بيان السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في اليوم العالمي للمرأة المؤمنة بمناسبة ذكرى مولد السيدة الزهراء (عليها السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} [الكوثر : 1 – 3].
صدق الله العلي العظيم.
بمناسبة ذكرى مولد سيدة نساء العالمين الصدّيقة الطاهرة، البتول، فاطمة الزهراء بنت خاتم الأنبياء رسول الله محمد -صلى الله عليه وعلى آله- والتي هي مناسبة مباركة، وكانت سرورًا وبهجة لخاتم الأنبياء بهذا العطاء الإلهي المبارك.
نبارك في هذا اليوم الأغرّ لأمتنا الإسلامية كافة وعلى وجه الخصوص لكل المؤمنات في هذا اليوم الذي كان جديرًا بالفعل أن يكون (اليوم العالمي للمرأة المؤمنة). إن أرقى وأسمى نموذج و قدوة يجسِّد للمرأة في واقع حياتها كامرأةٍ: مبادئَ الإيمان، و أخلاقَ و تعاليم الإيمان، والقيم الإنسانيّة، والسموّ والشـرف و الكرامة الإنسانية، قد قدمه الإسلامُ متمثلًا بفاطمة الزهراء -عليها السلام-، وإن الحقائق المهمة التي أعلنها الإسلام في ذلك يجب أن تكون راسخة؛ و منها:-
1- أنّ الله سبحانه وتعالى فتح للإنسان -أيًّا كان ذكرًا أو أنثى- بابَ الخير والتكامل الإنساني؛ كما قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}[آل عمران : 195]، وكما قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب : 35]، وهذا المجال مفتوح للمرأة للارتقاء في سُلَّم كمال الإيمان، ليس على قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين؛ بل بما تبلغه بإيمانها وعملها الصالح، وقد تتفوق في ذلك على الكثير من الرجال.
2- أن الإنسان -ذكرًا أو أنثى- كيانٌ واحد من نفس واحدة، وحياته مترابطة، ومسؤوليته واحدة لا تختلف في أهميتها وإن تنوعت في بعض شكلياتها، ويجب أن يلتزم الجميع التقوى في تجسيد هذه الحقيقة المهمة في واقع الحياة كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء : 1].
3- أن ظهور نماذج راقية جدًّا في سُمُوِّها الإيماني والأخلاقي، وشرفها الإنساني، ومنزلتها العالية عند الله تعالى من النساء كمريم ابنة عمران وفاطمة بنت محمد، يقدم شاهدًا واضحًا على تكريم الله للمرأة، وفتح المجال أمامها في هذا المجال بلا مثيل له في أي فكر أو اتجاه آخر من الاتجاهات الضالة والمنحرفة.
4- أن أخطر ما يسعى له أعداء الإسلام في معركتهم الشاملة التي يستهدفون بها هذه الأمة وفي المقدمة النساء والجيل الناشئ هو: ضرب المرأة المؤمنة في مبادئها وأخلاقها وقيمها، والسعي لإفسادها، وهذا أسوأ عملٍ عدائي وشيطاني خبيث وقذر، وما سعيهم بكل الوسائل للترويج للتبرج والاختلاط والعلاقات المحرمة إلّا لهذا الهدف الشيطاني؛ لأنهم يعتبرون الإفساد للمجتمع المسلم أكبر وسيلة لقهره وإذلاله والسيطرة عليه، ويريدون أن يفسدوا المرأة المسلمة، وأن يجعلوا منها -أيضًا- وسيلة لإفساد الرجال؛ فهم يعتبرون إفساد المرأة وسيلة لإفساد الرجل، وبالتالي ضرب عصفورين بحجر واحد.
5- أن الاحتراز من هذه المساعي العَدائية الشيطانية، والانتباه منها، والحفاظ بكل جدّ على مبادئ الإسلام وتعاليمه وأخلاقه، هو الذي يصون مجتمعنا المسلم، ويحفظ له زكاءه وصلاحه، ويحميه من المفاسد والرذائل المدمرة للقيمة الإنسانيّة والشـرف الإنساني، والتي هي -أيضًا- منبع الجرائم والشـرور، وآثارها الكارثية على الحياة في كل جوانبها الاجتماعية والصحية والأمنية باتت واضحة في واقع المجتمعات الغربية، في التفكك الأسري، وانتشار جرائم القتل، والاغتصاب، والفواحش، والسـرقات والسطو، في كل دقيقة وبإحصائيات سنوية مُخزية تعلنها مؤسساتهم المختلفة.
6- أن الحضارة الإسلامية تتميز في أنها تنطلق من قاعدة إبراز وبناء سُموّ الإنسان ورشده وصلاحه وقيمه، وتقدم النموذج الذي يبني الحياة في كل مجالاتها دون تدمير إنسانية الإنسان وقيمته الأخلاقية، بل تقدم الشواهد على أن المبادئ الإلهية، والقيم والأخلاق والتعاليم الإيمانية، هي التي تنسجم مع الفطرة البشرية، وتَصْلُح وتستقيم بها الحياة، وتؤمّن الاستقرار في الواقع، وتقي المجتمع البشـري الكثير من الآفات الخطيرة المؤثرة سلبًا على الحياة، وترسم للإنسان في منطلقه العملي ما يكفل له الحياة الطيبة كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل : 97].
وإن مجتمعنا اليمني بهويته الإيمانية لجدير بأن يكون المجتمع القدوة في الالتزام بهذه التعليمات الإيمانية، وأن يحافظ على كل الصفات الحميدة، والتقاليد المنسجمة معها، والتي تسهم في الحفاظ على هذه القيم، وتحمي المجتمع من أوبئة المفاسد والرذائل.
وإنّ الثمرة الطيبة لهذا الالتزام هي تتجلى في قوة وصلابة وتماسك هذا المجتمع، في مواجهة التحديات والصعوبات والأخطار، والتصدي الفاعل للأعداء في كل ميادين المواجهة معهم، وتتجلى في صبر واحتساب أمهات الشهداء وأُسَرهم، فبدون المبادئ الإيمانية والتعاليم الإلهية ما كان مجتمعنا بهذا القدر من الثبات والتماسك والصبر، وبهذا المستوى من العطاء والتضحية، وما كان ليحظى بهذا القدر من الرعاية الإلهية الكبيرة، والتأييد الإلهي الذي مكّنه من الصمود لستة أعوام في مواجهة أعتى عدوان، وأشد حصار في كل تاريخه.
وحسبـنا الله ونعـم الوكـيل نـعم المـولـى و نـعـم النصير
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالملك بدرالدين الحوثي
20/ جمادى الآخرة/ 1442هـ