المحاضرة الرمضانية السابعة لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1440هـ
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَلِكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عَبْدُه ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وباركت على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
في محاضرة الأمس كان الحديث على ضوء بعض الآيات القرآنية المباركة التي يتبين من خلالها الخسارة الرهيبة والفادحة لكل المعرضين عن نهج الله، والذين لم يستجيبوا لله -سبحانه وتعالى-.
نحن كمسلمين نحظى بهذه النعمة العظيمة التي تهيئ لنا الفرصة للتمسك بالقرآن الكريم، والاقتداء بالرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- والالتزام العملي على أساس ذلك، وضبط مسيرة حياتنا على أساس ذلك، وهذا فيه الخير والفلاح لنا في الدنيا والآخرة، والفلاح والخير في ذلك، والسعادة في ذلك تبدأ من هنا في الدنيا، جزءٌ من وعد الله -سبحانه وتعالى- بالخير والبركة والفلاح والعزة والنصر للذين يستجيبون له، ويهتدون بهديه، ويطيعونه، جزءٌ من هذا الوعد الإلهي هو هنا في الدنيا، والفوز العظيم في الآخرة: الجنة التي عرضها السماوات والأرض، والسلامة من عذاب الله، والسلامة من الشقاء الأبدي والخسارة الرهيبة التي تحدثنا عنها بالأمس على ضوء بعضٍ من الآيات القرآنية المباركة التي قدَّمت وصفاً شاملاً ومتنوعاً لكثيرٍ من الأحوال التي يعيشها الإنسان الخاسر والخائب والهالك في عذاب الله -والعياذ بالله-.
طريق الله -سبحانه وتعالى- التي يدعونا إليها هي طريقٌ لمصلحتنا نحن، أما هو فهو غنيٌ عنا، غنيٌ عن طاعتنا، غنيٌ عن أعمالنا، نحن الفقراء إلى الله، والذين نحتاج إلى رحمته، إلى فضله، إلى كرمه، وهذا لا يتحقق إلا بالاستجابة له -سبحانه وتعالى- لا يمكن أن نعرض عن نهجه، وأن نرفض دعوته، وأن نعصيه، وأن نتبع عدونا الشيطان الرجيم، ثم تكون المسألة طبيعية، ونفلح ونفوز في الدنيا والآخرة. لا يمكن، وطريق الجنة هي أيسر من طريق النار، الإنسان في هذه الحياة سيواجه الصعوبات ويواجه التحديات على كل حال، {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: الآية6]، هذه الحياة هي ميدان اختبار وميدان مسؤولية، وعلينا أن نرسِّخ هذه المسألة في أذهاننا ووجداننا، والراحة التي فيها السلامة من كل المنغصات ليست إلا في عالم الآخرة في الجنة، ولكن هناك امتياز لطريق الحق، لطريق الله -سبحانه وتعالى- امتياز كبير جدًّا في هذه الحياة، الإنسان من خلال إيمانه وتقواه يحظى برعاية إلهية في هذه الحياة، اطمئنان نفسي، طاقة معنوية هائلة، تيسير في الأمور، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (3) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3]، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق: من الآية4]، وعود إلهية كثيرة، وعودٌ من الله -سبحانه وتعالى- بالخير والبركات، باليسر والفرج، وعودٌ من الله بالنصر والعزة… وعود كثيرة تأتي هنا في الدنيا، وفي الآخرة الجنة.
ولذلك فنحن بالعودة إلى القرآن الكريم يتبين لنا أن الفوز والمصلحة للإنسان، وأن الخير للإنسان كل ذلك هو بالاستجابة لله -سبحانه وتعالى- بالطاعة، بالتوجه العملي والالتزام بأمر الله -سبحانه وتعالى- والوقوف عند نهيه -جلَّ شأنه-.
الطريق إلى النار تجر إليها الشهوات والأهواء، ولكن ليست لمصلحة الإنسان، حتى لو لبَّى الإنسان شهوةً من شهواته، أو رغبةً من رغباته؛ فالتبعات كبيرة في الدنيا والآخرة، دين الله الحق وتعليماته وتوجيهاته هي مطابقة لفطرة الإنسان، يرتاح بها الإنسان إذا بنى حياته عليها، والله -سبحانه وتعالى- جعل دينه رحمةً في الدنيا: أحل الطيبات وحرم الخبائث، وجَّهنا لما فيه الخير، ونهانا عن ما فيه الشر والسوء علينا نحن كبشر، ولذلك لا مبرر للإنسان عندما يورِّط نفسه وراء الشهوات والأهواء بما يوصله إلى جهنم، بما يعبِّده للشيطان، بما يخسر به خير الدنيا والفوز العظيم في الآخرة.
يتبين لنا أيضاً من خلال العودة إلى القرآن الكريم أن مجرد الانتماء الإيماني لا يكفي، ومجرد العمل ببعضٍ من توجيهات الله -سبحانه وتعالى- وأوامره مع العصيان لله -سبحانه وتعالى- في أوامر أخرى لا يكفي،
فئتان من أعظم الناس عذاباً يوم القيامة
ويتبين أن من أعظم الناس عذاباً في النار فئتان تنتميان للإسلام:
الفئة الأولى: هم المنافقون الذين قال الله عنهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: من الآية145]، والعياذ بالله (فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)، ولا شك أن الدرك الأسفل من النار هو الأشد عذاباً فيها، الأشد عذاباً في جهنم، والمنافقون ينتمون للإسلام، وهم أصناف: منهم فئة تظهر التدين، ولها مساجد الضرار… وتحدَّث القرآن عنهم حديثاً واسعاً، فئاتهم المتعددة ودوافعهم المتنوعة والمختلفة، ولكن ما هو قاسم مشترك فيما بينهم هو: الخذلان للحق، والتثبيط للأمة عن نصرة الحق، والميل لأعداء الله، ليس لهم موقف من أعداء الله، هم ما بين مؤيد ومناصر لعدو المسلمين، وما بين مثبطٍ ومخذل عن النهوض بالمسؤولية في التصدي لهذا العدو وللخطر على الأمة، هذا القاسم المشترك والعنوان العام، تختلف الدوافع، وتختلف السلوكيات فيما بينهم: من يتطبع منهم بطابع التدين، من يتحرك تحت عنوان إيماني، من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر…الخ. من له اتجاه آخر: من هو في مستوى الريبة والشك في الدين، من هو لا يعيش هذه الحالة، ولكنه في الواقع العملي خضع لأهوائه ورغباته، ولم يحقق الثقة بالله -سبحانه وتعالى- التي تساعده على تبني الموقف الصحيح الذي يرضي الله -جلَّ شأنه- فهذه فئة.
الفئة الثانية: الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، الذين ينهجون في هذه الحياة نهجاً تجزيئياً للدين الإلهي، يعني: يقبلون ببعضٍ من تعليمات الله وأوامره فيما يطابق أهواءهم، أو لا يرون فيه أنه يشكِّل خطورةً عليهم، وليس فيه صعوبة عليهم، ويردون جزءاً آخر من الدين ويرفضونه، ولا يقبلون به، هذه الحالة تسمى في القرآن الكريم: إيمانٌ ببعض الكتاب وكفرٌ ببعضه، {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة: من الآية85]، لاحظوا (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ)، وأشد العذاب في جهنم هو الذي ستعذب فيه الشياطين، ويعذب فيه أسوء المجرمين، بما في ذلك فرعون وقومه في أشد العذاب، وهذه المزاجية في التعامل مع الدين غير مقبولةٌ عند الله -سبحانه وتعالى- غير مقبولة نهائياً أن تأتي أنت لتقبل من القرآن بعضاً وترد الكثير الكثير من آياته وتوجيهات الله فيه وأوامره، لماذا؟ لأنها لم ترق لحضرتك، لم تتناسب مع أهوائك، معناه: أنك حكَّمت هوى نفسك، جعلته الأساس حتى فيما تقبله، وفيما لا تقبله من القرآن الكريم، فالمسألة مهمة، الدين منظومة واحدة مترابطة، ودينٌ كامل، والتجزئة هذه في القبول ببعض والرفض للبعض الآخر غير مقبولة، وتجعل ما تقوم به من الدين غير مقبولٍ ولا مجزٍ عند الله -سبحانه وتعالى-.
من هنا يبدأ المشوار إلى دار السلام
الطريق إلى الجنة، إلى الفوز بما وعد الله -سبحانه وتعالى- تبدأ من هذه الدنيا، طريقٌ رسمها الله من هنا، وبداية الرحلة فيها من هنا (من الدنيا)، طريقٌ مرسوم، إذا أردت أن تصل إلى الجنة فتبدأ رحلتك فيه من هذه الحياة، وتبدأ خطواتك فيه من هذه الحياة، ودعوة الله -سبحانه وتعالى- هي إلى الجنة، إلى المغفرة، إلى دار السلام، قال -جلَّ شأنه-: {وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة: من الآية221]، قال -جلَّ شأنه-: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ} [يونس: من الآية25]، وهي طريق مغرية وجذَّابة جدًّا، إعراض الإنسان عنها خسارة رهيبة، وضلال مبين، وغباء رهيب جدًّا، {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ} الجنة هذه التي يتحدث القرآن عنها حديثاً واسعاً طريقك فيها تبدأ عملياً بالاستجابة لله -سبحانه وتعالى- وهو يقول: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: الآية133]، (وَسَارِعُواْ) المفترض هو أن نسارع إليها مسارعة، أن نتحرك في طريقها بكل نشاط، وبكل رغبة، وبكل جد، وبكل إقبال، ما الذي يجعل الإنسان يتباطأ، يتخاذل، أو حتى يحاول أن يعرض وأن يتجه في طريقٍ أخرى توصله إلى النار، إلى عذاب الله وسخط الله -والعياذ بالله-؟
في هذه الطريق أنت في هذه الدنيا تعيش العزة والكرامة، وتحظى بالرعاية الإلهية، وتحس بمعية الإلهية -سبحانه وتعالى- أنك مع الله والله معك، وتلتجئ إليه في كل أمورك، وتحظى بالدعم المعنوي الهائل: بالسكينة، وبالطمأنينة، وبالربط على قلبك في مواجهة الكثير من تحديات هذه الحياة، وصعوبات هذه الحياة، وأخطار هذه الحياة، أما في عالم الآخرة في يوم القيامة، ومنذ أن يبعثك الله -سبحانه وتعالى- تتنزل الملائكة عليك، تبشرك وتطمئنك، وفي كل مراحل الحساب ترى البشارات الواحدة تلو الأخرى، عندما توزع الكتب والصحف تؤتى كتابك بيمينك كبشارة لك، تحاسب حساباً يسيراً، يبيض وجهك {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: من الآية106]، يجمع الله شملك بالمؤمنين والصالحين والأنبياء والصديقين والشهداء، كما قال -جلَّ شأنه-: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} [النساء: الآية69]، في ساحة المحشر بعد عملية الفرز للخبيث من الطيب، ولأصحاب الجنة من أصحاب النار، ترى نفسك مع أولئك: مع أولياء الله من أنبيائه والصديقين والشهداء والصالحين من عباده، يلتئم شملك معهم، نعمة عظيمة جدًّا، وهكذا تعيش البشارات الواحدة تلو الأخرى، وكم ستكون سعادتك عندما تطمئن الاطمئنان التام بعد اكتمال عملية الحساب، والبشارة النهائية لك بأنك من أصحاب الجنة.
الجنة تقرّب.. ولمحة عن نعيمها
في ساحة المحشر يقرب الله عالم الجنة، كما قرأنا قول الله -سبحانه وتعالى-: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق: الآية31]، تقرَّب وهي عالمٌ عظيمٌ وواسعٌ جدًّا، كما قال الله -جلَّ شأنه-: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران: من الآية133]، عالم كبير جدًّا، فوق كل آمال الإنسان، وفوق كل طموحاته، أكبر من طموحك، هي واسعة للغاية، ليست قريةً صغيرة، وليست منطقةً محدودةً وصغيرةً، ومساحتها ضيقه بحيث يتزاحمون فيها ويتنازعون عليها. |لا| عالمٌ متسعٌ جدًّا جدًّا جدًّا فوق كل خيال وفوق كل تصور، والحديث في القرآن الكريم الحديث الإجمالي عنها وعن النعيم فيها، والحديث التفصيلي حديثٌ واسعٌ جدًّا، وكذلك فيما ورد عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- ومن أجمل ما ورد عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- صورة معبرة ومختصرة، قال فيما روي عنه: (فيها– يعني الجنة- ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سَمِعت، ولا خطر على قلب بشر)، عبارات راقية جدًّا، نعيمٌ يفوق كل تصور، فيما تكون قد رأيته في هذه الحياة، أجمل ما كنت قد رأيته في هذه الحياة في الجنة ما هو أجمل منه، وما لم تر مثله أبداً، ولا سمعت بمثله لا بالوصف ولا بالمشاهدة، (ولا خطر على قلب بشر): ولا حتى خطر في خاطرتك وفي تصورك، في خيالك أبداً، نعيمٌ أرقى من كل ذلك.
وفي القرآن الكريم عندما تحدث عن سعتها بهذه السعة، تحدث أيضاً عن وصف ما فيها من الأنهار والثمار، فقال الله -جلَّ شأنه-: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}، وتجد ما ورد في القرآن الكريم من الوعود بالجنة، يتحدث عن المتقين، ويربط هذا الوعد بالمتقين والمؤمنين، والمؤمنون هم المتقون، والمتقون هم المؤمنون، هناك تلازم بين الإيمان والتقوى؛ لأن التقوى هي ثمرةٌ للإيمان، للإيمان الواعي، للإيمان الصادق.
{مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}، وهذه صورة تقريبية: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: من الآية15]، جنة بما فيها من الأشجار الكثيفة جدًّا والكثيرة والكثيرة للغاية، والأنهار تجري من تحتها، هذه الأنهار متنوعة، { أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ}، هذا الماء النقي ذو الجودة العالية الذي لم يتغير، ولم يركد، ولم يتغير فيه لا مذاقه، ولا لونه، ولا شمه، {مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ}، أنهارٌ أخرى من اللبن، اللبن متوفر في عالم الجنة بشكل أنهار متدفقة ونقية، ولا يتغير مذاقه وطعمه مع الوقت أبداً، بجودة عالية جدًّا، ونظافة مستمرة، لا يلوثه شيء، ولا يكدره شيء، ولا يغيِّره شيء، بجوده عالية بشكلٍ دائمٍ ومستمر، ومتدفق بشكلٍ كبير، {وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ}، أنهارٌ من الخمر وخمر الجنة هو خمرٌ يختلف عن خمر الدنيا، خمرٌ لا ضرر فيه لا على ذهنية الإنسان وتمييزه وعقله، ولا على صحته، خمر الدنيا هي بلاء، هي شر، مضارها الكبيرة على الإنسان في نفسيته: تدنس نفسية الإنسان، وتسبب له الانحطاط والدناءة والخسة، وآثار في صحته على الكبد، آثار على الصحة العامة، آثار على الرأس، آثار ومضار صحية كبيرة معروفة في الطب، وكذلك آثار على تمييزه وإدراكه، في حالة السكر الإنسان يخرج عن حالة الإدراك والتمييز، ويصبح إنساناً فاقداً لصوابه، يتصرف أسوء التصرفات، وقد يصدر منه ما يتنافى حتى مع الإنسانية بكلها، قد يصدر منه جرائم، أو تصرفات بذيئة، منحطة للغاية، قذرة، قد يتقذر؛ أما خمر الجنة فهي سليمة من كل تلك السلبيات، وهذا الوعد يرغب الذين قد يكونون في هذه الدنيا إما شربوا الخمر، أو يغريهم البعض بشربها، فهناك في الجنة ما هو بديلٌ عنها لمن يترك شربها في الدنيا سيحصل على ما هو في الجنة خيرٌ منها، {وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} حتى العسل يتوفر في الجنة بشكل أنهار متدفقة، ومصفى ليس فيه أي شوائب، عندما تكون متنقلاً في عالم الجنة تتمشى وتذهب للراحة، يعني: للراحة النفسية، وإلا ليس هناك أي صعوبة ولا تعب أبداً في الجنة، تذهب للتنعم، فأمامك في هذا العالم (في عالم الجنة) هذه الأنهار من اللبن، من الماء النقي، من العسل المصفى، من خمر الجنة، {وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} على مستوى الثمرات (الفواكه وما يلحق بها من الثمار)، يتوفر كل الثمرات، كل شيء متوفر في الجنة، فهو عالمٌ يتوفر فيه كل ما يحتاجه الإنسان، وكلما يرغب به الإنسان من الطعام والشراب وسائر النعيم.
يقول الله -جلَّ شأنه- كذلك عن الجنة: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: من الآية31] فهو عالم يتوفر فيه كل النعيم، كلما تشتهيه النفس، كلما تطلبه يتوفر لك، هذا لا يوجد في الدنيا لأي أحد أبداً، في الدنيا لو كنت ملكاً، أو أميراً، أو ثرياً وتاجراً، لا يمكن أن يتوفر لك كلما تتمناه، كلما ترغب به ومن دون منغصات. |لا| هناك يتوفر كلما ترغب به، كلما تشتهيه وبدون أي منغصات أبداً، هذا على المستوى الإجمالي عن سعة الجنة، عن سعة النعيم فيها الذي يتوفر فيه كلما ترغب به، كلما تطلبه بشكلٍ واسعٍ جدًّا، لا تحتاج إلى كد، ولا إلى عناء، ولا إلى تعب أبداً.
الانتقال إلى عالم الجنة.. أسعد اللحظات!
فالله -سبحانه وتعالى- عندما يقرِّب هذا العالم العظيم والجميل جدًّا والواسع، والذي فيه كل أصناف النعيم والحياة الأبدية بسعادة، لا يوجد ما ينغصها أبداً، تبدأ عملية الانتقال من ساحة المحشر إلى الجنة، الانتقال إلى عالم الجنة ستكون لحظةً- بحد ذاتها- سعيدةً، لا يمكن أن نتصور مدى السعادة فيها، الإنسان عندما يطمئن إلى أنه سينتقل في تلك اللحظات من ساحة المحشر إلى الجنة، كيف ستكون فرحته؟ كيف ستكون سعادته، ارتياحه الكبير جدًّا وقد رأى الآخرين الذين ميِّزوا للذهاب بهم إلى النار وما هم عليه من الحسرات، وما هم فيه من الندم والبؤس والشقاء -والعياذ بالله-؟
عند الوصول- بعد الانتقال إلى عالم الجنة- عند الوصول إلى أبواب هذ الجنة، الله أعلم كيف هي شكل هذه الأبواب والمنافذ الموصلة إلى ذلك العالم! هناك من يستقبلهم، خزنة الجنة، المضيفون والمديرون لشؤون هذه الجنة هم في حالة استقبال يفتحون الأبواب ويرحبون بهؤلاء الضيوف والوافدين إلى جنة الله، إلى دار كرامته ومستقر رحمته، يرحبون بهم: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: من الآية73]، ترحيب من الملائكة بالابتهاج والتقدير والإكرام، ليس الحال كحال أهل النار عندما يصلون إلى الزبانية الذين يأخذونهم بالنواصي والأقدام، ويسحبونهم ويدفعون بهم للإلقاء بهم في نار جهنم بكل إهانة وعنف وقسوة. |لا| حال مختلف، ترحيب بتقدير وإكرام {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ادخلوها للأبد، لتعيشوا فيها حياةً لا نهاية لها، ولا انقطاع لها.
راحة وسعادة وفرحة الوصول إلى عالم الجنة، كذلك هي فرحة لا يمكن أن نتخيلها أبداً، في بعض الآثار عن النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- أن هذه الفرحة تصل إلى درجة أن لو بقي موت لماتوا من شدة الفرحة، عندما يصلون إلى عالم الجنة، في الآثار عن النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- أنهم أول ما يصلون إلى الجنة يغتسلون في نهرٍ من أنهار الجنة، وبعد هذا الاغتسال يلبسون من ملابس الجنة، ومن كسوتها، من حريرها الذي تحدث عنه القرآن الكريم من السندس والإستبرق، ويحلون أساور الذهب وأساور الفضة، ومن حلية الجنة، وبعدها تبدأ مرحلة الاستضافة لهم في قصورهم في الجنة، فالأسر التي تدخل الجنة يلتئم شملها هناك في عالم الجنة بسرورٍ ونعيمٍ عظيم.
الجنة عالم واسع وجنان متعددة
في عالم الجنة- وهو ذلك العالم الواسع- يمكن للإنسان أن يتنقل فيها أينما يشاء ويريد، لا يوجد قيود كما في عالم الدنيا لا تستطيع أن تذهب من بلد إلى بلد آخر إلا بقيود وصعوبات كبيرة، وقد لا تستطيع أن تذهب إلى بعض البلدان، قد لا تستطيع، ترى في شاشة التلفاز مناظر جميلة في بعض البلدان والمناطق لا تستطيع الذهاب إليها؛ أما في عالم الجنة فكما حكى الله عن سعادتهم وارتياحهم في قولهم: {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء} [الزمر: من الآية74] مفتوح المجال، {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء}، عالم واسع جدًّا جدًّا {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران: من الآية133]، الأرض بكلها لا تساوي إلا قطعة صغيرة فيما يقابل مساحة الجنة، في ذلك العالم الواسع تنتقل وتذهب أينما تشاء وتريد، وتتبوأ مكانك أينما تشاء وتريد، {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء} لكل مؤمنٍ متقٍ لله -سبحانه وتعالى- في ذلك العالم بساتينه وقصوره الخاصة به، ومساكنه الطيبة، وفيها يستقر الإنسان وتطيب حياته.
في سورة الرحمن تحدث عن أربع جنات: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: الآية46]، يصف كلا من تلك الجنتين وما فيهما من أنواع النعيم: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن: من الآية56]، {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن: الآية48]… يتحدث عن ما فيهما من الطعام والشراب والفواكه: {فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن: الآية52]، يتحدث عن أصناف النعيم الواسع في تلك الجنتين، ثم يقول بعد ذلك: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن: الآية62]، ويضاف إليهما كذلك جنتان، ويتحدث أيضاً عن ما في كلٍ من تلك الجنتين من نعيمٍ واسع، أصناف النعيم من الفواكه، من عيون الماء، العين الفوارة فيهما، أيضاً يتحدث عن أنواع الفواكه والثمار.
القرآن فيه حديثٌ واسع عن أصناف هذا النعيم في الجنة، ثم الجنة بشكلها كعالم (فيها– كما قال النبي -صلوات الله عليه وعلى آله– ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر)، الفواكه متوفرة فيها في كل مكان، الرياحين والأشجار الجميلة وذات الرائحة العطرية الفواحة في كل مكان، حيث أن عالم الجنة- كما في القرآن الكريم، وكما في الآثار عن النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- عالمٌ معطرٌ بكله، يعني: في كل مكان هناك الرائحة العطرة والزكية، ليس هنا أي رائحة قذرة في أي مكان في عالم الجنة أبداً، حياة سعيدة وابتهاج ونعيم.
لا حاجة لأدوات التجميل. ولا تعب ولا منغصات
المرأة المؤمنة تكون حوراء من حور الجنة، ويكسبها الله في خلقها في عالم الجنة ما يكسب حور العين من الجمال البارع والأخَّاذ، والقرآن تحدث عن وصف الحور العين: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن: الآية70]، الحسن والجمال البارع جدًّا، لا تحتاج إلى مكياج، ولا تحتاج إلى أدوات التجميل أبداً، {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} [الصافات: الآية49]، يصفهنَّ أيضاً ويشبههن باللؤلؤ في صفائه وبياضه، أيضاً في حمرة الوجوه التي على بياض الوجوه: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: الآية58]، جمال وصحة ونظارة ورشاقة، ولا تحتاج إلى ريجيم في عالم الجنة، ولا تحتاج إلى أدوات التجميل، ولا تحتاج إلى أن تتعب نفسها بشيء، تلبس من ملابس الجنة، حليتها من حلي الجنة الراقية جدًّا.
المساكن في الجنة مساكن طيبة، مساكن بناها الله -سبحانه وتعالى- في الآثار عن النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- ما يفيد أن البعض منها فضية، مسكن من الفضة، قصر من الفضة، البعض منها مساكن ذهبية من الذهب بنيت، البعض منها من الزمرد… وهكذا من الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة تبنى مساكن الجنة، ويستقر فيها أهلها ونعيم للأبد، ليس هناك ما ينغصه لا مرض، ولا انقطاع للحياة، ليست حياةً مؤقتة، ولا هرم، لا يهرم الإنسان مع طول العمر، مع طول الوقت، مع استمرار الحياة، ولا حزن، ولا هم، ولا غم، ولا نزاع، ولا خصام، ولا مشاكل، ولا هموم… ولا أي منغص، {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر:43-35]، ما هناك لا حزن، ولا نصب، ولا تعب، ولا هم… ولا أي منغصات أبداً، {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ} [يونس: من الآية25]، (دَارِ السَّلاَمِ) السلام من كل شر، من كل بؤس، من كل شقاء، من كل عناء، سلامٌ من كل شر، ومن كل شقاء وعناء وهم، من كل المنغصات، سعادة خالصة، وراحة دائمة، وسرور دائم لا ينقطع أبداً، يعيش الإنسان مبتهجاً.
الحالة الاجتماعية في الجنة ما بين أولياء الله، بين المؤمنين أولئك الذين قال الله عنهم: {وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} [النساء: من الآية69]، {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً} [الحجر: من الآية47]، تجدهم في حالة من السرور، ليس هناك أبداً أي غل، ولا أي استياء من البعض على البعض الآخر، {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً (25) إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً} [الواقعة: 25-26]، {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج: من الآية24]، أنت في الجنة تعيش إنساناً محترماً، مقدَّراً، مكرَّماً، لا أحد يزعجك، ولا أحد يؤذيك، ولا تسمع من أحد أي كلامٍ يسيء إليك، أو يستفزك، أو يجرح مشاعرك، تعيش مكرَّماً، لا ينغص حياتك شيءٌ أبداً، لا تسمع إلَّا الكلام السليم والمحترم والطيب الذي ليس فيه أي إساءة، ولا تجريح، ولا تأثيم، ولا انتقاص، ولا جرح للمشاعر… ولا أي شيء أبداً، راحة وسعادة دائمة لا ينغصها شيءٌ أبداً، تلتقي بأنبياء الله، تلتقي بأولياء الله، تجتمع مع إخوتك المؤمنين في مجالس فيها شرابٌ من شراب الجنة، وأجواء كلها أجواء سعادة وراحة، ولا ملل فيها ولا سآمة أبداً، ويتجدد النعيم، بعد كل فترة تأتي أشياء جديدة، موديلات جديدة، أصناف جديدة من فضل الله، الجنة هي مستقر رحمة الله، ودار كرامته، يتجلى فيها كرم الله -سبحانه وتعالى- ورحمته على نحوٍ عظيمٍ عجيبٍ وكبيرٍ جدًّا.
حتى الصحاف والأواني التي يقدَّم فيها الطعام: {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} [الزخرف: من الآية71]، الأكواب والأواني الفضية والذهبية التي تستخدم في عالم الجنة.
النعيم أو الجحيم
وكم في القرآن الكريم من حديثٍ واسع عن نعيم الجنة، يمكن للإنسان خلال شهر رمضان المبارك أن يتأمل، وأن يحسب حساب نفسه، كيف يسعى ليصل إلى ذلك النعيم، إلى دار كرامة الله ومستقر رحمته، والخسارة كبيرة جدًّا، الإنسان إذا لم يسعَ ليفوز بهذا الفوز العظيم؛ فالخسارة رهيبة جدًّا، يوم القيامة إذا لم تكن من أصحاب الجنة، إذا لم تسر في طريق الجنة الموصلة إليها، وهي: التقوى، والطاعة لله، والاستجابة لله، لا يكون حد الخسارة يوم القيامة بأنك ستخسر فحسب هذا النعيم، لا يقولون لك مثلاً: [عفواً يا أخي أنت لست من أهل الجنة، عد إلى منزلك، عد إلى الدنيا هذه، وابق في بيتكم، ارجع القرية، أو ارجع الحارة]. |لا| ليس هناك من بديلٍ عن الجنة إلَّا النار، لا بديل عن الجنة إلَّا النار، فإما أن تسلك طريق هذه الجنة، تبدأ الرحلة من هنا من عالم الدنيا في طريقها المرسومة لها، {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: من الآية133]، {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً} [مريم: الآية63]، {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرعد: من الآية35]، فلتسع لتكون من عباد الله المتقين فيما وصفهم به في كتابه الكريم، ولتستجب لله الاستجابة الكاملة، ولتتب إلى الله عند الذنوب، عند الزلة، عند الخطأ، وترجع وتنيب إلى الله -سبحانه وتعالى- لا تصرَّ على المعصية، لا تتهاون ابتداءً في الوقوع في المعصية، وإذا زللت؛ فلتبادر بالتوبة والإنابة إلى الله -سبحانه وتعالى- ولتطلب من الله- دائماً- التوفيق، ولتبتعد عن الأسباب والمزالق الخطرة التي توقعك في المعصية، ولتتحرك في طريق الحق؛ وإلَّا فالخسارة كبيرة جدًّا، الله أقسم قسماً كبيراً في القرآن الكريم: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1-2]، الإنسان (لَفِي خُسْرٍ): خسارته محققة ومؤكدة ولا شك فيها، {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: الآية3].
نحن في شهرٍ كريم نتروض فيه على التقوى، نحاول أن نسيطر على شهوات النفس، نحاول أن نتروض على الصبر والتحمل فيما يساعدنا ولما يساعدنا للاستجابة لله -سبحانه وتعالى- والنهوض بمسؤولياتنا؛ لكي نفلح، لكي نفوز، ومهم مع ذلك التركيز على الدعاء، أهل الجنة في الجنة من أسباب نجاتهم وفوزهم العظيم كما ذكروا هم فيما حكاه الله عنهم: {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور: الآية28].
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛