المحاضرة الرمضانية الرابعة عشر للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 17 رمضان 1439هـ
المسؤولية.. المحور الأبرز لتحقق التقوى
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
نستمر في الحديث عن المواصفات الإيمانية التي تتحقق بها التقوى للإنسان، فيكون من عباد الله المتقين، الموعودين من الله بجنته ومغفرته ورضوانه، والذين وردت بشأنهم الآيات المباركة التي تعلَّق بها الوعد، وارتبط بها الوعد الإلهي بالنجاة والفوز.
والقرآن الكريم هو الذي ينبغي أن يعود إليه الإنسان المؤمن ليهتدي به في ذلك، باعتباره حجة لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- على الإنسان، والله يحتج حتى في يوم القيامة بآياته، الملائكة- كذلك- يحتجون يوم القيامة على البشر بالآيات، بالكتاب، بأنها أتتكم آيات الله، أتتكم رسل الله الذين أنذروكم بآياته، ونحن- كذلك- كأمةٍ إسلامية القرآن الكريم هو حجة الله علينا، ما فيه من الهدى، ما فيه من النور، كلمات الله فيه، أوامر الله فيه، توجيهات الله فيه، وعندما نتأمل في الآيات القرآنية المباركة التي تتحدث لنا عن المواصفات الإيمانية، ما كان منها بشكل: قيم، وأخلاق، ومبادئ، ما كان منها مرتكزات- كذلك- للواقع العملي، وما كان منها يتصل بالواقع العملي، كأعمال معينة، كمسؤوليات معينة.
نجد في الآيات القرآنية الإرشاد الكافي والتبيين الواضح الذي ينبغي للإنسان المسلم أن يعود إليه، وأن يرجع إليه، حتى لا يغتر، إما بالمستوى المحدود والنظرة القاصرة التي اكتسبها، أو تصورها عن مسؤولياته، وعن طريق النجاة والفوز والفلاح في هذه الحياة، أو يكون عرضة للتضليل والتأثير المخادع من هنا أو من هناك لأي أشخاص، سواء باسم علماء، أو باسم دعاة، أو باسم قادة، أو باسم زعماء أو باسم سياسيين، أو بأي صفةٍ كانوا، يوم القيامة أنت ستأتي في ساحة المحشر للحساب والجزاء و المسائلة، و إذا كنت خارجًا عن طريق نهج الله، عن الاستجابة لله، عن إتِّباع هدي الله، كل أولئك الذين اتبعتهم، آثرت أقوالهم، آثرت اتجاهاتهم، وسرت وراءها، ولم تسر، ولم تتبع، ولم تلتزم بهدى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-؛ لن ينفعوك بشيء {إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً} [الجاثية: من الآية19]، لن ينفعوك بشيء، يمكن أن يتبرأوا منك {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة: الآية166]، وتتحول تلك الروابط التي كانت تجمعك بهم في الدنيا تتحول إلى حالة من العداء الشديد، والحنق الشديد، والشعور بالمرارة والامتعاض والخسران والخيبة؛ نتيجة ما أوصلك إليه إتباعك لهم من الخسران والعذاب -والعياذ بالله-.
تقدم لنا في الآيات الماضية بعض من الجوانب الرئيسية التي تتحقق بها التقوى للإنسان المؤمن، وتعتبر- كذلك في نفس الوقت- مسارات إيمانية، يتحقق بها الإيمان، ما تحقق به الإيمان تحققت به التقوى كثمرة طبيعية؛ لأنها نتاج الإيمان الصادق، نتاج الإيمان الكامل، نتاج الإيمان الواعي -التقوى-.
المسؤولية.. الجانب الأساس لتحقق التقوى
هناك جانب رئيسي لا تتحقق التقوى إلا به، ولا يتحقق الإيمان كاملًا إلا به، هو: جانب المسؤولية، وبما أننا قادمون في الغد على ذكرى عظيمة في الإسلام والتاريخ الإسلامي، هي: ذكرى وقعة بدر، يوم بدر، يوم الفرقان كما سماه الله في القرآن الكريم. سنتحدث فيما يخص المناسبة في المحاضرة القادمة إن شاء الله، ولكن حديثنا اليوم هو من جانب حديثٌ عن جانبٍ أساسيٍ من جوانب التقوى والإيمان، وحديثٌ أيضًا تمهيديٌ عن واقعة بدر.
عندما نعود إلى القرآن الكريم فإن جانبًا رئيسيًا، ليس هامشيًا، وليس ثانويًا، لا يدخل في دائرة المستحبات، أو في دائرة المباحات، بل من أوجب الواجبات، وجانب رئيسي للغاية لا يتحقق الإيمان إلا به، ولا تتحقق التقوى إلا به، هو: جانب المسؤولية، المسؤولية جانبٌ أساس، لا يمكن للإنسان بمزاجه، برغبة نفسه، أو بنظرته القاصرة أن يهمِّش هذا الجانب وأن يشطبه من التزاماته الإيمانية والدينية، فيقول: [أنا يكفيني من الإيمان، ويكفيني من الدين أنني أشهد الشهادتين، وأصلي الخمس الفرائض، وغيرها]، البعض- مثلًا– يهتم أيضًا بالبعض من النوافل والمستحبات، [وأنني أزكي مثلًا]، مع أن الكثير مفرِّطون في مسألة الزكاة، وسنأتي- إن شاء لله- للحديث عن موضوع الزكاة- بإذن الله- ضمن مسار الحديث عن الجوانب الإيمانية والتقوى، وإما الكثير يعني يأكلها، أو لا يخرج إلا القليل منها، والكثير يخرجها في غير مصارفها الشرعية، التي حددها الله في كتابه الكريم كمصارف شرعية إخراج الزكاة فيها مُجزٍ، وإلا فغير مُجزِ إذا أُخرج لغيرها.
ويقول: [أنا أحج]، هذا لمن استطاع إليه سبيلًا، والقليل يستطيعون في هذا الزمن، والبعض حالتهم ميسورة وظروفهم مهيأة ومتيسرة، يحجُّون كثيرًا نافلة أيضًا، ويعتمرون كثيرًا نافلة أيضًا، والبعض لهم شكل آخر من أشكال الحج والعمرة فيه علاقات وفيه ارتباطات وفيه أشياء ثانية (حج وبيع مسابح) مثل ما يقولون.
ويقول لك: [خلاص، أنا أيضًا ألتزم في واقع حياتي بالتزامات معينة، فيما يتعلق بالمعاصي: أنا لا أقتل النفس المحرمة، ولا أشرب الخمر، ولا أرتكب- والعياذ بالله- جريمة الزنا، ولا أفعل…]، يَعُدُّ لك خمس خصال- مثلًا– من المحرمات، وخمس خصال من الواجبات، يعني: اختصار، البعض بيساعده الاختصار، بارع في مسألة الاختصار للدين بكله، يقول لك: [أنا با أعمل خمس التزامات في هذه الحياة، واجتنب خمس من المعاصي، والا ثلاث، والا أربع…]، يعني: (يزهد له) على ما يقولوا في التعبير المحلي. أما في بقية شؤون حياته فهو ذلك المنفلت بكل ما تعنيه الكلمة، منفلت بشكلٍ تام.
هناك الجانب الرئيسي الذي هو جانب المسؤولية، المسؤولية جانبٌ رئيسي، مسؤوليتك، وهو عنوانٌ واسع، يدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الجهاد في سبيل الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- العمل لإقامة الحق، العمل على التصدي للباطل والظلم والطغيان والفساد والمنكر، وجانب مهم للغاية، سنلحظ في النصوص القرآنية، سواءً في حديثنا اليوم، أو في حديثنا القادم- كذلك- عن غزوة بدر، أو ما بعده، سلسلة محاضرات نتحدث فيها- إن شاء الله- عن هذا الجانب، كيف أعطاه القرآن الكريم اهتمامًا كبيرًا جدًّا.
موقعه في النصوص الدينية، في التأكيد الإلهي، في الأمر به من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في الوعد والوعيد المتصل به، موقعه موقع كبير جدًّا، لا يقل أهمية عن أي مسألة أخرى من المسائل الأساسية الدينية والإيمانية.
الأعراب والانتماء الشكلي للإسلام
كان على هذا النمط- كما ذكر الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في القران الكريم- من الحذف لجانب المسؤولية، والاكتفاء بالانتماء الشكلي في الإسلام، ليكون هو مُجزيًا إيمانيًا، كان رؤية للبعض حتى في زمن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وذكر لنا القرآن الكريم قصة الأعراب، والأعراب هؤلاء هم مجاميع من البدو- آنذاك- اتجهوا إلى رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ليعبِّروا عن احتجاجهم على جانب المسؤولية؛ لأنهم لم يكونوا يرغبون فيه، يعني: كانوا يريدون الاقتصار على تلك الطقوس الدينية، يؤدونها كطقوس فقط، يعني: بعيدًا عن ثمرتها، عن أثرها، وأن لا يتحملوا أي مسؤولية لا في جهاد، ولا أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر، بالذات الجهاد الذي هو عنوان رئيسي.
يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} [الحجرات: من الآية14]، خلاص قالوا: [آمنا، إحنا بنصلي، وبنصوم، وبنعمل هذه الأعمال، فأصبحنا مؤمنين، أمرتنا أن نصلي فصلينا، وأمرتنا أن نصوم فصمنا، وأمرتنا أن نزكي فزكينا، أيش عاد تشتي منا؟! ما كفاك إلا تشتينا ندخل في مشاكل، وندخل في قضايا، وننشب نفوسنا في هموم ومشاكل معينة!!].
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا}، [ قالوا هذا المطلوب منا؛ أن نكون مؤمنين، وخلاص، كملنا، آمنا، ودّينا، ايش عاد تشتي!]، {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا}، كان هذا هو الرد عليهم {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا}؛ لأن الإيمان إذا تحقق له نتائج في الواقع العملي، له ثمرة في الواقع العملي، وأكبر ثمرة في الواقع العملي عندما يتحقق الإيمان هي: الطاعة المطلقة لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- الطاعة الكاملة لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ما يصبح عندك امتناع من جوانب معينة ترفض أن تطيع الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- فيها، تقول: [أنا سأطيع الله في أن أصلي، أمرني بالصلاة، سأصلي لا بأس، أمرني بالصيام، سأصوم لا بأس، أمرني بكذا سأفعل، نهاني عن كذا سأفعل، ونهاني عن كذا سأفعل]، لكن جوانب معينة لم تنسجم مع رغبات نفسك، مع أهواء نفسك، مع شهوات نفسك، أنت رافضٌ الالتزام بها، وممتنعٌ إما عن فعلها وعملها والقيام بها، أو الانتهاء عنها في مناهي الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في الأشياء التي نهانا عنها، فأنت تتجرأ وترتكب تلك المناهي والمخالفات التي نهى الله عنها.
فثمرة الإيمان: الطاعة الكاملة لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- إيثار طاعة الله على هوى النفس، على رغبات النفس، والتسليم لأمره -جلَّ شأنه- الطاعة له والتسليم لأمره فيما أمرنا أن نفعل، وفيما أمرنا أن نترك، ومن ضمن ذلك- بالتأكيد- جانب المسؤولية.
الإيمان يتصل به أيضًا الثقة الكاملة والاطمئنان الكامل إلى وعد الله ووعيده، الثقة بالله جانب أساس في الإيمان، لا بد منها في أن يتحقق الإيمان، وفي أن يصبح لديك الجهوزية النفسية والمعنوية للالتزام العملي، وللقيام ببعض الأعمال والمسؤوليات التي تحتاج إلى ثقة بالله وبوعده.
{قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} أنتم أسلمتم؛ لأنه من يشهد الشهادتين (أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله)، ويصلي، ويزكي، ويعمل هذه الطقوس، ينتمي للإسلام، أصبح منتميًا للإسلام، فهو أسلم، والعنوان العام هو هذا العنوان: (إسلام، ومسلمون)، عنوان تترتب عليه: أحكام، التزامات شرعية، حقوق شرعية، عصمة للدم والمال والنفس والعرض إلا بحقها، أشياء معينة… ولكن الإسلام يرتبط به، يعني: عندما تصبح من المسلمين بات- بانتمائك للإسلام- عليك مسؤوليات، إن قمت بها ارتقيت إلى درجة الإيمان، إن لم تقم بها فانتماؤك للإسلام لم يعفك من المسؤولية أمام الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في الدنيا والآخرة.
يعني: المسلم العاصي، مسلم يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله)، وأكثر من ذلك، مثلًا: يصلي، يصوم، يفعل بعض الأعمال، ولكنه- مثلًا– يرتكب محرمات معينة، يرتكب جرائم معينة، يُقدِم على معاصي معينة، يضرب عرض الحائط بتوجيهات إلهية معينة، لا يسمع لله في كثيرٍ من التوجيهات، هل مجرد انتمائه للإسلام يعفيه من المسؤولية؟ هل هو سيسلم من عذاب الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-؟!
من يتصور ذلك فهو- كما قلنا سابقًا- يَعتَبِر الإسلام بطاقة ترخيص للجريمة، ويصبح الإسلام- بنظره- مجرد تهيئة ظروف وصناعة بيئة مؤمِّنّة من عذاب الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- للمجرمين، وقلنا سابقًا: البعض من المنتسبين للإسلام قد يتفوق على بعض من اليهود، بعض من النصارى، بعض من البوذيين، في جرائمه، في فسقه، في فجوره، في طغيانه، في ظلمه، في عدوانه، هذا حاصل.
قانون العقوبات في الإسلام.. لمن؟
عندما نعود إلى القرآن الكريم لنرى كيف يخاطب الله المسلمين، تجد في الإسلام أولًا عقوبات للمسلم هذا، عقوبات في الدنيا، ووعيد على جرائمه تلك في الآخرة، مثلًا: السارق المسلم، سارق يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولو شئت أن يطبق عليها حتى أحكام التجويد (وأنّ محمدًا رسول الله)، ويصلي، ويصوم رمضان، ووو…الخ. إلَّا أنه يسرق، هل هو معفي من العقوبة لأن اسمه مسلم؟! |لا|.
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: من الآية38]، هذا حكم الله في حقه هذا المنتسب للإسلام، أما الزاني- كذلك- يجلد، {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ} [النور: من الآية2]، أما قاتل النفس المحرمة يُقص، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ} [البقرة: من الآية179]، وهكذا نجد تشريعات عقوبات على المسلم العاصي، على المسلم المجرم، عقوبات في الدنيا، والكلام يطول في هذا الجانب يعني، ووعيد في الآخرة من قتل مؤمنًا متعمدًا الوعيد له بالنار، بغضب الله، بسخطه، بالخلود في جهنم، من يمارس الربا، في سورة البقرة يخاطب الله مَنْ؟ هل يخاطب الكافرين: [يا أيها الذين كفروا انتبهوا من الربا، وإذا أكلتم الربا فستعاقبون؟]، أم أن الوعيد يتوجه الخطاب به إلى الذين آمنوا. الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- يقول: {الذين يأكلون الربا}، وهو يتخاطب في هذه التشريعات مع المسلمين، وليس مع الكافرين الملحدين أو الجاحدين.
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}، هذا المسلم يعني، نحن ننتظر الجاحد بالقرآن والكافر بمحمد هل يلتزم بالآية القرآنية هذه، يقول: [خلاص، ما يجوز أخالف القرآن]، {وَمَنْ عَادَ}، وهو يتحدث عن المسلمين {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ}، [أووه المسلمين أصحاب النار؟! هذا التاجر الذي معه مسبحة ضخمة، قد تكون حتى من الأحجار الكريمة، ويخرج في رمضان سلات غذائية، ويتصدق على بعض الفقراء]، لكن نمّا ثروته من الربا، وينميها من الربا، [اتق الله من أصحاب النار!]، القرآن يقول: {فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، هذا خطاب لمن؟ للمسلمين، وعيد لمسلمين (ينتمون للإسلام)، إلى أن يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278-279].
على كُلٍ- إن شاء الله- سيكون لنا محاضرة قادمة نتحدث فيها عن هذه المسألة؛ لأنها من المسائل المهمة، إنما ورد قول الله تعالى هنا: {وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا}، فحرصنا على أن نبين هذا الموضوع بتبيين أولي وإن شاء الله نُتِم في محاضرة قادمة.
عودة إلى دعوى الأعراب.. وبيان من هو المؤمن حقًا
{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: من الآية14]، قلوبكم لم يصل بعد إليها الإيمان، عادها فاضي، الإيمان إذا وصل إلى القلوب نشأ عنه ثقة بالله، تصديق لوعد الله ووعيده، يترتب على ذلك- كما قلنا- التزام، وطاعة، وقيام بالمسؤولية، {وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً}؛ لأن الإنسان المسلم إذا اتجه لطاعة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- كُتبت له طاعاته وارتقت به في الواقع الإيماني، وهي الهدف من الإيمان: الطاعة، هي المحور، أن يكون الإنسان مسلمًا مطيعًا مؤمنًا، أما إذا هو يشتي مسلم غير مطيع لله، مسلم عاصي، فهذا المسلم سيشبه- في كثيرٍ من أحواله- أولئك الذين لم يسلموا، لم يقبلوا بهذا الدين، لم يقبلوا بشرائعه، لم يقبلوا بأحكامه، لم يقبلوا بالتزاماته، لم يقبلوا بحلاله وحرامه، يصبح حاله مثل حال ذاك البوذي، الكافر، المشرك، الوثني، الذي لم يتقيد بشرائع هذا الإسلام لا في حلاله ولا في حرامه، مشابهًا له في هذه المسألة بالذات في أنه ما عنده التزام بحلال الإسلام وحرامه ومسؤولياته وواجباته، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: الآية15]، لاحظوا الآية واضحة جدًّا جدًّا، الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- لم يقبل كلام الأعراب في ادعائهم الإيمان، كانت دعوى، وقالوا آمنا، واعتُبِروا غير مؤمنين، {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، أي لم يكن قد وصل إلى قلوبهم، لكن هناك أمل إذا صلحوا، إذا أطاعوا، إذا انفتحوا على هدى الله أن يصل هذا الإيمان إلى قلوبهم، ظروف الإنسان مهيأة- إذا اتجه هذا الاتجاه: اتجاه الطاعة والإصغاء لهدى الله- أن يرتقي إلى مستوى الإيمان.
فالله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- هنا بيّن مواصفات المؤمنين الحقيقية، قال عنهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}، كان عندهم اطمئنان، وثقة مطلقة بوعد الله ووعيده، وأيضًا لم يرتابوا، ولم يشكوا أبدًا في الحقائق، في العقائد، في الدين جملةً وتفصيلًا، عندهم يقين، بصيرة، وعي، اطمئنان، ثقة، مع التصديق بوعد الله ووعيده، {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، الصدق في هذا، إذا أنت تريد تكون صادقًا مع الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وصادقًا مع نفسك، لا تخدع نفسك، لا تمنِّ نفسك بالغرور، بالخيال، بالأوهام، بالدعوى الفارغة، تتحول في واقعك إلى إنسان صادق، صادق مع الله، صادق الانتماء، وصادق الموقف، صادق التوجه، فاتجه في هذه الأشياء التي حددها لك مَنْ؟ الله في كتابه، الله في آياته.
الجهاد.. من أعظم المواصفات الإيمانية
آيات كثيرة جدًّا تتصل بجانب المسؤولية: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ} [التوبة: من الآية111]، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: الآية71]، وكم في القرآن، كم، آيات كثيرة جدًّا، يعني الآيات التي تتحدث عن الجهاد في سبيل الله بأكثر من خمسمائة آية، بأكثر من أي آيات تحدثت مثلًا عن الصلاة، الحديث عن الجهاد أمرًا وترغيبًا وما يتصل بذلك، وبشكلٍ واسع، كل ما يتصل بالجهاد بأكثر من خمسمائة آية، بأكثر بكثير، بأضعاف مضاعفة عما تحدث عن الصلاة، أو عن الصيام، أو عن الزكاة، أو عن الحج، أو عن أيٍ من تلك الأعمال، أكثر بكثير، منه ما أتى بصورة أوامر إلزامية، يأمرنا الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- مثل قوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: الآية244]، مثل قوله تعالى كذلك في سورة التوبة: {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: الآية41]، وكم في القرآن بصيغة الأمر، الأمر، الأمر، سورة التوبة، سورة آل عمران، سورة البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: من الآية216]، هذا إلزام يعني وفرض، ما أتى بصيغة الأمر، الأمر، الأمر الإلهي، الأمر الإلزامي الواضح أنه أمرٌ إلزاميٌ، موجبٌ ملزم عند من يدققون في مسألة: [هل قد لزم، أو لم يلزم بعد]، منه ما أتى بالصفة الإيمانية، بمعنى: أنه أتى ليؤكِّد على أن من المواصفات الإيمانية اللازمة والتي تثبت مصداقية الانتماء الإيماني والادعاء هي الجهاد في سيبل الله، مثلما قرأنا في الرد على الأعراب، حين رد الله عليهم، {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا}، وحكى عن المؤمنين بتوصيف واضح، بدلالات واضحة جاء فيها: {وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} [الأنفال: من الآية72]، وآيات كثيرة، مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}.
منه ما أتى أيضًا ليربط مسألة الجنة- الدخول إلى الجنة- بهذا الجانب المهم في الإيمان، عندما يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في سورة آل عمران: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: الآية142]، هنا الآية واضحة جدًّا وصريحة في أنه لا تحسبوا، لا يكن في حسبانكم، لا يكن في ظنكم؛ لأن الاستفهام هنا استنكاري، يستنكر على من يحسب أنه يمكنه أن يدخل الجنة بدون جهاد، يستنكر عليه، هذا الاستفهام هو في اللغة العربية يقولون استفهام استنكاري، (أَمْ حَسِبْتُمْ): يعني هل في حسبانكم ذلك، في تقديركم ذلك أنه يمكن هكذا، {أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: الآية214].
ومنه ما أتى ليعبِّر عن الضرورة القصوى للجهاد في سبيل الله، كوسيلة لدفع الفساد في الأرض ضمن سنة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- التي هي قانون إلهي وسنة إلهية في نظام حياة البشر، بعد أن قص علينا في سورة البقرة قصة طالوت وجالوت والنصر الإلهي لطالوت وللمؤمنين معه على جالوت، وعن التأييد الإلهي الذي حظي به داوود وتمكَّن به من قتل جالوت، قال بعد ذلك: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: من الآية251]، تصبح مسألة ضرورية لدفع الفساد في الأرض، انهيار الحياة، انهيار الحياة بكلها، أن تنهار هذه الحياة بالكامل، أن تفسد هذه الحياة بالكامل، أن تتخرب الحياة على الأرض بالكامل، أن يتغير واقع الأرض بالكامل.
وكذلك ما أتى للحديث عن فضيلة الجهاد، عما يترتب عليه من نتائج، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} [الحج: من الآية40]، أنه إذا عُطِّلت هذه المسؤولية وَرَكِن الناس إلى الدعة، والجمود، والاستسلام، والخنوع؛ استحكم الشر، وتمكَّن الطاغوت، واستحوذ الأشرار والمجرمون والمفسدون، وهيمنوا على واقع هذه الحياة، وأفسدوا واقع هذه الحياة، وأزاحوا عنها القيم، ومنعوا، تصبح القيم، وتصبح الصفات الخيرة، وتصبح المسؤوليات الايجابية في الحياة محظورة في قاموسهم وممنوعة من واقع الحياة.
على العموم، النصوص القرآنية كثيرة، من يقرأ القرآن يفهم ذلك، سور بأكملها، مثل: سورة التوبة، سورة الأنفال، سورة محمد، سورة الفتح… سور كثيرة في القرآن بأكملها تعزز جانب المسؤولية كجانب إلزامي لا يتحقق الإيمان إلا به، ولا تتحقق التقوى إلا به.
ونحن كأمة مسلمة، أمة مسلمة يجب أن نكون أيضًا واعين، القرآن يصنع وعيًا عاليًا تجاه الحياة بكلها، تجاه واقع المجتمع البشري بكله وما تتطلبه الحياة في هذا الواقع، ما نحتاج إليه إذا كنا جزءًا من البشر، إذا كنا نعيش في واقع الدنيا، نحن تحدثنا في كلمة سابقة وقلنا: أنه اليوم معروف فطريًا وبشرياً، وحالة قائمة- بالفعل- في واقع المجتمع البشري بكله عند مختلف الأمم، بمختلف أديانها، وهوياتها، وانتماءاتها، ومشاربها في الحياة، وعاداتها، وتقاليدها، كل أمة تسعى، وكل بلد كل قطر، كل كيان يسعى إلى أن يكون له قوة عسكرية وأمنية، وأن يكون في واقعه، سواءً العسكري، الاقتصادي، السياسي، بشكل عام عقائده، أن يجعل من ذلك كله منظومة متكاملة تصنع له واقعًا قويًا يحمي به نفسه؛ لأن كل الفئات البشرية باختلاف أديانها، ومكوناتها، وعاداتها، وتقاليدها، وثقافاتها، وو…إلخ. هي تدرك أن الحالة البشرية القائمة فيها تهديد، فيها مخاطر، فيها تحديات، ويجعلون في كثيرٍ من الدول، والبلدان، والكيانات، يجعلون ضمن رؤاهم الاستراتيجية التي يبنون عليها واقعهم بكله، شأنهم العام بكله: وضعهم الاقتصادي، السياسي، برنامج حياتهم بكله، هو التهديد، يحددون التهديد، ويفترضون تهديدًا معينًا، وبناءً على وجود هذا التهديد، أصبح هذا حتى معروف يعني في علم الإدارة والتخطيط، ضروري تحديد التهديد، وعلى ضوء ذلك تبنى خطة معينة كبيرة، بعد أن تتحدد التهديدات والتحديات، وتتوضح التهديدات والتحديات.
أمريكا وسعيها لبسط نفوذها على البشرية
ولو جئنا مثلًا إلى العالم الغربي، انظر واقع أمريكا مثلًا، أمريكا تبذل كل جهد، وترصد أكبر ميزانية في العالم؛ لتجعل من نفسها أكبر قوة بشرية في العالم، وليس فقط لتحمي نفسها، قد تجاوزت هذا بكثير جدًّا، باتت اهتماماتها واتجاهاتها أن تمتلك القدرة العسكرية ومقومات القوة الاقتصادية والإعلامية، والقوة بكل جوانبها: قوة إعلامية، قوة عسكرية، قوة اقتصادية، قوة سياسية، قوة دبلوماسية… القوة في كل الاتجاهات التي تمكِّنها من السيطرة التامة على البشر جميعًا، على كوكب الأرض بكله، على العالم البشري بأجمعه، هذا هو الطموح الأمريكي الصريح يعني، الأمريكيون ما بيخفوا هذا أبدًا، برامجهم، سياساتهم، خططهم، اتجاهاتهم، هذا هو اتجاههم وبرنامجهم (أمركة العالم) كما يقولون، أن يمتلكوا قدرة وقوة عسكرية ومادية اقتصادية، إعلامية، سياسية، وأن يمتلكوا نفوذًا يتمكَّنون من خلاله على السيطرة التامة على بقية المجتمع البشري، ويتحكمون بهذا المجتمع البشري في كل شؤونه، للتدخل في إعادة صياغة هذا المجتمع في: العقائد، الأفكار، الثقافات، التوجهات، المواقف، السلوكيات، الأعمال، بما يخدم مصالحهم، العنوان الرئيسي: (مصالحهم)، وبما يعزز نفوذهم وسيطرتهم ويمكِّنهم من إحكام هذه السيطرة على البشر.
الإسرائيلي عندنا في المنطقة، والأمريكي قد أتى، قد أصبح عندنا وأتى من بعيد يعني من قارته إلى هنا إلى المنطقة العربية ويتحكم ويستحوذ، الإسرائيلي يبذل كل جهد ويُصِر أن يضمن لنفسه في منطقتنا، وهو غريب على هذه المنطقة، وكيانه كيان لقيط وغير شرعي، وفرض نفسه في منطقتنا على جزء ورقعة مقدسة من عالمنا وأرضنا الإسلامية، أتى وهو يُصِر ويقول دائمًا: [أنه لا بد أن يضمن لنفسه التفوق العسكري، وأن يكون هو الكيان الأقوى في المنطقة]؛ لكي يتمكَّن، وهو عنده طموح السيطرة والاستحواذ في واقع المنطقة، وليكون في الموقع الذي يخوِّله من ضرب أي طرف يريده وتدميره، ولا يريد ولا يقبل لأي طرف عربي أو إسلامي أن يتجه ليكون طرفًا قويًا بالشكل الذي يرى فيه تهديدًا له، أو إخلالًا بتفوقه العسكري، ووو…إلخ.
وكان الإسرائيليون صريحين في ذلك، عندما وجَّهوا رسالة حتى للنظام السعودي، وهو ذلك النظام العميل، وحذروه، عندما قال: إنه يرغب بأن يكون له منشئات نووية سلمية، وذكَّروا بغاراتهم على العراق وغاراتهم على سوريا، وأكَّدوا على أن هذا خط أحمر، وحتى لو اتجه الإنسان ليكون عميلًا لهم وخادمًا لهم، هناك مستويات معينة، خطوط معينة، سقف معين، لا يسمحون بأن يتجاوزه؛ لأن المطلوب أن يبقى الأضعف وأن يكونوا هم الأقوى، هذا واضح.
أمة الإسلام بين اتجاهين: التدجين والتوحش الأعمى
عندنا في الساحة الإسلامية بُلينا باتجاهين، كلاهما يشكِّل خطورة بالغة علينا في الساحة الإسلامية، سواءً في المنطقة العربية، أو في غيرها:
الأول: اتجاه التدجين، بثقافته التدجينية.
والآخر: اتجاه التوحش الأعمى، الذي هو الاتجاه التكفيري وما يشابهه.
اتجاه التدجين: هو اتجاه يأتي بأساليب متعددة، البعض بالمنطق الديني، يقول لك: [يا أخي الإسلام دين تسامح وسَمِح، الإسلام يعني: دين لا يقبل بالعنف، والحقيقة التي يريدونها من هذا الكلام أن الإسلام دين استسلام وخنوع، دين لا يمتلك أهله أي وسائل للقوة أبدًا، لا معنوية ولا مادية، وأن تكون أمته أمة مستسلمة، خانعة، لا تمتلك أي قدرات، ولا تتوجه أبدًا لأن تكون ذات منَعَة وقوة ودفع عن نفسها، وتنظر بسذاجة إلى واقع الحياة، وكأنه ليس هناك من أخطار، ولا تهديدات، ولا أعداء، وكأننا أمة ليس لها أي عدو، ولا هناك أي تهديد ولا خطر عليها أبدًا، ويحاولون أن يأتوا بآيات قرآنية ويحرفوا معناها، وهكذا يشتغلون في هذا الاتجاه.
وهناك في هذا الاتجاه شخصيات علمائية، يقول لك: |لا|، أن تتجه لمواجهة هذه التهديدات، أو تتحدث- أصلًا- تتحدث عن خطر، عن أعداء، عن جهاد، عن مقاومة، عن مواجهة، عن تهديدات، عن استعباد… [|لا|، اسكت، خلاص]، يعني: يشطب عندهم هذا الموضوع نهائيًا، شخصيات باسم علماء دين، ومثقفين دينيين، واتجاه يشتغل على هذا الأساس، يقول لك: [يا أخي اسكت، اسكت من هذا، نريد أن نصلي ونصوم ونزكي، والله نهانا عن الغيبة والنميمة…]، وأربعة وعشرين ساعة يتحدث عن هذا الجانب، كأنه ليس في الإسلام إلا هذا الجانب.
أنت تتحدث عن هذا الجانب لماذا؟! أنت يا أخي- يا حضرة العالم الفلاني- تُحَدِّثُنا عن الصلاة، عن الصيام، عن الزكاة، عن الحج، عن ترك الغيبة والنميمة، لماذا؟ لأنها من الدين، تلك أيضًا من الدين، وتلك موقعها من الدين هو نفس الموقع لما تحدثت عنه من: صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وحرمة الغيبة والنميمة، موقعها من الدين نفسه، لا نجاة إلا بها، لا فوز بالجنة إلا بها، لا قبول للدين عند الله إلا بها. |لا|، كل ما تقوله عن هذه قاله الله عن تلك، لماذا أنت تخدع الناس؟ لماذا لا تقدِّم لهم الدين متكاملًا؟ لماذا لا تتقي الله وأنت تكتم بعضًا من دين الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- عن الناس، وتقدِّم صورة نمطية منتقصة عن الدين، تكتم فيها جانبًا من الدين؟! أتدري ماذا قال الله عن الذين يكتمون جوانب أساسية من الدين، هل أنت لم تقرأ تلك الآيات القرآنية، أم أنك قرأتها ولكن تجاهلتها! يقول الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 159-160]، هذه آية، كم في القرآن من آيات كثيرة تشبه هذه الآية، وكم هناك من نصوص عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-.
إذا أنت تقول: [أنا أحدث الناس عن الصلاة؛ لأنها واجبة عليهم، إذا لم يصلوا سيدخلون النار، وأنا شفيق عليهم، منتبه لهم لا يدخلوا جهنم حين ما يصلوا، وقلق عليهم إذا ما صاموا رمضان لا يدخلوا جهنم، أنا اشتيهم يصوموا؛ يدخلوا الجنة، وأنا منتبه لهم يبطلوا الغيبة والنميمة؛ لأجل لا يدخلوا جهنم].
يا أخي، القرآن يقول لنا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ}، لماذا أنت لا تكمل للناس بقية هذه المسئوليات والجوانب؟ لماذا أنت تدجِّنهم؟ لماذا أنت تساهم أن يكونوا أمة جامدة، مدجَّنة، خانعة، خاضعة لأعدائها، في النهاية لن يبقى لك حتى هذه الطقوس والشكليات، يوم من الأيام يمكن أن تحظر، هناك بلدان مُنع فيها الأذان، مثلما حصل في مدينة القدس، مُنِع الأذان- في ناهية المطاف- في الميكرفون، منع في الميكرفون، تؤذن (الله أكبر)، يقول لك: [ممنوع في الميكرفون]، هناك بلدان أخرى مُنِع فيها الحجاب للمرأة المسلمة، وهي حالات سلوكية، حتى السلوكيات وحتى الطقوس- في النهاية- إما لا تبقى، وإما تُفرَّغ من أي قيمة أو أثر في واقع الحياة، تصبح طقوسًا ميتة، جامدة، باردة، لا نفع لها، ولا أثر لها، ولا فاعلية لها، ولا نتيجة لها، والله أرادها أن تكون ذات قيمة ونتيجة وأثر في الحياة، أراد من الناس صلاةً تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، أراد لهم صلاةً تعينهم للقيام بمسئولياتهم {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: من الآية45]، {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة: من الآية45]، صلاة تعينهم ليجاهدوا، صلاة تعينهم ليدافعوا عن أنفسهم، ليدفعوا الظلم والباطل والمنكر والشر الطاغوت، صلاة تساعدهم على إقامة العدل، على إقامة الحق، على فعل الخير، على الاستقامة في الحياة، وليس صلاةً ميتة، باردة، جامدة، لا أثر لها، مجرد ضجيج، وحالة من الطقوس التي لا تترك أثرًا في واقع الحياة.
ثقافة التدجين البعض يقدِّمونها في الساحة باسم الدين والتدين، البعض يقدِّمونها تحت عناوين أخرى، لاحظ- مثلًا– في المرحلة هذه تأتي منظمات أجنبية، كثير منها ذات ارتباط بالصهيونية العالمية، هذا مؤكدٌ ويقين، كثيرٌ منها له ارتباطات بالأمريكيين، أو بالأوروبيين، أو بغيرهم، بعضها له علاقة مؤكدة بالإسرائيليين، تنشط في الساحة، تهدف بوسائل إما مباشرة، مثل- على حسب تعبيرهم- نشر (ثقافة السلام والتسامح ونبذ العنف)، أو بالإلهاء، والإلهاء استراتيجية رئيسية، إشغال الذهنية العامة، والتحكم في التفكير العام، وصرفه عن الاهتمامات الكبرى.
المنظمات الأجنبية ودورها في ترسيخ ثقافة التدجين
من الظريف جدًّا جانبان:
الجانب الأول: أن هذه المنظمات جذورها ومنابعها أتت من عند تلك القوى الدولية، التي بذلت أقصى جهد لتكون هي الأقوى في هذا العالم، والتي هي عنيفة جدًّا جدًّا، وهل هناك أعنف من أمريكا، وهي التي ضربت البشر حتى بقنابل نووية، وهي التي تصنع أكثر السلاح وأشد السلاح فتكًا وتدميرًا لتقتل به البشر، وهي التي تعمل على ابتكار مختلف أنواع الأسلحة التي تميت وتقتل وتمزق أكبر قدر ممكن من البشرية، جذور كثير من المنظمات منها، وتأتي إلينا لتقول لنا- أحنا المساكين، أحنا الذين لا نمتلك شيئًا يساوي القدرات العسكرية الأمريكية والأوروبية والغربية- يقولوا لنا: [أنتو كونوا أمة ليس عندها أي اتجاه عسكري، أو قتالي، أو بأي شكل من الأشكال، كونوا ناس مدجنَّين (دجاج)، دجاج القرن الحادي والعشرين]، التي هي منظمة في بلدانها التي هي أشبه ما تكون بمزارع الدجاج والأغنام والأبقار، [مساكين، لا تمتلكون أي قدرات عسكرية، ولا أي اهتمامات عسكرية، ولا دفاعية، ولا لما يبنيكم لتكونوا أمةً قوية، ذات مَنَعَة، ذات قدرة على الدفاع عن نفسها، اتركوا لكم من ذا الكلام، ركِّزوا على مسائل معينة…]، ويتجهون إلى تمييع الناس، التمييع الثقافي، التمييع السلوكي، حتى إلى نشر الفساد الأخلاقي، تأتي منظمات تقول: [كل مهمتها أن تنشر الواقي الذكري]، وأن تهتم بالنساء والرجال الذين يمارسون الرذيلة والجريمة؛ للوقاية لهم من وباء الإيدز الذي ينتشر نتيجة تلك الجريمة، اهتمام كبير في الساحة بهذا الموضوع، أو تركيز كبير على منع الحمل، أكبر موضوع رئيسي، أو… وهكذا يعني أشياء ساذجة.
هم يأتون من بلدانهم، إذا هم يريدون- فعلًا- نشر هذه الثقافة، فليبدؤوا أولاً بنشرها عندهم هم، يوعظوا الأمريكي هذا ذي عنده قدرات هائلة جدًّا، وأكبر ضحايا البشرية من سلاحه، من أفعاله، من خططه، من تدابيره، من سياساته، من برامجه، يسيروا يوعظوا الإسرائيلي، ويقولوا له: [يبطل له]، ويوعظوا الأوروبي، ويوعظوا كل تلك الدول، هي أولى يعني، هذا إذا هم ناصحين من صدق.
الجانب الثاني: من الظريف –أيضًا– والغريب أنهم يعطون تركيزًا أكبر على البلدان الأكثر استهدافًا، يذهب لك إلى الفلسطيني، الفلسطيني المسكين ذي حالته حالة: أرضه محتلة، ممتلكاته مغتصبة، اليهود شلوا عليه كل شيء، مظلوم، مقهور، مضطهد، ما عنده قدرات، مُعاني، مهضوم، في هذه الحياة، يتعرض- يوميًا- للاضطهاد والظلم والقهر، سجون الإسرائيليين ملان منه، يقتل يوميًا ناس منهم، يظلموا، يضطهدوا، أخذت منازلهم، أرضهم، مزارعهم، كل يوم يعانون كل أشكال الممارسات الظالمة بحقهم، كل يوم: هذا أخرجوه من بيته، وذاك أخذوا مزرعته، وذاك قلعوا أشجار الزيتون من مزارعه، وذاك زجوا به في السجن، وذاك ضربوه، وتلك امرأة اغتصبوها، وتلك سجنوها، وتلك ضربوها، وو… يأتوا لهذا الفلسطيني: [أنت أحذر العنف، كُف، يعني، لا تكن عنيفًا، أنت كُن مهذبًا وأخلاقيًا وطيبًا، عليك بالابتسامة الدائمة، لا تكن عنيفًا، لا تتوتر، لا تغصب، لا تنفعل، وكن طيبًا، كن وديعًا، كن هادئًا…] وهكذا يعني.
يأتون مثلًا إلى الشعب اللبناني الذي يعيش التهديد الكبير جدًّا، وعاش تجربة العدوان الإسرائيلي، يشتغلون بهذه الثقافة، ويحاولون أن يشوِّهوا حزب الله وحركات المقاومة، سواءً في فلسطين أو في لبنان، وأنها حركات عنيفة، متشددة، متزمتة، متمشكلة، المفترض أن يكونوا وديعين، هادئين، طيبين، مسالمين، ولا أحد يحمل سلاح، ولا أحد يسوي شيء، والإسرائيلي هناك مُصَنِّع (المير كافا)، ومُصَنِّع كل أنواع السلاح، ومُقَتِّل، عامل له برامج عسكرية، محوّل الحالة العسكرية حتى لشعبه، أكبر اهتمام عسكري في المنطقة، وتوعية عسكرية، وتعبئة عسكرية عامة وشاملة عند الإسرائيليين، وليست دولة شرعية، كيانهم، على مستوى الجيش، على مستوى المستوطنين، على مستوى بقيتهم، حالة عامة، حالة شاملة، حالة من الجهوزية العسكرية، التعبئة العسكرية، الاهتمام العسكري، حتى الأطفال عندهم، يذهبون بهم في مواسم معينة إلى الدبابات، إلى المعدات العسكرية، يعوّدونهم عليها، يربطونهم بها، يثقفونهم تثقيفًا على القتال، على العِداء، على مواجهة الأعداء، على الهيمنة، على الطغيان، على الاستحواذ، على السيطرة… على أشياء كثيرة.
ليش تلك المنظمات ما تذهب توعّظهم؟ المفترض أنها توعّظهم أربعة وعشرين ساعة، وتنصحهم أربعة وعشرين ساعة، وتعمل لهم برامج ضد العنف وضد وضد وضد… على طول يعني.
عندنا في اليمن، أول ما جاء العدوان وقفزت المنظمات هذه، لكن قفزة!- القوم هاجمين علينا، بيقتلونا بكل أنواع السلاح، الأمريكي حاضر في المعركة بإدارته، بخططه، بسلاحه، بعتاده، بما يقدِّم للقوى المباشرة والأيادي القذرة التي يعتمد عليها من مختلف أنواع السلاح الأشد فتكًا وتدميرًا، يجي يضرب عليك في صنعاء، في صعدة، في عمران، في الحديدة، في مختلف المحافظات، على المدن نفسها بقنابل وصواريخ من الأشد تدميرًا وفتكًا، يقتل بها الأطفال والنساء، يرتكب أبشع الجرائم، يُجيِّش المرتزقة من كل الأصقاع والأقطار: من اليمن، ومن غير اليمن، ومن بلدان كثيرة، ويأتي بهم لاقتحام هذا البلد من كل صوب، من كل اتجاه، ويعمل لتحقيق ذلك كل ما يستطيع، ويفعل كل ما يستطيع- المنظمات تجي تشتغل عندنا في الداخل، وبعض الحمير من الإعلاميين وما يسمى بعضهم أتباع منظمات المجتمع المدني، يقولون للناس: [|لا|، اهدأوا اهدأوا، كونوا وديعين، كونوا هادئين، اتركوا السلاح، اجلسوا كذيه هادئين، وديعين، ابتسموا].
يا أخي ما المقام هذا المقام، هؤلاء هاجمين علينا، يقتلونا، يريدوا أن يحتلوا بلادنا، يفعلوا كل شيء من أجل أن يقتلونا، وأن يستذلونا، وأن يمتهنونا، وأن يحتلوا أرضنا، وهم يدمرون كل شيء، أنت مشغول تجي تقل لي: [كن وديعًا، وهادئًا، وغير متوتر، ولا تحمل السلاح، وكن طيبًا، عليك بالابتسامة الدائمة لأربعة وعشرين ساعة، البس لك ملابس وديعة، واصرف ذهنيتك نحو أشياء ثانية، لا تلتفت إلى هذا الذي يجري، اتركوا العنف….]، وهكذا يعني، سخافة، سذاجة، حميّرة، هذا هو الاستحمار يعني.
ثقافة التدجين لا يشتغلون عليها– مثلًا– في المجتمعات الأخرى، يدجِّنوا الأمريكيين، ويدجِّنوا الإسرائيليين، ويدجِّنوا أولئك العسرين يعني، الذي هم بحاجة يدجِّنوهم ولو قليلاً، ليس الا علينا، هذا الشغل علينا فقط كعرب وكمسلمين، شغل يستهدفنا نحن، لماذا؟ نكون طيبين في هذه الحياة، لنكون عبيد؟ وديعين لنكون دُمى، لنكون أمة ذليلة، مهانة، محتقرة، يدوسها الآخرون، يأتي الإسرائيلي، يأتي الأمريكي يدوس بحذائه على رقبتك، وأنت وديع، ومؤدب، وهادئ…إلخ. ما شاء الله العظيم! سذاجة كبيرة جدًّا.
ثقافة التدجين ثقافة غير واقعية، غير منطقية، لا تُعتمد استراتيجيًا لدى المجتمعات الكثيرة في مختلف الدنيا يعني، في مختلف الدنيا ليست استراتيجية لا للأمريكي، ولا للأوروبي، ولا للصيني، ولا للهندي، ولا للياباني، ولا… كل الناس في الدنيا يتجهون- بكل ما يستطيعون- ليكونوا أقوياء، بكل عوامل القوة: القوة العسكرية، القوة الاقتصادية، القوة السياسية، القوة الإعلامية، العنوان الرئيسي: هو القوة، (قوة) نكون أمة قوية، وعصر القوة، ومنطق القوة، والا نِدَّعس، نظلم، نقهر، نستعبد، نهان، هذا واقع الحياة، ومن أجل هذا أتت ثقافة الجهاد ضمن مفهومها القرآني الصحيح، غير المحرف.
إن شاء الله نستكمل ما يتصل بهذه المواضيع في المحاضرات القادمة.
نسأل الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛