأقلمة كان سيتأقلم، ثم تأتي بعده مرحلة الانفصال، ويمزق إرباً إربا، هم كان يهيئون لذلك بالنعرات الطائفية التي اشتغلوا عليها على نحوٍ ساخنٍ جداً، وإلى درجة أن يوصَّف البعض من أبناء شعبنا بأنهم مجوس، وبأنهم كفرة، وبأنهم كافرون بالنبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وأنهم يسيئون إلى زوجاته وأصحابه، وأنهم… كانت المعركة ساخنة، والعمل جارٍ على قدم وساق لكل ما يساعد على تفكيك أبناء هذا البلد،
على مستوى النعرات المناطقية، كان العمل عليها ساخناً جداً، يهيئ كل نطاقٍ جغرافي أن يكون له موقف حاسم من بقية النطاقات الجغرافية في البلد، على المستوى السياسي، على المستوى الاجتماعي، كان العمل جارياً على قدم وساق، والأداء الإعلامي والشغل على المستوى الثقافي والفكري كان ساخناً جداً، يهيئ كله لهدفٍ رئيسي يصب في مصلحة أمريكا وإسرائيل وبريطانيا والغرب، والأهداف الغربية، التي تستهدف منطقتنا بشكلٍ عام، عالمنا العربي والإسلامي بشكلٍ عام، وأيضاً بلدنا كذلك كجزء من هذه الأمة.
فلم يكن القعود، الرضا بتلك الوضعية أو الاستسلام لها، يمثل حلاً لشعبنا؛ لأنه كان سيوصل شعبنا إلى أن يخسر كل شيء: أن يخسر حريته، لا يبقى شعباً حراً، يكون شعباً ليس له أي قرار في أمر نفسه، يكون حق اتخاذ القرار فيما يخصك أنت كيمني، حصرياً للسفير الأمريكي وأعوانه، يتعاقب على ذلك سفراء أمريكا من سفير إلى سفيرة، يرسلون أحياناً سفيرة، تكون هي في الواقع الفعلي أميرة اليمن، المتحكمة بكل شؤونه، قد تكون يهودية، قد تكون كافرة، قد تكون ملحدة، وقد تكون تافهة عابثة فاجرة، ويكون لها كامل الصلاحيات في أن تقرر في شأن أي يمني، أي قبيلة يمنية، أي محافظة يمنية، حتى في حق النخب ما تشاء وتريد في كل المجالات، وفي ظل التوجهات الأمريكية، وفيما يخدم الأطماع الأمريكية غير المشروعة، ليس في حدود المصالح الأمريكية المشروعة، وإنما الأطماع غير المشروعة.
أضف إلى ذلك، مع خسارة الحرية، نخسر هويتنا الإيمانية، نصبح شعباً يتآمر الأعداء، يعمل الأعداء على تجريده من هويته الإيمانية، وكان لهم برنامج واضح في هذا السياق، على مستوى استهداف المناهج، حذف آيات قرآنية منها (المناهج الرسمية آنذاك)، تقديم بدائل ذات يعني تخدم التوجهات الأمريكية حتى تجاه إسرائيل، حتى تجاه إسرائيل، شغل واسع في هذا الاتجاه، كان هناك تركيز أمريكي على المناهج، على السياسة التعليمية، على المعلمين والمعلمات، ودورات، وفرض سياسات وتوجهات، هناك شغل على المستوى الإعلامي، وسيطرة على الطرح الإعلامي، والاتجاه الإعلامي؛ حتى يكون دائماً يفككوا الساحة الداخلية، ويعزز النفوذ الخارجي، وعلى رأسه الأمريكي في البلد، كان هذا واضحاً، واضحاً جداً.
أضف إلى ذلك- وهذه خسارة للدين والدنيا- أن يخسر شعبنا حريته، كرامته، استقلاله، هويته الإيمانية، أن يتحول إلى شعب بائس، تحت سيطرة أعدائه، ثم يفتح المجال فيه لمن؟ للإسرائيلي، ليأتي في عنوان أو تحت عنوان التطبيع، والظروف مهيَّأة تماماً؛ لأنه حيث تعمل أمريكا، هي تحسب حساب مصلحة إسرائيل؛ لأن إسرائيل بالنسبة لأمريكا، هي وكيلها الرئيسي في الشرق الأوسط، فيما يطلقون عليه بالشرق الأوسط، ليس السعودي هو الوكيل لأمريكا في المنطقة، وإن كان يرغب في ذلك، ويسعى لذلك، وليس هو الإماراتي، وإن كان سعى لذلك، وقدَّم الكثير من أجل ذلك في خدمة أمريكا، ولا أي بلد عربي أو إسلامي يمكن أن تعتمد عليه أمريكا ليكون وكيلاً فعلياً لها في منطقتنا وعالمنا العربي والإسلامي، الوكيل الأساسي هو الإسرائيلي، البقية أدوات، تنظر إليهم أمريكا بما توصِّفهم به من: عملاء، أو بقرة حلوب… أو أيٍّ من هذه التوصيفات الرديفة، ولكن الأمريكي يحسب دائماً حساب إسرائيل، وكان هذا ملحوظاً في واقعنا اليمني، كان هناك أيضاً في البرنامج الأمريكي مع المسؤولين، وفي الترتيبات والتهيئات، ما يمهِّد لذلك، وفي نهاية المطاف يكون اليمن أرضاً مجزَّأة مقسَّمة، يعيش شعبها البؤس، الانهيار، النزاعات والصرعات بلا أي داعٍ، بلا أي مبرر، ويعيش الشعب اليمني مسحوقاً ذليلاً مقهوراً، فقد حريته وعزته وكرامته، وخسر الدنيا والآخرة، هذا أمرٌ لا يمكن أن يقبل به إنسانٌ بقي له ضميره الإنساني، بقي له مشاعره الطبيعية، وإحساسه بإنسانيته كإنسان، بآدميته كآدمي، فما بالك مع ذلك شعوره بانتمائه الإيماني.
الإنسان الذي يؤمن بالمبادئ الإيمانية، بالقيم الإيمانية، الإنسان الذي يعي معنى (لا إله إلا الله)، ويؤمن بمدلول (لا إله إلا الله)، فهو لا يقبل بأن يكون عبداً لأعدائه، بأن يخسر حريته لمصلحة أعدائه، بأن يعيش بائساً، مستذلاً، محتقراً، مهاناً، مهدر الكرامة، لا قيمة له، لا كرامة له، لا شرف له، مضطهداً من جانب أعدائه، لا يمكن أن يقبل، وشعب اليمن الذي يقول عنه الرسول صلوات الله عليه وعلى آله فيما روي عنه: (الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية)، لو قَبِل بذلك، واستمر على ذلك، ووصل إلى نتائج كارثية رهيبة جداً، يخسر فيها كل شيءٍ من أجل ذلك؛ لما كان بقي له إيمان، ولما كان بقي له حكمة، ولما كان جديراً أصلاً بأن يقول عنه الرسول صلوات الله عليه وعلى آله هذا المقال، ويقلِّده هذا الوسام العظيم، ولكن الخير باقٍ في هذا الشعب، ما كان شعبنا بقبائله، والتي كانت هي الركيزة الأساسية لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، وتعيش النخوة، والشهامة، والإباء، والشرف، والعزة، ولا تزال تحتفظ برصيدها الإيماني والأخلاقي والقيمي، وبالكثير من الصالحين في هذا البلد من مختلف أطيافه ومكوناته، الذين كانوا في غاية الاستياء من تلك الوضعية، وكانوا يدركون ما يعني أن تستمر تلك الوضعية، كيف تكون مآلاتها، نتائجها، عواقبها الكارثية والمرّة والخطيرة، التي لا يمكن أن تطاق.
فبدافع الشعور الحي، الضمير الحي، الإحساس الإنساني، الكرامة الإنسانية، الانتماء الإيماني، الهوية الإيمانية، العزة الإيمانية، الكرامة الإيمانية، التي كان لا يزال لها وجود، ووجود كبير في قلوب وشعور الكثير من أبناء هذا الشعب، من أحرار هذا الشعب، من رجال هذا الشعب، من نساء هذا الشعب أيضاً، كان هناك استياء كبير، وعدم رضا، ولا قبول باستمرارية تلك الوضعية الكارثية الشنيعة الفظيعة المخزية، لا يمكن آنذاك القبول بها، وأن تستمر في واقع هذا الشعب، إلَّا ويكون ذلك عاراً أبدياً على أبناء هذا البلد، وخزياً شنيعاً فظيعاً يتقلَّده أبناء هذا البلد لو استمر ذلك.
فآنذاك كان لنا مشاوراتنا لقاءاتنا مع الكثير من أبناء هذا الشعب، من العلماء، من النخب، من القبائل، وتوجهنا جميعاً كشعبٍ يمني من مختلف مكونات هذا البلد، من مختلف أطيافه، ليس فقط على مستوى مذهب واحد، أو منطقة واحدة، أو محافظة واحدة، أو مثلاً على المستوى النخبوي جهة واحدة، الأحرار من مختلف المكونات، من مختلف المذاهب، من مختلف المحافظات، تحرك الجميع وهم يستندون إلى مشاعرهم الإنسانية، وضميرهم الحي، وانتمائهم الإيماني، وكرامتهم الإنسانية، ومن واقع الشعور بالمسؤولية، ومن واقع المعاناة الحقيقية، التي كانت معاناة ناتجة عن ذلك العبث، عن ذلك الاستهتار، عن ذلك الاستهداف من السفير الأمريكي وأعوانه من خارج اليمن ومن داخل اليمن، تحرك الجميع تحركاً ثورياً متميزاً، في ثورة أقل ما نقوله عنها، أقل ما نقوله عنها: أنها من أعظم الثورات المتميزة والراقية، التي كان الأداء فيها، الأداء الثوري فيها له مميزات كثيرة:
أولاً: أنه عبَّر عن الشعب كل الشعب، لم يعبِّر عن فئة واحدة من أبناء هذا الشعب، لا على المستوى العرقي والسلالي والمناطقي والمذهبي، ولا على أي مستوى، عبَّر عن الشعب كل الشعب، تجاه معاناة ومخاطر تستهدف كل أبناء هذا الشعب، في كل المحافظات، وكل الأطياف.
على مستوى الأهداف والمطالب، هي مطالب تعود لمصلحة كل الشعب اليمني، وأهداف هي لمصلحة كل الشعب اليمني، على مستوى المكونات الذين تحركوا من النخب، من القبائل، كذلك يعبِّرون عن أبناء هذا الشعب، من مختلف المحافظات، من مختلف المذاهب، من مختلف الأحزاب، من مختلف المكونات بكل أشكالها.
على مستوى أيضاً الأداء الراقي جداً، الذي اعتمد على الحكمة، على حسن التصرف، على المسؤولية، على الرشد، على التحمل، آنذاك كانت الدعامة والركيزة الكبرى في الانطلاقة الثورية، هي: لقبائل اليمن، قبائل اليمن الحرة والعزيزة، والتي كانت دائماً ما توجه إليها الإساءات، فنسمع الكثير من الإساءات إلى المجتمع، مجتمعنا في مكوناته القبلية، يقدِّمون صورةً سلبيةً عنه، وكأنَّ القبيلة عنوان للتخلف، والهمجية، واللا وعي، واللا معرفة، واللا علم، فقدَّمت القبائل في اليمن أرقى صورة لثورة- كما قلنا- أقل ما نقوله عنها أنها من أرقى الثورات في أدائها الراقي جداً، ليس فيها شوائب سيئة جداً، لا تصفية حسابات، لا إقصاء، لا جرائم بحق الناس، بحق المجتمع، بحق الأبرياء.
والخطوات من أول مظاهرة ومسيرة كبرى، في مظاهرة الإنذار، ومسيرة الإنذار، التي خرجت آنذاك، مسيرة الإنذار خرج فيها الشعب وبزخم ثوري هائل، بشكل كبير جداً، وقدَّم في البداية إنذاراً للجهات الرسمية؛ لتكف عن ذلك العبث الذي تنفِّذه في ظل الوصاية الخارجية، كان هناك تجاهل، العملاء هم لا يعرفون حقيقة هذا الشعب، هم لا يؤمنون به، هم ينظرون إليه على أنه شعب مسكين يمكن السيطرة عليه، يمكن تدجينه، يمكن اللعب عليه، والخداع له، ولم يكونوا يدركون حقيقة الوضع وما قد وصل إليه؛ لأنهم صمٌ بكمٌ عميٌ، ولأن اعتمادهم على الخارج، وإيمانهم بالخارج، ورهانهم على الخارج، وعلى الأمريكي نفسه، جعلهم ينظرون بازدراء تجاه قوة هذا الشعب، فاعلية هذا الشعب، وهو شعبٌ يعتمد على الله سبحانه وتعالى، يعتمد على الله، ومنذ اللحظة الأولى هو انطلق وهو يعتمد على الله، ويتوكل على الله سبحانه وتعالى، ويثق بالله سبحانه وتعالى، وكفى بالله ولياً، وكفى بالله نصيرا.
منذ اللحظة الأولى كنا ندرك مشكلة الدور الخارجي، وأنَّ الذي يواجه هذه الثورة الشعبية في حقيقة الأمر هو الخارج قبل أولئك العملاء، وهذا الذي حصل، حصل مما يسمى بالدول العشر- وعلى رأسهم الأمريكي، هو الأساس فيهم- أن وجَّهوا لنا التحذيرات، ووجَّهوا إلينا الإنذارات، وأرسلوا إلينا الرسائل، ووجَّهوا الضغوط، وهددوا، وأرعدوا، وأبرقوا، وحاولوا أن يخيفونا، وأن يخيفوا شعبنا، أن يوقفونا عن التحرك، لكنهم فشلوا.
استمرت بعدها الخطوات الثورية المدروسة، الراقية، المنظَّمة، في المخيمات في محيط الأمانة (أمانة العاصمة) في صنعاء، ثم في صنعاء، وتحمَّل الناس ما واجهوه آنذاك من الاستفزازات، من الاعتداءات، إلى مرحلة معينة باتت الصورة فيها واضحة أنَّ التوجه هو لارتكاب أبشع الجرائم بحق هذا الشعب، بعدما ارتكبوا المجزرة الأولى والمجزرة الثانية، وبات الأمر واضحاً أنَّ هناك توجه لتقديم غطاء دولي لأي جرائم مهما كانت، الأمريكي حاضر أن يجعل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمجتمع الدولي آنذاك يقدم الغطاء الكافي لأي جرائم بحق هذا الشعب، حينها حسمت المعركة، لكن على نحوٍ أذهل العالم، حسم الأمر بطريقة راقية جداً، وتم السيطرة على الوضع في أمانة العاصمة بطريقة راقية جداً، لم يكن هناك نهب لا للبنوك، لا للمتاجر، لا للأسواق، لم يكن هناك اعتداءات على المواطنين، ولا على الأبرياء، الناس في منازلهم بكل أمن واطمئنان، وخرجوا إلى الأسواق بكل اطمئنان، انتشرت اللجان الثورية بطريقة راقية، سيطرت على الأوضاع، طردت أبرز العملاء، الذين كانوا يريدون أن يواجهوا عسكرياً، حسمت المعركة معهم بنصرٍ عظيمٍ من الله، وتأييدٍ إلهيٍ كبير، وتمت السيطرة على الأوضاع، ومع ذلك قدَّمت الثورة الشعبية أيضاً فرصة للكل، في إطار عنوان مهم جداً آنذاك، عنوان السلم والشراكة، ويمثل كلٌّ منهما (السلم والشراكة) عنواناً منطقياً، جذَّاباً، مقنعاً، بمعنى: أنَّ الثورة دعت الجميع إلى تحقيق السلم والاستقرار في هذا البلد، والشراكة بين مكونات هذا الشعب، والتحرك بناءً على أسس، وبناءً على بعضٍ من البنود المهمة، أو مجموع تلك البنود التي تضمنتها وثيقة السلم الشراكة.
لكن اتجه أولئك- الأمريكي ومن معه من عملاء الداخل، ومن معه من الخارج، من السفراء إلى جانبه، وزراؤه الأساسيون الحقيقيون- إلى التآمر من جديد، والسعي من جديد، إلى الالتفاف على هذا الإنجاز الشعبي الكبير، إنجاز العملية الرئيسية في ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
واتجهوا من جديد إلى الالتفاف في مراحل متعددة: مرحلة تشكيل الحكومة، مرحلة التوجه نحو فرض أشياء عسكرية، أمنية…إلخ، وكانت لعبتهم واضحة، إلَّا أنه ما كان لنا ولم يكن أبداً من جانبنا أن نقبل بأن يخسر هذا الشعب ما قد أنجزه، ما قد حققه من استعادة لكرامته المهدرة، فما كنا لنقبل بتلك الالتفاتات، وعندما أدركوا أننا لن نقبل أبداً بالتفافاتهم وحيلهم ومؤامراتهم، اتجهوا لخيار التصادم مع هذا الشعب، والعدوان على هذا البلد.
هربوا من صنعاء، بمن فيهم الأمريكيون، هرب المارينز الأمريكي من صنعاء؛ لأنه لم يعد لا للسفير الأمريكي، ولا للمارينز الأمريكي، ولا لأولئك الذين كانوا يريدون أن تبقى لهم الوصاية والسيطرة، لم يبق أمامهم المجال مفتوحاً لألاعيبهم، لمؤامراتهم، لاستهدافهم لهذا الشعب، أصبح الوضع متغيراً، ولم يكونوا ليطيقوا وضعاً جديداً يتواجدون فيه تحت سقف حرية هذا الشعب، وكرامة هذا الشعب، واستقلال هذا البلد، هم قد كانوا أصبحوا ذوي أطماع رهيبة جداً؛ لأنهم تعاملوا مع من يعطيهم كل ما يريدونه في هذا البلد، شخصيات وقوى سياسية فتحت لهم كل شيء، وكانت جاهزةً لأن تعطيهم كل شيء، وأن تفتح المجال أمامهم لفعل كل ما يريدون، بدون سقف معين: لا استقلال، ولا حرية، ولا كرامة… ولا أي شيء، لذلك كانت شهيتهم الاستعمارية، وأطماعهم في نهب موارد هذا البلد، وفي السيطرة على هذا البلد بشكلٍ تام، كانت شهيتهم قد افتتحت إلى حدٍ لا يطاق أبداً، إلى حدٍ فظيع جداً، كانوا قد جهَّزوا وفتحوا فَمَهُم الاستعماري إلى منتهاه؛ لابتلاع هذا الوطن، والسيطرة على هذا البلد، والاستعباد لهذا الشعب؛ لأن عملاءهم في هذا البلد، كانوا بمستوى حبوب فاتحة للشهية، حبوب فاتحة للشهية للأمريكي، فعلاً حبوب فتحت شهيته إلى أنهى حد، وهم يطيعونه في كل شيء، وهم يمتثلون أوامره في كل ما يريد، ولذلك غادروا البلد، واتجهوا إلى العدوان على هذا الشعب؛ ليحولوا دون تحقيق الهدف الرئيسي في حرية واستقلال هذا البلد، وما يمكن أن يبنى على ذلك من واقعٍ صحيح.
يمكن في ظل الحرية والاستقلال أن نبني بلدنا على أساسٍ حضاريٍ راقٍ، أن نبني مؤسسات الدولة على أساسٍ عادل، والله لا يمكن أن يتحقق لنا عدلٌ في هذا البلد، ولا كرامة، ولا حضارة، ولا استقرار، ولا رخاء، في ظل الاحتلال الأمريكي، والوصاية الخارجية على هذا البلد.
الأرضية الصحيحة السليمة الصلبة، التي يمكن أن نبني عليها حضارتنا، يمكن أن نحقق لشعبنا فيها الخير والعزة والكرامة والرفاه، ويمكن أن نصلح وضعنا، أن نبني واقعنا على أساس نهضةٍ صحيحة، نحقق لشعبنا فيها الاكتفاء الذاتي، يستفيد فيها بلدنا وشعبنا من خيرات وطنه، هذا يحتاج إلى حرية، أول متطلب لتحقيق ذلك، أول شرط للوصول إلى هذا الهدف: حرية واستقلال، لا بدَّ من الحرية والاستقلال، فاتجهوا إلى الحرب والعدوان على هذا البلد؛ ليحولوا دون تحقيق شعبنا لحريته واستقلاله، والوصول إلى أهدافه الأخرى في بناء دولةٍ عادلةٍ وصالحة، تبني حضارةً لشعبه، وتبني نهضةً سليمةً لشعبه، وبدأوا بعدوانهم على هذا البلد.
كانوا يؤمِّلون أنه ربما من خلال عدوانهم، بطشهم، جبروتهم، جرائمهم، أن يكسروا إرادة شعبنا، وأن يجعلوه يستسلم مرغماً بالحصار الشديد، بالعدوان الشديد، بالجرائم البشعة، بالدمار الشامل، بالحصار الخانق، وأعلنوا عدوانهم على بلدنا من واشنطن، ليعبِّر ذلك عن حقيقة هذا العدوان، وخلفيات هذا العدوان.
قبل هذا العدوان- وأشرنا في بعض الكلمات- كان هناك تحريض إسرائيلي معلن وواضح وصريح من المسؤولين الإسرائيليين على كل المستويات، وفي أعلى المستويات، والتحريض الإسرائيلي يصحبه تخطيط، يصحبه تآمر، يصحبه سعي عملي بالتنسيق والاشتراك مع الأمريكي، مع البريطاني، ومع أبرز عملائهم في المنطقة.
ولذلك كان هذا العدوان على شعبنا له علاقة بما قبل العدوان، بما قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، بتلك الوضعية السيئة، التي كان الأمريكي يسعى هو وعملاؤه الإقليميون والمحليون، إلى الوصول ببلدنا إلى الانهيار التام؛ ليتحقق من وراء ذلك الاحتلال الكامل لهذا البلد، والسيطرة على هذا الشعب، وتمزيق هذا البلد، والوصول به إلى أسوأ الحالات.
شعبنا اليمني مثلما كان تحركه العظيم في الواحد والعشرين، وما قبل الواحد والعشرين من سبتمبر، كان تحركه أيضاً بما فاجأ الأعداء، هم تفاجؤوا في الحادي والعشرين من سبتمبر، وتفاجؤوا بعد العدوان على هذا البلد، تفاجؤوا بصمود شعبنا، بصبره، بثباته، بتضحياته، باستبساله، بتفانيه، بموقفه الفاعل والقوي، بصبر شعبنا، وهو صبرٌ في مقام العمل، في مقام تحمل المسؤولية، في مقام التحرك الجاد، وهذا هو الصبر المطلوب؛ لأنه صبرٌ عملي، صبرٌ في إطار النهوض بالمسؤولية، ليس صبر الخانعين، اليائسين، المستسلمين، العاجزين، الأذلاء، المستكينين، المستعبدين، المقهورين، هو صبر الأحرار، صبر الشجعان، صبر الأبطال، صبر العاملين، صبر المجاهدين، صبر المؤمنين، صبر المضحين، صبر المعطين، صبرٌ في ميدان الجبهات، في ميدان العمل في كل المجالات، فكان صبراً مثمراً، وصبراً عظيماً.
ومع ما قد مرَّ بنا في كل المراحل الماضية من معاناة، وجروح كبيرة، وما ارتكبه تحالف العدوان من أبشع الجرائم، التي تم الإقرار بها عالمياً على أنها جرائم من أبشع الجرائم بحق شعبنا العزيز، لم يتمكن تحالف العدوان من كسر إرادة شعبنا، ولا من أن يوهن عزيمة شعبنا، و أبطالنا في هذا البلد، لماذا؟ لأننا شعبٌ يعتمد على الله سبحانه وتعالى؛ لأننا شعبٌ يستمد هذه الطاقة الهائلة والكبيرة من انتمائه الإيماني، وهويته الإيمانية، من رصيده العظيم الأخلاقي والقيمي؛ لأن هذه الثورة هي ثورة تحميها المبادئ، تحميها الأخلاق، يحميها الضمير الحر، يحميها الاستشعار العالي للمسؤولية، تحميها الأخلاق العظيمة والنبيلة والكريمة، ولذلك كان الثبات والصمود هو العنوان لاستمرارية شعبنا في ثورته وهو يتصدى لهذا العدوان، بكل ما في هذا العدوان من جرائم، وجبروت، وطغيان، وحصار خانق، وظلم كبير، لكن شعبنا منذ بداية العدوان وإلى اليوم، قدَّم أعظم الدروس، ورجاله قدَّموا أعظم الصور الناصعة للبطولة، والتفاني، والوفاء، والثبات، والاستبسال في مختلف الجبهات، وقدَّم نساؤه أرقى صورة معبِّرة عن الصبر، والتضحية، والبذل، والعطاء، والتحمل، صورة راقية جداً من أبناء هذا البلد بمختلف مكوناتهم، الذين وقفوا هذا الموقف العظيم.
ولا يعبِّر عن هذا البلد العملاء منه، الخونة: الذين خانوا شعبهم، خانوا وطنهم، خانوا أمتهم، خانوا قضيتهم، خانوا قبائلهم، خانوا حتى أسرهم، الذين باعوا أنفسهم، وباعوا مع أنفسهم ما لا يباع، باعوا الكرامة، باعوا الشرف، باعوا الحرية، باعوا الاستقلال، باعوا الشعب اليمني، باعوا الوطن بكله، مقابل ثمن تافه، رخيص، دنيء، ووقفوا أسوأ المواقف؛ ليكونوا الأداة، وليكونوا القناع الذي يعتمد عليه العدو وهو يفعل ما يفعل بحق هذا الشعب.
شعبنا منذ البداية في ثورة الحادي والعشرين من يومها الأول وإلى اليوم وهو يتصدى للعدوان، كان واضحاً في أهدافه، في عناوين ثورته، في أنَّ قضيته قضية عادلة، وأنه على الحق في موقفه، لم يكن عدوانياً، لم يكن له أي عناوين عدوانية، لم نتبن منذ اليوم الأول أي موقف عدائي لمحيطنا العربي والإسلامي، لا على مستوى الجوار، ولا ما وراء الجوار.
منذ اليوم الأول كنا نقول: أنَّ مطلبنا هو حرية شعبنا، واستقلال بلدنا، ونحن جاهزون في هذا البلد لأن يكون لنا علاقات أخوية، علاقات قائمة على الاحترام المتبادل، علاقات قائمة على المصالح المشتركة والمتبادلة، لكن بما لا تفريط فيه في استقلال بلدنا، ولا كرامة شعبنا، ولا حرية شعبنا جاهزون لذلك مع كل محيطنا العربي والإسلامي، وبدءاً منه الجوار.
أيضاً لم يكن هناك من جانبنا ما يهدد- في هذه الثورة- ما يهدد أي مصالح بالقدر المشروع لأي بلد في شرق الأرض وغربها، على مستوى الأوروبيين، على مستوى أي مجتمع في هذا العالم، كان لنا موقف حاسم، وسيظل موقفاً حاسماً ومبدئياً من العدو الإسرائيلي، وموقفاً حاسماً، ولا يزال، وسيبقى دائماً حاسماً ومبدئياً من الاستهداف الأمريكي لأمتنا، من الأطماع الاستعمارية الأمريكية لشعبنا ولأمتنا بشكلٍ عام، هذه مواقف مبدئية، ومواقف صارمة وأساسية لا مساومة فيها.
لكن ما عدا ذلك، كان بلدنا جاهزاً، وثورتنا أيضاً في أتمِّ الجهوزية لعلاقات قائمة على المصالح المشروعة، المصالح المشروعة، وليس على أساس التفريط بهذا البلد، التفريط بثرواته، منح امتيازات تضر بمصلحة هذا الشعب، لا يمكن أن نقبل بأن يعطى الأجنبي- سواءً أمريكي، أو أوروبي، أو روسي، أو صيني… أو أي بلد في هذا العالم- أن يعطى الأولوية في ثروات وطننا، وأن يبقى شعبنا بائساً فقيراً، يقتات على الفتات فيما بقي من هامش هامش ثرواته، ليقترض من أولئك، أن يأتوا هم لينبهوا ثرواته، ويقترض منهم بالقروض الربوية، أو يتسول منهم ليعطوا له بعض الكراسي والماسات للمدراس، أو بعض المشاريع الطفيفة والصغيرة، لا يمكن أن نقبل بذلك، الأولوية هي لشعبنا في ثرواته، في مصالحه، ما عدا ذلك بالقدر المشروع، بالمصالح المشتركة المشروعة، بما لا تفريط فيه، لا في حرية بلدنا، ولا في استقلال بلدنا، ولا في مصالح شعبنا، الأولوية هي لشعبنا.
وهذا كان بالنسبة للبعض يمثل مشكلةً معهم، لماذا؟ لأنه أتى من بلدنا أولئك العملاء والخونة ليقولوا: [نحن سنعطيكم كل شيء، نحن سنستمر في إعطائكم كل ثروة هذا البلد، وممن يعملون لمصالح شخصية، يكفيه- بعض المسؤولين- يكفيه أن يعطى مبلغاً في رصيده في البنك، أو في أي بنك خارجي، وكانوا يعقدون الصفقات، هناك وثائق لدينا، وثائق على وزراء، ووثائق على مسؤولين، كان البعض منهم يشترى بخمس مائة ألف دولار، البعض كان يشترى- بحسب بعض المواقف الاستثنائية- بملايين السعودي، عشرة مليون سعودي، عشرين مليون سعودي، ويتم شراؤه ليوافق على صفقة سياسية، أو اقتصادية، مجحفة بحق هذا الشعب، يتضرر منها بلدنا، ولذلك كان شعبنا يعاني، تقدم مصالحه للأجانب، وهو يعيش الفقر والبؤس والحرمان.
ولذلك مشكلة البعض من الجهات الدولية معنا الآن، منذ بداية هذه الثورة الشعبية وإلى اليوم، ومشكلة بعض دول الجوار معنا وإلى اليوم، ليست لأننا طرف في هذا البلد عدوانيين، عدوانيون يمكن أن نمثل خطراً كبيراً على أمن محيطنا العربي والإسلامي، وعلى المجتمع من حولنا، أو على الدول الأخرى من حولنا، لا، ليس على هذا الأساس، نحن نعادي إسرائيل، نحن نتصدى للهيمنة الأمريكية، ولن نقبل بالاستهداف الأمريكي لشعبنا، ولا لأمتنا.
لكن أن تقول: أنا أريد وطني حراً مستقلاً، وأن يكون شعبه أولى بمصالحه، وأن تكون علاقته مع محيطه العربي والإسلامي والدولي قائمةً على أساس الاحترام لسيادته واستقلاله، هذا هو بالنسبة للأمريكي، بالنسبة للبريطاني، بالنسبة لأدواتهم، هو ذنبٌ لا يغتفر، هذا يمثل معهم- وبالذات عندما يقوله الصادقون، من هم على ذلك قولاً وفعلاً- يمثل مشكلةً كبيرةً معك، وهذا بالنسبة لهم غير مقبول طالما وهناك من يرحب بهم، ويستعد أن يعطيهم كل شيء، بالتأكيد خيارهم المفضل هو أولئك الذين يقولون: ليمت الشعب ولينتهي، وخذوا كل شيء، وأنتم الأولى، وسياساتكم تنفذ، وأوامركم تطاع مهما كانت، ذلك خيارهم المفضل بالنسبة لهم.
فعداؤهم ومشكلتهم مع هذه الثورة الشعبية في اليمن، مع مؤسساتها القائمة اليوم، والتي لا زالت تراعي الشراكة مع المكونات الرئيسية في هذا البلد، ومع أطياف هذا الشعب، مشكلتهم الرئيسية معها- والله- هي هذه المشكلة، هي هذه المشكلة: أن هذه الثورة تتمسك بكل صدق بمبادئها وقيمها، تتمسك بالعنوان الرئيسي في الحرية والاستقلال، والحفاظ على مصالح هذا الشعب في الأولوية، إضافةً إلى تمسكها المبدئي بالموقف العام فيما يتعلق بالعدو الإسرائيلي، فيما يتعلق بقضايا الأمة بشكلٍ عام، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية في المقدمة، هذا يمثل مشكلة كافية معنا، نحن نعي ذلك جيداً، نحن ندرك ذلك.
ليست المسألة أنها تنقصنا التكتيكات السياسية، التزلف السياسي، أو أساليب سياسية معينة، المراوغة السياسية، هناك أمور لا تقبل المساومة، لا تقبل المراوغة، لا تقبل أن تدخل في حساب صفقات، والتفافات، وزايد وناقص:
- مسألة الكرامة.
- الحرية.
- الهوية الإيمانية.
- الاستقلال.
- مصلحة هذا الشعب في المقدمة، في الأولوية.
هذه أمور لا تقبل، لا مساومات، ولا أساليب سياسية، ولا زايد، ولا ناقص، ولذلك هي أمور مبدئية، وهذه الثورة صادقة، ورجالها الأوفياء، ومجتمعها الوفي، صادقون، لا يمكن أن يرجعوا من وسط الطريق، ولا يمكن أن يتنكروا لمبادئهم، لقيمهم، لأخلاقهم، هل يمكن للإنسان أن يتنكر حتى لضميره الحر، لقيمه الراسخة، لمبادئه الثابتة، لمشاعره العزيزة والنبيلة؟ لا يستطيع ذلك، لا نستطيع، حريتنا إحساس، حتى على جلودنا، حتى في جوارحنا، في ذهننا ووجداننا، في مشاعرنا وإحساسنا، لا نستطيع أبداً أن نفرط فيه أبداً، البعض استطاعوا ذلك، استطاعوا، لكنهم كانوا قد وصلوا إلى مستوى شنيع جداً من التدني والانحطاط الإنساني والأخلاقي والإيماني، حتى استساغوا ذلك.
وعلى كُلٍّ فمشكلتنا مع الآخرين تعود إلى أطماعهم الرهيبة، وثورتنا أثبتت مصداقيتها، في عناوينها الرئيسية، وأيضاً في مواقفها في قضايا الأمة، ثورة تقف بكل صدق مع كل الأحرار والمظلومين في كل العالم، بدءاً من الأحرار والمظلومين من أبناء أمتنا، في مختلف شعوبها ومناطقها، وفي المقدمة القضية الفلسطينية، والموقف المبدئي والراسخ تجاه هذه القضية، وفي الموقف الحاسم من العدو الإسرائيلي.
أما عندما نأتي إلى قياس المنجزات، والمكاسب التي تحققت لهذه الثورة، والتي قد يستخف بها البعض، أو يتجاهلها البعض، ممن معاييرهم مزدوجة، ومقاييسهم مختلة:
أول منجز، وأكبر منجز، وأهم منجز: أنها أوقفت ذلك المستوى الذي كان قائماً من العبث والاستهتار، والذي كان يتجه بالبلد إلى الانهيار التام، وضعت حداً لتلك اللعبة السخيفة، التي كانت تنفذ تحت عنوان الوصاية، يعني: لو استمر الوضع على ما كان عليه- كما قلنا في بداية الحديث- لكان بلدنا قد احتل بالكامل، وسيطر عليه الأعداء بالكامل، ومزقوه، وقطعوا أوصاله، وأصبح دويلات متناحرة، موزعة هدايا، إقليم يوزع للبريطاني، وإقليم للإسرائيلي، وإقليم للأمريكي، وهكذا، ويبقى أبناؤه في حالة من البؤس والحرمان، ويخسرون حتى وعيهم، وضميرهم، وكرامتهم، ودينهم، ودنياهم…إلخ. فهو وضع حداً لذلك، واستعاد لشعبنا الكرامة المهدرة، هل الكرامة أمر قليل؟ هل هو أمرٌ لا يحسب حسابه؟ استعاد الكرامة للشعب اليمني، وبقي شعبنا في مناطقه الحرة- ومعه كل الأحرار حتى من المناطق المحتلة والمحافظات المحتلة- بقي يعيش الحرية فعلاً واقعاً، واقعاً قائماً وحالةً حقيقية، نحن اليوم شعبٌ حر، هل يستطيع الأمريكي أن يفرض علينا شيئاً، أو البريطاني، أو الإسرائيلي، أو عملاؤهم، نحن نقول لهم لا، بكل عزة، بكل قوة، ونستطيع أن نتصدى لسياساتهم، ونتحرك في التصدي لمؤامراتهم بكل عنفوان، كشعب عزيز وحر، يستند إلى تلك المقومات العظيمة، الأخلاقية والمبدئية، ويعتمد على الله “سبحانه وتعالى”، ويتوكل على الله “سبحانه وتعالى”.
نعيش اليوم أحراراً، هذا أكبر وأعظم مكسب، ونسعى لأن يستعيد كل شعبنا هذه الحرية، وليس فقط في هذه المناطق والمحافظات التي لم يتمكن الأعداء من احتلالها، نسعى لأن يكون الاستقلال حالةً قائمةً مستمرةً ثابتةً مستقرة لكل بلدنا، ثم أن نبني بناءً على ذلك على صرحٍ عظيم، صرحٍ فولاذي، صرحٍ مبنيٍ على أسسٍ راسخةٍ بجذورها في أعماق الأرض، نبني على ذلك الحضارة، نبني على ذلك النهضة، نبني على ذلك واقعاً صحيحاً، مؤسسات دولة قائمة ومستندة على أساسٍ صحيح، تجعل مصالح شعبها في المقدمة قبل كل شيء، قبل الاعتبارات والمكاسب الشخصية والفئوية والحزبية والمناطقية الضيقة، تؤمن بكل شعبها، تؤمن بكرامة أبناء هذا الشعب بكلهم، ليس عندها حساسيات ومواقف محسوبة بحسابات ضيقة، لا فئوية، ولا عنصرية، ولا مناطقية، ولا غير ذلك، هذا مكتسب كبير جداً، ومكتسب نحافظ عليه، ونسعى لاستكماله، ونعمل على أساس ذلك.
ثم التصدي أيضاً لهذه المخاطر الكبيرة، التي هي حالة قائمة، لو أتت ووضعنا كما كان في السابق، لسحق هذا الشعب، ولعانا الأمرين والأمرين والأمرين، بدون أن يكون في موقف الدفع عن نفسه، والتصدي للمخاطر التي تستهدفه، بل في واقع الاستسلام، وحالة الرضوخ والإذعان، والنتائج كانت ستكون كارثية ورهيبة جداً، يقتل مئات الآلاف من دون أن يكون الناس في موقف، ومن دون أن يحققوا نتيجة، بؤس وحرمان من دون أن يكون في إطار موقف عاقبته حسنة، عاقبته مثمرة، عاقبته مهمة.
من أهم ما يجب أن يلحظ في قياس الإنجاز، طبعاً تم الحفاظ على مؤسسات الدولة من الانهيار، مع أن الإرث والتركة كانت تركة كارثية، مؤلمة جداً، يعني: لم يكن هناك مؤسسات دولة بما تعنيه الكلمة، بنية تحتية بما تعنية الكلمة، أسس اقتصادية ووضع اقتصادي مرسخ ومبني على أسس صحيحة، يستطيع الصمود في مواجهة التحديات، الحالة حالة مزرية في كل شيء، حالة كارثية في كل شيء، الموروث الذي بقي لهذه المرحلة موروث مليء بالمشاكل، بالأزمات، بالعقد، بالإشكالات، بالخلل، ولذلك أمامنا الكثير من العمل، أمامنا الكثير من العمل حتى نصلح هذا الواقع، إضافة إلى مواجهة هذا التحدي.
ولذلك لاحظوا أيها الإخوة والأخوات، من يريد أن يقيِّم الحالة الراهنة، ومستوى الإنجاز والمكتسبات الحقيقية لهذه الثورة، فليقيِّم من خلال الواقع القائم، نحن في حرب شديد، وحصار شديد، ونسبة كبيرة من بلدنا تحت الاحتلال، وكل نفط هذا البلد، وكل موارده الحيوية، تحت الاحتلال، ومسيطرٌ عليها من الأعداء وعملائهم، الغاز، النفط، المنشآت النفطية، حصار شديد وقيود شديدة على ما يدخل إلى البلد وما يخرج، وبشكلٍ صعب جداً، هذا أمرٌ يعيه الناس، ويتفهمه الكثير من أبناء شعبنا، وأمام واقع أيضاً كان واقعاً مزرياً، واقع الدولة، سياساتها، هيكلها، ترتيباتها، البنية التحتية على ما هي عليه، من يأتي ليقيم فليحسب حساب كل هذا لأن البعض- للأسف- من بعض المعقدين، أو بعض العملاء، يأتي ليقيِّم، وكأننا لسنا في حالة حرب، وكأننا لسنا في حالة حصار، وكأن كل شيءٍ كان متوفراً لهذا البلد، وكأن كل الموارد والثروات الموجودة لهذا البلد كأنها تحت سيطرة سلطة صنعاء، وكأن البنية التحتية كانت قد شملت كل هذا البلد، وكأن كل شيءٍ كان على أحسن حال، ثم يأتي ليوجه الاتهامات بـ: [أنكم، وأنكم، وأنكم، وفشلتم، ولم تفعلوا، ولم تقدموا]، بعض الأشياء المطلوبة يمكن أن تطلب لو كانت الأمور على غير ما هي عليه، لولم يكن هذا الحصار، لولم يكن هذا العدوان بهذا المستوى الشامل، بلدنا عاش في مراحل معينة أزمات صعبة جداً جداً، قد تكون أقسى مما عليه الوضع الراهن، في ظل ظروف ليس هناك ما يبرر أن تكون إلى ذلك المستوى.
أنا لا زلت في مرحلة الشباب والحمد لله، أتذكر أيام طفولتي، أيام غزو صدام حسين للكويت، آنذاك عاش بلدنا اليمن ظروفاً صعبةً جداً، وأزمةً اقتصاديةً شديدة، ولا زلت أتذكر وأنا في طفولتي كنت أذهب مع رفاقي من الأطفال لنشاهد ما يصل من التموين، يصل القمح، يصل القمح بنسب محددة، توزع على المناطق بنسب محددة، وكنت أشاهدهم يفتحون أكياس القمح، ثم يقومون ليقدموا منها على بعض الأسر بحسب أعداد الأسر، البعض يلحقهم ربع كيس، البعض نصف كيس، البعض… من حصص التموين، يسمى آنذاك بالتموين، وليس مجاناً، هو بمال، ومع ذلك وهو بمال يصل ليوزع كحصص تموينية، توزع على المناطق، مع ما كان يحصل آنذاك من نقص واحتجاج، واعتراض، ومشاكل في التوزيع، ومستويات الحصص للمناطق، فيقومون ليكيلوا بالمكيال وكأننا في سنين زمن نبي الله يوسف “عليه السلام”، في ذلك العصر الذي وقعت فيه مجاعة وجدب شديد ربما في كل المنطقة، والحرب ليست في اليمن، الحرب في الكويت، في الكويت، ونحن نعيش تلك الأزمة الخانقة، التي يصل فيها القمح بحصص تموينية، ويباع ويوزع ويكال كيلاً، ونحن لسنا في حرب، وليس علينا حصار- آنذاك- على اليمن، لم يكن هناك حظر على اليمن، ولم يكن هناك حرب شاملة على اليمن ولا شيء.
اليوم نواجه تحالفاً فيه أقسى الدول، وأكثر الدول إمكانات على المستوى الدولي والإقليمي، وبخذلان في محيطنا العربي، وهذا شيء طبيعي هم خذلوا فلسطين، كيف لا يخذلون اليمن، باستثناء المواقف المشرفة والحرة والنبيلة لعددٍ محدود:
- الجمهورية الإسلامية في إيران، موقفها المعلن موقف مشرف جداً.
- حزب الله في لبنان، موقف عظيم، وأخوي، وإنساني، وعظيم بكل ما تعنيه الكلمة.
- أحرار سوريا.
- أحرار العراق.
- إخوتنا في البحرين.
ومظلومون كمثلنا في نفس الوقت، مواقف من المظلومين كما نحن مظلومون.
لكن الحالة السائدة في ظل الوضع الراهن، من يأتي ليقيم، فليحسب حساب آثار الماضي، الإرث هذا المثقل من جروح الماضي، ومشاكل الماضي، وأزمات الماضي، وخلل الماضي، وليقيم من الواقع الراهن في مستوى الحرب والحصار والاحتلال، والظروف الراهنة.
هناك من يأتي ويكون له ملاحظات كناصح صادق، ونقد بناء، هذا مرحبٌ به دائماً، مثل هذا النوع هو يدرك الإيجابيات، يحسب حساب الإيجابيات، وموقفه من السلبيات وجوانب القصور وجوانب الخطأ، موقف نابع من الشعور بالمسؤولية، ويأتي بنصحٍ صادق، ونقدٍ بناء، واهتمام كبير بأمر هذا الشعب، مثل هذا النوع من الناس، نضعهم على رؤوسنا وفي حدقات أعيننا، ونتفاعل مع كل ما يقدمونه مما هو منطقي وصحيح أوممكن ومتاح.
لكن البعض هم في إطار تعاونهم مع العدوان، يتجاهلون كل الإيجابيات، بل يقدمونها كسلبيات، ويحسبون البعض من السلبيات ليكبروها جداً، لتطغى على كل شيء، ولينسى معها حتى العدوان وجرائمه وكل شيء، وأيضاً يفترون المزيد والمزيد.
والبعض قد لا يكون في صف العدوان بشكل مباشر وبتنسيق مباشر، ولكن يحمل عقداً معينة، البعض عنده مشكلة شخصية، أو عقد معينة، ومشاكل معينة، وعادة البعض إذا كان له مشكلة على مستوى واقعه الشخصي، أو على مستوى أموره هو، وموقفه هو، قناعاته هو، يجعله ذلك يكفر بكل شيء، ويتخذ موقفاً سلبياً من كل شيء، هذه طبيعة البعض، وتنموا فيه الأحقاد والضغائن، فتكون كتاباته، أو مواقفه، أو تعبيراته، أو أسلوبه في الحديث، إنما هو يتقيأ ما فيه من أحقاد وضغائن بروائحها الكريهة والنتنة والقذرة، التي تسيء إلى هذا الشعب وإلى أحراره، ولذلك لا قيمة لمثل هذا النوع، ولا لما يقدمون عندنا؛ لأنهم يقدمونه بحقد، بكراهية، بعداء، بدوافع سلبية، لأنهم إنما يتقيؤون أضغانهم- كما قلنا- بروائحها النتنة والكريهة والقذرة، لا يمكن أن يتقبلها إنسان، ولا أن يستسيغها إلا من هو يعاني من نفس المرض والوباء.
الواقع الداخلي يتطلب دائماً التناصح، التعاون من الجميع، التعاون من الجميع، لاستكمال تحقيق الأهداف العظيمة لهذه الثورة المباركة، لتصحيح وضع مؤسسات الدولة، هناك عمل قائم، لتصحيح وضع مؤسسات الدولة هناك جهود تبذل، ولكن الموضوع فيه الكثير من التعقيدات، فيه الكثير من الإشكالات، الظروف من جانب التي يعيشها بلدنا في إطار الاحتلال، والحرب، والقصف، والحصار الخانق، والاستهداف الاقتصادي، والاستهداف لكل شيء، هناك صعوبات، نحن لا نكلف أنفسنا أن نبرر لأي إنسان فاسد، أو فاشل، أو سيء، ومثل هذا النوع موجودين، هم موجودون، ولكن هناك جهود للإصلاح، جهود لتطهير مؤسسات الدولة، لتصحيح الوضع في مؤسسات الدولة، وهناك نجاحات ملموسة.
عندما نأتي إلى الجانب الأمني، قد يأتي البعض ليقدم ملاحظات على الجانب الأمني، وهناك جهود دائمة لإصلاح وضع الجانب الأمني، لكن أليس هناك إنجازات كبيرة، أليس هناك استقراراً أمنياً مميزاً، أليس هناك فارق ما بين الوضع في المناطق المحتلة، والوضع في هذه المناطق على المستوى الأمني والاقتصادي، وعلى كافة المستويات بمثل الفارق ما بين السماء والأرض، هذه حالة واضحة، حالة قائمة.
ولذلك الوضع الداخلي هناك فيه شغل، هناك فيه عمل، لكن التركة، الأعباء، الظروف، التعقيدات كثيرة، ولكن العمل مستمر، والتوجه قائم، والنية حاصلة وصادقة، والتوجه جاد، كل هذا موجود، وإن شاء الله يتحسن الوضع أكثر فأكثر، نحن شهدنا في كثيرٍ من المسارات انتصارات: انتصارات اقتصادية، مع الوضع السيء جداً والمعاني، ولا يزال هناك قصور بالفعل، انتصارات على المستوى العسكري، وستتزايد الانتصارات بإذن الله “سبحانه وتعالى” في كل المجالات.
النتائج لصبر شعبنا، لتضحياته، وهو يعتمد على الله أولاً، وينطلق من واقع الوعي والشعور بالمسؤولية ثانياً، ويحمل البصيرة الكافية تجاه واقعه وأهدافه، وحاضره ومستقبله، ثمرة الصبر، ثمرة التضحية هي ثمرة طيبة، ثمرة وعد بها الله “سبحانه وتعالى”، قال عنها: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة: من الآية155]، {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، الصابرين في مقام العمل، في مقام التضحية، في مقام تحمل المسؤولية، بالرغم من كل المعاناة من الداخل والخارج، الثمرة هي طيبة، النتيجة هي مباركة، صبر الأمهات الثكالى، والنساء الأرامل، والأطفال الأيتام، والرجال الأبطال في كل ميادين وجبهات القتال، وصبر العاملين بصدق وإخلاص وتضحية وعناء، لن يضيع أبداً، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: من الآية146]، {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة: من الآية155]، هذه وعود الله “سبحانه وتعالى” الذي لا يخلف وعده، ونحن نرى البشارات تتجسد في الواقع، نرى انتصارات- كما قلنا- في كل المجالات، والمقارنة كافية في أن يتبين للإنسان أن هناك نتائج تتحقق في الواقع.
الشيء الأساسي بالنسبة لنا هو وعي شعبنا، إيمان شعبنا، وفاء شعبنا، ثبات شعبنا، صمود شعبنا، لا قيمة للخونة، ولا للمأزومين اليائسين المحبطين المفلسين، الذين فضحهم موقفهم من العدوان، لأنه موقف إما ضعيف، أو متواطئ، أو متجاهل لكل هذا الواقع، نحن نطمئن أن أي إنسان مهما كان، بأي صفة، بأي اسم، بأي عنوان، إذا لم يكن له موقفٌ صريحٌ واضحٌ ضد العدوان، وإسهامٌ حقيقيٌ فعليٌ ضد العدوان، فهو عندما يتحرك بأي عنوان: ضد ظلم، أو ضد فساد، أو لإصلاح واقع، أو لأي عنوان، مهما كان العنوان الذي يتحرك به جميلاً، وهو يسكت عن العدوان، وليس له موقف من العدوان، فإنه ليس من الصادقين، هو كاذب، لو كان له ضمير، لو كان فيه إيمان، لو كان له دين، لو كان له ذمة، لو كان له شرف، لو كان فيه كرامة، لو كان فيه غيره، لو كان فيه حمية، لو كان له وطنية، لو كان فيه إيمان؛ لكان له موقف ضد هذا العدوان بحجمه الرهيب، عدوان رهيب، حجم هذا العدوان بجرائمه البشعة والمتراكمة وأعدادها الكبيرة، وحصاره الخانق، وظلمه الكبير جداً لشعبنا، أكبر الظلم، أكبر الفساد، أكبر الطغيان، أشمله، أفظعه، أشنعه، أسوأه، أقساه، يحصل من تحالف العدوان على شعبنا، فمن ليس له موقف من كل ذلك، إنما يأتي ليعمل على خلخلة الصف الداخلي، أو للتشويش أمام إدراك هذا الواقع الكبير، أو للتثبيط للناس عن الأولويات الكبرى، سواءً في مواقع التواصل الاجتماعي، أو في المجالس (مقايل القات، أو غيرها)، فليدرك الجميع أنه كذاب، أنه جبان، أنه لا قيمة لما يقدمه، لا معنى لما يقوله، أنه إنسان ينطلق من منطلقات لا إنسانية، ولا أخلاقية، ولا إيمانية، ولا وطنية.
لو كان يمتلك أي شيءٍ من هذه، ولو بمقدار قليل، ولو بمقدار ملعقة علاج، ملعقة علاج، لكان موقفه أولاً، وأولوياته أولاً ضد هذا العدوان، بحجم هذا العدوان، بحجم جرائمه، بحجم حصاره وظلمه، ثم تأتي بقية الأمور، بقية الانتقادات، بقية الملاحظات، بقية المواقف في مستوى كل شيء، في مستواه، ومع هذا الموقف.
أما من دون هذا الموقف، تأتي ولا موقف لك تجاه العدوان، ثم تقدم نفسك الغيور على هذا الشعب، أو الناصح، أو صاحب الملاحظات والانتقادات، وأنك لك موقف ضد الفساد، أو ضد الظلم، فأنت تزايد، أو أنت تشوش على ذهنيات الآخرين، أو أنت تعمل لصالح تحالف العدوان، أو أنت تقدم نفسك في مزاد المساومات، تغازل، تغازل قوى العدوان، إذا كانوا سيشتروك.
والبعض من هذا النوع ليس لهم أي إسهام حقيقي لخدمة هذا الشعب، لا في مرحلة التصعيد الثوري، ولا في مرحلة الحادي والعشرين من سبتمبر، ولا قبلها، ولا بعدها، لو يقاس كل جهدهم، كل عطائهم، وأكثرهم بخلاء جداً، وكل مواقفهم التي قد تكون إيجابية، بموقف طفل من أطفال هذا الشعب، ممن يساهمون بشكلٍ حقيقي لخدمة هذا البلد، وهم في هذا التوجه الصادق الثوري ضد العدوان، لتحقيق الاستقلال والحرية والكرامة لهذا الشعب، لما كان شيئاً، لما كان شيئاً، مستوى ما عليه الكثير من أطفال شعبنا، في نقائهم، في حماسهم، في رجولتهم، في شجاعتهم، أكثر مما عليه البعض من تلك النوعية السلبية.
نحن- كما قلنا- في إطار هذه الثورة المستمرة طبعاً، حتى نكمل لشعبنا الاستقلال والحرية التامة لكل بلدنا من أقصاه إلى أقصاه، ولكل أبناء شعبنا في كل ربوع هذا الوطن، مع اهتمامنا المستمر بقضايا أمتنا الكبرى من حولنا، ومواقفنا المبدئية، التي نستمر عليها بكل ثبات بإذن الله “سبحانه وتعالى”، سنواصل كشعبٍ يمني، بروحنا الثورية، بهويتنا الإيمانية، مسارنا في التصدي للعدوان، في التمسك بحقنا المشروع في نيل الاستقلال التام، والحرية التامة، في تصحيح وضعنا الداخلي، في بناء مؤسسات الدولة، مع تصحيح واقعها، وإصلاح وضعها، مع العناية بواقعنا الداخلي في كل مجالاته، يستمر كل الأحرار والشرفاء من أبناء هذا البلد بروحهم الطيبة، بضميرهم الإنساني السليم، يستمر الجميع يداً بيد، كتفاً بكتف، في إطار التعاون في كل شيء:
- التعاون في رفد الجبهات.
- التعاون في التكافل الاجتماعي.
- التعاون في المبادرات الاجتماعية، للخدمات، للإغاثة الإنسانية، لإصلاح ما نستطيع إصلاحه في هذا البلد.
وكلنا ثقة وأمل بالله “سبحانه وتعالى” ثقةٌ بنصر الله “سبحانه وتعالى”، ثقةٌ بالعاقبة المحمودة، ثقةٌ بوعد الله الصادق الذي لا يتخلف، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}، هو القائل “سبحانه وتعالى”: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: من الآية7]، هو القائل “سبحانه وتعالى”: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية47]، هو “سبحانه وتعالى” الذي وعد بأن العاقبة للمتقين، فقال “جلَّ شأنه”: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[هود: من الآية49]، {إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}.
ختـــــــــــــــــــــــاماً:
نأمل من شعبنا أن يكون خروجه يوم الغد- إن شاء الله- خروجاً حافلاً.
يا شعبنا العزيز، هذه ثورتك، هذا إنجازك، هذا موقفك الذي عبرت فيه عن فاعليتك، عن قيمك، عن إيمانك.
يا قبائل شعبنا، هذا هو إنجازك الكبير، إنجازكم العظيم المتميز، بقوافلكم، قوافل الرجال، وقوافل العطاء، قوافل الكرم، قوافل المدد.
يا أبنا شعبنا، يا شبابه، ويا رجاله الغيورون، يا رجاله الغيورين في كل المجالات، هذا هو ميدانكم، ميدان الحرية، ميدان العزة، ميدان الكرامة، ميدان تجسيد الهوية الإيمانية بالقول وبالفعل، بالمقال وبالعمل، نتحرك فيه في كل المجالات، ونعبر يوم الغد بحضورنا المعبر عن قوة موقفنا، عن ثباتنا، عن ثقتنا بالله ربنا “سبحانه وتعالى”، ونحن نرى بشائر الانتصارات، بشائر الثبات، بشائر التقدم، قائمةً وموجودةً من الله “سبحانه وتعالى” بفضله، بعونه، بكرمه.
نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيِّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛