المحاضرة الرمضانية الخامسة والعشرون للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 30 رمضان 1445هـ
فِي خِتَامِ اَلشَهرِ اَلكَرِيمِ، شَهرُ رَمَضَان اَلمُبَارَك وَبِقُدُومِ عِيدِ الفِطرِ اَلسَعِيد، نَتَوَجَّهُ بِالتَّهَانِي وَالتَّبرِيكَاتِ إِلَى شَعبِنَا اَليَمَنِيِّ اَلْمُسلِمِ اَلْعَزِيزِ وَإِلَى مُجَاهِدِيهِ اَلأَعزاء اَلمُرَابِطِينَ فِي كُلِّ اَلجَبَهَات وَإِلَى كَافَّةِ مُنتَسِبِي اَلْقُوَّاتِ اَلْمُسَلَّحَةِ وَالأَمْنِ، وَنَتَوَجَّهُ بِالتَّهَانِي وَالتَّبْرِيكاتِ إِلَى أُمَّتِنَا اَلْإِسلَامِيَّةِ كافَّةً، وَعَلَى وَجْهِ اَلخُصُوصِ إِلَى اَلشَّعبِ الفِلَسطِينِيِّ وَمُجَاهِدِيهِ اَلأَعِزَّاءِ فِي قِطَاعِ غَزَّةَ، اَلَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنُ فَضِيلَةِ اَلصِّيَامِ وَفَضِيلَةِ اَلأَعمَال اَلصَّالِحَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانْ مَعَ فَضِيلَةِ اَلجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهَم يُوَاجِهُونَ أَعدَاءُ اَللَّهِ وَأَعدَاءِ اَلْإِنْسَانِيَّةِ فِي مَعْرَكَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَفِي أَشْرَفَ مَيْدَان، نَتَوَجَّهُ أَيْضًا بِالتَّهَانِي وَالتَّبْرِيكَاتِ لِأَبْنَاءِ اَلشَّعْبِ الفِلَسطِينِيِّ العَزِيز المُرَابِطِينَ فِي المَسْجِدِ الأَقْصَى وَالقُدْسِ وَفِي الضَّفَّةِ اَلْغَرْبِيَّةِ وَفِي كَافَّةِ أَنْحَاءِ فِلَسطِينَ
سلسلة المحاضرات الرمضانية (1445هـ)
ألقاها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”
المحاضرة الرمضانية الخامسة والعشرون
الثلاثاء 30 رمضان 1445هـ 9 أبريل 2024م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في ختام الشهر الكريم (شهر رمضان المبارك)، وبقدوم عيد الفطر السعيد، نتوجه بالتهاني والتبريكات إلى شعبنا اليمني المسلم العزيز، وإلى مجاهديه الأعزاء المرابطين في كل الجبهات، وإلى كافَّة منتسبي القوات المسلحة والأمن.
ونتوجه بالتهاني والتبريكات إلى أمتنا الإسلامية كافَّة، وعلى وجه الخصوص إلى الشعب الفلسطيني، ومجاهديه الأعزاء في قطاع غزة، الذين جمعوا بين فضيلة الصيام، وفضيلة الأعمال الصالحة في شهر رمضان، مع فضيلة الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهم يواجهون أعداء الله، وأعداء الإنسانية، في معركةٍ مقدسة، وفي أشرف ميدان.
نتوجه أيضاً بالتهاني والتبريكات لأبناء الشعب الفلسطيني العزيز، المرابطين في المسجد الأقصى والقدس، وفي الضفة الغربية، وفي كافَّة أنحاء فلسطين.
العيد ليس فرحةً للتخلص من الصيام، ومن شهر رمضان، وليس مجرد فرحةٍ هكذا فرحة مجردة بالأكل، والشرب، وغير ذلك، ولكن له مدلوله المهم في الإسلام، وإلَّا فأي فرحةٍ مع أوجاع الأمة وآلامها وأحزانها! أولاً: تجاه ما يعانيه الشعب الفلسطيني في غزة، وفي سائر فلسطين مع ذلك، وكذلك فيما تعانيه كل بلداننا الإسلامية من أوضاعها المحزنة؛ العيد هو فرحةٌ للتوفيق الإلهي بصيام شهر رمضان المبارك، الذي هو ركنٌ عظيمٌ من أركان الإسلام، وبما وَّفق الله له من أعمال البر والخير، والأعمال الصالحة في شهر رمضان، وبما أتاح الله في شهر رمضان المبارك من فرصةٍ عظيمة لتزكية النفس، وللتزود من التقوى، وبالعطاء العظيم لشهر رمضان المبارك، العطاء التربوي والروحي، والبركات الواسعة التي أتاحها الله لعباده في شهره الكريم، من مثل: إجابة الدعاء، وإعطاء فرصةٍ للسعي للعتق من النار، فهو توجهٌ بالشكر لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مع التكبير والتمجيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” على ذلك.
ولهذا أتى في ختام الآيات المباركة عن فريضة الصيام نفسها (صيام شهر رمضان) قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة: من الآية185]، وفي صلاة العيد المشروع فيها هو التكبير أكثر من غيرها من الصلوات، التكبير لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأن نعمة الهداية هي أعظم النعم، وشهر رمضان هو شهر نزول القرآن، ومن أهم ما في شهر رمضان المبارك هو: الإقبال على تلاوة القرآن الكريم بأكثر من غيره من الشهور، بما لذلك من أهميةٍ كبيرةٍ في اكتساب الهداية، والوعي، والبصيرة، وتزكية النفس، وسائر الآثار المباركة والمهمة، للإقبال على القرآن الكريم، والتدبر لآياته، وتلاوته.
ولذلك فيما يتعلق بالعيد:
- ينبغي العناية بصلاة العيد، والإكثار من ذكر الله تعالى، والحذر ثم الحذر من المعاصي في يوم العيد، من الاسترسال في الشهوات إلى درجة المعاصي، والانسياق وراء رغبات النفس وأهوائها إلى درجة الوقوع في المعاصي والعياذ بالله، بحيث يتَّجه الإنسان على الفور لإحباط وإبطال أجره، وما اكتسبه من شهر رمضان المبارك، ينبغي أن يكون يوم العيد يوماً لذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يوماً حتى أجواء الترفيه فيه تكون مضبوطةً بالضوابط الأخلاقية.
- وأن يكون أيضاً مناسبة لتعزيز الأواصر، أواصر الأخوّة والمحبة بين المسلمين والأرحام، وغير ذلك من القيم الإسلامية.
- ينبغي أيضاً العناية بإخراج الفطرة، الفطرة التي هي واجبة ومشروعة لمواساة الفقراء في يوم العيد؛ حتى لا يكونوا معانين من الجوع في يوم العيد.
- ثم السعي لأن يكون ما بعد شهر رمضان المبارك امتداداً لشهر رمضان المبارك، هذه مسألة مهمة جداً، ألَّا يتَّجه الإنسان فيما بعد الشهر الكريم مضرباً، وفاصلاً لمسيرته في هذه الحياة عن شهر رمضان، فاتَّجه في ذهنيته بشكلٍ فصل نفسه عمَّا كان عليه في شهر رمضان، من الإقبال على ما يزيده إيماناً، وبصيرةً، وتقوىً، واستقامةً، هذه مسألة مهمة جداً.
الاستحضار لهذه المسألة له أهمية كبيرة: أن يسعى الإنسان لأن يكون ما بعد شهر رمضان المبارك امتداداً له، مع الاستعانة بالله، مع الاستعانة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” على ذلك، والدعاء، الدعاء، هذه مسألة مهمة جداً، بحيث يسعى الإنسان إلى الاستمرار في ترسيخ حالة التقوى، في الاستقامة، في الاهتمام بما يحافظ على زكاء نفسه، بما يرتقي به باستمرار في إيمانه بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
شهر رمضان المبارك هو موسم الخير والبركات، وربيع القرآن، ونعمة التوفيق من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” للإنسان في صيامه، وقيامه، والاستفادة منه تربوياً وإيمانياً، ووعياً وبصيرةً، والمكسب العظيم هو: لمن تقبل الله منه صيامه، وقيامه، وأعماله الصالحة، ويمكن أن تكون مؤشرات قبول الصيام، وقبول العمل في شهر رمضان، بمختلف أنواع العمل الصالح، يمكن أن تكون المؤشرات من خلال التأثير النفسي الإيجابي، الذي يلمسه الإنسان في نفسه؛ وبالتالي في واقع حياته، وفي أعماله؛ لأننا لسنا كما كان في الزمن الماضي في عصر بعض الأنبياء، وفي بداية الوجود البشري، حيث كان هناك ما يدل بوضوح على ما إذا كان عمل الإنسان متقبلاً، يُقَرِّب قُرباناً، فتنزل نار تحرقه، أو صاعقة تحرقه وتأكله النار، لكن ما يُبيِّن للإنسان، ويكون من المبشرات له على قبول صيامه وأعماله، هو: الأثر النفسي الإيجابي، الذي يلمسه الإنسان في نفسه؛ وبالتالي على عمله، وفي واقع حياته، يشعر بالقرب من الله أكثر، يشعر بالأثر الطيب في نفسه، ووجدانه، ومشاعره.
فالمكسب الكبير من شهر رمضان، لمن يفوز به: تربوياً في العطاء التربوي، والأثر الملموس في تزكية النفس، وكذلك في الأجر والثواب المضاعف، وفي استجابة الدعاء، والعتق من النار، في الحديث عن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” أنَّها توزَّع الجوائز بعد صلاة العيد، بمعنى: ما يُكتب للإنسان بشأن شهر رمضان المبارك، يتقرر ويتم إنجازه ما بعد صلاة العيد، وهذه الجائزة المهمة: العتق من النار، والقبول، قبول الصيام والعمل.
في هذا الزمن الأحداث خطيرة، والمسؤوليات كبيرة، والمؤثرات السيئة كثيرة، التي تؤثِّر على الناس، وتنحرف بهم عن خط الاستقامة والصلاح، وتنزلق بهم نحو المعاصي بأنواعها؛ ولذلك فالإنسان في هذا الزمن بالذات بحاجة أكثر:
- إلى ترسيخ الإيمان الواعي، الذي ثمرته تقوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
- وإلى تقوية العلاقة الإيمانية بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: في الخوف من الله، في الرجاء لله، في المحبة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
- والإنسان بحاجة إلى العناية بالتزكية للنفس أكثر من أي زمنٍ مضى، أكثر من كل الأزمان الماضية، زمن حساس وخطير.
الأنشطة والاهتمامات التي كانت ضمن اهتمام الإنسان في شهر رمضان المبارك، ضمن برنامجه، وضمن أعماله، هي مهمةٌ جداً، وأكثرها ينبغي الحفاظ عليها والاستمرار فيها ما بعد شهر رمضان، وإن لم يكن مستوى الاهتمام كما في شهر رمضان بنفس الأهمية، أو بنفس المستوى من الاهتمام؛ أمَّا الأهمية فهي مستمرة في كل وقت، من ضمن ذلك:
- وفي مُقدِّمة ذلك: العناية بالصلاة، وبإحياء المساجد:
عادةً ما يهتم الكثير من الناس أكثر في شهر رمضان، بفرائض الصلاة للعناية بها، وبإحياء المساجد، وهذه مسألة مهمة جداً، ينبغي أن يحرص الإنسان في اهتمامه بصلاته، أن يستمر ما بعد شهر رمضان، ويكون امتداداً لشهر رمضان في ذلك.
وينبغي ترسيخ أهمية الصلاة، وبالذات فرائض الله، الصلاة الفريضة؛ باعتبارها في مُقدِّمة الفرائض الدينية، وباعتبارها أيضاً ركناً من أركان الإسلام المهمة، ولأهميتها التربوية الكبيرة في تزكية النفس، {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: من الآية45]، فينبغي أن يحرص الإنسان على المحافظة عليها، وعدم التفريط بها؛ لأن الكثير من الناس يفرِّطون وبالذات في صلاة الفجر، ينامون عنها حتى يخرج وقتها، وهذا تفريطٌ خطير، والإنسان إذا كان مستمراً على ذلك، ومدمناً على ذلك؛ فهو في واقع الحال يستهتر بالصلاة، ويُؤْثِر راحته، ورغبته في الاستمرار بالنوم، على حساب ركن من أركان الإسلام، وفريضة من أهم فرائض الله “عَزَّ وَجَلَّ”، وهذا إثمٌ كبير، ووزرٌ عظيم، وخروجٌ عن حد التقوى، ومعصيةٌ كبيرةٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لها آثارها السيئة على نفسية الإنسان، آثارها الخطيرة على علاقة الإنسان بالله تعالى، آثارها الخطيرة على حياة الإنسان وأعماله، ينبغي الحذر من التفريط بالصلاة، ومن الممكن للإنسان إذا كان السبب في أنه ينام عن صلاة الفجر هو سهره، والكثير من الناس يسهرون لغير ضرورة، لغير ضرورة، ليس هناك ضرورة عملية يسهرون من أجلها، يمكن أن يغير الإنسان طريقته وبرنامجه، بحيث ينام في وقتٍ مبكر؛ ليتمكن من القيام لأداء فريضة مهمة من فرائض الله “عَزَّ وَجَلَّ”.
- كذلك الاهتمام بالدعاء:
ولاسيما عقب الصلوات، وفي الأوقات المهمة، مثل ما هو الحال في وقت السحر، وقبل صلاة الفجر. فمسألة العناية بالدعاء، والاستمرار على الدعاء، مسألة مهمة جداً، ((الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَة)) كما في الحديث النبوي، له أهمية كبيرة جداً، وله أثره العظيم في العلاقة الإيمانية بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وله أثره في حياة الإنسان.
- الإكثار من ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”:
يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا}[الأحزاب: 41-44].
الإكثار من ذكر الله له أهمية كبيرة، في أنَّ الإنسان يتذكَّر الله في وجدانه، وليس فقط بلسانه، وهذا يفيد الإنسان:
- في الارتقاء الإيماني.
- في الاستقامة على نهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
- في البعد عن تأثير وساوس الشيطان.
- في واقعه النفسي أيضاً: في الشعور بالاطمئنان، والسكينة… وغير ذلك.
النتائج والآثار والبركات مهمةٌ جداً للإكثار من ذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بالاستغفار، بالتسبيح، يمكن أن يكون للإنسان أوراد منظمة: في وقت كذا لديه أذكار، في وقت كذا لديه تسبيح، في وقت كذا لديه استغفار، في وقت كذا لديه دعاء وتمجيد، في وقت كذا معه أدعية، وبشكل منظَّم، ومفرَّق، ليس مرهقاً، ويتعوَّد عليه الإنسان، والإنسان يمكن له أن يعتاد على ذلك، حتى يصبح مستأنساً بذلك، بل إنه لو فات عليه شيءٌ؛ يتألم، ويحزن، ويستاء، ويحاول أن يعوِّض عن ذلك، ((الخَيْرُ عَادَة)).
على مستوى الأذكار أيضاً، هذا شيءٌ مهمٌ جداً، العناية بذكر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لو لم يكن للإنسان في التشجيع على ذلك، إلَّا قول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}[البقرة: من الآية152]، وهذا مهم حتى للواقع النفسي للإنسان، الإنسان يتأثر سلباً إذا غفل كثيراً عن الله؛ تسوء نفسيته، يقسو قلبه، وفي نفس الوقت يشعر بالاضطراب، والقلق، والتوتر الزائد، ويتحوَّل واقعه النفسي إلى واقع سلبي.
- الاهتمام أيضاً بتلاوة القرآن الكريم:
لا تعني نهاية شهر رمضان الوداع مع المصحف، كما يفعله البعض، البعض عندما يكتمل شهر رمضان، ويأتي العيد، يودِّع المصحف من شهر رمضان إلى شهر رمضان، أو لا يتلو القرآن إلَّا نادراً جداً، وهذا جفاء كبير، وهجرٌ لكتاب الله، ينبغي أن يحرص الإنسان على أن تكون علاقته بالقرآن الكريم علاقةً وثيقة، وأن يكون استفاد من شهر رمضان في تعزيزها وتقويتها، بحيث يستمر ما بعد شهر رمضان على تلاوة القرآن الكريم يومياً، هذا شيءٌ مهم (يومياً)، ما تيسر من القرآن.
العلاقة بالقرآن الكريم، والصلة به، هي صلةٌ مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأن القرآن هو هديه، ونوره، وكلماته، والإنسان بحاجة يومية إلى العودة إلى القرآن، وتلاوة القرآن الكريم؛ ليتذكر، ليزداد وعياً، وبصيرةً، ونوراً، وفهماً، وليتعرف على معارف الإسلام، وأيضاً ليستفيد من ذلك في الأثر النفسي والتربوي، وفي تزكية النفس؛ ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}[فاطر: 29-30]، في هذا الخير الكبير للإنسان.
- أيضاً الاستمرار في الاهتمام الخيري: بالعطاء، والصدق، والإنفاق، بحسب ظروف الإنسان:
هذا شيءٌ مما ينبغي الاستمرارية عليه، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[البقرة: من الآية3]، وله أهميته الكبيرة:
- في تزكية النفس.
- في الارتقاء الإيماني.
- في اكتساب رضا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
- في اكتساب الأجر والثواب.
- وفي ما يكتبه الله للإنسان: من بركاتٍ في رزقه، من صلاحٍ في حياته، من نعمٍ واسعةٍ عليه.
له مردوده الكبير والإيجابي على الإنسان في نفسه وحياته وظروفه، كذلك في فعل الخير، والإحسان، والبر، مساعدة المحتاجين، السعي في قضاء حوائجهم… إلى غير ذلك، تقديم ما يستطيعه الإنسان من خدمة فيها إحسان للآخرين، {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}[المزمل: من الآية20].
- أيضاً الاهتمام بتقوى الله تعالى في المسؤوليات الكبرى:
المسؤوليات المهمة، التي هي من صميم ديننا، من ضمن التزاماتنا الإيمانية الأساسية، مثل: الاهتمام بأمر المسلمين، هذا شيءٌ ينبغي أن يكون مستمراً، أن يكون الإنسان فيه مستمراً عليه؛ لأهميته الكبيرة، الاهتمام بأمر المسلمين، الجهاد في سبيل الله، في كل الأعمال التي تندرج ضمن الجهاد في سبيل الله، ويتاح للإنسان أن يساهم فيها، أو يشارك فيها، بحسب المهام والأعمال، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي هذا السياق يأتي موضوع فلسطين على رأس القائمة.
من توفيق الله تعالى، ومن نعمه الكبيرة جداً– نحمده ونشكره- أن وفَّق شعبنا للإسهام في نصرة الشعب الفلسطيني، وحمل راية الجهاد، والاشتراك بالجهاد في سبيل الله تعالى نصرةً للشعب الفلسطيني، وشعبنا الآن يخوض معركةً فعليةً في مواجهة أعداء الله، وأعداء الإنسانية، نحن في واقع حرب ضد العدو الإسرائيلي، وجهاد ضده، جهاد أيضاً في مواجهة الأمريكيين والبريطانيين، الذين قاموا بالاعتداء على بلدنا؛ إسهاماً منهم لنصرة العدو الإسرائيلي، وحمايةً لإجرامه في قطاع غزة، وإصراراً منهم على الحصار للشعب الفلسطيني، ومنع دخول الغذاء والدواء إليه في قطاع غزة.
هذا الموقف الذي نحن فيه: من الاشتراك عسكرياً، من الاشتراك بمختلف الأنشطة: على مستوى التعبئة، على مستوى المظاهرات والخروج المليوني الأسبوعي، على مستوى بقية الأنشطة، هذا شيء عظيمٌ، هذه نعمة كبيرة، هذا توفيقٌ إلهيٌ كبير، في مقابل تخاذل معظم البلدان الإسلامية، التي ليس لها موقف، لا موقف يُلحظ بأي مستوى، البعض لا يكاد أن يكون لهم أي حس، ولا أي أثر، هذه نعمة كبيرة؛ ولهذا ينبغي أن يحرص الإنسان على الاستمرار فيما يؤدِّيه في هذا السياق، ويدرك أنه نعمةٌ كبيرةٌ عليه، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: من الآية54]، وشرفٌ كبيرٌ جداً، وعملٌ عظيم، قربة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فليحرص الإنسان على أن يواصل التحرك، وليحذر من الكسل.
مثلاً: في قصة الخروج الأسبوعي، عملٌ متاح، ومهم؛ لأنه يتكامل مع بقية الأعمال، وليس مرهقاً إلى درجة يُبَرر للإنسان أن يمتنع منه، أو أن يتكاسل عنه، الناس يخرجون في أعمال بسيطة جداً، فد يخرج إلى الشارع من أجل أن يوفر بصلة، أو من أجل أن يوفر أبسط الأشياء، أو يذهب مشواراً من أجل أن يوفِّر لنفسه أمراً عادياً، أو لمجرد الفُرجة… أو غير ذلك، ما بالك عندما يكون خروجاً في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعملاً مقرباً إلى الله “جَلَّ شَأنُهُ”، فلتستمر الأنشطة بحسب ما يُرتَّب لها، ويُنسَّق لها، والإعلان عنها.
أيضاً كان من الأنشطة الرمضانية الرائعة: المؤتمر الثاني (فلسطين قضية الأمة المركزية)، الذي أُقيم في صنعاء، وكان فيه مشاركات من مختلف البلدان والدول، بل تكاد المشاركات أن تكون من قارات مختلفة، من عدة قارات، وليس فقط من عدة بلدان، وهو إسهامٌ رسميٌ وجامعيٌ ممتاز، وفيه مشاركات بالدراسات، وفيه أيضاً كذلك أبحاث، وكلمات، ونشكر القائمين على هذا المؤتمر، الذي يعتبر مشاركةً ممتازةً، وإسهاماً جيداً في النصرة للقضية الفلسطينية، وتقديم الدراسات عنها، والرؤى، والأبحاث… وغير ذلك.
- أيضاً من المهم الاستمرار في أنشطة التعبئة:
التعبئة من أهم المسارات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والمواجهة مع الأمريكي والبريطاني، وتوقفت بعض أنشطتها في شهر رمضان؛ نظراً لظروف شهر رمضان المبارك، فينبغي أن تعود الأنشطة- إن شاء الله- على مستوى أكبر فيما بعد شهر رمضان.
- أيضاً الاهتمام بالزراعة:
لأننا قادمون على الموسم الزراعي، الاهتمام بالزراعة مسألة مهمة جداً. فيما يتعلق بالزراعة هناك عدة نقاط نوجزها، ونمرُّ من عليها باختصار:
- أولاً: ينبغي السعي لاستصلاح المزيد من الأراضي، وزراعتها، والاستفادة من موسم الأمطار.
- ينبغي المبادرة أيضاً في إنشاء المزيد من الحواجز والسدود، هناك أعمال في هذا الجانب، وهي أعمال مهمة جداً، وينبغي الاستمرارية في ذلك، والتعاون على ذلك، وهناك تجارب لبعض الإخوة تجارب ممتازة في هذا الجانب، يمكن الاستفادة منها، ومن المهم المساهمة في ذلك، والتعاون على ذلك؛ استغلالاً لموسم الأمطار.
- أيضاً من المهم تفعيل الجمعيات التي قد تم إنشاؤها، تم إنشاء عدد من الجمعيات، ولكن بحاجة إلى تفعيل، ومعالجة لمعوقات نشاطها، وعدم تركها بدون تفعيل في المهام المتعددة، التي تنفع المجتمع اجتماعياً، اقتصادياً.
- وكذلك في مسألة المبادرات الاجتماعية مع الزراعة، مع السدود، المبادرات الاجتماعية في إصلاح الطرق، في إنشاء الحواجز، في استصلاح الأراضي، في توفير البذور المناسبة، في توفير عمليات الحراثة أيضاً بأقل كلفة، هناك تجارب مهمة جداً في هذا الجانب، الجانب الرسمي عليه أن يكون متعاوناً في تفعيل الجمعيات، ومساهماً في ذلك أيضاً، وبالذات مدراء المديريات، والمحافظون في المحافظات ينبغي أن يكون لديهم اهتمام بهذا الجانب.
- بالنسبة للمزارعين أيضاً، نؤكِّد عليهم بالحذر من شراء وحدات الطاقة الشمسية بطرق ربوية، الطرق الربوية خطيرة جداً، البعض يقوم بالبيع بالطرق الربوية، والبعض من المزارعين يشترون منهم، مع أنه ينبغي على الجانب الرسمي منع هكذا ممارسات، إذا عرفوا عن شخص أنه يبيع بطريقة الربا، أن يُمْنَع من ذلك، والمزارعين من جانبهم يكونون حذرين من الشراء.
- أيضاً الاهتمام بإخراج الزكاة، بالنسبة للمزارعين عليهم أن يدركوا أنَّ من أهم ما يساعد على البركات والخيرات، هو: إخراج الزكاة، وفي نفس الوقت فريضة عظيمة ومهمة، والإخلال بها ذنبٌ عظيم.
- فيما يتعلق أيضاً بالجهات الرسمية فيما تمتلكه من مصانع، والقطاع الخاص فيما يمتلكه من مصانع، من المهم أن يستقبلوا وأن يستوعبوا المنتج المحلي من المحاصيل الزراعية، والفواكه، وأن يعملوا على تحويله إلى مصنوعات محلية، والتجار من جانبهم عليهم أن يُقبِلوا على المنتج المحلي في شرائه وتوزيعه، بدلاً عن المصنوعات المستوردة الخارجية.
- مما ينبغي الاهتمام به أيضاً بعد شهر رمضان: الدورات الصيفية، التي هي قادمة:
وهي مهمة جداً، ومفيدة للعناية بالجيل الناشئ: في تربيتهم، في تعليمهم، في الارتقاء بهم، في اكتساب المهارات المفيدة لهم، في إكسابهم المعارف، في رفع مستوى الوعي لديهم والبصيرة، في التحصين لهم: التحصين من الضلال، من الباطل، من المؤثرات السيئة.
- في ختام ما نؤكِّد عليه، وننبه عليه، هو: أهمية الحذر من خطوات الشيطان، ومزالق الحرام، وقرناء السوء، ووسائل الإعلام المضلة والمفسدة: (شيءٌ منها مضل، وشيءٌ منها مفسد):
هذه من أخطر ما تُبْعِد الإنسان عن التقوى، وتنحرف به عن تقوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والله يقول في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[النور: من الآية21]؛ لأن التكتيك الشيطاني يقوم على استدراج الإنسان خطوةً خطوة؛ فلذلك ينبغي أن يكون الإنسان:
- حَذِراً أمام الشهوات، والرغبات، وأيضاً أمام الغضب والانفعال، وأيضاً باتجاه المخاوف… ومختلف المؤثرات.
- وأن يكون دائماً حريصاً على الالتجاء إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ليوفِّقه، ويهديه، ويعينه، ويثبِّته، ويسدده.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَتَقَبَّل مِنَّا وَمِنْكُم الصِّيَامَ، وَالقِيَامَ، وَصَالِحَ الأَعَمَال، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصر لِلشَّعبِ الفِلَسطِينِي المَظلُوم، الصَّابِر، المُجَاهِد، وَمُجَاهِدِيه الأَعِزَاء.
وَنَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛