كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد 1441هـ
أُعُوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّداً عبدُه ورَسُوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّد، وبارِك على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأخيارِ المنتجبين، وعن سائرِ عِبَادِك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
والسَّلام والرحمة والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار…
والسَّلام والرحمة والبركات مشفوعةً بالإعزاز والتقدير لكل أسرهم وذويهم…
تأتي هذه الذكرى السنوية للشهيد في هذا العام مع كثيرٍ من التطورات والأحداث والمتغيرات، وخلال كل المراحل الماضية في كل عامٍ منها كانت تأتي هذه الذكرى وقد أتت الكثير من التطورات في الأحداث، ومن المتغيرات في الواقع، ومنذ أول فعاليةٍ أقمناها- آنذاك- في شِعْبٍ من شِعَاب مطرة، في منطقة صغيرة محاصرة، وفي مرحلة كنا نعيش فيها واقع المظلومية إلى حدٍ كبير، مع التضحية في سبيل الله -سبحانه وتعالى- وإلى اليوم، في كل محطةٍ سنوية كانت المتغيرات فيها والأحداث تكبر، والتطورات تكبر، لكن المتغيرات فيها كانت تأتي دائماً في مسارٍ تصاعديٍ لصالح عباد الله المستضعفين والمظلومين، سواءً عندنا في الداخل اليمني، أو في بقية المنطقة، كما في فلسطين، كما في لبنان، كما في العراق… كما في مناطق أخرى، هذا يقدِّم بحد ذاته شاهداً واضحاً على قيمة الشهادة، وأثر الشهادة، وعطاء الشهادة، وما يكتبه الله لعباده المستضعفين في جهادهم، في صبرهم، في تضحياتهم، في عطائهم، في صمودهم، في توكلهم عليه، في ثقتهم به، في تمسكهم بالموقف الحق، وأصبحت هذه المحطة السنوية محطةً مهمة لاستلهام الدروس والعبر، وللتزود منها طاقةً معنويةً تتمثل بقوة الإرادة للتصميم والعزم بالثبات في هذا الطريق، في توفر الإندفاع أكثر وأكثر لمواصلة المشوار في نفس الطريق، في سبيل الله -سبحانه وتعالى- مع كثيرٍ من المسائل المهمة ذات العلاقة التي يتم التركيز عليها عادةً خلال هذه المناسبة، ومنها: التذكير بالمسؤولية تجاه أسر الشهداء، كما سنتحدث عن ذلك- إن شاء الله- أكثر في آخر الكلمة.
في سبيل الله.. عنوان الشهادة في المفهوم القرآني
الشهادة في سبيل الله هي تضحيةٌ بتوفيقٍ من الله -سبحانه وتعالى- في موقف الحق وفي إطار قضيةٍ عادلة، وفق توجيهات الله -سبحانه وتعالى- وتعليماته، والعنوان المهم: في سبيل الله، هو عنوانٌ للشهادة في مفهومها الإسلامي القرآني المقدس، وهي تختلف كثيراً عمَّا يعبِّر عنه الكثير من الناس في عناوينهم وفي قضاياهم، هي تنطلق من مفهومٍ عظيمٍ، ومفهومٍ مهم، هذا المفهوم هو: أنَّ الإنسان الذي يحتفظ بجوهره الإنساني القيمي والأخلاقي، هو أغلى وأعلى قيمةً من كل الموجودات على هذه الأرض، بل أغلى وأعلى قيمةً حتى من الأرض بكلها، قيمته في جوهره الإنساني أعلى من كل قيمةٍ لكل الموجودات في هذه الدنيا، ولذلك كما ورد عن الإمام علي -عليه السلام- في عبارةٍ مهمة: (إعلموا أنه ليس لأنفسكم ثمنٌ إلَّا الجنة، فلا تبيعوها إلَّا بها)، وكما أتى في النص القرآني المبارك في الآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة: الآية111].
ولذلك عندما نتأمل في واقع البشر، نجد الكثير الكثير من أبناء البشر قاتلوا وقُتِلوا، ولكن أين؟ وكيف؟ وفي أيِّ سبيل؟ وبأيِّ دافع؟ الكثير من الناس مثلاً: بدافع الطمع المادي يقاتل ويُقتَل، وهو يسعى ليسيطر على أموال الآخرين بغير حق، على ممتلكات الآخرين بغير حق، تتسع المسألة بالنسبة للدول على مستوى السعي للسيطرة على شعب من الشعوب بكل مقدراته وثرواته بغير حق، ظلماً، وبغياً، وطغياناً، وعدواناً، وتتفاوت وصولاً إلى مستوى الفرد في مستوى حركته، وقدراته، وتوجهاته، ومواقفه، وفي مستوى قضيته.
البعض قد يقاتل ويُقتَل ولكن بدافع الإستكبار، والبغي، والتجبر، من أجل أن يمكِّن نفسه: إمَّا من سلطةٍ قاهرةٍ بغير حق للظلم والإستكبار… أو بأي مستوى، بأي هدف، لكن تحت عنوان الإستكبار، البعض بدافع الأحقاد والضغائن الباطلة، البعض قد يقاتل تحت راية ضلالة، البعض قد يقاتل تحت راية باطل، ولو كان بعنوانٍ دينيٍ حتى، لكنَّ هذا العنوان (في سبيل الله) له مضمونٌ مهم، يضبط موقف الإنسان بدءاً من دافعه، حيث يكون الدافع دافعاً راقياً بقيمة معنوية عالية، تنسجم مع قيمة هذا الإنسان في جوهره الإنساني، القيمة العالية جدًّا، الدافع ليس طمعاً، ليس استكباراً، ليس بغياً، الدافع ليس حقداً. الدافع دافعٌ إيمانيٌ، دافعٌ مقدس، دافع نبيلٌ، وسامٍ، وعظيم، ومشرِّف، دافعٌ ذو قيمة أخلاقية، ذو قيمة معنوية، ذو قيمة إنسانية، ذو قيمةٍ عند الله -سبحانه وتعالى- الدافع الإيماني دافعٌ نظيف، ينطلق الإنسان فيه من أجل الله -سبحانه وتعالى- ليس فيه حتى الريا، ليس فيه حتى الطلب للسمعة عند الناس، والمكانة بين أوساطهم. |لا| دافعٌ نظيف، من أجل الله -سبحانه وتعالى- استجابةً لتوجيهاته، استجابةً لأوامره، وللتحرك وفق تلك التوجيهات، وفق ذلك المسار الذي يحدده الله -سبحانه وتعالى- بتعليماته وآياته وتوجيهاته، يقف ذلك الموقف؛ لأن الله أمر بذلك، وجَّه بذلك، أرشد إلى ذلك، في موقف حق، وفي قضيةٍ عادلة، لا بغي، لا طغيان، لا تجبر، لا تكبر، لا إفساد في الأرض. |لا| موقف حق يشهد له القرآن بأنه حق، يشهد له القرآن بأنه يمثل قضيةً عادلة، وحينها يكون لهذه التضحية ثمرة وقيمة عالية جدًّا، وتمثِّل شهادةً في سبيل الله -سبحانه وتعالى- انطبقت فيها كل هذه العناصر: الدافع، الموقف، القضية العادلة.
أما عندما يكون الدافع دافعاً شيطانياً، دافع الهوى، دافع الأطماع، أو الأحقاد، أو المفاسد، أو الشهوات الرخيصة والدنيئة، فالمسألة مختلفة، عندما يكون الموقف باطلاً، المسألة مختلفة، عندما تكون الراية راية ضلالة، المسألة مختلفة، حتى لو حملت عناوين دينية، كما يفعل الدواعش والتكفيريون؛ لأن المضمون يختلف، لا يكفي العنوان، بل لا بدَّ من المضمون.
وهكذا نأتي إلى هذا العنوان لندرك من خلاله أيضاً قضيةً مهمة وحقيقةً مهمة: التحرك تحت هذا العنوان لا يعني أنك تقدم خدمةً لله -سبحانه وتعالى- وتسدي إليه خدمة، الله هو الغني، التحرك في سبيل الله هو تحركٌ في الطريق التي رسمها الله لنسير عليها كبشر، هي طريق عزة، طريق كرامة، طريق تحررٍ من كل عبوديةٍ لما سوى الله -سبحانه وتعالى- تحررٍ من العبودية للطواغيت، طريقٌ لا نكون فيها عبيداً إلا لله -سبحانه وتعالى- نكون فيها أحراراً، أعزاء، كرماء، نحظى بالعدل، نحظى بالرعاية الإلهية، نحظى بالكرامة، طريق رشد، وصواب، وخير، وحق، وفلاح، طريقٌ نرشد فيها في دنيانا هذه وفي مستقبلنا الأبدي في الآخرة، ولذلك يقول القرآن الكريم: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ}[الصف: من الآية11]، ليس فيها شيءٌ يعود إلى الله، يمثل خدمةً له، أو جميلاً إليه، هو الغني -جلَّ شأنه- ولذلك قال: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت: الآية6]، في طريق الجهاد والإستشهاد ندفع عن أنفسنا الشر، العبودية للطاغوت، الإذلال، القهر، الإمتهان، ونحقق لأنفسنا الخير، العزة، الكرامة، الفلاح، الحياة الطيبة… إلخ.
ثقافة الشهادة وأثرها الكبير ونتائجها الطيبة
ولذلك ندرك قيمة الشهادة في سبيل الله فيما تمثله من قيمة معنوية مهمة، وتضحية وعطاء في مستوى القيمة المهمة لهذا الإنسان، ثم ندرك أيضاً أهمية هذه الثقافة، وأهمية حمل هذه الروحية فيما تتركه من أثرٍ كبير على المستوى المعنوي في نفوس الناس؛ فتحررهم من أغلال الخوف، ومن قيود المذلة، وتجعلهم يتحركون في الميدان للتصدي لأعدائهم، لقوى الشر، لقوى الإجرام، لقوى الإستكبار، لقوى الطغيان بكل عزة، بكل شجاعة، بدون أي خوف، ليسوا مكبَّلين بالخوف من الموت؛ لأنهم يحظون بالبديل عن الموت الذي هو الشهادة، وهم يدركون قيمة هذه الشهادة فيما تصنعه من أثر في واقع الحياة، فيما يكتبه الله للأمة التي قدَّمت شهداء، وما يكتبه الله للشهداء في أمتهم ثمرةً من ثمار عطائهم وتضحياتهم، يدركون هذه القيمة، هذه الأهمية، هذه الثمرة، هذه النتيجة الطيبة، هذا الأثر العظيم في واقع الحياة هنا في الدنيا، وما للشهادة من فضل ومنزلة رفيعة عند الله -سبحانه وتعالى- يحظى به الشهداء، لدرجة أنهم لا يتجهون نحو الموت، لا ينتقلون إلى الفناء؛ إنما ينتقلون إلى حياة تكريماً لهم، فيما يدل على عظم هذه التضحية، قيمة هذه التضحية، أهمية هذه التضحية، كيف يقابلها الله -سبحانه وتعالى- بهذا الفضل العظيم، أن ينتقل الشهداء إلى حياةٍ حقيقية عند الله -سبحانه وتعالى- كما قال في كتابه الكريم: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا}[آل عمران: من الآية169]، هم لم يتجهوا إلى حيث الفناء والموت الدائم إلى يوم القيامة. |لا| انتقلوا، الموت بالنسبة لهم لحظة عابرة وصغيرة، فاصلٌ قصيرٌ جدًّا جدًّا، ولحظة عابرة سريعة ينتقلون من خلالها إلى حياة لها هذه الميزة المهمة: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ}[آل عمران: من الآية169]، بكل ما يعنيه هذا، هم عند الله، هم ضيوفه، هم في إطار كرامته ورعايته، لا قلق عليهم، لا خوف عليهم، البعض قد يطمئن؛ لأن ابنه أو قريبه ذهب إلى مكانٍ يطمئن عليه فيه، عند بعضٍ من أقاربه، أو عند جهة يطمئن عليه أنه سيحظى عندها بالرعاية، والإحترام، والإكرام، والإهتمام. أمَّا هؤلاء فهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ)، حيث نطمئن عليهم كل الإطمئنان، يحظون برعايةٍ خاصةٍ منه -جلَّ شأنه- في ضيافته، تلك الضيافة المستمرة، ليست مجرد ضيافة ثلاثة أيام، أو وقت محدود. ضيافة مستمرة ودائمة، {عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران: من الآية169]، يمنحهم الله من أرزاقه، فيما يؤكد لنا أنهم يعيشون حياةً حقيقية، قد تختلفعن حياتنا هذه على كوكب الأرض، الله أعلم بالتفاصيل، لكنها حياةٌ حقيقيةٌ يعيشون فيها هذه النعمة من الله، هذا التكريم وحتى الرزق، ويعيشون فيها على المستوى المعنوي والنفسي حالةً عبَّر عنها فيما يلي ذلك حين قال: {عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[آل عمران: 169-170]، يعيشون على المستوى النفسي والوجداني، وعلى مستوى الشعور هذه الحالة من الفرح: {فَرِحِينَ}، فرحين بما وصلوا إليه، فرحين بما هم فيه من النعيم، الذي فيه الكثير والكثير مما يفرحهم، مما يسعدهم، مما يسرهم، فهم يعيشون فيما وصلوا إليه، وفيما هم فيه حالة الفرح، حالة السرور، حالة النعيم، وأيضاً فيما وراءهم، في مسيرتهم، في إخوتهم، فيما تركوه وراءهم من أمة مجاهدة، من إخوة ورفاق درب، لا يقلقون عليهم، هم يستبشرون لهم، {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، هم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم؛ لأنهم قد شاهدوا عندما وصلوا ما هم فيه من النعيم، وما أمامهم من الخير، فهم يستبشرون للآخرين أن يلحقوا، وأن يصلوا إلى ما وصلوا إليه؛ ليعيشوا معهم ذلك النعيم، تلك الحياة الراقية الطيبة التي يعيش فيها الإنسان بدون أي منغصات، ترك في هذه الحياة هنا في هذه الدنيا كل الهموم، وكل المحن، وكل الأحزان، وكل المنغصات، وأصبح يعيش دائماً في كل لحظاته، في كل أوقاته، في كل حياته تلك الممتدة بلا انقطاع حالة الفرح، حالة السرور، الإرتياح الدائم.
((ولا تحسبن)) ((ولا تقولوا)).. المدلول المهم!
فإذاً فضيلة عظيمة، منزلة رفيعة، درجة عالية، وحين قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَلَا تَحْسَبَنَّ} ليوجِّه الخطاب إلى نبيه -صلوات الله عليه وعلى آله- وإلينا نحن، إلى كل مسلم، إلى كل قريبٍ لشهيدٍ أيضاً، إلى الأمة التي قدَّمت أولئك الشهداء، وحين قال في آيةٍ أخرى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}[البقرة: الآية154]، (لَا تَقُولُوا) و (لَا تَحْسَبَنَّ): لا يكن في حسبانك، في تقديرك، في ظنك، في توهمك، أنهم في حالةٍ من الموت والفناء. |لا| بل هم انتقلوا إلى حياة حقيقية طيبة، أفضل من هذه الحياة، هم ضيوف الله في كرامته، هم عنده في رحمته، في حالةٍ من الفرح والإستبشار الدائم، لا تقولوا أيضاً، وهذا مهم، أولاً على المستوى النفسي، كل أقارب الشهداء، كل أصدقائهم، كل الذين لهم علاقةٌ بهم، قد يتألمون عليهم، قد يشعرون ببالغ الأسف والحسرة على فقدانهم، هذا يطمئن الجميع أنهم انتقلوا إلى ما هو خيرٌ لهم، أحسن لهم مما هو عندنا نحن، وأفضل لهم من الحياة عندنا نحن، حياة أطيب، وأهنأ، وأسعد، وأرقى، فلنطمئن عليهم، على حالهم.
ثم أيضاً يمثل هذا عاملاً مهماً في إدراك فضل الشهادة في سبيل الله، أنها لا تمثل خسارةً أبداً، لا خسارة للذين منحهم الله هذا الوسام العظيم، ووفقهم هذا التوفيق الكبير، وأكرمهم بالشهادة، فهم فازوا، وهم انتقلوا إلى تلك الحياة الطيبة، وإلى تلك المنزلة الرفيعة والعالية، ولا خسارةً لذويهم، لأسرهم، لأقاربهم. |لا| لا تمثل خسارةً أبداً، بل هي فوزٌ عظيمٌ، كما عبَّر عنه في الآية المباركة، ثم ما وراء ذلك جنة الخلد، ما بعد يوم القيامة ينتقل الشهداء إلى جنة الخلد التي وصفها الله في القرآن الكريم الوصف الكثير الكثير، عن كل أنواع النعيم فيها.
فالشهادة فوزٌ عظيم؛ لأنها ذات أثر إيجابي في واقع الحياة، يكتب الله بها في واقع الحياة النتائج العظيمة، تثمر نصراً، وتثمر عزةً، وتثمر قوةً، وهي أيضاً ثقافة تحرر الأمة من قيود الخوف، من أغلال المذلة، وتجعل من الأمة التي تتثقف هذه الثقافة، التي تمتلك هذا الإستعداد العالي للتضحية، أمةً شجاعة، لا تَرهَب الأعداء، ولا تخاف منهم مهما كانت إمكاناتهم، ومهما كان جبروتهم وطغيانهم، يجعل منها أمةً شجاعةً، قويةً، مستبسلةً، تنزل إلى الميدان بفاعليةٍ عالية، وليس بخوفٍ، وترددٍ، واضطرابٍ، وقلقٍ، وتوترٍ، وذلةٍ، وخوفٍ، ورعبٍ، وذعر. |لا| وهذا له أهمية كبيرة جدًّا في واقع الحياة، وأثبت هذا، نرى ثماره ونرى نتاجه في هذا الزمن، عندنا في اليمن، عند إخوتنا المجاهدين في لبنان، وفلسطين، والعراق، وفي إيران… وفي غيرها. على مدى التاريخ كم له شواهد كثيرة وكثيرة، من أكبر وأعظم وأسمى شواهده- إن لم يكن هو الأكبر- ما كان في حركة رسول الله محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- عندما تحرك، عندما جاهد، عندما قدم معه المسلمون الأوائل تلك التضحيات، عندما تحرك وفق تلك التوجيهات القرآنية، كيف كانت الثمرة الكبيرة التي غيَّرت مسار التاريخ، وملامح العالم، وواقع الحياة بكله. فإذاً لهذا أهمية كبيرة جدًّا.
الشهداء أساتذة مدرسة الشهادة المعطاءة
والشهداء هم في هذه المدرسة المعطاءة والعظيمة والمهمة والأخلاقية هم أساتذة، نتعلم منهم السمو الروحي والأخلاقي، نرى فيهم الواقع التطبيقي، عندما حملوا تلك الروحية، عندما حملوا تلك الأخلاق وتلك القيم، عندما جسَّدوها واقعاً وفعلاً وعملاً والتزاماً، كيف كانت النتيجة، كيف كانوا في صبرهم، في صمودهم، في تضحياتهم، في عطائهم، في أخلاقهم العالية جدًّا، كيف كانوا في مستوى فعلهم، صبرهم، أثرهم في الواقع، ترجموا ذلك في الواقع العملي فعلاً، وصل إلى مستوى التضحية، كيف لم يكونوا صغاراً يتأثرون بأبسط المؤثرات التافهة التي تؤثر على الكثير من الناس فيغير موقفه، أو يتأثر موقفه سلباً، أو يتراجع عن الميدان لأبسط وأتفه الأسباب. |لا| هم كانوا بسموهم العالي جدًّا، ثم برمزيتهم المهمة التي تجعل فيهم نعم القدوة ونعم الأسوة، الحديث عنهم، الحديث عن بطولاتهم، عن أخلاقهم، عن أفعالهم، عن تضحياتهم، عن صبرهم، عن سيرتهم، يترك أثراً وجدانياً عالياً؛ لأنهم جسَّدوا تلك الأخلاق العظيمة، تلك القيم الرفيعة والسامية، حملوا تلك الروحية العالية، وجسَّدوها في الواقع، ولهذا من المهم جدًّا التركيز على هذا الجانب في مثل هذه المناسبات، طبعاً هناك أحياناً توثيق عن بعض الشهداء، ولا يزال هذا العمل محدوداً، لا بدَّ إن شاء الله أن يكبر، وأن يتوسع، وأن يركز على الكثير من الشهداء العظماء الذين بسيرتهم تحيا الأمة، تنتعش الأمة، تستشعر العزة والمجد؛ لأن الشهداء هم لهذه الأمة تاج عزها، وعنوان مجدها، وحملة رايتها، فهذا مهمٌ جدًّا.
الصراع.. حقيقة حتمية لا يمكن التهرب منها
ثم عندما نأتي للحديث عن الشهادة والشهداء وعن هذه التضحية، فعلينا أن نستذكر حقيقةً مهمة: هذه الحياة- أيها الإخوة والأخوات- هي ميدان مسؤولية، ميدان اختبار، ميدان صراع، وهذا ما يركِّز عليه القرآن كثيراً كثيراً ليرسخه؛ لأنه من أهم المفاهيم على الإطلاق، والكثير من الناس حينما لا يستوعب هذا المفهوم، تتكون في ذهنيته صورة خيالية عن واقع هذه الحياة، ثم يضيع في توجهاته وفي مواقفه وراء الوهم والسراب للوصول إلى تلك الحياة الخيالية.
هذه الساحة على كوكب الأرض، هذا الميدان وجد فيه الإنسان ومنذ وجوده وجد الصراع، ووجدت المشاكل، ووجدت الخلافات، حتى عندما وجد أبونا آدم -عليه السلام- قبل أن يكون له ذريةٌ ونسل، كان الصراع بدءاً مع إبليس الذي {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}[الكهف: من الآية50]، واستكبر عن السجود لآدم، وكان معارضاً بشدة لاستخلاف آدم ونسله الذين هم البشر على الأرض؛ لأنها مسؤولية مهمة وكبيرة، {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: من الآية30]، ودورٌ كبير يتيح لهذا الإنسان أن يكون له شأنٌ كبير كموجود مهم في هذا العالم ذو كرامة، وذو قيمة عالية جدًّا، وشأن كبير، ودور كبير في واقع هذه الحياة، لهذا الإستخلاف له معنىً كبير وكبير وكبير، فكان الصراع مع إبليس، وحكى الله لنا في القرآن الكريم، وتكرر كثيراً في القرآن الكريم قصة هذا الصراع مع إبليس، وكيف تحرك إبليس بكل عدائية بعد أن أقسم قسماً، وطلب من الله أن ينظره في هذه الحياة ليعيش مدةً طويلة، وزمناً طويلاً، قال: {فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}[الحجر:36- 38].
إبليس بدأ معركته مع آدم -عليه السلام- واستهدفه في تلك المعركة بطريقة غفل آدم عنها، نسي ما كان الله قد حذره منه، الله أخبره أن إبليس عدوٌ له ولزوجه حواء، أخبره أنه سيستخدم الخداع والمكر في معركته، في عدائه، ولكنه نسي كما قال القرآن الكريم: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}[طه: من الآية115].
بعدها تكررت واستمرت هذه المعركة لتأتي أيضاً في الجيل الأول: أبناء آدم -عليه السلام- وحكى لنا القرآن الكريم قصة ابني آدم عندما قتل أحدهما الآخر بدافع الحسد، فكانت أول معصية، وأول دافعٍ عدائي هو الكبر، وهذه في معصية إبليس، وفي عدائه لآدم، ولأبناء آدم، ولذرية آدم، ثم كان الدافع الآخر العدائي الذي وصل إلى مستوى القتل، هو دافع الحسد.
في واقع هذه الحياة تستمر حالة الصراع، لماذا؟ هناك على مستوى الواقع البشري، دعك عن واقع الجن، حتى في واقع البشر أنفسهم؛ لأن المعركة والصراع في الواقع البشري كبيرٌ جدًّا، المعركة كبيرة، والصراع كبير، ومستمرٌ عبر الأجيال في كل زمن، وفي كل بلد، الإنسان فطره الله -سبحانه وتعالى- وهيـَّأه، وهيَّأ لديه القابلية لأن يكون في هذه الحياة عنصر خيرٍ، يتحلى بمكارم الأخلاق، أو أن يكون عنصر شر، ولهذا قال في القرآن الكريم: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس: 7-8]، {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، يمكن للإنسان أن يسعى في هذه الحياة ليكون عنصراً خيِّراً، فاضلاً، تقياً، زكياً، يتحلى بمكارم الأخلاق، يتربى عليها، يلتزم بها، يرتبط بمنهج الله -سبحانه وتعالى- يعتصم بحبل الله -سبحانه وتعالى- يؤمن بالله، ويحظى من الله مع ذلك بالهداية والتوفيق، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد: الآية17]، أو أن يكون عنصراً شريراً، سيئاً، يؤثر فيه الكبر، الحسد، الغرور، الظلم، الحقد، الطمع… تلك الأهواء والميول السيئة والشريرة، والتي يستغلها الشيطان إن وجدت لدى الإنسان فيتدخل ليتحرك أكثر وأكثر في دفع هذا الإنسان في ميادين الشر، في ميادين الفساد، في ميادين الإجرام، تحت رايات الضلال والباطل، فلذلك هذه الحياة حياة صراع، الصراع فيها موجود، المشاكل فيها موجودة، والواقع البشري هو يعيش هذه الحالة من الصراع، حتى أنَّ الأنبياء والرسل وهم صفوة البشر، وخيرة البشر، وهم الذين يمتلكون الخير روحيةً، وأخلاقاً، وقيماً، وهم موصولون برعايةٍ من الله -سبحانه وتعالى- وهدايةٍ إلهيةٍ دائمة، وهم الذين وصلوا المستوى الأعلى في الكمال البشري على المستوى الإنساني والأخلاقي والقيمي، وعلى مستوى الرشد، والحكمة، والفهم الصحيح، والذكاء العالي، والإستقامة العملية والأخلاقية، يعني: يتوفر لديهم زكاء النفوس، وصوابية التفكير، والرشد، والفهم الصحيح، والهداية الإلهية، ويتحركون في واقع هذه الحياة في مسؤولياتهم من هذا المنطلق: من منطلق الهداية الإلهية، والرعاية الإلهية، والتوفيق الإلهي، والتوجيه الإلهي، وبما منحهم الله من كمال أخلاقي وإنساني، وكمال في الرشد والتفكير الصائب، والسلوك الحسن، والأداء العالي في المسؤولية، لم يسلموا من الصراع، لم يكونوا بمعزل عن الصراع، لم يكونوا بمعزل عن التحديات، عن مواجهة المشاكل، عن مواجهة الأخطار، بل نجد أن الله -سبحانه وتعالى- قال في كتابه الكريم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ}، لاحظوا عبارة: (لِكُلِّ نَبِيٍّ)، تشمل كل الأنبياء بلا استثناء، يعني: ما واحد من الأنبياء إلَّا دخل في هذه القاعدة وهي: {جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ}[الفرقان: من الآية31]، ما من نبيٍ من الأنبياء إلَّا كان له عدو، وعدو ماذا يعمل معه؟ يبتسم له؟ يجامله؟! عدو يحاربه، يتصدى له، يواجهه، يكيد له، يمكر به، يسعى لإعاقته، يسعى لإفشال مشروعه الرسالي، يتحرك بكل ما يمكنه من الوسائل في التصدي للنبي، وهو النبي، لكن هل الله يترك أنبياءه؟ |لا| قال -جلَّ شأنه-: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان: من الآية31]، فمعادلة الصراع في الحياة معادلة قائمة موجودة، لا يمكن التهرب عنها، لا يمكن أن تكون بمعزلٍ عن آثارها، عن أضرارها، عن المسؤولية فيها، حتى لو قعدت، حتى لو تنصلت عن المسؤولية يلحق بك أثر الصراع، ضرره، وتلحقك تبعات تقصيرك في الدنيا، وتبعات تقصيرك إثماً ووزراً وذنباً تعاقب عليه في الآخرة، لا مناص من الصراع، لا مناص من التحديات.
الصراع ودوره في الإيجابي في بناء الأمم
يمكن لهذه التحديات أن تمثل عاملاً إيجابياً، عاملاً مهماً في بناء الأمة، في قوة الأمة، في ارتقاء الأمة، حتى إنسانياً وأخلاقياً وقيمياً، يمكن لهذا الصراع، يمكن لهذا التحدي، يمكن لهذه المشاكل أن تبني في هذا الإنسان إنسانيته، أن تنمِّي فيه مكارم الأخلاق، أن تنمِّي فيه الخبرة في هذه الحياة، المعرفة في هذه الحياة، أن تكسبه الكثير والكثير من التجارب التي تزيده رشداً، أن تصقل شخصيته، وأن تنمِّي فيه قوة العزم والإرادة؛ لأنه يواجه هذا التحدي يكتسب في مواجهته العزم وقوة الإرادة، والصلابة، والتماسك، القوة النفسية التي تتنامى في روحه، في فكره، في معنوياته، ويستفيد الرشد، الخبرة، التجربة العملية التي تكسبه معرفة، معرفةً صحيحة من واقع الحياة، من واقع التجارب، تزيده رشداً في تفكيره، سلامةً في فهمه، معرفةً صحيحة بالواقع من حوله، وهذا شيءٌ ملاحظٌ في واقع البشر، التحديات هي التي تبنيهم، التحديات والصراعات هي التي ابتنت من خلالها أمم، وسقطت من خلالها أمم، هي التي تصنع المتغيرات، حتى في واقع المستضعفين، لا يتحقق لهم العدل، ولا ترتفع لهم راية، ولا يدفع عنهم الشر والضيم والهوان والقهر إلا بالتضحية، إلا بتحمل المسؤولية، إلا عندما يتحركون في واقع هذه الحياة، ويتحملون مسؤولياتهم في النهوض بواجبهم في التصدي لهذا الخطر ولهذا الخطر، ولهذا كانت قاعدةً أساسيةً في القرآن الكريم: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة: من الآية251]، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}[الحج: من الآية40]، الصراع في هذه الحياة حتمي، وأثره يلحق بالجميع، حتى بالذين يتنصلون عن المسؤولية، وتبعة التنصل عن المسؤولية فيما يترتب على ذلك من عقوباتٍ في الدنيا، ومن عقوباتٍ في الآخرة، تنال أولئك الذين يتنصلون عن المسؤولية، ولا يسلمون منها، ولا يسلمهم تنصلهم عن المسؤولية من تلك التبعات لا في الدنيا ولا في الآخرة.
الصراع حتمي.. لكن المهم أين يكون موقعنا؟
المهم هو أين يكون موقعنا؟ إذا كان لا بد من الصراع، إذا كان لا بد من التحديات، إذا كان لا بد من المشاكل، إذا كان لا بد من الفتن {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت: 2-3]، هكذا يقول الله، لا بدَّ من هذا الإختبار، لا بدَّ من الفتن، لا بدَّ من المحن، لا بدَّ من المشاكل، لا بدَّ من الصراع، لا بدَّ من مواجهة التحديات، المهم أين يكون الموقع؟ ماذا تكون القضية؟ موقعنا في هذا الصراع- كما قلنا- أن نكون في موقف الحق، هذا المهم، أن نكون حيث يأمرنا الله أن نكون، حيث يوجهنا الله أن نكون، أن نكون مع الله؛ لكي يكون الله معنا، فنكون بالله أقوياء في مواجهة أي تحدٍ مهما بلغ، وفي مواجهة كل الصعوبات مهما كانت، وفي مواجهة كل التحديات مهما كبرت، عندما نكون مع الله ويكون الله معنا.
وهنا نرى قيمة هذا العنوان: (في سبيل الله)؛ لأننا نتجه الإتجاه الحق، نحمل راية الحق، نتمسك بالموقف الحق، نحرص على أن نتمسك بتوجيهات الله -سبحانه وتعالى- ونسير في الطريق التي رسمها الله -سبحانه وتعالى- لنكون في ذلك الموقع، أولسنا في واقع حياتنا هذه نرى الكثير والكثير من الناس يقاتلون، يعانون، يخسرون، يقدمون، ويضحون، ويبذلون كل شيء حتى حياتهم تحت رايةٍ هنا أو رايةٍ هناك، تحت رايات ضلال، حتى تحت راية أمريكا، حتى تحت رايات الموالين لأمريكا والموالين لإسرائيل، نرى الكثير يفعلون ذلك، نرى الكثير والكثير من الذين يخسرون حياتهم تحت راياتٍ، في مواقف، في معارك ليس لها أي هدف ذو قيمة إيمانية ومعنوية وأخلاقية وإنسانية.
عندما اخترنا هذا الطريق، الطريق الذي نكون فيه في موقع العبودية لله، والتحرر من العبودية للطاغوت، نواجه كل قوى الشر والإجرام، ونتصدى لها، لا نقبل بأن نخضع لها، عندما نعود إلى واقعنا في هذا الزمن، ما مضى قد مضى وفيه الكثير من الدروس والعبر عبر كل الأجيال، حتى في زمن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- في حركته ونهضته بالرسالة الإلهية، بكل ما ترافق مع ذلك من جهاد، واستشهاد، وتضحيات، وصراعات هنا وهناك في ساحات متعددة، ومع أطراف متعددة، وحتى ما قبل ذلك مع الأنبياء السابقين، الله يقول في القرآن الكريم: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: 146-148]، {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ}، سلسلة طويلة ممتدة مع الأنبياء السابقين، (كَأَيِّنْ): تعبِّر عن كثرة هؤلاء الأنبياء، عن العدد الكبير من الأنبياء الذين حملوا راية الحق، وانطلق معهم الربيون، الربيون: الذين هم خاضعون لله -سبحانه وتعالى- تابعون لربهم لله -سبحانه وتعالى- عبَّدوا أنفسهم لله -سبحانه وتعالى- تحرَّكوا تحت راية رب العالمين، يوم تحرك الكثير والكثير تحت رايات الضلال، والباطل، والأطماع، والأهواء، والإستكبار، والظلم، والطغيان، كانت رايتهم تلك الراية المقدسة، مع الأنبياء في خطهم، في نهجهم، في طريقهم، في موقفهم، فكان طريق جهاد وتضحية وصبر {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}، أول حالة يمكن أن تعتري الإنسان هي حالة الوهن، حيث يأتيه الفتور، حيث تلين صلابته، حيث يبدأ في مستوى تراجعه، ثم تأتي الحالة الأسوأ التي هي حالة الضعف، ثم تأتي الحالة الأسوأ بكثير التي هي حالة الإستكانة، كل هذا لم يكن موجوداً في واقعهم، {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ}، مهما كان مستوى التضحيات، في بعضها كان المؤمنون يفقدون نبيهم شهيداً، كان النبي بنفسه يستشهد، {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ}، فكان أتباعه المخلصون والصادقون يتماسكون في طريقه، يواصلون المشوار على نهجه، يتمسكون بموقفه، لا يتراجعون، أتت هذه الآية لتشجع المسلمين على الثبات، يوم تأثَّر الكثير منهم وانهارت معنوياتهم في أُحُد عندما سمعوا الدعاية باستشهاد النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- مع أنه لم يكن استشهد آنذاك، ولكنهم تأثروا بتلك الدعاية، فأتت هذه الآية لتذكرهم بالكثير والكثير من الربيين والربانيين الذين كانوا على هذا المستوى من التماسك، والمعنوية العالية، والثبات العظيم، والتماسك القوي، لدرجة أنهم حتى لم يهنوا، حتى الوهن لم يعترهم، لم يصلوا لا إلى مرحلة الوهن، ولا إلى ما هو أسوأ إلى مرحلة الضعف، ولا إلى ما هو أسوأ إلى مرحلة الإستكانة والجمود والخنوع للعدو.
أتى دورنا لمواجهة رموز الكفر: أمريكا وإسرائيل
لكن في هذا الزمن نحن أمة كما في كل الماضي، نحن أتى دورنا في هذ الحياة، نواجه تحديات في هذا الزمن، نواجه المخاطر في هذا الزمن، نواجه هجمةً علينا كأمةٍ إسلامية من أعداء واضحين، في مقدِّمة أعداء هذه الأمة من يحمل راية الإستكبار، من يتجه بكل ثقله، بكل مؤامراته، بكل استكباره، بمخططاته الشيطانية لاستهداف أمتنا، من يقود هذه المؤامرات من أعداء الأمة من الكافرين هو العدو الأمريكي والإسرائيلي، هؤلاء هم في مقدِّمة أعداء الأمة، هم أئمة الكفر في هذا الزمن، هم الذين يحملون راية الإستكبار والطغيان، الراية الشيطانية، هم الذين يمتلكون الرصيد الإجرامي الهائل على مستوى الواقع البشري، أمريكا في اعتداءاتها الإجرامية والوحشية، في تنكيلها بالناس، في ظلمها وجبروتها وطغيانها للشعوب، إمتد شرها لينال من الكثير من الشعوب، حتى من غير أمتنا الإسلامية، كما حدث في فيتنام، كما حدث في اليابان بإلقائها القنابل النووية على الشعب الياباني في مدنه، وقتلها للآلاف المؤلفة من الناس حتى من الأطفال والنساء، في كثيرٍ من أقطار الأرض لها رصيدها الإجرامي المشهور والمعروف، لكنها تخوض معركتها المباشرة وتستهدفنا بشكلٍ عدائيٍ واضح، هل يمكن أن ننسى ما فعلته أمريكا في العراق بعد غزوها للعراق واحتلالها للعراق، وارتكابها لأبشع الجرائم بكل أنواعها: جرائم القتل بمئات الآلاف من الشعب العراقي، جرائم الإغتصاب: الإغتصاب للنساء، والإغتصاب للرجال، واشتهرت قصة سجن أبو غريب كنموذج واحد من نماذج كثيرة مما جرى في العراق من خلال الأمريكيين.
هل يمكن أن ننسى ما فعلته ولا زالت تفعله أمريكا في أفغانستان البلد المسلم، الذي يلقى شعبه الأمرّين من الظلم والجبروت والأضطهاد الأمريكي؟ هل يمكن أن ننسى فلسطين، وما أدراك ما فلسطين! ومقدسات الأمة، والشعب الفلسطيني الذي هو جزءٌ من أبناء هذه الأمة لا يتجزأ، وما لحق به في كل هذه العقود من الزمن من الظلم والإضطهاد بكل أنواع الإضطهاد والظلم، من قتل، من اغتصاب للأرض، من انتهاك للعرض، من تدنيس للمقدسات، الدور الأمريكي حاضر في التبني التام لإسرائيل، والدعم المفتوح لإسرائيل، والتآمر والمشاركة المباشرة- في كثيرٍ من الأمور- مع إسرائيل، ومن آخر ذلك الإعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني الإسرائيلي اليهودي، فيما يحمله ذلك من دلالة واضحة على عدائية شديدة، واستهتار كبير بهذه الأمة وبمقدساتها، ثم ائت إلى ليبيا… إذهب إلى بقية أقطار هذه الأمة، ما من بلد من بلدان هذه الأمة، وما من شعبٍ من شعوب هذه الأمة إلَّا وترى لأمريكا حضوراً عدائياً استكبارياً، مؤامرةً هنا، سيطرةً هناك، احتلالاً هنا، ونفوذاً هناك، وتعمل بشكلٍ عدائي ضد أبناء هذه الأمة، ولو أنها تقدِّم عناوين مخادعة ينخدع بها السذج والأغبياء من الناس، أو يستغلها البعض من العملاء والخونة؛ ليبرروا لأنفسهم ما هم فيه من الخيانة والعمالة والنفاق، وصولاً إلى العدوان على بلدنا، العدوان على بلدنا الذي يشرف على اكتمال خمس سنوات منذ بدايته، وفيه أبشع الجرائم التي ارتكبها المعتدون، تحالف العدوان الذي أشرفت عليه، وأدارته، وباشرت فيه الكثير من المراحل أمريكا.
أمريكا دورها الرئيسي في هذا العدوان هو لمستوى أنه لولا تدخلها، ومشاركتها، وإشرافها، وإدارتها لهذا العدوان، لما كان هذا العدوان، لما وقع هذا العدوان بحق شعبنا اليمني، الدور الأمريكي هو بهذا المستوى، دورٌ أساسيٌ في هذا العدوان، الإشراف، الإدارة، الحماية السياسية، الدعم الذي قدمته بشكلٍ كبير على مستوى السلاح، بقنابلها كم قتل من الآلاف من أطفال شعبنا، وأبناء شعبنا، ونساء شعبنا؟ كم دمِّرت من المنازل، من المنشئات الخدمية في هذا البلد؟ كم دمرت من جسور؟ كم هدِّمت من المنازل؟ كم دمرت من المصانع والمتاجر والأسواق؟ الكثير الكثير، مناسبات إنسانية: مناسبات عزاء، مناسبات أفراح، مناسبات أعراس، فتكت بأهلها وقتلتهم القنابل الأمريكية.
مع القنابل الأمريكية إدارة شاملة للعملية، إدارة معلوماتية، إدارة تخطيط، وهذا شيءٌ اعترف به الأمريكيون، تحدَّث عنه الامريكيون، وأمرٌ معروفٌ في واقع الناس، لا خفاء فيه، أمرٌ ظاهر، الضحية لهذه الإعتداءات، الضحية لما تعانيه أمتنا هي هذه الشعوب بكلها، في كل بلد من بلدان هذه المنطقة، وإن تفاوت مستوى هذه المظلومية، ولكن قد تكون المظلومية في شعب هي أنه أصبح يعيش حالة الخضوع للإستعمار التام، شعبٌ هناك فيه سلطة خضعت بالكامل لأمريكا، ومكَّنت أمريكا من السيطرة على بلدها، بحيث تحولت هي إلى مجرد أداة بيد أمريكا، هذه المظلومية لذلك الشعب، الشعب الذي يتصدى للهيمنة الأمريكية، ويقدم في سبيل ذلك التضحيات؛ لأنه يريد أن يكون شعباً حراً، لا يستعبده أحد، ولا يكون عبداً إلا لله، يريد أن يتمسك بمبادئه وقيمه التي يبني عليها استقلاله في هذه الحياة، ثم يُظلم بالإستهداف العسكري، بالقتل، بالمؤامرات، بالحصار الإقتصادي، هو يعاني، وهو في موقع التضحية، والشعب الآخر الذي قد نراه لا يعيش حالة الحرب، لكنه يعيش حالة الإستهداف العدائي من نوعٍ آخر، أصبح بشكلٍ تام تحت السيطرة الأمريكية، سلطته، حكومته، نظامه خضع بالكامل لأمريكا، وأخضع شعبه معه لأمريكا، لدرجة أنَّ هناك شعوباً في أمتنا لا تستطيع- لأنها لم تمتلك الإرادة وخضعت بخضوع حكوماتها- أن تخرج مظاهرة واحدة تندد بإسرائيل، أو تجاهر بالعداء لإسرائيل، مع أنَّ إسرائيل عدو واضح للأمة.
العدو واضح بأهدافه.. ونحن نعيش الامتحان الإلهي
الحالة التي نعيشها في هذا العصر، هناك عدوٌ واضح اسمه الأمريكي والإسرائيلي، يستهدفنا كأمة ليسيطر علينا وبعدائية، ليفقدنا استقلالنا، ليفقدنا حريتنا وكرامتنا، ليسيطر علينا سيطرةً تفصلنا عن مبادئنا الأساسية، عن قيمنا، عن إسلامنا الحقيقي، إسلامنا المحمدي الأصيل، إسلامنا الذي يعبر عن مضمونه القرآن الكريم، الذي يجعل منا أمةً مستقلةً، حرةً، عزيزةً، لا تعيش حالة التبعية لأعدائها؛ لأننا لو تحولنا لنعيش في حياتنا هذه حالة التبعية المطلقة لأمريكا وإسرائيل، وسلمنا أنفسنا كأمة بكل مقدراتها، وثرواتها، وإمكاناتها لتستغلها أمريكا وإسرائيل، ولتكون غنيمةً أمريكا وإسرائيل، ولتكون خاضعةً لأمريكا وإسرائيل؛ لكُنا فقدنا من إسلامنا جوهره، ومبادئه، وأسسه، ولأصبحنا أمةً ليس لها من الإسلام إلَّا اسمه، ليس لها إلَّا إسلاماً شكلياً توظَّف فيه بعض العناوين لخدمة أمريكا ولخدمة إسرائيل، كما يفعله البعض من العملاء والمنافقين والخونة، الذين يفعلون نفس الشيء، خضعوا لأمريكا، أصبحوا في حالة تبعية لأمريكا، مواقفهم مواقفها، وسياساتهم سياساتها، توجهاتهم توجهاتها، يعادون من تريد لهم أمريكا أن يعادوا، يوالون من تريد منهم أمريكا أن يوالوا، إعلامهم يخدمها، أموالهم تصب في تنفيذ مؤامراتها ومشاريعها، مواقفهم السياسية والعسكرية والأمنية تصب حيث التوجه الأمريكي، حيث تريد منهم أمريكا أن يكونوا يكونون، هذه حالة البعض.
فنحن في مرحلة نعيش فيها هذا الإختبار الإلهي، الذي لا يمكن أن نكون فيه صادقين مع الله، صادقين في انتمائنا للإسلام الحقيقي في جوهره العظيم، الإسلام الذي يبني حريةً، واستقلالاً، وكرامةً، وعزةً، الإسلام الذي يبني واقعاً على أساسٍ من المبادئ الإلهية، والأخلاق والقيم العظيمة، لا يمكن أن نكون صادقين في ذلك مع التعبية لأمريكا وإسرائيل، لا يمكن أبداً، يستحيل ذلك.
الإسلام في مبادئه الإلهية، في أخلاقه العظيمة، في تشريعاته الإلهية، لا يمكن أبداً أن يكون برنامجاً لأمة تتحول إلى حالة تبعية لأمريكا؛ لأن لأمريكا برنامجاً آخر، أسساً أخرى، لإسرائيل توجهات أخرى، مبادئ أخرى، لديهم سلوكيات وتصرفات وسياسات تتناقض كلياً مع مبادئ هذا الدين، حالة التبعية لأمريكا هي حالة عبودية للطاغوت، وهي تتنافى كلياً مع مبدأ التوحيد في الإسلام، الذي يجعلنا أحراراً لا نخضع إلا لله، لا نركع إلا لله، لا نعبِّد أنفسنا إلَّا لله -سبحانه وتعالى- حالة التبعية لأمريكا ستجردنا من الأخلاق القرآنية والإسلامية، حالة التبعية لأمريكا ستجردنا من الكرامة التي يريدها الله لنا، وستفقدنا حتى القيمة الإنسانية.
الفطرة والمبادئ الإلهية تدفعنا لمواجهة الهجمة الأمريكية
أيها الإخوة والأخوات: هناك أمم في هذه الأرض وهي لا تنتمي إلى الإسلام، الإسلام في مبادئه الإلهية العظيمة، في أخلاقه العظيمة، في شريعته العظيمة والمقدسة والمباركة، لكن لديها طموحها الإنساني، لا زالت بفطرتها الإنسانية تصر على أن تكون أمةً حرة، واتجهت في هذه الحياة لتفصل نفسها عن الخضوع لأمريكا، عن التبعية لأمريكا، عن الإستسلام لأمريكا، وتسعى لأن تكون أمةً متحررة من الخضوع لأمريكا، ومن التبعية لأمريكا، نحن نعرف كيف تسعى روسيا مثلاً للتحرر من الهيمنة الأمريكية، ولتكون نداً أمام الأمريكي، كيف تسعى الصين، كيف تسعى كوريا الشمالية… كيف تسعى بلدان هنا وهناك، بعض البلدان في أمريكا اللاتينية مع قربها من أمريكا تسعى لأن تكون حرة، ومنعتقة من الهيمنة الأمريكية، لماذا؟ لأنهم يدركون أنَّ الهيمنة الأمريكية هي استعباد، هي إذلال، هي قهر، هي مصادرة للحرية، هي مصادرة للكرامة، هي مصادرة للإستقلال، وهم لا يريدون أن يعيشوا هذه الحياة، نحن بالأولى- كأمة مسلمة- نحن بالأولى أن نكون أعظم إصراراً، وأكثر تصميماً على أن نكون أمةً حرة مستقلة، تبني حياتها في هذه الحياة، تبني مشوارها في هذه الحياة على أساسٍ من مبادئها العظيمة، وقيمها العظيمة، وأخلاقها الإلهية القرآنية الإسلامية العظيمة، نحن أولى بالحرية، بالإستقلال، بالكرامة.
ثم نحن نعيش في واقعنا في واقع هجوماً علينا كأمة، أمريكا هي التي هجمت علينا، هي التي أتت إلينا، لسنا نحن كأمة مسلمة من ذهبنا في السفن وانتقلنا عبر البحار لنهجم عسكرياً على الولايات المتحدة الأمريكية، ولنعتدي على سكانها ومواطنيها، ونقتحم عليهم المدن، وننهب عليهم المقدرات والثروات والخيرات، ونقيم في بلدانهم القواعد العسكرية للإستئثار بكل ممتلكاتهم، والتحكم بكل قراراتهم، والتدخل في كل شؤونهم. هم من أتوا إلينا هم، هم من أتوا إلينا، هم من بدأوا بالتدخل في كل شؤون حياتنا، يتدخلون سياسياً، أين هو البلد العربي الذي لا تتدخل الولاية المتحدة الأمريكية في شؤونه السياسية، أين هو؟ أين هو البلد الإسلامي الحر الذي هو بمنأى عن كل مؤامرات أمريكا، وتحترمه أمريكا، وتحترم استقلاله، لا تتآمر عليه، لا تضايقه؟ هي تركز على المنطقة بشكلٍ عام، وتسعى للسيطرة عليها بشكلٍ عام، وتتعامل معنا كشعوب إسلامية، كأمة مسلمة عربية وغير عربية… كل هذه الأمة الإسلامية، تتعامل معها بعدائية شديدة، هي تكرهنا كمسلمين، وهي تسعى للسيطرة علينا بعدائية.
أمريكا وتعاملها مع عملائها!
ولذلك نجد كيف تتعامل حتى مع عملائها، مع الخانعين لها، مع الخاضعين لها، مع الموالين لها، هل هي تحترمهم؟ عندما يأتي الرئيس الأمريكي ليسمي النظام السعودي الذي هو يوالي- بكل وضوح- أمريكا ولاءاً تاماً، يقف معها كل المواقف، يتبنى كل توجهاتها، إعلامه لا يختلف عن الإعلام الأمريكي إلَّا في اللغة، أمَّا المضمون فهو واحد، تجاه أي مستجد في واقع هذه الأمة، إذا توجهت أمريكا لتضرب ضربتها هنا أو هناك، لتستهدف هذا الشعب أو ذاك الشعب من أبناء أمتنا، لتستهدف ذلك الحر وذلك البطل من أبناء الأمة هنا أو هناك، تجد الإعلام السعودي لا يختلف عن الإعلام الأمريكي إلَّا في اللغة، ليست لغة انجليزية، لغة عربية؛ أمَّا المضمون فواحد، السياسات، التوجهات، المواقف… إلخ. هل تحترمه أمريكا؟ أوليس يأتي (ترامب بنفسه) الرئيس الأمريكي ليسمي هذا النظام الموالي، هذه السلطة التي والته، وقفت معه، أيَّدته، طبَّلت له، مجَّدته، حتى في أمريكا يسخرون من ترامب، والنظام السعودي يمجِّده، يعظِّمه، يبجِّله، يمدحه، يتحدث الناس في أمريكا في الولايات المتحدة عن غباء ترامب، عن حماقته، عن سلوكه المستهتر، عن فقدانه للإتزان، ينتقصونه بكثير من النواقص الملاحظة فيه، والبارزة فيه، فيأتي الإعلاميون السعوديون ليمجِّدوه، ويصفونه بأوصاف تعظيم وتبجيل. حالة غريبة جدًّا! فيسميهم في المقابل بالبقرة الحلوب، من يسميك بالبقرة هل هو احترمك؟! والحلوب يحلبك، ويرى أن كل ما تقدمه له، وكل ما حصل عليه منك إنما هو بمنزلة ما يحصل عليه الراعي من بقرته الحلوب، مع فارق أنَّ الراعي للبقرة قد يكون قدَّم لها خدمة وهو يرعاها؛ أما الراعي الأمريكي فهو لا يقدم خدمة، ليس راعياً حقيقياً؛ لأنه يحلب وليس هو الذي رعى، لم يقدِّم أي جهد، لا يحترمون أحداً، يعني: النظرة العدائية، نظرة الكراهية {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119]، هذه الحالة التي هم عليها.
فنحن أمام هجمة أمريكية وإسرائيلية فيها قتل للملايين من أبناء أمتنا، فيها احتلال للأرض، فيها انتهاك للعرض، فيها تدنيس للمقدسات، فيها مصادرة للإستقلال، فيها مصادرة للكرامة، فيها استعباد، فيها إذلال، فيها امتهان، فيها نهب للثروات، هذه هي الحالة القائمة، والشواهد عليها يومية في فلسطين، في اليمن، في العراق، هجمة واضحة، هجمة استكبارية، هجمة طغيان، الأمة فيها في موقف الدفاع، ومن يتحرك من أبناء الأمة في مواجهة هذا الخطر الواضح، وهذا العدو الواضح، وهذه الهجمة الإستكبارية العدوانية الواضحة، والتي تتجه لتشمل كل المجالات؛ لأن الأمريكي يتحرك في كل المجالات: على المستوى السياسي، على المستوى الإقتصادي، على المستوى العسكري، على المستوى الأمني… على كل المستويات، وفي كلها بمؤامرات وبعدائية وبخطط استعمارية، من يتحرك من أبناء أمتنا بدافع المسؤولية، بدافع الضمير الحي، بدافع الفطرة الإنسانية والقيم الإنسانية، توَّاق للحرية، توَّاق للكرامة، توَّاق للعزة، ويستشعر المسؤولية أمام الله -سبحانه وتعالى- في مواجهة هذه الهجمة، هو في الموقف الصحيح، في الموقف الحق، هذا الذي يريده الله لنا.
أعظم مصاديق الجهاد والشهادة!
عندما أتت كل آيات الجهاد، وكل الحديث عن الشهادة، هي لتبني منا أمةً ذات منعة تواجه أعداءها، تواجه التحديات، تواجه الأخطار، تتصدى لقوى الشر، لقوى الإجرام، وليس لتبقى أمةً مستكينة، ولذلك يأتي القرآن الكريم ليؤكِّد على ذلك، تأتي آيات الجهاد في القرآن وآيات الشهادة لتؤكِّد على ذلك، سبيل الله هو سبيل المستضعفين، نصرتهم، عزتهم، فلاحهم، قوتهم، منعتهم، دفع الظلم عنهم، دفع الشر عنهم، دفع الفساد عنهم، الجهاد في سبيل الله في هذا الزمن من أهم مصاديقه، وأقدس مصاديقه، وأعظم مصاديقه التصدي للهجمة الأمريكية والإسرائيلية الشاملة على أمتنا، الهجمة الواضحة، الهجمة العدوانية، الهجمة الإستكبارية، الهجمة المعادية التي هي ذات طابع إجرامي، فيه قتل، فيه استباحة، فيه نهب، فيه مصادرة للكرامة والإستقلال، من أهم مصاديق الجهاد في سبيل الله هو التصدي لهذا الخطر، لهذا الشر، انطلاقاً من تلك المبادئ الإلهية في إسلامنا، في قرآننا، ومن أهم مصاديق الشهادة هو الإستشهاد وأنت تتحرك في هذا الطريق، في هذا الإتجاه انطلاقاً من تلك المبادئ والقيم والتوجيهات الإلهية، في هذه الطريقة التي رسمها الله -سبحانه وتعالى-.
الأمريكي هو الذي هو في موقع البغي، والعدوان، والإجرام، ونشر الفتن، مَن الذي نشر داعش؟ الممول هو غير الأمريكي؛ لأنه لا يريد أن يدفع المال، لكنه هو الذي يهندس، ويشرف، ويتابع، ويوجِّه، ويأمر، ويرتِّب، ويهندس المسألة بكل تفاصيلها، الآخرون قد يموِّلون وقد ينفِّذون.
مساران يترافقان مع الهجمة الأمريكية الإسرائيلية
للأسف الشديد مع هذه الهجمة الأمريكية الإسرائيلية الواضحة على أمتنا، يترافق معها مساران سلبيان، ويشتغل في كِلا المسارين جزءٌ من أبناء الأمة:
المسار الأول هو التبرير والتأييد لما تفعله أمريكا، أَوَلَا نرى السعودي يفعل ذلك؟ أَوَلَا نرى الإماراتي يفعل ذلك؟ كِلا النظامين يفعل ذلك، إعلامهما، مواقفهما السياسية، تمويلهما، ودفعهما المالي في هذا الإتجاه، مواقفهما العسكرية في الأخير وحتى الأمنية، وأمثالهما ممن يؤيد، يبرر، إعلامه واضح، أمام أي جريمة، أي توجه أمريكي جديد، يأتي ليواكب ذلك التوجه الأمريكي، أو ليتحرك ضمن تلك المؤامرة الأمريكية في كل المسارات مؤيِّداً ومبرراً، وهذا واضح.
المسار الآخر هو مسار تثبيط، وتخذيل، ولوم، وانتقاد، ومحاولة تكبيل الأمة ألَّا تتجه لدفع هذا الشر الموجود أصلاً، ألَّا تتصدى لهذا الخطر القائم في الواقع، ألَّا تتصدى لهذه الهجمة التي هي هجمة قائمة في الواقع، حرمان الأمة حتى من الدفاع عن نفسها، عن استقلالها، عن كرامتها، التوجه باللوم، والنقد، والتجريح، والتثبيط، والإساءة، والإتهامات، لوم كبير جدًّا، لوم كبير بكل الوسائل، بكل العناوين، بكل ما يمكنهم من عناوين معينة وزائفة لمن يتحرك للتصدي لهذه الهجمة، مع أننا في الموقف الطبيعي جدًّا، كل أحرار هذه الأمة الذين حملوا الراية يوم تخلى الكثير، ونهضوا يوم قعد الكثير، ونطقوا يوم سكت الكثير، وضحوا وتحركوا في الميدان يوم جبن الآخرون واستكانوا، ثم يتوجه اللوم، العتاب، التحميل للمسؤولية، الانتقاد، نحو ذلك، لماذا؟ لأن أولئك يريدون الأمة أن تبقى مدجنة، خانعة، ساكنة، خاضعة بالكامل للأمريكي والإسرائيلي، في النهاية هذا هو المطلوب، المطلوب في مقابل هذه الهجمة الأمريكية القائمة، في مقابل الممارسات العدوانية لأمريكا، عند كل جريمة ترتكبها أمريكا يأتي من يبرر، ويأتي من يقول للآخرين: [أنتم لا تفعلوا شيئاً، أنتم توقفوا، أنتم اسكتوا، أنتم لا تتحركوا]، هكذا يفعلون، ولهذا تعتبر خيانة كبيرة للأمة، الله سمَّى هذه النوعية من الناس بالمنافقين، من ينتمي منهم للإسلام ويؤيد أعداءه وأعداء أمته في مراميهم الواضحة للسيطرة على هذه الأمة يسمى في القرآن بالمنافق، {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء: من الآية139].
الأمور جلية جدًّا، وواضحة جدًّا، الأمريكي والإسرائيلي في موقف البغي على هذه الأمة، الإجرام اليومي بحق هذه الأمة، الانتهاك للكرامة بحق هذه الأمة، الظلم الذي ترتكبه قوى الشر تلك بحق هذه الأمة بكل الوسائل وفي كل المجالات، حتى على المستوى الاقتصادي وغيره، الفتن والمؤامرات التي لها أول وليس لها آخر لحد الآن كثيرة ومعروفة وواضحة.
الوجود العسكري في هذه الأمة هو وجود يخدم هذه المؤامرات، يثبِّت هذا الاستعمار، هو وسيلة قمع بحق هذه الأمة، وهذا شيء واضح، ماذا أتى له الجنود الأمريكيون والضباط الأمريكيون؟ ما هو الهدف للتواجد العسكري في كل القواعد العسكرية في المنطقة إلَّا لتثبيت هذه الهيمنة والسيطرة على هذه الأمة، ولقمع هذه الأمة، ولإذلال هذه الأمة، وللاستعمار والاستعباد لهذه الأمة، والاعتداءات التي نُفِّذت وانطلقت في الميدان، وتنطلق في كل مرحلة واضحة ومعروفة، فإذاً المسألة واضحة في طبيعة المعركة مع أمريكا، والدور الأمريكي والدور الإسرائيلي.
المدلول الخطير لاستهداف سليماني والمهندس
في الهجوم الأخير والعملية الإجرامية الأخيرة التي استهدفت قائداً من أبناء هذه الأمة الإسلامية، قائداً مسلماً، مجاهداً، حراً، عظيماً، اسمه الحاج قاسم سليماني، هذا رجل ينتمي لهذه الأمة التي نحن كمسلمين منها، هو واحدٌ من أبناء هذه الأمة، قبل أي انتماءٍ آخر هو مسلم ينتمي للإسلام، وينتمي لهذه الأمة، واستشهد فيها أيضاً قائدٌ مجاهدٌ بطلٌ عزيز، هو الحاج أبو مهدي المهندس، ورفاقهما رحمة الله تغشاهم جميعاً، كيف كانت هذه الجريمة؟ اعتداء سافر ومباشر أمريكي، تجاوزت فيه أمريكا كل الاعتبارات، الاعتبارات المتعارف عليها في الواقع البشري بين شعوب ودول العالم بشكلٍ عام، استقلال العراق، العراق بلد عربي مسلم له حقه في الاستقلال، ليس لأمريكا أي شرعية ولا أي حق أن تنفِّذ فيه أي عملية عسكرية، وأن تأتي لتقتل فيه من أبنائه ومن أبناء جيرانه المسلمين، تجاوزت كل هذا الاعتبار، لم تحترم العراق كدولة، ولم تحترم الدولة العراقية، ولم تحترم الحكومة العراقية، ولم تحترم الدم العراقي، ولا دم الإنسان المسلم في بلدٍ مسلم.
كل هذه الاعتبارات اعتبارات تراعى في كل الدول، في كل العالم، معترف بها في العالم، استهترت بها جميعاً، لماذا؟ لأن أمريكا تريد- وسعت خلال هذه المراحل الماضية- أن ترسِّخ في واقعنا كأمةٍ مسلمة الاستباحة، أننا أمة مستباحة، في واقعنا لا قيود، لا اعتبارات لا لقانون دولي، ولا لعرف، ولا لدين، ولا لنظام، ولا لحقوق… ولا أي شيء يراعى في واقعنا، طالما والهدف هدف مسلم، إنسان مسلم، شعب مسلم، تنتهي كل تلك الاعتبارات، ولا شرعية دولية، ولا مجلس أمن، ولا قرارات أمم متحدة، ولا قانون دولي… ولا أي اعتبارات، كل شيء ينتهي، أمريكا في واقعها المستكبر، واقعها الطغياني، واقعها الإجرامي، سياساتها الاستكبارية الاستعمارية تريد أن ترسِّخ في واقعنا العربي- بل في واقعنا كأمة مسلمة- أن لها أن تفعل ما تشاء بمن تشاء متى تشاء، ولا يلومها أحد، ولا ينتقدها أحد، بل يأتي الكثير ليطبل لها، ويصفق لها، ويؤيدها، ويبارك ما فعلت، ويؤيد ما فعلت، ويأتي البعض ليقول للآخرين الذين ظُلِموا، الذين بُغي عليهم، الذين اضطُهِدوا، الذين سفكت دماء أعزائهم: [توقفوا، لا تفعلوا شيئاً، لا تفعلوا شيئاً]، هذه المعادلة ليست معادلة صحيحة بأي معيار، معادلة أن تتحرك أمريكا لاستهدافنا كأمةٍ مسلمة ونقعد، أن تقتلنا ونسكت، أن تحتل بلداننا ونسكت، أن تستعمرنا ونسكت، أن تتدخل في كل شؤوننا في صغيرها وكبيرها وفي كل مجالاتها ونذعن ونسلم ونطيع، هذه معادلة لا يمكن أن تكون مقبولةً لدى الأحرار من أبناء هذه الأمة، لدى المؤمنين من أبناء هذه الأمة، لدى من احتفظوا بإنسانيتهم وفطرتهم من أبناء هذه الأمة، يمكن أن تكون هذه المعادلة مقبولة لدى المنافقين، ولدى الخانعين المستكينين، الذين لم يحملوا من هذا الإسلام مبادئه العظيمة، أخلاقه العظيمة، لم يعتزوا بعزة هذا الدين الذي قال الله عنه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8]، يمكن لدى الآخرين.
الضربة الإيرانية للقواعد الأمريكية انطلقت من معادلة قرآنية
أحرار هذه الأمة الذين يتحركون في كل الميادين التي باتت ميادين معروفة، وساحات معروفة في اليمن، في لبنان، في فلسطين، في العراق، في إيران الجمهورية الإسلامية، التي هي البلد الإسلامي الوحيد الذي له أبرز موقف في مواجهة العدو المستكبر الأمريكي والإسرائيلي في الصدارة، دولةً، حكومةً، شعباً، توجهاً عاماً ومن زمن طويل، منذ بداية الثورة الإسلامية، ومنذ انتصار الثورة الإسلامية وإلى اليوم.
المعادلة ستكون مختلفة، معادلة مختلفة، وكانت مختلفة، وهذا المستوى من الاستهتار باستهداف قادة من أبناء الأمة سيكون التعامل معه مختلفاً بالتأكيد، وفي هذا السياق عندما أتت الضربة الصاروخية الإيرانية على القواعد العسكرية الأمريكية إنما أتت انطلاقاً من معادلةٍ إسلاميةٍ قرآنيةٍ إنسانيةٍ صحيحة، المعادلة التي يتمسك بها أحرار الأمة، معادلة الموقف الحق، معادلة الموقف الصادق، الموقف الشجاع، الموقف المسؤول، الموقف الصحيح، الموقف الحكيم في التصدي لهذه العنجهية، ولهذا الاستكبار، ولهذه الهجمة الأمريكية والإسرائيلية.
أراد الآخرون الذين يوالون أمريكا وإسرائيل، وتبعاً وتنفيذاً للمؤامرات الأمريكية والإسرائيلية، أن يثبِّتوا معادلة الاستباحة في واقع أمتنا، وأن يسلِّم بها الجميع، لكن أحرار الأمة لم يقبلوا بذلك، وتحرَّكوا بكل عز، بكل إباء، بكل مسؤولية للتصدي لهذه الهجمة ولا يزالون، وتحققت لهم انتصارات كبيرة، وتتحقق- بإذن الله- انتصارات في المستقبل أكبر فأكبر.
معادلة التجزئة ومخاطرها الكبرى
أرادوا أيضاً أن يثبِّتوا معادلةً أخرى: وهي معادلة التجزئة للمعركة، وهي من أخطر المعادلات، لقد أرادوا لأمريكا أن يكون الجو لها مفتوحاً، لتأتي وتأتي معها بمن تريد من دول، كيانات، جماعات، في معركتها على الأمة، وفي استهدافها للأمة، وفي المقابل يقولون لكلٍ من أبناء هذه الأمة في هذا الشعب أو ذاك: عليك أن تخوض معركتك لوحدك، عليك أن تتصدى لهذه الهجمة التي تأتي دائماً في إطار تحالف، تحالف تقوده أمريكا ومعها دول من الغرب والشرق، ومعها عملاؤها من المنطقة بشكل دول (أنظمة يعني)، أو بشكل جماعات كالتكفيريين، من الطبيعي لأمريكا- بنظرهم- أن تأتي بالجميع، وأن يتحرك معها الجميع، لاستهداف هذا الشعب أو ذاك، أو ذلك المجتمع أو ذلك المجتمع من أبناء أمتنا الإسلامية، لكن في المقابل يقال لأبناء أمتنا: [ليس لأحدٍ منكم أن يقف مع أخيه الآخر]، لماذا؟ ما دام هناك هذه التجزئة السياسية والجغرافية للأمة، والتي لعب عليها الاستعمار البريطاني في السابق، والاستعمار الفرنسي، والاستعمار الغربي في السابق، وجزَّأ هذه الأمة، وقطَّع أوصالها سياسياً وجغرافياً، خلاص أنت في اليمن فلتستهدف لحالك، ولتخض معركتك لوحدك، وسيتهم الآخرون حتى لو أيدوك بالكلام فحسب؛ أمَّا إذا أيدوك بالفعل، بالموقف، فستكون المسألة جريمة تدان بها أنت، ويدانون بها هم، ثم يقال للبناني كذلك في الأخير الفلسطيني، حاولوا أن يعزلوا الشعب الفلسطيني، وأن يعزلوا مقاومة الشعب الفلسطيني، وأن يجرِّموا مقاومة الشعب الفلسطيني، العملاء الموالون لأمريكا من العرب، من الأمة الإسلامية، أدرجوا كل حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين في لائحة ما يسمى بالإرهاب، لماذا؟ لأنها تواجه إسرائيل، تتصدى لإسرائيل العدو الواضح جدًّا، حرصوا على تثبيت معادلة التجزئة، ثم هكذا بالنسبة للجمهورية الإسلامية في إيران أن تواجه لوحدها، ثم هكذا للأحرار في سوريا، ثم هكذا للمجاهدين في العراق… وهكذا يراد للأمة في كل بلدٍ من بلدانها، وفي كل منطقةٍ من مناطقها يراد لها ذلك، أن يخوض كلٌّ معركته لوحده؛ بينما لأمريكا- في نفس الوقت- أن تتحرك بالجميع، أما أبناء هذه الأمة إذا اتحدوا يجعلون من اتحادهم للتصدي لهجمةٍ تستهدفهم جميعاً إدانةً عليهم، بل تهمة، بل هجمة إعلامية يشنعون بها على هذا البلد أو ذاك.
لكننا نقول: إنَّ شعوب أمتنا الحرة في هذه البلدان التي هي اليوم في صدارة المعركة تتصدى لهذه الهجمة هم أكثر وعياً من التأثر بتلك الشائعات، هم أكثر وعياً، وأرقى مسؤوليةً، وأعظم إيماناً وثباتاً، وأعلى وأنضج رشداً من أن يتأثروا بمثل هذه الدعايات الإعلامية: أن علينا أن نقبل بهذه التجزئة في المعركة من جانبنا، وهم يتحدون علينا من جانبهم، يتحدون على الشعب اليمني، فتأتي أمريكا ومن معها للاعتداء عليه، ثم يتحدون على الشعب العراقي، يتوحدون على سوريا، يتوحدون في الاستهداف للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، يتوحدون في المؤامرة على لبنان، يتوحدون في المؤامرة على الجمهورية الإسلامية في إيران… وهكذا مع بقية أبناء الأمة.
توحدالأمة ضد الهجمة الأمريكية فريضة مقدسة
نحن نعلنها بكل وضوح، نحن لا نقبل بهذه التجزئة في المعركة، ونحن كنا منذ يومنا الأول ومنذ انطلاقة مسيرتنا القرآنية نؤكد على ضرورة أن يتوحد كل أبناء الأمة في هذه المعركة، أن يكونوا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، أن يعتصموا بحبل الله جميعاً، أن يتعاونوا في كل ما يعنيه التعاون على كل المستويات في التصدي لهذه الهجمة الأمريكية والإسرائيلية، هذا موقفٌ مشروع، هذا توحدٌ هو بالنسبة لتعليمات الله -سبحانه وتعالى- فريضة من الفرائض، توجيه من التوجيهات الإلهية الملزمة، وتوحدٌ مشروع، إذا كان للآخرين أن يتوحدوا على باطلهم، وأن يتعاونوا في ظلمهم لأبناء هذه الأمة، وأن يتكاتفوا في مؤامراتهم علينا كمستضعفين، فإن لنا كمستضعفين ومظلومين ومسلمين أن نتوحد ونتعاون وتتظافر جهودنا في دفع هذا الشر الذي يستهدفنا جميعاً، وفي التصدي لهذا الخطر الذي يهددنا جميعاً.
المرحلة دخلت الآن فصلاً جديداً من المواجهة، عنوانه هو هذا: التوحد في التصدي لهذا الخطر، لهذه الهجمة، التعاون في التصدي لهذا الخطر ولهذه الهجمة، وكما تعاون أولئك في تحالفاتهم الإجرامية والظالمة والاستكبارية والآثمة لظلم أبناء هذه الأمة، نتعاون إن شاء الله، ونتحالف إن شاء الله، وتتظافر جهودنا إن شاء الله، وتتوحد مواقفنا- إن شاء الله- كأحرار في هذه الأمة في التصدي للهجمة الأمريكية والإسرائيلية، عندما نستهدفهم هم استهدفونا قبل ذلك، هم اعتدوا علينا قبل ذلك، هم في واقعهم في حالة هجمة مستمرة لسنوات طويلة في كل المجالات، لا تستثني شيئاً في واقعنا، وهم يتآمرون علينا بكل المؤامرات، نحن لسنا في موقع البغي، ولا نحن افتعلنا المشاكل، ولا نحن سعينا للمشاكل؛ إنما نتصدى لخطرٍ قائم، إنما نتصدى لهجمةٍ قائمة، إنما نواجه عدواناً بالفعل هو قائمٌ علينا كشعوب في هذه المنطقة وفي هذا العالم.
ولذلك نحن في الموقف الحق، وفي الموقف المشروع، ولن نتحرج من ذلك، لن نتحرج بأن نقول: نحن مع كل الأحرار من أبناء أمتنا الإسلامية، وأملنا- بإذن الله- أن تتوسع هذه الدائرة، وكان من المفروض أن يكون عليها كل أبناء الإسلام، أن تكون كل هذه الأمة الإسلامية في كل بلدانها وفي كل شعوبها أمةً متوحدة لمواجهة الخطر الأمريكي والإسرائيلي، والتهديد الأمريكي والإسرائيلي، ودفع هذا الشر الأمريكي والإسرائيلي، كان هذا هو المفترض، كان هذا هو الواجب، كان هذا هو الموقف الصحيح، ومن شذَّ عنه، وخرج عنه، وانحرف عنه هو المخطئ، هو الذي يتوجه إليه اللوم، والعتاب، والذم، والتهمة بالنفاق، والتهمة بالعمالة، والتهمة بالخيانة.
الموقف الصحيح لكل المسلمين في كل أقطارهم في كل بلدانهم أن تتوحد كلمتهم لدفع الشر الأمريكي والإسرائيلي، وبدلاً من التأييد لأمريكا في عدوانها، التأييد لكل موقفٍ ولكل فعلٍ مقاومٍ في التصدي للشر الأمريكي، والخطر الأمريكي، والخطر الإسرائيلي.
الضربة الإيرانية بداية موفقة والنصر حتمي
البعض كان موقفهم مؤيِّداً للاعتداء الأمريكي على الشهيد سليماني والشهيد المهندس ورفاقهما، ثم كان موقفهم سلبياً تجاه الضربة الإيرانية التي هي- إن شاء الله- بداية عظيمة وموفقة لأفعال ولمسار عملي لمناهضة الهيمنة الأمريكية، ولاقتلاع هذه الهيمنة من بلداننا وشعوبنا، أو أن ذلك عسير أو مستحيل؟! ليس مستحيلاً، بلد واحد اسمه فيتنام هزم أمريكا وطرد أمريكا، بلد واحد اسمه فيتنام!.
يمكن لأمتنا اليوم أن تتظافر جهودها، إذا تظافرت جهود أبناء هذه الأمة في التصدي للخطر الأمريكي والخطر الإسرائيلي، وتعاون الجميع بالفعل وبالموقف، فالنتائج- بإذن الله- هي النصر المحتوم، إرادة الله مع عباده المستضعفين، نحن الأمة المظلومة المضطهدة المستهدفة التي هي في موقف الحق، وهم البغاة والمعتدون والطغاة الظالمون المستكبرون، هم الذين يعتدون، ونحن في موقع الدفاع المشروع، مظلوميتنا كشعوب مسلمة مظلومية واضحة لا غبار عليها.
ولذلك نحن نقول: حتى على مستوى ما يترتب على الدور الأمريكي، وما نتج عنه في هذه المنطقة من مشاكل كثيرة، من حروب وفتن وأزمات، بالتصدي المباشر للأمريكي والإسرائيلي، سنرى الأثر الكبير لوقف هذه الفتن، لانكماش تلك المؤامرات، لتلاشي تلك المؤامرات، الأدوات التي تعمل لصالح أمريكا، الموالون الذين يوالون أمريكا عندما يخوضون المعركة مع أمريكا هم في موقفٍ مفضوح، وهم في حالةٍ سيئة، مردودها السلبي عليهم، مردودها بالتأكيد سلبياً عليهم، من يريد أن يكون إلى جانب أمريكا، يقاتل معها، يؤيد مواقفها، يناصرها، ينفق ماله في سبيلها، فهو هو في موقع الخيانة، في موقع الذم، والقدح، واللوم، والقبح، والخسة، والدناءة، والنفاق؛ أمَّا الذي هو في موقع التصدي لهذه الهجمة الأمريكية والإسرائيلية، هو في الموقع الصحيح: موقع العزة والكرامة والحرية والاستقلال.
ولذلك نحن ننصح البعض من أبناء هذه المنطقة، من بعض الأنظمة والحكام، أن يراجعوا حساباتهم، أو على الأقل أن يتريثوا لا يستعجلوا، لا يستعجلوا، الأمور ستتجه- بإذن الله -سبحانه وتعالى- لصالح الأحرار من أبناء الأمة، الذين يقفون بالتصدي لهذه الهجمة الأمريكية والإسرائيلية.
نعلن موقفنا المسؤول ونثق أننا في الاتجاه الصحيح
نحن هنا في هذا المقام المهم نعلن هذا الموقف، ونؤكد بأننا إلى جانب أحرار أمتنا في إيران، في العراق، في لبنان، في سوريا، في فلسطين… في أي بقعة من هذه البقاع الإسلامية، في أي بلدٍ من هذه البلدان الإسلامية، نقف هذا الموقف في التصدي لهذه الهجمة، لهذا الشر، لهذا الخطر الذي يستهدفنا، والذي نرى ضرره الكبير علينا في واقع حياتنا في كل مجالات حياتنا قتلاً، اضطهاداً، استعماراً، تآمراً على المستوى الاقتصادي، نشراً للفتن والمشاكل، استغلالاً سلبياً للأزمات… وهكذا توظيفاً لكل المشاكل، كل ذلك واضح، والمسألة واضحة جدًّا، يهمنا أن نعلن هذا الموقف في هذا المقام، مع تأكدنا ويقيننا أننا في هذا الطريق نتجه الاتجاه الصحيح والحق الذي ننطلق فيه من خلال مبادئنا القرآنية والإسلامية، وبحكم انتمائنا للإسلام، ودعوتنا للجميع أن يقفوا هذا الموقف.
وللنظام السعودي والإماراتي نصيحة ونتمنى أن يستعبوا الدرس
في آخر هذه الكلمة أوجه أيضاً النصيحة للنظام السعودي: نحن مع اقتراب تمام خمس سنوات منذ بداية العدوان، ومع هذه المرحلة والفصل الجديد في الأحداث القائمة في المنطقة، نحن ننصحك أن تعيد مراجعة حساباتك، أن تغيير مواقفك، سياستك العدائية، أنت عندما تعادينا نحن في اليمن، أو تعادي أي بلدٍ من بلدان أمتنا، أي شعبٍ من شعوب أمتنا المسلمة من أجل أمريكا، أنت تضع نفسك في الموقع الخطأ، وفي الموقف الظالم، لا أحد سيستهدفك، ولا أحد سيعاديك إن لم تتحرك أنت بالعداوة لهذا البلد أو ذاك، مشكلتك معنا أنك اعتديت علينا، أنك بدأتنا أنت بالعدوان، توقف عن عدوانك، كف عن عدوانك، نصيحتنا نفس النصيحة للإماراتي، ما من أحد في هذه البلدان يشكل خطراً أو تهديداً تعسفياً وباغياً لا على دول الخليج، ولا على أي بلدٍ من بلدان أمتنا الإسلامية، المشكلة مع هذا النظام أو ذاك عندما يقف في الصف الأمريكي والإسرائيلي يعادي أمته، يقاتل أحرار أمته، يعتدي على جيرانه، يظلمهم، يستهدفهم، هنا تكون المشكلة.
مع كل هذه المرحلة التي قد مضت، نتمنى أن يستوعب كلٌّ من النظام السعودي والإماراتي الدرس، وأن يراجعا الحسابات، ربما تكون التطورات القادمة كبيرة، ربما تكون تأثيراتها على النظامين سلبية جدًّا إن استمرا في دورهما السلبي والعدواني علينا وعلى غيرنا، نحن لسنا عدوانيين على أحد من أبناء أمتنا أبداً، لا على خليجي ولا على أي بلد من بلدان أمتنا، موقفنا من أمريكا وإسرائيل موقف مبدئي، وموقف صحيح، وموقف محق، والدور الأمريكي والسياسات الأمريكية الاستكبارية والعدوانية هي خطر على جميع أبناء أمتنا، وخطر واضح، وتهديد واضح، ومشكلة قائمة بالفعل، والخطر الإسرائيلي خطر على أمتنا جميعاً، والكيان الإسرائيلي الصهيوني عدوٌ لأمتنا جميعاً، وعدوٌ لنا معه معركة في الميدان وهو يحتل فلسطين، ويحتل مناطق أخرى من المناطق العربية المسلمة.
في آخر هذه الكلمة أيضاً أتوجه إلى الداخل عندنا: أولاً بتوفيقٍ من الله -سبحانه وتعالى- نحن في هذا الموقف القوي وفي مرحلة متقدمة، منذ بداية العدوان وإلى اليوم العدوان قد فشل إلى حدٍ كبير، نحن في وقتٍ أقوى فيه من أي وقتٍ مضى، هذا يكفي درساً لنا في الداخل ودرساً لأعدائنا، نحن في مرحلة أقوى ما نحن فيها من كل وقتٍ مضى.
وللداخل.. توصيتان مهمتان!
على مستوى القدرات العسكرية: بفضل الله -سبحانه وتعالى- هناك تقدم كبير، ونجاحات كبيرة، ونجاحات قادمة أهم من كل ما قد تحقق بإذن الله -سبحانه وتعالى-.
- في موقفنا الداخلي: نحن في وضعية تتيح لنا في ظل وضعٍ قائمٍ على أساسٍ من الاستقلال والكرامة أن نبني واقعنا للمستقبل واقعاً قوياً، وواقعاً صحيحاً على كل المستويات، نحتاج إلى التعاون، هناك اليوم خطط تفصيلية منبثقة عن الرؤية الوطنية، منها ما يتصل بالجانب الاقتصادي، ومنها ما يتعلق بجوانب أخرى تحتاج إلى المزيد والمزيد من التفاعل على كل المستويات من الجانب الرسمي ومن الجانب الشعبي.
- آخر ما نوصي به في هذه الكلمة في هذه المناسبة المهمة: الاهتمام بأسر الشهداء، على المستوى الرسمي: من المهم في كل مؤسسات الدولة، وفي كل الوزارات أن يكون هناك اهتمام أكثر بأسر الشهداء، وبأبناء الشهداء، وبأيتام الشهداء، على المستوى الصحي وعلى مستوى التعليم في كل المجالات المتاحة، وأن تقدم مؤسسات الدولة ما تستطيعه وما تتمكن منه بحسب قدراتها وإمكاناتها. على المستوى الشعبي من المهم أن نتعاون أولاً مؤسسة الشهداء، مؤسسة تبذل الكثير من الجهد في العناية بأسر الشهداء، وتعاني من الظروف الصعبة والمعاناة الكبيرة، وحملها كبير، وأكثر من ذلك أيضاً الاهتمام المباشر، أسر الشهداء هم يتواجدون في مجتمعنا هنا وهناك، يمكن الاهتمام المباشر بهم على كل المستويات: الاهتمام بهم على المستوى المادي مع الأسر ذات الظروف الصعبة، والتي تعاني على المستوى المعيشي من ظروف صعبة جدًّا، الاهتمام بحل المشاكل الاجتماعية التي قد تطرأ هنا أو هناك، وأيضاً العناية على المستوى التربوي بأبناء الشهداء ليتربوا تربيةً مباركة، ليحذوا حذوا آبائهم في القيم والأخلاق والمبادئ العظيمة، هذه مسؤولية مهمة على الجميع.
مسؤوليتنا أن نتعاون- إن شاء الله- قدماً قدماً في مسار الحرية والكرامة والعزة والاستقلال، حتى ننعم بهذا الاستقلال في أمتنا بكلها إن شاء الله، بلدنا بكله وأمتنا بكلها إن شاء الله.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يرحم كل شهداء أمتنا في كل البلدان والمناطق الحرة من أمتنا المسلمة في فلسطين، وفي لبنان، وفي العراق، وفي إيران… وأن يرحم الشهيد العزيز والمجاهد الكبير الحاج قاسم سليماني، والشهيد القائد العزيز البطل الشهيد أبو مهدي المهندس، ورفاقهما، أن يرحم شهداءنا الأبرار في كل الجبهات، وفي كل الميادين، وفي كل الساحات، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عنا أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛