المحاضرة الرمضانية الثامنة عشر للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 22 رمضان 1439هـ
في ظلال سورة (المؤمنون)
المواصفات الإيمانية (1)
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
في القرآن الكريم يرسم لنا الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- سبيل النجاة والفوز والفلاح، ودين الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وهديه ونوره أتى لإنقاذ البشرية وهدايتها وإصلاحها، ولما يضمن فلاحها ونجاحها وفوزها، وفي القرآن الكريم يبين الله لنا طريق الفلاح، كيف نكسب هذه الحياة، كيف لا تكون هذه الحياة التي نعيش فيها، فيما نحن فيه من: أعمال، وتصرفات، ومواقف، وسائر الحالة السلوكية لا تتحول إلى وبال ووزر علينا، وإثم، وسبب لسخط لله، وسبب للشقاء، وسبب للخسران.
والإنسان- بفطرته- فطره الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- على أن يحب لنفسه الخير، وأن يخشى على نفسه الشر، والسوء، والخزي، والعذاب، والهوان، مفطور في فطرته، {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: الآية8]، ولكن الإنسان- أحيانًا- يخطئ، وأحيانًا تُستغل حالة الرغبة لديه بخير نفسه، ونفع نفسه، وراحة نفسه، وسعادة نفسه؛ فيعمل إبليس، يعمل الشيطان، وتعمل الشياطين من الإنس والجن، وكذلك الميول النفسية التي تنفصل عن حالة التفكير الصحيح، والفهم والوعي الصحيح، تتجه بالإنسان إلى حيث الشر، إلى حيث الفساد، إلى حيث الخطر، وأحيانًا يتيه الإنسان، فيتجه يريد لنفسه السعادة في فعلٍ ما، أو تصرفٍ ما، أو عملٍ ما، أو موقفٍ ما، يرى فيه الخير لنفسه، فإذا به شر، وإذا به خطر كبير عليه.
القرآن الكريم لا بد من العودة إليه، وطريق الإيمان التي رسمها الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- هي الكفيلة بأن تحقق للإنسان الفلاح، والفوز، والخير، الخير في هذه الحياة، والخير الأبدي والدائم والباقي في الآخرة، يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في سورةٍ مهمةٍ في القرآن الكريم، وسميت (المؤمنون)، قُدِّمت فيها المواصفات الرئيسية الكفيلة بتحقق الإيمان، وطريق الإيمان هو الكفيل بتحقق الفلاح للإنسان، حتى يكون من الفائزين في هذه الحياة، من الناجحين في هذه الحياة، لا يخسر حياته هذه، لا يخسر عمره، لا يخسر هذه الفرصة التي أعطاه الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وهو تائه، يبحث عن سعادة نفسه حيث يضر بنفسه، حيث يحمِّل نفسه الأوزار والآثام والمعاصي والذنوب.
نقرأ من سورة المؤمنون أول هذه السورة، فيما فيها من مواصفات مهمة ورئيسية، ونماذج أساسية من أعمال المؤمنين والتزاماتهم، وطريقة القرآن الكريم عندما يتحدث عن المؤمنين وعن المتقين هو يقدِّم نماذج رئيسية، هي تضمن ما عداها، يعني: إذا تحققت هذه النماذج الرئيسية، فلا بدَّ أن يتحقق معها ما بقي من الالتزامات العملية، وما بقي من الانضباط فيما ينبغي أن ينتهي الإنسان عنه.
يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في كتابه الكريم: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1-2]، (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ): (قَدْ) هذه يقولون عنها أنها تفيد التحقيق، تحقق وتؤكِّد أن الفلاح تحقق لمن في هذه الحياة؟ مَنْ الذي فاز بحياته هذه؟ مَنْ الذي سعى في حياته هذه بما يضمن لنفسه الخير، والفوز بالخير، والفوز بالسعادة الأبدية، والحياة في هذه الدنيا بطمأنينة وسمو وشرف وسعادة وكرامة وعزة، مَنْ؟ فئة واحدة من بين كل البشرية، والكثير من الناس يتخبط هنا وهناك، والكثير من الناس يبذل جهدًا عمليًا رهيبًا وكبيرًا جدًّا في مساعيه لتحقيق الخير لنفسه، لتحقيق السعادة لنفسه، لضمان المستقبل الأبدي، أو المستقبل الصالح لنفسه، حتى أن المستقبل بات هاجسًا رئيسيًا لدى الناس كثقافة عامة، يريد أن يؤمِّن مستقبله.
مَنْ الذي يؤمِّن مستقبله الدائم والحقيقي على أرقى وأعظم مستوى؟ هم هؤلاء، هذه الفئة: (المؤمنون)، والمؤمنون مَنْ هم؟ وهذه مسألة مهمة جدًّا، سبق لنا في محاضرات سابقة الحديث عن أن الانتماء الإسلامي- كمسلم مثلًا– هو انتماء واسع، داخل الانتماء الإسلامي ينبغي أن يسعى الإنسان المسلم ليحقق في واقعه التقوى والإيمان، فيرتقي إلى درجة الإيمان، من حالة الانتماء العام للإسلام إلى حالة الانتماء للإيمان، انتماؤك للإسلام هو الخطوة الأولى في الطريق، وبات يهيئ لك هذه الفرصة، فرصة أن تنعم بهذا الدين، أن تنعم بتوجيهاته، بتشريعاته، وبات ميثاقًا ما بينك وبين الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- لمواصلة مشوارك في هذا الطريق، للسير فيه عملياً، بما تعمل، بما تتخلق به، بما تتحلى به، بما تلتزم به، وليس فقط تصل إلى الخطوة الأولى في الطريق ثم تتوقف عندها ولا تواصل المشوار.
الصلاة.. أولى مواصفات المنين
الله يقدِّم في القرآن الكريم مواصفات للمؤمنين، مواصفات رئيسية، لا يمكن أن يكون الإنسان من المؤمنين إلا إذا تحققت لديه هذه المواصفات، إذا أخلَّ بها، ولم تنطبق على واقعه، على توجهاته، فهو لم يصل بعد إلى أن يكون من المؤمنين، وبالتالي لن يكون من المتقين بالتأكيد.
يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}، مَنْ هم هؤلاء المؤمنون؟ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، الذين يُصلّون هم الكثير، المصلون هم الكثير، أكثر أبناء أمتنا الإسلامية يصلون، وباتت الصلاة لدى الكثير من الناس حالة روتينية اعتيادية وبشكلٍ باردٍ جدًّا، ليس لها روح، ليس لها أثر، وأحيانًا البعض من الناس يفصلها عن كل شيء في هذه الحياة، لا يعي قيمة هذه الهبة الربانية، الصلاة: عطية إلهية عظيمة، ومحطة تربوية إيمانية راقية جدًّا، وعظيمة الأثر جدًّا، لكن لمن يعي ذلك، ولمن يتفاعل معها بناءً على ذلك، ولذلك لو نأتي إلى الحديث عن الصلاة في القرآن الكريم حديث واسع جدًّا، وهي في الإسلام الركن الثاني منه، ركن عظيم وأساسيٌ جدًّا، ويتعلق بها مسائل كثيرة جدًّا، لا يتسع الوقت للحديث عنها، لكن محطة مختصرة نتحدث قليلًا عنها.
الصلاة هي: وقفة خشوع يعبِّر الإنسان فيها عن عبوديته لله بأذكار وأفعال معينة، كلها يعبِّر فيها عن عبوديته لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ويذكر الله ويتذكره، وهذه مسألة رئيسية في الصلاة: التذكير لنا بالله، ودفعنا إلى التذكر والذكر لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- بقلوبنا وألسنتنا، بوجداننا ومشاعرنا، وفي هذه الوقفة رسم الله لنا فيها، فيما شرعه عنها، كيف تكون وقفة عظيمة ومعبِّرة فعليًا عن حالة العبادة، لكن تحتاج إلى التفاتة واعية، إلى انتباه، إلى تركيز، حتى يستفيد الإنسان بالشكل المطلوب.
شرع الله وقفة الصلاة هذه في أوقات محددة، هذه نقطة مهمة (أوقات محددة)، وهذه الأوقات جُعلت متوزعة في اليوم والليلة؛ حتى تعالج لدى الإنسان آثار هذه الحياة، الإنسان يحتاج إلى رعاية مستمرة لنفسه، كثيرًا ما يعيش الإنسان في واقع هذه الحياة، الكثير من المؤثرات التي تؤثِّر على نفسه سلبًا: إما في الرغبات، وإما في الشهوات، إما في الانفعالات وحالة الغضب، إما… أشياء كثيرة تؤثِّر على الإنسان، إما تغريه، وإما تستفزه، أشياء كثيرة تؤثِّر على سلوكه، على نفسيته، وأخطر شيء على الإنسان هي حالة الغفلة عن الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- إذا غفل عن الله تمكَّن الشيطان من التأثير عليه، إذا لم يعد يتذكر الله، يتذكر عظمة الله، يتذكر قوة الله، يتذكر وعد الله ووعيده، يتذكر رحمة الله، رعايته، نعمته، كرمه، يتذكر عبوديته لله، يتذكر مرده ومصيره ومرجعه إلى الله، يتذكر كل ما يتصل بعلاقته بالله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- من واقعه كعبد تربطه بالله كل الروابط: رابطة الافتقار إلى الله، والحاجة إلى الله، وأن يحوطه الله على الدوام برعايته، ورحمته، وكرمه، وفضله…إلخ.
حالة الغفلة التي ممكن أن يعيشها الإنسان هي: الحالة التي قد يستغلها الشيطان، وشياطين الإنس، وشياطين الجن، فيؤثِّرون على الإنسان ويستميلونه إلى الفعل الخاطئ والتصرف الخاطئ، بأي شكلٍ من الأشكال، ولذلك تأتي الصلاة في أوقات متعددة، مثلًا: من الفجر إلى وقت الظهر، وقت زمني معين، يأتي في وقت الظهر إلى وقت العصر ما يساعدك على هذه الالتفاتة إلى هذا الاستذكار، إلى العودة إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- والإقبال إليه، فيعالج ما يمكن أن يكون قد طرأ من التأثيرات على نفسيتك منذ الصباح إلى فترة الظهر، ثم إلى فترة العصر، هكذا نأتي إلى المغرب والعشاء، مثلًا: من فترة العصر إلى المغرب والعشاء فترة زمنية معينة، يمكن أن يكون الإنسان فيها قد غفل، يمكن أن يكون قد انشغل بشؤون حياته، يمكن أن يكون قد لقي وعانى وعايش وعاين الكثير من المؤثرات السلبية، تأتي تلك المحطة في صلاة المغرب والعشاء لتؤثِّر فيه الأثر الإيجابي من جديد، لتصقل نفسيته، لتنعش روحيته من جديد، لتعالج تلك التأثيرات السلبية في نفسه من جديد، وهكذا ما بعد المغرب والعشاء إلى الفجر.
فالله جعل الصلاة عطيةً وهبةً ووسيلةً عظيمة تساعدنا على أن نعيش فيها فعليًا بالفعل وبالقول حالة الاستشعار والتعبير عن العبودية لله، وهذا يترك أثرًا إيجابيًا كبيرًا في نفس الإنسان، ويحسسه بالشعور بالقرب من الله، والاتصال بالله، والارتباط بالله، وهذه العلاقة، الإحساس بهذه العلاقة مع الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- في كل ما تتركه من أثر، وطمأنينة، وسكينة على نفسية الإنسان، واستقرار نفسي يساعده على الانطلاق في هذه الحياة بانتعاش وتماسك وقوة واستقرار نفسي، والاستقرار النفسي مهم جدًّا في واقع الحياة، الذين فقدوا الطمأنينة والاستقرار النفسي كيف هم في واقع الحياة؟ حالة طيش، حالة عبث، حالة انفلات في تصرفاتهم، حالة من الهمجية، حالة من الطغيان، حالة من استبساط الجريمة والتهاون بفعل الجريمة، حالة خطيرة جدًّا، فقدوا الاستقرار والاتزان والطمأنينة النفسية، والشعور بقدسية الوجود الإنساني المتصل بالله، المرتبط بالله، المؤمن بالله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- حينها يعيش الإنسان بعيدًا عن هذا الجو القدسي، الروحي، الذي يسكب الطمأنينة في مشاعر الإنسان، ويترك الإنسان يعيش جو القداسة والإيمان والإحساس بقيمة هذا الوجود الإنساني، الكلام يطول جدًّا حول هذا الموضوع.
الصلاة المؤثِّرة، الصلاة المعبِّرة، الصلاة العظيمة هي: التي تتوفر فيها جملة من العناصر الرئيسية، وهذا ما ينبغي أن يركِّز عليه الإنسان المسلم؛ حتى لا تتحول صلاته إلى حالة اعتيادية غير ذات أثر ولا فائدة إلا بشكل محدود للغاية جدًّا، ويمكن للإنسان كلما زاد تركيزه، كلما اكتملت تلك العناصر الرئيسية والمهمة، كلما انتفع بالصلاة أكثر وأكثر، وكلما زادت علاقته من خلالها بالله أعظم وأعظم، وكلما اكتسب من خلالها النتائج العظيمة جدًّا على المستوى النفسي والمعنوي والعملي والسلوكي.
صلاة الخاشعين!
صلاة المؤمنين هي صلاة خشوع، فيها إقبال إلى الله بأنفسهم، بوجدانهم، بقلوبهم، بمشاعرهم، فيها انتباه إلى ما يقولون وإلى ما يفعلون، يذكر الله وهو مستحضر في ذاكرته وذهنه للذكر الذي يذكر، يعني: هو لا يذكر الله وذهنه هناك بعيدًا كليًا ومنفصلًا نهائيًا عما هو فيه من ذكر وفعل في الصلاة.
ثم أفعال الصلاة كذلك يستحضرها: حينما يركع لله، يستشعر أنه يعبِّر بركوعه عن حالة الخضوع لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-؛ حينما يسجد ويخر إلى الأرض، سيخر إلى الأرض ساجدًّا يستشعر أنه في أرقى حالة تعبير عن العبودية والخضوع المطلق لله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وهكذا يتفاعل في ذاكرته، في وجدانه، في استشعاره، في استحضاره الذهني، يتفاعل مع الأذكار والأفعال التي يؤديها أثناء الصلاة، ويتعود على ذلك تدريجيًا، وطبعًا لا- مثلًا– نأتي لنتحدث مثلما يتحدث البعض من الناس غير الواقعيين الذين يفترض حالة لكل الناس من الخشوع والإقبال إلى الله ينفصلون فيها عن واقع الحياة كليًا، حيث أنه لم يعد ينتبه إلى ما حوله، ولا يحس بشيء، ولا يسمع شيئًا… |لا|، هذا المقدار من الاستحضار الذهني الذي يصاحبه خضوع واستشعار لحالة العبودية، من الانتباه لما تقول وما تفعل، وماذا يعني ما تقول وما تفعل، هو خشوع، ويترك الأثر الإيجابي والعظيم في نفسية الإنسان، وتستفيد من خلاله استفادة كبيرة من الصلاة، كلما استقوى، كلما عظم، كلما كثر، كلما كان أثره أكثر وأطيب وأعظم.
عناصر الخشوع في الصلاة
الصلاة بنفسها صممت بطريقة في شكلها وأدائها؛ لأن هناك الحالة الذهنية والنفسية، حالة ذهنية: (تركيز)، حالة نفسية: (استشعار للعبودية)، وحالة فعلية: (انضباط أثناء الصلاة وسكون)، فإذًا الخشوع له ثلاثة عناصر أساسية، هذه خلاصة وتلخيص: الحالة الذهنية بالتركيز، والحالة النفسية باستشعار العبودية، وتعيش نفسيًا في الجو النفسي مع ما تفعل وتقول، وفي نفس الوقت حالة فعلية وعملية هي السكون أثناء الصلاة، طبعًا الصلاة يمنع فيها التصرفات الأخرى، لها أذكار، ولها أركان، ولها حالة معينة هي في الأساس وقفة يقف الإنسان فيها ساكنًا وخاضعًا، ممنوع عليه أثناء الصلاة أن يتلفت، ممنوع أن يتحدث إلى الآخرين من حين يكبر تكبيرة الإحرام، يحرم عليه كل أفعال من خارج الصلاة: سواءً كان كلامًا مع الناس، هذا ممنوع، تلفت، انشغال بأفعال وتصرفات أخرى، يفترض أن يقف وفي وقفته تلك حالة الإرسال طبعًا هي الحالة المعبِّرة عن حالة السكون والخشوع، وهذا معروف في الواقع البشري في كل مقامات الإجلال والوقار والسكينة يرسل الناس أيديهم، وهذه عندنا فيما هو ثابت عن أهل البيت -عليهم السلام- وعن رسول الله -صلوات الله عليه وآله- أنها هكذا هي الصلاة في وقفتها، حالة سكينة وخشوع وإرسال وإقبال إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وممنوع أن تتلفت، أن تنشغل بأشياء أخرى ذهنيًا، أو فعليًا، في حركة يديك في تصرفاتك…إلى غير ذلك. حتى النظر، تركز بنظرك إلى الأمام، ولا تتلفت بنظرك تحدق هناك أو هناك، هذا غير مقبول في الصلاة.
فإذا تحققت هذه العناصر الثلاثة: الذهنية، والنفسية، والفعلية، وانضبط الإنسان في وقفته في الصلاة وفي مؤداها كما ينبغي؛ عاش حالة الخشوع فيها، وتتفاوت هذه الحالة بمستوى المراتب الإيمانية، ولكن يمكن للإنسان أن تتدرج عنده هذه الحالة وأن تتنامى حتى يصل إلى مراتب بحسب ما يوفقه الله له.
هذا له أثر كبير في الالتزام السلوكي والإيماني، هذه حالة معبِّرة عن الإيمان، كلما عظم إيمانك زاد خشوعك، وكلما زاد خشوعك زاد إيمانك، وتساعدك على أن تكون في هذه الحياة مطيعًا لله، خاضعًا لله، خاشعًا لله، بعيدًا عن حالة الأنفة والاستكبار التي هي موجودة لدى البعض، والتعنت أمام أوامر الله وتوجيهاته.
الثانية من مواصفات المؤمنين
{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: الآية3]، وهذا جانب آخر في الالتزامات الإيمانية، وفي الصفات الإيمانية (الإعراض عن اللغو)، اللغو: كل الكلام السلبي، الكلام السلبي يدخل فيه مثلًا: السب، الغيبة، النميمة، الكلام السيء، الكلام الفاحش، الكلام القذر، كل الكلام الباطل، يقولون كل ما ينبغي أن يلغى من القول، يطرح، يترك، يترفع الإنسان عنه، ما يليق بك أن تتكلم به، أو أن تتفاعل معه، وحالة الإعراض عن اللغو يدخل فيها اجتنابه، تكون نظيف اللسان، سليم اللسان، وتكون ممن يتعاطى بمسؤولية تجاه ما يقول ويعبر ويتحدث، أو يكتب؛ لأن الكتابة أحد اللسانين وما تكتب يتبع ما تقول؛ لأنه حالة تعبير، الكتابة هي حالة تعبير، والنطق حالة تعبير، فيلحق ما تكتب، وبالذات ونحن في عالم اليوم فيه الانترنت، في الشبكة العنكبوتية، مواقع التواصل الاجتماعي، كل تلك الدواهي.
فالمؤمنون يتميزون عن غيرهم بأنهم ليسوا عبثيين في هذه الحياة، ولا منفلتين، مكارم الأخلاق تضبط سلوكهم، وأداءهم، وحركتهم في هذه الحياة فيما يقولون وفيما يكتبون، واليوم مجتمعنا الإسلامي أحوج ما يكون إلى الالتفات إلى هذه التوجيهات الإلهية، وإلى السعي أن ينضبط ويلتزم بهذه الضوابط وهذه السلوكيات، وأن يعود إلى هذه الصفات العظيمة والمهمة.
فأنت في نفسك كن مجتنبًا للكلام السيئ، وما يلحق به من كتابات سيئة، لا تأت لتقول الكلام الفاحش، ولا البهتان، ولا الزور، ولا الإساءة، ولا الكلام الجارح بغير الحق، ولا الكذب، ولا كل الكلام السيئ، دائرة واسعة تعبِّر عن حالة اللغو، دائرة واسعة يدخل فيها الكذب، يدخل فيها البهتان، يدخل فيها الزور، يدخل فيها الافتراء، يدخل فيها الفُحش، يدخل فيها الغيبة، يدخل فيها النميمة، يدخل فيها الباطل… يدخل فيها أشياء كثيرة.
فأنت كن متنزهًا، كن مسؤولًا، متحليًا بالمسؤولية فيما تقول، وقيِّد ما تقوله بمكارم الأخلاق: تقول الصدق، تقول الحق، تقول الصلاح، تقول التي هي أحسن، تعبِّر بالكلام المفيد، بالكلام النافع، ولا تكن عبثيًا، لاهيًا، مستهترًا، تقول كل شيء، ولا تنضبط، أو تكتب كل شيء.
ثم في تفاعلك مع الآخرين، لا تنزلق مع الآخرين، البعض- مثلًا– في الانترنت، في مواقع التواصل الاجتماعي، أو في الحديث مع الناس، أو في الرسائل في الجوالات، يأتي إنسان سيء، إنسان تافه يرسل له برسائل، أو يبدأ يتعامل معه بتواصل، أو رسائل: إما فاحشة، أو بذيئة، أو سيئة، أو تافهة، أو ضالة، أو باطلة، يبقى يتفاعل معه، ويراسله، ويدخل معه في أخذ ورد وتعاطي وتفاعل، هذا التفاعل مع الناس السيئين، مع أصحاب اللغو، هذا التفاعل معهم، والتبادل معهم للأخذ والرد والكلام، لا ينبغي، أقفل المجال، أرسل إليك برسالة سيئة، أو فاحشة، أو بذيئة، أو تافهة، أو يسعى لاستمالتك إلى الجريمة، أو الفساد، أو التأثير على نفسيتك… اقفل المجال أمامه، لا تتعاط معه، اعرض عنه واتركه، وأقفل المجال أمامه، {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}، هذا جانب مهم في حياتهم.
الثالثة من مواصفات المؤمنين
{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: الآية4]، الزكاة في الإسلام يعبر بها عن أمور متعددة، أولها: الركن الثالث من أركان الإسلام، وهو الفريضة المحددة في المال، بحسب ما يرد من تفاصيل في الشريعة الإسلامية، فيما يلزم- مثلًا– من زكاة، وفي مقدار هذه الزكاة فيما أخرجت الأرض وأنبتت الأرض، المزروعات وما يتصل بها، في أموال التجارة وما يتعلق بها…الخ. نحن لا ندخل في هذه اللحظة في تفاصيل هذا الموضوع.
يُعَبِّر- أيضًا- بالزكاة كل ما يتصل بعملية تزكية النفس، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [الشمس: الآية9]، وحتى تلك الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام، وفريضة معينة في المال، هي ذات أثر رئيسي وكبير جدًّا في تزكية نفس الإنسان وتطهيرها، وسيلة أخرى رئيسية إلى جانب الصلاة تساعد على ذلك، وهي أيضا تزكية وتطهرة للمال نفسه، وتساعد على صلاحه ونموه، وأن يجعل الله فيه البركة.
الزكاة فيما تعنيه من تلك الفريضة الإسلامية ذات العلاقة بالمال، والزكاة فيما تعنيه من أعمال وأفعال تساعد على تزكية النفس، كلها يجب أن تكون محط اهتمام كبير لدى الإنسان المؤمن، هي من الصفات الأساسية واللازمة، لا يكون الإنسان مؤمنًا إلا بها، باهتمامه بها، بأدائه لها، بعنايته بها، وهذه مسألة في غاية الأهمية.
مهم جدًّا أن نعي جيدًا، أولاً: فيما يتعلق بهذه الفريضة، الكثير من التجار، والكثير من أصحاب المال الذي وصل إلى النصاب الذي تجب فيه الزكاة يفرِّطون اليوم في مسألة الزكاة: البعض منهم إمّا لا يخرجها ، وإما يخرج جزءًا منها ويستقطع أجزاء أخرى فلا يخرجها ويأكلها، والبعض يصرفها بكلها، أو يصرف جزءًا منها لكن في غير مصارفها الشرعية، فيكون بذلك مخلًا بركنٍ أساسيٍ من أركان الإسلام، يترتب على ذلك خلل كبير جدًّا في دينه، لا يقبل مع ذلك بقية أعماله، حتى الصلاة، (لَا تُقبَلُ صَلَاةٌ إِلَّا بِزَكَاة)، هكذا روي عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو فعلًا كذلك، هذا مؤكَّد؛ لأنه لا يمكن أن تكون من المتقين وأنت مخل بركن بكله من أركان الإسلام، والله إنما يتقبل من المتقين، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: من الآية27].
فالزكاة فريضة مهمة جدًّا وأساسية، والله يصف عباده المؤمنين بأنهم يؤتون الزكاة، يعني: يبادرون هم برغبة إلى إخراجها، ما ينتظر الناس يلاحقونه ملاحقة، أو يجبروه إجبارًا على إخراجها، أو يحتاج يواجه مشاكل، هو بنفسه، هو حريص على أن يؤدي هذه الفريضة، وأن يخرج إلى الله بالسلامة وببراءة الذمة في أدائها، وألا تبقى وزرًا في عنقه، وذنبًا ومعصية في رقبته.
فالمسألة هذه من أهم المسائل، الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- كم أكَّد في القرآن الكريم على الزكاة وجعلها صفة أساسية حتى للإسلام، الزكاة صفة أساسية حتى للإسلام، {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: من الآية6-7].
التفريط في أداء الزكاة ونتائجه المدمرة
المسألة هذه من أهم المسائل: لو أدَّى الناس الزكاة، وأخرجوها بكلها، وصرفوها في مصارفها الشرعية؛ لعالجت الحالة المأساوية والرهيبة والمؤلمة جدًّا من ما يعانيه الفقراء في مجتمعنا الإسلامي، الفقراء فئة واسعة في مجتمعنا الإسلامي، فئة معانيه، انتشار ظاهرة الفقر وأثره السيئ في واقع الحياة كم يترتب عليه من مشاكل اجتماعية ومن مفاسد، البعض- والعياذ بالله- فقرهم دفعهم إلى السرقة، والبعض إلى النهب، البعض دفعهم فقرهم إلى الانضمام إلى صف الباطل والقتال مع الباطل، البعض… (كَادَ الفَقرُ أَن يَكُونَ كُفرًا) في رواية عن الإمام علي -عليه السلام-: (كَادَ الفَقرُ أَن يَكُونَ كُفرًا)، البعض دفعهم فقرهم إلى أن يكونوا ضحية لأجندة المنظمات وأعمالها وتلعّباتها، البعض يدفع بهم الفقر إلى إحن وعُقد كبيرة جدًّا تجاه الأثرياء وأصحاب الأموال، البعض يدفع بهم إلى الجريمة في القتل والنهب والاختلاس، البعض يدفع بهم إلى الرذيلة -والعياذ بالله- وهذا طبعًا غير مبرر، يعني: لا يبرر لهم ذلك، لكن البعض بسبب قلة إيمانهم، إذا أصابه الفقر هو يدخل في هذه المشكلة، كان إخراج الزكاة، العناية بالزكاة سيعالج جزءًا من هذه المشكلة، ويدفع الكثير من الناس أن يبتعدوا: إما عن الرذيلة، إما عن السرقة، إما عن النهب، إما عن القتل، إما عن الانضمام إلى صف الباطل، إما إلى… مشاكل كثيرة اجتماعية كانت ستحلها الزكاة، أيضًا سهم سبيل الله كان سيمثِّل رافدًا مهمًا جدًّا في مساعدة الأمة على الدفاع عن نفسها، وعرضها، وأرضها، وكرامتها…وغير ذلك.
التفريط في هذه الفريضة خطير جدًّا، له آثار سيئة جدًّا في الواقع، وعادةً الأشياء المهمة في الإسلام أهميتها تتصل بالواقع؛ لأثرها في حياة الناس، لتأثيراتها الكبيرة في حياة الناس، وإلا فالله غني، غني، غني عن أموالنا بكلها، ما الذي ينفعه أو يفيده من الزكاة، هو أصلًا من يرزقنا، من يعطينا، هو أصلًا من له السماوات والأرض، وله خزائن السماوات والأرض، لكن هذا لمصلحة الإنسان.
أيضًا، كثير من النفوس تدنست، كثير من النفوس مرضت بالطمع والشح والجشع والأنانية؛ نتيجة عدم إخراج الزكاة، أنت إذا حبست الزكاة أنت تجني على نفسك عدة جنايات: أول جناية: جناية نفسية، يتعاظم فيك مرض الطمع، والجشع، والهلع، والأنانية، وهذا له سلبيات كبيرة، حتى في راحتك النفسية، في سلامتك النفسية، في سلامتك الذهنية، تصبح إنسانًا متوترًا جدًّا، وتصبح إنسانًا منشدًا بشكل غير طبيعي، حتى تفقد اتزانك الطبيعي في التعامل مع المال، في التعامل مع الإمكانات، مع الممتلكات في حركتك في هذه الحياة، إما في العمل الذي تسعى إلى تحصيل الرزق منه، أو فيما هناك من إمكانات وثروة وغير ذلك، تفقد اتزانك النفسي؛ فتتعذب نفسيًا، فلو جمعت الدنيا بكلها، أو أصبحت ملياردير، يصبح لديك مليارات الدولارات، تصبح ذلك الإنسان الذي يعيش في واقعه النفسي حالة الأزمة النفسية، الهاجس المعذب للنفس في زيادة الطمع، والجشع، والقلق، والتوتر على مسألة المال.
إخراج الزكاة، الإنفاق، العطاء، الإحسان، فعل الخير يترك أثرًا إيجابيًا في نفسك: طمأنينة، راحة، سكينة، إحساسًا بالرضا، له أثر إيجابي على المستوى النفسي، يجعلك إنسانًا متزنًا في رغباتك، في طمعك، يخفف من طمعك يا أخي، فإذًا، الموضوع في غاية الأهمية.
أيضًا يحملك وزرًا وعقوبة وإثمًا ومعصية كبيرة عند الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- يضرب عليك كل الأعمال الأخرى، حتى الصلاة، فلا يقبل الله منك صلاتك، ولا تحسب لك، ولا تكتب لك، تحبط أعمالُك، قضية خطيرة جدًّا.
كذلك– مثلًا– تجني على الآخرين، تجني على الفقراء؛ لأن الله قد جعل ذلك حقًا لهم، وهو أمانةٌ عندك لهم، فأنت أخذت ما ليس لك، أخذت مالًا لفقير، بائس، يعاني، والبعض من التجار- ما شاء الله!- يكون عنده مليارات مليارات ويتباخل، يأخذ حق أولئك! افهم: الزكاة هي حق لأولئك، لم تعد حقًا لك، فأنت وصلت إلى درجة من الجشع والطمع أن تأخذ حق مسكين، البعض جالس في الشارع، ما عنده ما يأكل، ما عنده وجبة طعام، البعض يصل إلى حالة يبكي من الألم والأسى، يرى أسرته تتضور جوعًا، أنت تأكل حقه، وعندك أموال كثيرة، عندك أموال تجزيك وتغنيك، قضية خطيرة جدًّا.
فأنت تأكل حق المساكين حق الفقراء، وأنت- أيضًا– تتخلى عن الإسهام في مسؤولياتك الأخرى في سبيل الله، في مسؤوليات مهمة جدًّا، وهكذا نجد أن المسألة في غاية الأهمية.
أيضًا ننبه على خطورة أن تصرف في غير مصارفها، يعني: البعض- مثلًا– يساهم بزكاته لجمعيات تتبع القوى التكفيرية، زكاتك تساعد في تمويل عملية تفجير في مسجد، يقتل المصلين، أو عملية تفجير في سوق، أو زحف على بلدك، وارتكاب تلك الجرائم البشعة والفظيعة بحق شعبك، تصبح شريكًا في تلك الدماء وسفكها بغير حق، في دماء الأطفال والنساء التي يرتكبها قوى العدوان، قضية خطيرة جدًّا جدًّا.
الرابعة من مواصفات المؤمنين
ثم يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 4-7]، هذا الموضوع- أيضًا– من أهم المواضيع يتصف المؤمنون بالسلامة الأخلاقية، بالعفة، بالطاهرة، بصون النفس عن الحرام، وهذه من أهم المسائل، خصوصًا في هذا الزمن، هذا الزمن انتشرت فيه المفاسد الأخلاقية بشكل رهيب جدًّا، وعوامل كثيرة ساعدت على انتشار المفاسد الأخلاقية، حتى في أوساط المجتمعات المسلمة تنتشر المفاسد الأخلاقية، وتتزايد حالة انتشارها بشكل سيء وفظيع وخطير جدًّا، يهدد الحالة الأخلاقية، ويهدد الحالة الأسرية في المجتمع.
أولًا: نحن في زمن هناك فيه سعي كبير للأعداء لنشر المفاسد الأخلاقية، وهناك فيه وسائل مساعدة، مثلما حصل في ثورة الاتصالات، في مواقع التواصل الاجتماعي، في أجهزة الاتصالات التي أتاحت حالة من التواصل والتعارف والتلاقي، سهَّلت وصول الناس إلى بعضهم البعض، وسهَّلت لبعض الفاسدين الوصول إلى الآخرين ومحاولة الإغواء لهم والإغراء لهم والتأثير عليهم.
أيضًا، كثرت حالة التبرج، وقلة الانضباط في الحشمة في كثير من المجتمعات، وحالة التبرج وإبراز الزينة والمفاتن والإغراء حالة سلبية ومدمِّرة في الساحة العالمية- اليوم- بشكل عام.
حالة الاختلاط بشكل فوضوي، والعلاقات المنفلتة بين الرجال والنساء، وهذه تمثِّل إشكالية كبيرة جدًّا تصل بالبعض من الناس إلى الوقوع في الرذيلة والفاحشة -والعياذ بالله- عوامل كثيرة خطيرة جدًّا نهى الله عنها.
الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- جعل من الصفات الأساسية للمؤمنين والمؤمنات هي: السلامة الأخلاقية، الحفاظ على أنفسهم في هذا الجانب، والابتعاد عن الرذيلة والفاحشة، وصون النفس منها، والله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- قدَّم في دينه، وفي كتابه الكريم، وفي التعليمات عن رسوله الكريم ضوابط شرعية تساعد الناس على الالتزام والتقوى، وتحصِّن المجتمع الإسلامي، وتحفظ الساحة الإسلامية، وتساعد الإنسان على السلامة النفسية والأخلاقية.
الضوابط الشرعية في غاية الأهمية، الضوابط الشرعية لا يجوز التنكر لها؛ أولًا: باعتبارها توجيهات من الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- لا يملك أحد حق الاعتراض عليها، وإذا جئنا إلى التصنيف من المصيب ومن المخطئ، فالمصيب هو الله بالتأكيد، إذا أنت عندك وجهة نظر تجاه الضوابط الشرعية: تعتبرها غير ضرورية، وغير مهمة، فأنت أنت المخطئ، الله هو أعلم منك، الله هو أكثر خُبرًا منك بالنفسية البشرية، والواقع البشري، والطبيعة الإنسانية، الله هو الأعلم -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وأنت لا تمتلك النظرة الكافية تجاه هذه المسألة، تجاه النفس البشرية، تجاه الواقع البشري، تجاه المجتمع الإنساني.
الغريزة الجنسية بين الضوابط الشرعية والمفاسد الأخلاقية
لاحظوا، الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- خلق في الإنسان الغريزة الجنسية، وجعل هذه الغريزة وسيلة للتناسل؛ حتى يستمر البشر بالتناسل والذرية، ووسيلة- أيضًا– تساعد على أن تمثِّل حالة من الارتباط الأسري ما بين الزوج والزوجة، وسيلة- أيضًا– مساعدة للإنسان، لها أثر إيجابي إذا حرِّكت بالشكل الصحيح في الحلال: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ}، تساعد على أن تسود حالة من العلاقة الإيجابية بين الزوج وزوجته، يسكن إلى زوجته، وتسكن زوجته إليه، يتمتعان جميعًا باللذة والسعادة، يعيشان سويًا في حالة الرغبة، الانسجام، الراحة، يكون لهذا أثر إيجابي نفسي، ويرتاح الإنسان بذلك، في نفس الوقت يرزقهم الله الذرية، يستمر التناسل في واقع البشر، وهذا هو السبيل المحدد شرعًا لهذه الغريزة: الزواج، التحصن الشرعي، بحيث يصبح الإنسان يتحرك بهذه الغريزة، ويلبِّي هذه الغريزة، ويحرِّك هذه الغريزة في الاتجاه الصحيح، الشرعي، المنضبط، يرتاح مع زوجته، يرتاح بها، وترتاح به، ويعيشان سويًا في سعادة زوجية وحياة زوجية طبيعية، [وبكيفهم يعني بدهم يكثرِّوا، بدهم يقللوا،] في الحلال ما يغني عن الحرام، مع أن المفترض أن يحافظ الإنسان على صحته، وينتبه لصحته، يحاول يبقى له ما يساعده في حياته، لكن الإنسان يخطئ خطأ كبيرًا جدًّا، وينزلق انزلاقة فظيعة، سواء رجلًا، أو امرأة، إذا اتجه بهذه الغريزة نحو الحرام، هذه كارثة، هذه طامة، هذه تضرب البنية الاجتماعية التي هي الأسرة، والتي يريد الله للزوج والزوجة من خلال هذه الرابطة أن يكوِّنا أسرة، ويكونا لبنة صالحة في المجتمع، هذه كارثة جدًّا.
أولاً: مفسدة نفسية، نفس الإنسان إذا تدنس– والعياذ بالله- بالجريمة والفاحشة نفسه تتدنس، يفقد زكاء نفسه؛ تصبح نفسه سيئة، خسيسة، منحطة، تفقد الإحساس بالكرامة، تفقد الشعور بالعزة، تفقد الشعور بالقدسية، تفقد الشعور بالقيمة الإنسانية والمعنوية الإنسانية؛ يصبح الإنسان يحمل نفسية منحطة، تافهة، دنيئة، خسيسة، رخيصة، لا تستحي من شيء، لا تتورع من شيء، لا تبالي بشيء، يمكن أن يفعل أي شيءٍ مهما كان دنيئًا، ضربة نفسية رهيبة خطيرة جدًّا.
النفسية البشرية إذا تدنست ساءت، انحطت، أصبحت دنيئة، خسيسة، تافهة، حقيرة، لم يعد عندها معنًى للكرامة، ولا معنًى للعزة، ولا معنًى للسمو، ولا معنًى للشرف، ولا معنًى للعرض، ولا معنًى لأي شيء، تصبح قابلة لأن تفعل أي شيء، مطوَّعة في يد الطاغوت، في يد الشيطان، يمكن أن تعمل أي جريمة، يمكن أن تتحرك في أي اتجاه خاطئ، يمكن أن يكون لها أي موقف سيء في هذه الحياة، هذه مسألة خطيرة جدًّا.
ثانيًا: على مستوى الأمانة، لاحظوا، بالذات عندما تصل المسألة إلى مرحلة الزواج، معنى العفة لا بد منها للجميع، والذي يتعود على الجريمة ما قبل الزواج، يمكن أن يستمر عليها ما بعد الزواج، ويمكن ألَّا يصل إلى مرحلة الزواج إلَّا وقد تدمرت القيمة النفسية والمعنوية والأخلاقية والإيمانية لديه، وفقد إيمانه.
في الحالة الإيمانية: الإنسان يتمتع بنفسية متماسكة، إرادة قوية، واقع نفسي منضبط، والضوابط الشرعية هي التي تساعده على ذلك، مع ما يوفقه الله له ويعينه به، هذه مسالة مهمة جدًّا.
في واقع الحياة الزوجية، الخيانة تدمِّر الحياة الزوجية، كيف يكون شعور امرأة اكتشفت أن زوجها خائنًا، وكيف هو شعور زوج أكتشف أن زوجته خائنة، كارثة، طامة، مصيبة على أيٍ منهما، وخيانة رهيبة جدًّا؛ لأن الإنسان مؤتمن، الزوج مؤتمن أولًا ما بينه وبين الله، والزوجة ائتمنته، وهو كذلك تجاه زوجته يأتمنها، تمثِّل هذه الخيانة خيانة فظيعة جدًّا، جناية كبيرة جدًّا، وشيء رهيب وتدميري، ويدمر العلاقات، ويفكك الأسر، ويحوِّل العلاقة الزوجية إلى علاقة: إما هشة ومتوترة جدًّا، ويشوبها الاستياء البالغ جدًّا، والامتعاض الشديد، والتذمر الشديد، وينعدم فيها: الحب، والتقدير، والوثوق، والاطمئنان؛ وإما تنتهي نهائيًا، خلاص تقرح، تنتهي.
المسألة هذه خطيرة جدًّا، والحديث عنها بات ضروريًا، البعض يقولون لنا: [اتركوا الحديث عن هذه الأمور]. |لا|، ترك الحديث عن هذه الأمور معناه: تتجاهل أشياء تحصل في واقع المجتمع في الساحة العالمية، أصبحت بلية منتشرة في الساحة العالمية، هناك عمل منظم، شبكات دعارة تتبع الموساد الإسرائيلي، وشبكات دعارة تحركها الأنظمة الغربية، والأمريكيون بالدرجة الأولى، الإدارة الأمريكية، المخابرات الأمريكية، باتت أسلوبًا وحربًا في هذا العصر؛ لأن الإنسان الذي يوقع به في الجريمة الأخلاقية يمكن أن يوظف جاسوسًا، يمكن أن يُحرك خائنًا، يمكن أن يفعل أي شيءٍ آخر، خائن، خلاص أصبح خائنًا، إذا تمرس على الجريمة والفساد الأخلاقي يصبح إنسانًا لا قيمة عنده لشيء، ويصبح مطوعًا في أيديهم لفعل أي شيء.
غض البصر وأهميته في الحفاظ على زكاء النفس
الضوابط الشرعية مهمة جدًّا، لا يمكن أن يتحصن المجتمع المسلم إلا بها، الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وجَّه- مثلًا– في سورة النور عدة توجيهات، يقول -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ}، (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ): لا تسكت، لا تقُل: [سابر، إنفتحوا كيف ما جاء، وسابر هذه حضارة]. |لا|، {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: الآية30]؛ ليحافظوا على زكاء أنفسهم، وعلى طهارتهم، وعلى شرفهم، وعلى عفتهم، {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
فإذًا، من أهم ما يساعد على حصانة المجتمع المسلم هو الانتباه للنظر، الغض للنظر، لا تستخدم بصرك للنظر إلى الحرام، لا بشكل مباشر، ولا عبر التلفاز، ولا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولا للمشاهد الفيديو، ولا للمشاهد المصورة بالتصوير الرقمي أو غيره، أحفظ بصرك تحفظ زكاء نفسِك، سواءً مشاهد خليعة، أو مشاهد تبرج، مشاهد التبرج: هي حالة من الإغراء والإغواء والجاذبية للنفس البشرية، والله فطر النفس البشرية لتكون منجذبة إلى حالة الإغراء، أن الرجل بفطرته ينجذب عندما تكون هناك امرأة فاتنة، مؤثِّرة، لكن أراد الله أن تكون هذه الحالة بينك وبين زوجتك، أن تكون حالة الإغراء لك، الميول للرغبة الجنسية لديك إلى زوجتك، ولهذا المطلوب من الزوجة شرعًا، في الشريعة الإسلامية الزوجة مأمورة أن تتزين لزوجها، أن تتجمل لزوجها، أن تسعى إلى أن تكون جذابة لزوجها؛ لأن البعض من النسوان متعودة دايم مع زوجها تكون بين ملابس عادية، لا تتزين، لا تتجمل، فإذا كانت ستذهب للاجتماع بنساء أخريات، أو للجلوس مع نساء أخريات حرصت أن تكون متزينة جدًّا، وأن تتجمل، وأن وأن… هذا غلط، كم هناك من نصوص عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- تحث الزوجة أن تتزين لزوجها، أن تسعى لتكون جذابة لزوجها، مغرية لزوجها، مقنعة لزوجها، مستميلة لزوجها، متحببة إلى زوجها، متوددة إلى زوجها، هذا سيترك أثرًا كبيرًا على الزوج، ويساعده على العفة، وعلى أن يتحصن، وعلى أن يكون بعيدًا عن الانحراف.
المسالة الأخرى في هذه الجانب: في غض البصر عن الحرام، إذا الإنسان يغض بصره عن الحرام، سواءً إذا خرج إلى الشارع لا تكون عيونه وراء النسوان متسمر فيهن، وإلا- كذلك– عبر التلفاز هناك قنوات خليعة، سيئة، يجب أن تقاطع، كل القنوات التي تنشر مشاهد إباحية يجب أن تقاطع، كل مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع في الانترنت التي تنشر مشاهد خليعة وإباحية يجب أن تقاطع، ويحرم شرعًا النظر والمشاهدة للمشاهد الإباحية المصورة؛ لأنها مفسدة، مدمِّرة للنفس والأخلاق، والبعض، بل كثير من الناس هم أصلًا لم يصل بهم إلى التورط في جريمة الفساد الأخلاقي إلا ذلك، يعني: بدأ يرخص لنفسه يشاهد مشاهد مغرية، فاتنة، مؤثِّرة، ثم مشاهد خليعة، ثم في الأخير يسقط، يتورط في الحرام، هذا هو حال تجربة الكثير ممن وقعوا في الرذيلة والفساد الأخلاقي، فرَّطوا أولًا في النظر، في البصر، [والبصر– كما قال عيسى بن مريم -عليه السلام– بريد الزنا]، من لا ينضبط فيه، من لا يلتزم فيه، يدمِّر زكاء نفسه.
{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}، صُن، أحفظ نفسك، في غير الحلال صُن نفسك، احفظ نفسك للحلال، تزوج، {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، ما يمكن تتحيل على الله، ثم الله خبير بما هو أنفع لك بما يحفظ زكاءك، لا تقول: [يا أخي، أنا عارف نفسي ما با اتأثر، شوية أكيف شوية، لكن ما أنا متأثر حتى اتمحق]، إلا با تتمحق، الله هو الخبير بما تصنع، والرقيب عليك، وهو العليم بما يؤثِّر عليك.
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: من الآية31]، كذلك المؤمنات، إذا المرأة هي تتطلع إلى الرجال، تركِّز فيهم، من هو ذلك الوسيم، من هو ذلك الجذاب، من هو ذلك الذي ترى نفسها منشدة إليه (مبهسسة) إلى مشاهد وصور، أو إلى مشاهد- كذلك– إغوائية ومثيرة، فالقضية خطيرة عليها، ستؤثِّر عليها كذلك، أو مشاهد إباحية، أو مشاهد مصورة للجرائم وللفساد الأخلاقي، جرائم الفساد الأخلاقي، أو أي شكل من ذلك، فكل ماله تأثير من: مشاهد إباحية، أو مشاهد إغوائية، أو مشاهد مثيرة، يجب اجتنابه، يجب غض البصر عنه، كل المشاهد المثيرة والمغرية والإغوائية (هذه الإباحية) يجب غض النظر عنها وتجنبها ومقاطعتها.
{وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}، يصنَّ أنفسهن، {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}، للزوج، لا بأس تتزين أمام زوجها، ما تبقي حيلة أما أمام زوجها، ما به مشكلة، وطبعًا يعني الناس ما المطلوب أنه يحتاجوا يتكلفوا في هذا جور، ويشغلوا نفوسهم أربعة وعشرين ساعة وهي خلف المرآة متزين ومتجمل. |لا|، ضمن ومع اهتمامات الحياة الأخرى، مع أمور الحياة الأخرى…إلى غير ذلك.
عمومًا، هذا واحدٌ منها، أيضًا– إلى جانب غض البصر- هناك مسألة العلاقات، التواصلات، التراسلات، هذه مسألة خطيرة، وضوابطها الشرعية يجب أن تراعى، والمسألة فيها خطيرة جدًّا، والبعض وصلوا عبر ذلك إلى الفساد والرذيلة، يجب الانتباه تجاه ذلك والحذر، هذه مسألة خطيرة جدًّا، خطيرة للغاية، ولا بدَّ فيها من الانضباط وتقوى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ونحن في شهر كريم يجب أن يتنبه الناس إلى أن يبنوا أمورهم على تقوى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-.
في حديث عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-: (لَا يَزنِي الزَّانِي وَهوَ مُؤمِن)، يعني: لا يصل إلى هذه الجريمة والرذيلة إلا وقد فقد إيمانه، خلاص، عدو الله، مجرم، فاسق، فاجر، الزنا حالة فجور، الفساد الأخلاقي حالة فجور، والشذوذ- أيضًا– جريمة، الشذوذ أسوأ حتى من الزنا، وأقبح منه، وأعظم جرمًا منه، حالة خطيرة جدًّا على الإنسان.
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5-6]، شيء لا يمس بشرفك، ولا عليك فيه عيب، ولا تأثير نفسي بشكل سلبي، ولا أي شيء، نعمة، الحلال نعمة {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: الآية7]، هذا تعدي، أنت تعديت على شيء يتصل بالآخرين، وتعدي على حدود الله.
يعني لاحظ مثلًا: الإنسان بفطرته أليس هو يحرص على صيانة عرضه، مثلًا: أنت تريد لبنتك العفة والطهارة، أنت تريد لأختك العفة والطهارة، أنت تريد لزوجتك العفة والطهارة، وأن لا تكون خائنة، أنت تريد لقريبتك- بأي صفة كانت- العفة والطهارة، وأن لا تكون خائنة، ولا مجرمة، ولا فاسدة أخلاقيًا، فاحترم نفسك يا أخي، احترم نفسك، لا تسير على بنت الآخرين، المرأة التي تسعى أنت إلى إفسادها، أو الإيقاع بها، هي: إما زوجة رجل، أو أخت إنسان، أو بنت إنسان، أو تنتمي إلى أسرة أخرى، أنت تخدش شرف وكرامة تلك الأسرة بكلها، تعتدي على تلك المرأة في شرفها وكرامتها، وتعتدي على شرف أسرة بأكملها، تذكر بنت الناس شرفها شرف الناس الآخرين، كرامتها كرامة الناس، مثلما أنت غيور على بنتك، الآخرون- كذلك– لا تعتد على بناتهم، مثلما أنت غيور على أختك، لا تعتد على أخت أي إنسان آخر، مثلما أنت غيور على زوجتك، لا تعتد على زوجة أي إنسان آخر، جريمة فظيعة وقبيحة وشنيعة.
ثم أنت تتعدى حدًا من حدود الله التي عقابها في الوعيد القرآني هو النار، الله يقول: {وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان: من الآية68-69]، يهينك الله في جهنم على هذه الجريمة، قضية خطيرة يجب أن يتحصن الناس منها، وأن يلاحظوا الضوابط الشرعية التي تساعد على العفة، على الحصانة، على الشرف، على السمو.
لا يتسع الحديث لاستكمال بقية الآيات، إن شاء الله نستكملها فيما بعد.
نسأل الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن يوفقنا وإياكم لأن نكون من عباده المتقين، المؤمنين، الصالحين، الطاهرين، العفيفين، وأن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، أن ينصرنا بنصره، أن يرحم شهداءنا الأبرار، أن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛