كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة يوم القدس العالمي 23 رمضان 1439هـ
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
شعوبنا الإسلامية في موعدٍ يوم غدٍ الجمعة مع مناسبة يوم القدس العالمي، الذي دعا الإمام الخميني -رضوان الله عليه- الأمة الإسلامية كافة، والمسلمين في كافة أقطار الأرض إلى إحيائه كيومٍ للقدس؛ بهدف الحفاظ على القضية حيَّةً في وجدان الشعوب، وبهدف- أيضًا– إحياء الشعور بالمسؤولية تجاه هذه القضية، وبهدف السعي لتنمية الوعي وترسيخه تجاه طبيعة الصراع وما يشكِّله العدو الإسرائيلي من خطورةٍ على الأمة.
وقضية الأقصى والمقدسات وفلسطين شعبًا وأرضًا هي تعنينا كأمةٍ إسلامية بشكلٍ مباشر، وموقع القضية يعبِّر عنه يوم القدس الذي اختاره الإمام الخميني -رضوان الله عليه- في شهر رمضان، في آخر جمعةٍ من شهر رمضان، ليكون ذلك بنفسه معبِّرًا عن أهمية هذه القضية، وعن موقعها، وعن مرتبتها في سلَّم المسؤوليات، وعن طبيعة هذه المسؤولية باعتبارها مسؤوليةً إيمانيةً دينية، تتصل بمسؤولياتنا الدينية وبالتزامنا الديني، وجزء من مسؤولياتنا وواجباتنا التي فرضها الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- فهي فريضة دينية، والتفريط بها خلل كبير في التزامنا الديني والإنساني والأخلاقي.
وعندما نعود إلى هذه المسألة ونتأمل جيدًا، ندرك الأهمية الكبرى لإحياء هذا اليوم، والثمرة المهمة لإحياء هذا اليوم، وقد بات الصراع مع العدو الإسرائيلي ومع الأمريكي، بات موقع القضية هذه: الأقصى والمقدسات وفلسطين شعبًا وأرضًا، بات عنوانًا، وعلامةً فارقة، ومعلمًا أساسيًا لطبيعة هذا الصراع مع ألد أعداء الأمة، مع قوى الطاغوت والاستكبار، وبات عنوانًا رئيسيًا في هذا الصراع، له كل هذه الأهمية.
ونحن اليوم معنيون كأمةٍ إسلامية، وبالذات ونحن في مرحلة حسَّاسة واستثنائية ومصيرية، وفي ظل تصاعد في هذا الصراع، وبلوغه إلى مستويات كبيرة وحادة، معنيون بالسعي الدؤوب لأن نستوعب بشكلٍ كبير كل ما نحتاج إليه، ونحن نخوض معركة الوعي أولًا في هذا الصراع.
الأمة الإسلامية تعاني من حالة تشويش كبيرة، وحالة تضليل غير مسبوق، وحالة إلهاء رهيبة، تهدف إلى إبعاد الأمة عن هذه القضية، وتهدف إلى حرف بوصلتها، وإلى التأثير عليها وإنسائها، وإلى إبعادها عمليًا عن الاهتمام بهذا الموضوع نهائيًا، وهذا نفسه جزءٌ من الصراع وجزءٌ من المعركة القائمة، فأعداء الأمة يتجهون بكل جهد إلى أن لا تمتلك الأمة الوعي اللازم، الوعي الصحيح، الفهم الصحيح عن طبيعة هذه المعركة، وعن حقيقة هذه القضية، وعما تعنيه، وعما يترتب على التفريط بها والإخلال بها من نتائج خطيرة جدًّا تمتد إلى واقع الأمة بكله.
فلسطين.. عنوان لكل المسلمين وللإنسانية جمعاء
القضية الفلسطينية اليوم ليست قضيةً منفصلةً خاصةً بقطرٍ معين، وهي في أبعادها، في خطورتها، في أهميتها لا تتعدى هذا القطر، ونظرتنا كأمة إسلامية، نظرتنا كمسلمين- من العرب ومن غير العرب- كمسلمين يجمعنا هذا العنوان، وحتى كبشر، في موقعها الإنساني كأكبر مظلومية قائمة لها أمد بعيد، أمد طويل، زمن طويل، نحن معنيون أن ننظر نظرة صحيحة إلى هذه القضية إلى أنها تعنينا من كل الجوانب والأبعاد.
موقع الأقصى الشريف والمقدسات في فلسطين، والأقصى الشريف هو مسرى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو معلمٌ مقدسٌ من مقدسات هذه الأمة، وهناك مقدسات أخرى، إِلَّا أنه في طليعتها، والأهم فيها، والله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- حينما قدَّم الربط في كتابه الكريم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى من خلال عملية الإسراء، التي أسرى فيها بنبيه، وفي الآية المباركة: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى}[الإسراء: من الآية1]، هذا الربط بين المَعْلَمَين المقدَّسين في المسجد الحرام والمسجد الأقصى له دلالة مهمة، يجب أن تكون حاضرة في وجدان الأمة، وفي وعي الأمة، وفي اهتمام الأمة.
ونحن لو أتينا لنفرِّط بهذا المَعْلَم المقدس والعظيم، معناه: أن الأمة مهيأة للتفريط بأي شيءٍ آخر من مقدساتها، بأي مَعْلَم آخر من مقدساتها، والمقدسات مسألة هامة في الاعتبار الديني، إذا سقطت من واقع اهتمام الأمة معناه أن الأمة تعيش أزمة حقيقية في وعيها الديني، في التزامها الديني، في هويتها الدينية، في انتمائها الديني، في التزاماتها الدينية، ومعناه أن الأمة تفرِّط بأهم ما يمكن أن يجمعها، وأن يوحِّد صفها، وأن يجمع كلمتها، وبعاملٍ رئيسيٍ يمكن أن تعتمد عليه كدافعٍ لها نحو القيام بمسؤوليتها، ونحو مواجهة الأخطار والتحديات.
الأمة إذا فرَّطت بقضاياها المهمة، وبمقدساتها، وبمبادئها، وبما يعبِّر عن هويتها وعن إيمانها… معناه: أنها باتت أمة ضعيفة، منتهية، وتفرغت من حالة الوعي والإيمان والمبادئ والقيم، وكل ما يعبِّر عن أشياء أساسية، الأمم إذا تركتها، إذا تخلت عنها انتهت واندثرت وتلاشت، وباتت بدون هوية، بدون أسس، بدون مقومات تحفظ لها وجودها، وتعبِّر عن مشروعها، وعن هويتها، وعن ما يتصل بمبادئها وقيمها.
فلسطين.. منطلق الاستعمار للهيمنة على العالم
اليهود أنفسهم هم سعوا إلى أن تكون مسألة المقدسات والمقدس، والعقيدة الدينية، والمبدأ الديني، أن تمثِّل بالنسبة لهم قاعدة ومنطلقًا رئيسيًا يتحركون من خلاله لاحتلال فلسطين، والغرب ساندهم في ذلك، بدءًا من البريطانيين الذين كان لهم دور رئيسي جدًّا في ذلك، ثم ورث هذا الدور الأمريكيون، وكان في كل مراحل التاريخ وفي كل المحطات منذ بداية الحركة الصهيونية وإلى اليوم هناك دور آخر أيضًا يتسع ليشمل عددًا من دول الغرب ومن الدول الأوروبية بشكلٍ عام.
فهذه القضية لها أهمية استراتيجية، قضية ارتباط الأمة بها يعني تماسكها والتفافها نحو عملية جامعة، نحو قضية جامعة، نحو مبدأ رئيسي، نحو مسألة تعبِّر عن هويتها، عن دينها، عن مبادئها، عن قيمها، فلها هذه الأهمية الكبيرة، والتفريط بها يشكِّل خطورة كبيرة جدًّا، يؤدِّي إلى أن نصبح أمة لا تجمعها قضية، ولا يحفزها أي شيء مهما كان عظيمًا، مهما كان مقدَّسًا، مهما كان مهمًا، بالتالي نصبح أمة جاهزة للتخلي عن كل قضاياها، عن كل اهتماماتها، وأمة مطوَّعة، وفريسة سهلة لسيطرة أعدائها عليها.
ثم أصبحت قضية الأقصى والمقدسات وفلسطين شعبًا وأرضًا عنوانًا ومَعْلَمًا أساسيًا للصراع مع قوى الطاغوت والاستكبار، متمثِّلةً في أمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهما.
الهدف الأخطر الذي تسعى له قوى الطاغوت
والصراع اليوم صراع كبير وخطير ومهم وحسَّاس، والمسألة فيه ليست مسألة قطعة أرض يتصارع عليها البشر، كلٌ يريد أن يستحوذ عليها، واحد من المسائل هو هذه المسألة، واحدة من نتائج هذا الصراع أن يسيطروا على الأرض، ولكن المحور في هذا الصراع الذي يتركز حوله هذا الصراع هو أوسع وأشمل وأعمق وأبعد وأكثر حساسية وأهمية، قوى الطاغوت والاستكبار هي تسعى إلى السيطرة علينا كأمة، السيطرة على هذا الإنسان بنفسه، والسيطرة على أرضه ومقدراته، والسيطرة التامة، تصبح السيطرة الجغرافية جزءاً من العملية، وليست كلها، ونحن نشاهد اليوم في ساحتنا الإسلامية أن المساحة الأوسع في الاحتلال والسيطرة هي السيطرة على الإنسان، السيطرة الجغرافية لا تزال لحد الآن محدودة، ويمكن للأمة أن تسعى لاستعادتها، وإذا توفرت العناصر الرئيسية التي نحتاج إليها لتحمل هذه المسؤولية فمن السهل جدًّا أن نتدارك ما فرَّطت فيه الأمة في السابق، وأن نستعيد كل جزءٍ من أرض أمتنا، ولكن الجانب الأهم والأوسع والأكثر حساسية هو الساحة الإنسانية، الساحة البشرية نفسها، العدو يسعى وحقق نتيجة لا بأس بها- إلى حد الآن- في احتلال الإنسان نفسه: احتلال فكره، احتلال ثقافته، احتلال نفسيته، التطويع لهذا الإنسان، والسيطرة عليه، والاستغلال له، والاستعباد له، وهذه في ثقافتنا القرآنية الإسلامية الدينية مسألة في غاية الأهمية، الطاغوت هذه هي المشكلة معه أنه يسعى دائمًا، الطاغوت والاستكبار يسعى إلى هذه السيطرة على الإنسان، والاستعباد له، والاستغلال له، استغلال له في نفسه، وفي أرضه، وفي مقدراته، وفي ثروته… وفي كل شيء، وهذه هي حالة الاستعباد، والقرآن الكريم والدين الإسلامي العظيم هو في أول ما يقدِّمه لهذا الإنسان أن يحرره في نفسه، وفي فكره، وفي واقع حياته، وبالتالي يتبع ذلك أرضه، ثرواته، مقدراته، إمكاناته، ما أعطاه الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وما خوَّله فيه، أن يحرره من سيطرة الطاغوت واستغلاله واستعباده واستحواذه، وهذه تمثِّل رحمة عظيمة بهذا الإنسان، وقيمة عظيمة لهذا الدين، قيمة عظيمة للقرآن الكريم، قيمة عظيمة للرسالة الإلهية.
ونحن نرى اليوم في ساحتنا الإسلامية من تمكَّنت قوى الطاغوت والاستكبار من السيطرة عليهم في أنفسهم، في موقفهم، في ثقافتهم، في اتجاههم، كيف أصبحوا في حالة عبودية بكل ما تعنيه الكلمة، وفي حالة من الاستغلال السيئ جدًّا والمهين والمخزي، كأدوات خانعة يتحكم بها الطاغوت والاستكبار، ويحركها كيفما شاء وأراد، ويستغلها، فأصبحوا في أنفسهم خولًا وعبيدًا، وأصبحت إمكاناتهم، وما بأيديهم، وما تحت هيمنتهم من الإمكانات أصبحت كلها في خدمة الطاغوت، وفي خدمة الاستكبار الذي نجح في تحقيق ذلك، وفي الحصول على ذلك.
نحن كأمة إسلامية نرى بكل وضوح– من يتأمل في الساحة اليوم- أنما تسعى إليه أمريكا، وما تسعى إليه إسرائيل هو هذا: السيطرة علينا في هذه المنطقة، والسيطرة على العالم، طموح الأمريكي هو السعي للسيطرة على بقية العالم البشري، بقية المجتمع البشري، والسعي للسيطرة على كل ما تحت هذا المجتمع البشري من مقدرات وثروات وخيرات، والاستغلال له، والسيطرة عليه، والاستحواذ عليه، والاستعباد لهذا الإنسان في أي بقعةٍ من بقاع المعمورة هذه، إنما في صدارة الموقف نحن كأمة إسلامية في المنطقة العربية في المقدمة؛ لاعتبارات هامة جدًّا تتعلق بحساسية وأهمية هذه البقعة الجغرافية، والحساسية تجاه مبادئ وعقائد هذه الأمة، التي لو عادت إليها بوعي يمكن أن تكون، بل لا شك أنها ستكون مبادئ تحررية، تحرر هذه الأمة، وتفيد في تحرير بقية الشعوب وبقية أبناء البشرية.
نحن عندما ننظر إلى المسألة من هذا المنظور ندرك- أيضًا- قيمة هذه المعركة وقيمة الموقف فيها، وأن المسألة مسألة هوية وحرية واستقلال، ونحن نخوض هذه المعركة من هذه المنطلقات الرئيسية، ونرى فيها معركةً مصيرية، إذا فرَّطنا فيها فرَّطنا بحريتنا واستقلالنا وهويتنا، وخضعنا لحالة من الاستعباد، والمسخ لهذه الهوية، والتطويع والتغيير الذي يساعد على تدجيننا وتحويلنا إلى أمة خانعة لأعدائها، وإلى مجرد قطيع من البشر، ليس له في هذه الحياة من دور، ولا من رسالة، ولا من قيمة، إلا أن يؤدي خدمةً لعدوه، وأن يشتغل ويتحرك في كل ما يمثِّل خدمة لذلك العدو، هذا ما يسعى إليه الصهاينة، هذا ما يسعى إلى الأمريكيون، هذا ما تسعى إليه قوى الطاغوت والاستكبار، المسألة هي هذه بكل ما تعنيه الكلمة، ولها كل هذه الأهمية، ولهذا هي تتجه إلى المنطقة بكلها، وما أرادوا من فلسطين إلا أن تكون قاعدةً ومرتكزًا لهذه الانطلاقة التي تتجه إلى المنطقة بكلها، وكل أبناء الأمة هم مستهدفون في هذه المعركة، وتتجه إليهم قوى الطاغوت بكل مؤامراتها، وبكل مشاريعها وأنشطتها العملية الشاملة، وتتحرك لتحقيق هذا الهدف تحت كل العناوين.
القرآن الكريم نور يكشف ظلمات الباطل
من أهم ما في القرآن الكريم أنه يقدِّم لنا ما يساعدنا، وهو كتاب الله الذي جعله نورًا وفرقانًا وبصائر، وإذا كان هذا النور وهذا الفرقان وهذه البصائر لا تقدِّم لنا ما يساعدنا في ظل معركةٍ كهذه، في ظل تحدياتٍ كهذه، في ظل أخطارٍ كهذه، في ظل واقعٍ كهذا، بكل ما فيه، بكل ما يشكِّله من خطورة بالغة علينا كأمةٍ إسلامية، وعلى البشر من حولنا بشكلٍ عام، إذا كان لا يفيدنا في ذلك، فمعناه أنه لا يستحق أن يوصَّف بهذا التوصيف، وأن يكون له كل هذه الأسماء وكل هذه العناوين، ولكن- فعلًا– هو نور الله الذي يجلِّي كل الظلمات، والذي يكشف كل الظلمات، وهو البصائر التي تفنِّد كل الباطل وكل الضلال، ويقدِّم لنا الحقيقة تجاه كل عملية التلبيس والتضليل التي تمارسها قوى الطاغوت والاستكبار، متمثِّلةً بأمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهما.
عندما نعود إلى هذا الكتاب المقدس، إلى هذا النور، إلى هذه البصائر كم فيه من آيات تحدثت عن هذا الفريق من أهل الكتاب الذي يشكِّل خطورة بالغة على البشرية بكلها، بل حتى على بقية النصارى، على الناس بكلهم، هو اتجاه يمثِّل شرًا كبيرًا على البشرية بكلها، اتجاه يمثِّل الطغيان، هو الامتداد للتحرك الشيطاني بكل أساليبه، بكل اتجاهاته: في عملية التضليل، في عملية الإفساد، في عملية الفتن، في عملية الطغيان، في عملية الظلم والقهر والاستعباد والإذلال، كل العناوين الشيطانية التي يتحرك الشيطان فيها بعدائيته للبشر هم امتدادٌ له في التحرك فيها، وهذه هي الحالة الصحيحة، وهذا هو التوصيف الصحيح لهذا الصراع في جذوره وأبعاده وعناوينه الحقيقية ومساراته الفعلية، ولو أن العدو يسعى بكل جهد- وكما قلنا كجزء من المعركة- إلى أن يطبع هذا الصراع بطابعٍ آخر، وأن يقدِّم له عناوين أخرى، وأن يقدِّم له تفسيرات أخرى، وأن يقدِّم له تبريرات أخرى، وأن يقدِّم له أيضًا، ويصنع له- أيضًا- امتدادات يسعى من خلالها إلى فصل ذهنية الأمة عن حقيقة هذا الصراع ومآلاته، وما يشكِّله من خطورة علينا كأمة إسلامية، وعلى البشر من حولنا.
القرآن الكريم كم تحدث عن هذا الفريق من أهل الكتاب، أنهم يسعون في الأرض فسادًا، أنهم أشد الناس عداوةً للذين آمنوا، أنهم يتجهون لتضليل الأمة وتضليل البشرية بكلها، وعندما يقول عنهم أنهم يسعون في الأرض فسادًا، هذا يعبِّر عن هذه الخطورة التي يشكِّلونها على الواقع البشري بكله، وعلى مختلف أمم الأرض بمختلف دياناتها وتوجهاتها، هم مصدر ضلال، مصدر شر، ومصدر باطل، ومصدر خطر، ومصدر فساد يستهدف البشرية بكلها، ثم هم يحاولون أن يطبّعوا الآخرين بهذا الطابع، فيأتون لإطلاق هذه المسميات والعناوين على الآخرين، يصفون الآخرين بأنهم مثلث الشر، أو مصدر الشر، أو غير ذلك من المسميات، أو الإرهاب كما صنعوا مؤخرًا في التركيز على هذا العنوان ورفعه، ليطلقوه على من يحلوا لهم، على من يشاءون ويريدون، وهم يحاولون أن يقدِّموا أنفسهم كجهة خير في هذه الدنيا، للتلبيس، وللتضليل، وللخداع، وجهة يرسِّخون في الذهنية العامة، على أنها الأجدر بقيادة البشرية، وأن هيمنتها وسيطرتها وتغلبها على الواقع البشري جزءٌ من إصلاح هذا الواقع البشري، ولتعميم حالة الخير فيه، ولإصلاح واقع هذا المجتمع البشري، والناس يرون بأم أعينهم أنه كلما اتجهت قوى الطاغوت والاستكبار، متمثِّلةً في أمريكا وإسرائيل، إلى تعزيز سيطرتها واستحكام هيمنتها على العالم، وعلى أي بقعة في هذا العالم، إنما تأتي معها بالفتن، إنما تأتي لتمارس الظلم والقهر والاستعباد، إنما تأتي بالخراب والدمار والظلم والطغيان والمفاسد، إنما تسحق شعوب هذه المنطقة، ومعركتها واضحة، وأفعالها وتصرفاتها واضحة وبينة، والمشاهد الدموية والمأساوية والكارثية التي نشاهدها في التلفاز في كل بقعة من بقاع عالمنا الإسلامي إنما هي نتاجهم، إنما هي آثارهم، إنما هي مخططاتهم، إنما هي مؤامراتهم، إنما هي نتائج ما يسعون لفعله وتحقيقه في منطقتنا وفي العالم من حولنا.
فلسطين عنوان للصراع الواسع الشامل
هذه هي حقيقة هذا الصراع، ولهذا باتت قضية الأقصى وفلسطين باتت عنوانًا لهذا الصراع الشامل، لهذا الصراع الواسع، لهذا الصراع الذي يستهدفنا كل هذا الاستهداف، بكل هذه الأهداف، ويسعى إلى الاستحواذ على كل شيء، الاستحواذ عليك كإنسان، يحتل فكرك، يحتل توجهك، يطوِّعك، يجعلك عبدًا مستغلًا خادمًا له في هذه الحياة، وجودك في هذه الحياة ليس له أكثر من هذا المعنى، ولا يمتلك أكثر من هذا الدور، وهذا ما لا يمكن أن نقبل به نحن كمسلمين، كأمة مسلمة، ثقافتنا، بل الكثير من البشر لا يتقبل بذلك بفطرتهم الإنسانية، الإنسان توَّاق بفطرته التي فطره الله عليها للحرية، للكرامة، للعزة، للسعي للحفاظ على مصالحه الحقيقية، ويتجه للدفاع عن نفسه، لمواجهة أعدائه، من يسعون إلى إلحاق الأذى به، من يشكِّلون خطورة عليه، هذه مسألة فطرية، ولهذا هناك أمم أخرى في الأرض تسعى لأن تبني نفسها لأن تكون ممتنعة ومتحصِّنة من هذه الحالة من الاستعباد والهيمنة والاستحواذ والقهر.
عندما نأتي لنتأمل هذه المرحلة ما يجري في بقية المنطقة، ما يجري عندنا في اليمن هذا العدوان الذي نحن نعاني منه في العام الرابع، ما يجري في مناطق أخرى في المنطقة، سواءً ما يجري في البحرين، أو ما يجري في بلدان أخرى, كل المظالم القائمة في المنطقة، وكل الواقع التي تعيشه المنطقة في أزماته السياسية، ومشاكله الاقتصادية، إنما هي في جوهرها، في حقيقتها، امتداد لهذا الصراع وجزءٌ منه ولا تنفصل عنه، ولهذا لا يمثِّل تجاهل الكثير من أبناء الأمة للقضية الفلسطينية، بمسألة القدس والأقصى، وفلسطين شعبًا وأرضًا، التجاهل لذلك لا يمثِّل حلًا للأمة، لا يجعل الأمة بمعزل عن المشاكل. لا، حتى لو كان سيمثِّل حلًا لهذه الأمة أن يسكت عنها أعداؤها، لا يمكن أن يكون هذا مقبولًا في التزامات هذه الأمة ومسؤوليتها الإنسانية والدينية والأخلاقية، ولكن حتى مع ذلك المشكلة تشكِّل خطورة بالغة على الأمة بكلها، وتمتد إلى الأمة بكلها.
ما يجري في بقية المنطقة هو جزءٌ أساسيٌ من هذا الصراع، والمشكلة فيه هي حركة النفاق، ونحن سنوصف بالتوصيف القرآني الحق، والذي له أهمية كبيرة جدًّا، ويجب أن تعود إليه الأمة، كما نكرر في كثيرٍ من كلماتنا ومواقفنا؛ لأنها أمة القرآن، ماذا يعني أن تنتمي إلى هذا الكتاب، إلى هذا الدين، إلى هذه الرسالة، ثم تتنكر لتلك التوصيفات والتسميات والمواقف التي عبَّر عنها القرآن الكريم، هذا يسهِّل لتلك القوى أن تتحرك وهي بمعزل عن ذلك العار الذي قد تقلدته بخيانتها للأمة.
حركة النفاق.. امتداد لقوى الاستكبار
حركة النفاق في هذه الأمة هي التي يستفيد منها اليوم الطاغوت والاستكبار، ليجعل منها أداةً تعمل لصالحه، لتنفيذ الكثير من أجندته ومؤامراته في داخل هذه الأمة، وما تفعله، وما تعمله، وما تتحرك فيه، ولو اختلفت العناوين وتعددت، إنما هو- في نهاية المطاف- يمثِّل أجندة حقيقية ومؤامرات مؤكَّدة لخدمة قوى الطاغوت والاستكبار.
فالعدوان على اليمن، والقمع للشعب البحريني، والمشاكل في بقية المنطقة، ما حدث في سوريا، وما حدث في العراق، وما تستهدف به دول المنطقة بكلها، بكل المستويات والأشكال، وتحت كل العناوين، من قوى معينة محسوبة على هذه الأمة، من أنظمة تقدِّم نفسها على أنها جزء من هذه الأمة، بل تحاول أن تقود هذه الأمة، وأن تستحوذ على القرار في داخل هذه الأمة، إنما هو يمثِّل امتدادًا لأجندة ومشاريع قوى الطاغوت والاستكبار، إنما يخدم أمريكا وإسرائيل، ويصب في مصلحة أمريكا وإسرائيل.
وارتباط النظام السعودي والنظام الإماراتي بأمريكا اليوم، وعلاقتهما بإسرائيل، بات يتجه ويصب في هذا الاتجاه، بات جزءًا من العملية الاستهدافية لهذه الأمة، بات جزءًا من المعركة التي تستهدف هذه الأمة، بات جزءًا رئيسيًا من هذا النشاط الذي يهدف إلى تطويع هذه الأمة، وإخضاعها بالكامل لصالح أمريكا وإسرائيل، لصالح الطاغوت والاستكبار الذي يعمل على طمس هويتنا، وإلى استعبادنا، وإلى استغلالنا، وإلى السيطرة التامة علينا، والاستحواذ الكامل علينا؛ لنكون عبيدًا وخولًا، ولتكون أموالنا وثرواتنا ومقدراتنا وأوطاننا ثروةً وغنيمة لذلك العدو.
هذا هو التوصيف الحقيقي والصادق والحق لكل ما يجري من أحداث، أما كل العناوين الأخرى ليست إلا عناوين للخداع، وكجزء- أيضًا- من المعركة، تساعد على تفتيت هذه الأمة، على بعثرة هذه الأمة، على إضعاف هذه الأمة، على استنزاف هذه الأمة، لما يحقق تلك الأهداف.
موقف القرآن الكريم من الولاء لأعداء الأمة
القرآن الكريم حرَّم ومنع منعًا باتًا في موقفه الديني وإلزامه الديني من الولاء لأعداء الأمة، من الولاء لذلك الفريق: فريق الشر، فريق الخطر من داخل أهل الكتاب، الذي يشكِّل خطورة كبيرة على بقية أهل الكتاب، وعلى البشرية بكلها، ولكنه يشكِّل خطورة رئيسية على هذه الأمة الإسلامية، التي يرى في عقائدها العظيمة والمهمة عقائد تحررية، تحرر الأمة، تحرر البشرية من الطاغوت، تحرر هذا الإنسان، وتحمي هذا الإنسان، وتحصن هذا الإنسان في نفسه وفكره وسلوكه وأخلاقه ومسار حياته، وهذه تمثِّل مشكلة جوهرية ورئيسية مع قوى الطاغوت، التي تجعل ضمن أساليبها الرئيسية في الاستحواذ على هذا الإنسان السيطرة على فكرة، التأثير عليه في سلوكه، التأثير عليه في مسار حياته، التوجيه له في نشاطه ومساره في الحياة وفق ما يخدمها ويحقق أهدافها.
القرآن الكريم حين قال في آيةٍ مهمة: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، بعد أن نهى نهيًا صريحًا واضحًا عن الولاء لهم، عن الارتباط معهم في هذه الأجندة والمؤامرات ضد هذه الأمة، عن هذه العلاقة التي نراها اليوم في طبيعة الارتباط للنظام السعودي والارتباط للنظام الإماراتي بأمريكا وإسرائيل، هذا هو الولاء الذي حرَّمه القرآن، هذا هو الولاء الذي يمثِّل خيانة للأمة، هذا هو الارتباط الذي يشكِّل خطورة كبيرة جدًّا على الأمة في كل شيء؛ لأنه يتيح المجال لنشاط عدائي من داخل الأمة، من وسط الأمة، من واقعها الداخلي، تحت عناوينها، تحت أسمائها، يشكِّل خطورة كبيرة على هذه الأمة في التفرقة بينها، في إضعاف موقفها، في استنزافها، في أشياء كثيرةً جدًّا، وحالة من التلبيس.
الكثير من الناس لم يحظوا بالوعي القرآني اللازم، لم يتحصنوا بالثقافة القرآنية، ولم يحملوا حالة الوعي تجاه الواقع القائم: الواقع العالمي، والواقع الإقليمي، والواقع المحلي من حولهم، زمن طويل من التدجين والتضليل والتلبيس لعبت فيه أنظمة السوء وأنظمة الجور أسوء لعبة، ولعبت بهذا الإنسان ودجَّنته وهيأته، وعندما أتت هذه المرحلة الحسَّاسة والمحورية والمصيرية في تاريخ الأمة كان الكثير من الناس في حالة غفلة وتيه وينقصهم الكثير من الوعي فأثَّرت فيهم العناوين التي رُفعت للخداع، عناوين الفتنة المذهبية والطائفية، عناوين قومية حُرِّكت في غير مسارها الصحيح للتلبيس فقط وللخداع، عناوين مناطقية، عناوين وعناوين كثيرة تحركت في الساحة مدعومة، ولكنها تحقق لهم مصالح فعلية، قال الإسرائيلي: أنها تمثِّل مصالح له، ألم يقل الإسرائيلي أن العدوان على اليمن يمثِّل مصلحةً له، وما يقوم به النظام السعودي في عدوانه على اليمن يمثِّل مصلحةً مشتركةً بينه وبين النظام السعودي؟! بلى قال ذلك، وبات ذلك واضحًا.
ضرورة الوعي لمواجهة حركة النفاق
اليوم نحن معنيون بأن نحمل الوعي تجاه المسار التخريبي والسلبي لحركة النفاق في الأمة، ولحركة كل الذين في قلوبهم مرض من أبناء الأمة، الذين يتحركون في نشاطهم، في مساعيهم، في مؤامراتهم، في أجندتهم، وفق ما يحقق خدمة حقيقية وواضحة لإسرائيل وأمريكا، وباتوا اليوم مكشوفين أكثر، وواضحين أكثر، وبينين أكثر.
النفاق في القرآن هو هذا الولاء، هو هذا الارتباط بأعداء الأمة، وتقديم هذه الخدمات لهم، والعداء للأمة، في مقابل اتخاذ أولئك أصدقاء، أليست اليوم أمريكا صديقة لهم بشكلٍ صريحٍ وواضح؟! وأكثر من صديقة، هي سيدتهم، هي قائدتهم، أليست إسرائيل صديقة وحليفة لهم وبشكلٍ واضح، أليسوا يتجهون بكل عدائية إلى أبناء الأمة، وإلى اتجاهات واضحة من أبناء الأمة وبشكل صريح وواضح، أمريكا وإسرائيل أصدقاء لهم، واتجاهات أخرى من أبناء الأمة عدوة لهم، يعادونها ويستهدفونها بكل ما يستطيعونه، وكجبهة مرتبطة بأمريكا وإسرائيل، الموقف موحد، والاتجاه واحد، والمسار واحد، فالسعودي هو في نفس المسار الأمريكي، وضمن الموقف الأمريكي، المصطلحات واحدة، العناوين واحدة، والموقف والاتجاه واحد، النظام الإماراتي تجد نفس الاتجاه: من تعتبره أمريكا عدوًا، من تسعى أمريكا إلى محاربته، من تطلق تجاهه عناوين وتبريرات، يتخذون نفس الموقف، ويطلقون نفس العناوين، ونفس التبريرات، يتحركون في نفس الاتجاه، بكل ما في ذلك: العناوين، الأسماء، الأساليب… وهكذا، حركة واحدة، اتجاه واحد، موقف واحد.
هذا ما يجب أن نعيه جيدًا؛ حتى لا ينخدع البعض من الناس بالعناوين الثانوية والهامشية والتبريرية، فإذا أتى العنوان المذهبي، وإذا أتى النظام السعودي ليحرك البعض في استهداف حركات المقاومة، أو في استهداف شعوب هذه الأمة، هذا الشعب، أو هذا الشعب من أبناء الأمة، تحت عنوان طائفي ومذهبي، ليقول: [رافضة، وكفَّار، ومجوس]، لنفهم أن المسألة ليست كذلك، المسألة أن الهدف الرئيسي إخضاع هذا الشعب لأمريكا وعملاء أمريكا، وتفتيت هذا البلد لصالح استحواذ إسرائيل وسيطرة إسرائيل، لنفهم الأمور بحقائقها، إذا أتى ليرفع عنوان القومية العربية، والعروبة، ومحاربة الفرس، ومحاربة مدري ما هو ذاك، والكلام حول هذه العناوين، لنعرف أن المسألة ليست كذلك أبدًا، المسألة معاداة من تعاديه أمريكا، فإيران كبلد إسلامي، والشعب الإيراني كشعب مسلم يُعَادَى لماذا، ويُستهدَف لماذا؟ لأنه لم يخضع لأمريكا، ولم يخضع لإسرائيل، ولأنه يتبنى قضايا الأمة الكبرى، ويقف إلى جانب الشعب الفلسطيني والمقاومة اللبنانية، هذه هي المشكلة الحقيقية، وليس في إسلامنا أن نعادي قومًا معينين لعرقهم، أو لاختلاف لغتهم، هذا ليس من الإسلام في شيء، هذا هو من العناوين الجاهلية غير المقبولة، وأما أن يأتي أحد ليكفِّر شعبًا مسلمًا بكله، فهذه إساءة، وهذه جناية لخدمة أمريكا.
أصل القضية وحقيقتها هو: أن الشعب الإيراني يُعَادَى لهذين السببين: كشعب حر لم يخضع للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، ويساند الشعب الفلسطيني، وحركات المقاومة في فلسطين، وحركات المقاومة في لبنان، وحزب الله اللبناني، هذه هي المسألة بحقيقتها.
الشعب اليمني يُستَهدف لماذا؟ لتوجهه الحر، المناهض للهيمنة الأمريكية، المعادي لإسرائيل، هذا التوجه التحرري هو أصل مشكلتنا مع الآخرين، الذين أرادوا أن يستحوذوا علينا مع بقية شعوب المنطقة، وكما قلنا: ضمن مساعي قوى الطاغوت والاستكبار التي تريد السيطرة علينا في كل ما يمثِّله ذلك من تهديد لهويتنا، لحريتنا، لكرامتنا، لاستقلالنا، لمبادئنا؛ لأن ذلك يمثِّل حالة من الاستعباد لصالح الطاغوت، وهذا أمر يتناقض كليًا مع انتمائنا الديني والإسلامي {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا}[البقرة: من الآية256].
ولذلك تمثِّل اليوم قضية فلسطين والمسجد الأقصى والمقدسات تمثِّل عنوانًا لهذا الصراع، تمثِّل عنوانًا لهذه القضية، التي هي قضية الأمة بكلها، المسألة أن هناك سعيًا حقيقيًا لاستعباد الجميع، والسيطرة على الكل، والاستحواذ على كل شيء، وطمس هذه الهوية: هويتك الحقيقية كمسلم، يبقى إسلامك شكلًا لا مضمون له، إسلامًا لا يحررك، إسلامًا لم يعبِّدك لله، إسلامًا عبَّدك للطاغوت على نحو ما عليه النظام السعودي، إسلامًا يخضعك لترامب، لأمريكا، لإسرائيل، إسلامًا يحوِّلك إلى أداة في يد أمريكا وفي يد إسرائيل، لدرجة أن تضحي بروحك في خدمتهم وتسمي ذلك جهادًا، وتعتبر ذلك استشهادًا، في اللحظة التي أنت تضحي بحياتك، حالة من التضليل، من التلبيس، من الخداع، تتحرك فيها قوى الطاغوت، ومعها من داخل الأمة حركة النفاق في داخل الأمة، إنهم منافقون وفي قلوبهم مرض، هذا ما يقوله القرآن الذي نحن نؤمن به ونصدقه، هذا توصيفه، وهذه تسميته.
ولذلك هم يستحقون بجدارة وعيد الله للمنافقين في القرآن {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً}[النساء: الآية145]، هم يستحقون، مستوى الدور التخريبي في الأمة هو ما نراه اليوم، هي هذه المأساة التي نعيشها كشعبٍ يمني، هذه المأساة الكبيرة جدًّا: الآلاف، بل عشرات الآلاف من الشهداء، والجرحى، والمعاقين، هي هذه النكبة التي تعشيها الأمة في مختلف أقطارها، هي نتاج ذلك الدور التخريبي لقوى النفاق.
مهما تكن عناوينهم.. القدس تفضحهم!
وحركة النفاق في داخل الأمة التي اشتغلت تحت كل العناوين: العناوين الدينية، والعناوين القومية، والعناوين السياسية، ولكن يفضحها القدس، يفضحها الأقصى، الذي ظهرت اليوم واضحةً في تآمرها عليه، أولم يظهر النظام السعودي، والنظام الإماراتي، ومن معهما، ومن في صفهما من الأمة، ألم يظهروا في موقفٍ مخزٍ ومتواطئ مع المؤامرات المستمرة على فلسطين، على الأقصى، على القدس؟! وكيف ظهر موقفهم مخزيًا ومكشوفًا فيما يسمى بصفقة القرن، وفيما يتعلق بانتقال السفارة الأمريكية إلى الأقصى، إلى القدس، إلى مدينة القدس، كيف ظهروا؟ في موقفٍ مخزٍ. ألم يظهروا واضحين في عدائهم لحركات المقاومة في فلسطين، وتوصيفهم لها بالإرهاب؟! وزير الخارجية السعودي، الإعلام الخليجي، في بعضٍ منه، يوصِّف حركات المقاومة في فلسطين يوصفها بالإرهاب، يشن عليها حملة تشويهية وعدائية، يتعامل معها بعدائية وباستهداف، يمارس عليها الضغوط بكل الأشكال، وعلى الشعب الفلسطيني من حولها، وعلى سكان قطاع غزة، يمارس عليهم الضغط لماذا؟ في ظل الموقف لصالح دعم الإسرائيلي والأمريكي، ولاستهداف هذه الأمة، ولاستهداف الشعب الفلسطيني، ولاستهداف شعوب المنطقة بكلها، وإخضاعها وترويضها لأجندة أمريكا وإسرائيل، وما تسعى له أمريكا وإسرائيل.
ذلك العداء الشديد جدًّا الذي يتجه به النظام السعودي ومن معه ضد حزب الله في لبنان لماذا، ولأي سبب، ومن وقتٍ مبكر، حتى من قبل أحداث سوريا، من وقتٍ مبكر؟ إنما هو في ظل هذه الارتباطات والأجندة التي يتحرك فيها النظام السعودي كموالٍ لأمريكا وموالٍ لإسرائيل، تربطه بهما أجندة، مشاريع، توجهات، مواقف… ذلك الولاء المحرَّم الذي حرَّمه القرآن، وشدد في تحريمه له، إلى درجة أن يقول: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، يُحسب عند الله من الصهاينة، موقفه موقفهم، يُحسب معهم عند الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ولو كان يحمل ويتشبث بعناوين إسلامية، وطقوس دينية يحاول الاحتفاظ بها كشكليات يخادع بها الآخرين، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة: الآية8]، المسألة كما قال عنها {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم}[البقرة: من الآية9]، تصبح مسألة شكلية اعتيادية، لا تمثِّل حساسية، بل يستفاد منها كغطاء، وتستغل- أيضًا– للتلبيس على كثير من الناس السذج الذين ينخدعون بتلك الشكليات، وبتلك العناوين.
حركة النفاق.. لماذا عداؤها لحركات التحرر؟
عداؤهم الشديد وتآمرهم من فترات مبكرة على حزب الله، ومحاولتهم بكل جهد، وبنشاط إعلامي وسياسي، وأكثر من ذلك، حتى تثقيفي في العداء لحزب الله، والتشويه لحزب الله، والعزل لحزب الله، كل مشكلتهم مع حزب الله ما يقوم به حزب الله من دورٍ عظيمٍ وإسهامٍ كبير في مواجهة إسرائيل، وفي التصدي للهيمنة الأمريكية في المنطقة، في التصدي لمشروع الطاغوت والاستكبار في السيطرة والاستحواذ علينا كبشر، وعلى أرضنا، وثرواتنا، ومقدراتنا، هذا هو جوهر المشكلة، هذا ما يجب أن تعيه أمتنا في يوم القدس.
العداء للشعب البحريني، والظلم للشعب البحريني، في المقابل يقف نظام آل خليفة وسلطة آل خليفة في البحرين في المربع ذلك: مربع الخيانة، والعمالة، والنفاق، والولاء المكشوف والعلني والصريح لأمريكا وإسرائيل، المسألة واضحة، وتجلَّت في هذه الفترة على نحوٍ غير مسبوق، وهي في الاستمرار في تجليها ووضوحها، حتى تكون المسألة- في نهاية المطاف- بين معسكرين واتجاهين لا ثالث لهما: النفاق الصريح، والاتجاه الآخر الذي ينسجم ويتمسك بهوية هذه الأمة، وينطلق من خلال هذه الهوية التحررية بكل ما تعنيه الكلمة، هوية تجعلنا أحرارًا في مواجهة قوى الطاغوت والاستكبار.
اليوم المسألة واضحة جدًّا، فحركة النفاق في عدائها لحركات المقاومة في فلسطين، في توصيفها لها بالإرهاب، في حربها الإعلامية والسياسية وحصارها المادي لها، في مضايقتها للشعب الفلسطيني، في خذلانها الكبير للشعب الفلسطيني في كل شيء، حتى على مستوى المساندة المادية، يدفع النظام السعودي والإماراتي مليارات الدولارات لإثارة الفتن في أوساط الأمة، وللتخريب، ولإثارة البغضاء والكراهية، ويقدِّمون مئات المليارات إلى أمريكا، إلى الخزانة الأمريكية، إلى جيوب الأمريكيين، ويقدِّمون الخدمات الكبيرة لصالح الإسرائيلي، ويخذلون الشعب الفلسطيني الذي يعاني في كل أوضاعه: يعاني اقتصاديًا، ويعاني في كل الاتجاهات، أما خذلانهم الكبير لمقاومته فهو أكثر من خذلان، عداوة، وتآمر، ومكر، وضغط، وكيد، وسعي لإجبار هذه المقاومة على التخلي عن نهجها، والتخلي عن سلاحها، والدخول في صفقات ومساومات، هذا ما يسعون له. هم بأجندتهم التخريبية في المنطقة بشكل عام باتوا مكشوفين وواضحين بشكلٍ كبير.
جبهة التحرر والاستقلال والموقف المطلوب
في المقابل، ماذا علينا؟ هناك في المنطقة جبهة كبيرة وقوية ومتقدِّمة، هي: جبهة التحرر والاستقلال، هي الاتجاه الذي ينسجم كل الانسجام مع هوية هذه الأمة، مسؤوليتنا كشعوب، مسؤوليتنا كأحرار تجاه هذه القضية، تجاه هذا المَعْلَم المهم والعنوان الرئيسي للقضية الجامعة والشاملة والكبيرة، التي تشمل الأمة وتعني الأمة بكلها، جملة من النقاط، نتحدث عنها باختصار:
أولًا: نحن معنيون بأن نسعى ونُصِّر بشكلٍ مستمر على إحياء هذه القضية، وإحياء هذا العنوان كعنوان رئيسي: أن المشكلة وأن القضية الحقيقية التي ترتبط بها الأمة هي العداء لأمريكا وإسرائيل، وأننا مرتبطون بهذه المسؤولية تجاه الأقصى والمقدسات وفلسطين شعبًا وأرضًا، كمسؤولية رئيسية، وقضية أساسية للأمة تحتل الأولوية الرئيسية بالنسبة للأمة؛ لأن القوم وحركة النفاق في الأمة في ظل نشاطها المرتبط بقوى الطاغوت والاستكبار هي تسعى إلى إنسائنا وإلهائنا عن ذلك تمامًا، ففشلها في ذلك يعتبر انتصارًا للأمة وقوة، وتقدَّمًا في الموقف.
أيضًا، الاستمرار في مساندة حركات المقاومة بكل الأشكال، سواءً في فلسطين، أو حزب الله في لبنان الذي يستهدف بشكل كبير، بما في ذلك التشويه له إعلاميًا.
نحن معنيون اليوم في بقية شعوب المنطقة إلى المساندة، بكل أشكال المساندة: سياسيًا، إعلاميًا، وحتى ثقافيًا، بكل أشكال المساندة، بكل ما يمكن وتستطيعه شعوب المنطقة من مساندة لحركات المقاومة، والجبهة اليوم جبهة قوية، جبهة التحرر والاستقلال، محور المقاومة محور قوي في هذه المرحلة، ولو أن الصراع ساخن، صحيح الصراع ساخن، لكن الأمور متجلية وواضحة، وتتطلب الاستمرار في خوض هذه المعركة بكل أبعادها، وبكل وسائلها وأدواتها المشروعة.
معنيون أيضًا بإعطاء أهمية كبيرة لمعركة الوعي، وترسيخ الفهم لحقيقة وأبعاد هذا الصراع: وهذه نقطة رئيسية؛ لأن الأعداء يشتغلون عليها، هناك جهود كبيرة جدًّا تبذلها حركة النفاق، تشغل فيها منظومتها وإمكاناتها الإعلامية الهائلة، وكذلك نشاطها وفق الطريقة التثقيفية والتعليمية، من خلال كل الأساليب والوسائل، إلى فصل ذهنية الأمة عن حقيقة الموضوع، عن حقيقة القضية، وفرض عناوين مخادعة، ترتبط بها الأمة، وتُحرك من خلالها، وتصبح هي وسيلة للسيطرة على الناس والتحريك لهم بشكل عبثي وفوضوي ومستهتر، بما يخدم أهداف أمريكا وإسرائيل في المنطقة، فمعركة الوعي هي هامة جدًّا، وترسيخ الفهم لحقيقة وأبعاد الصراع مسألة في غاية الأهمية.
الاهتمام بالخطوات العملية لترسيخ وتفعيل حالة السخط والعداء ضد إسرائيل وأمريكا: الارتباط بخطوات عملية مسألة مهمة، نحن دائمًا نحث على تفعيل مسألة المقاطعة للبضائع والمنتجات الأمريكية والإسرائيلية، هذا عمل مفيد، ومؤثر، وذو إيجابية، ويجعل الإنسان يُحس أنه يخوض هذه المعركة عمليًا، في أي بلدٍ هو، في أي شعبٍ هو، أنت في اليمن، أو أنت في تونس، أو أنت في مصر، أو في أي بلد، إذا أنت تلتزم بمقاطعة البضائع والمنتجات الأمريكية والإسرائيلية أنت تعيش فعليًا، وتباشر موقفًا عمليًا، وتعيش فعلياً في الموقف، هذه خطوة نؤكِّد عليها، ومهم أن تحظى بتوعية ونشاط توعوي كبير، وإذا اتسعت دائرتها فلها تأثيرها الكبير بالتأكيد.
تفعيل حالة السخط والعداء، وترجمتها ضمن أنشطة متعددة، ضمن الهتافات المعبِّرة عن هذا العداء والسخط: وهذا أمر يظهر أنه مزعج- فعلًا- لقوى النفاق وقوى الطاغوت بنفسها، أبدو انزعاجًا شديدًا جدًّا من هتاف الموت لأمريكا والموت لإسرائيل، الهتافات المعبِّرة عن حالة السخط والعداء ينزعجون منها، يريدون للجميع أن يصمتوا، وأن يسكتوا، ثم ترتفع أصوات بالعداء لجهات وأطراف أخرى داخل هذه الأمة، فلا ينطلق صوت بالسخط والعداء لأمريكا وإسرائيل، في المقابل تتجه أصوات كثيرة، وترفع عقيرتها، حتى تملأ أوساط هذه الأمة بالضجيج، بالعداء والسخط تجاه هذا الطرف، أو هذا الطرف من أبناء الأمة، ممن تعاديه أمريكا، وتسخط عليه إسرائيل، وتسعى لاستهدافه وإزاحته؛ باعتباره يمثِّل إعاقةً ومشكلةً لها في تنفيذ أجندتها ومؤامراتها.
التركيز على العودة إلى القرآن الكريم: نحن في شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن الكريم العودة الواعية إلى هذا الكتاب، العودة العملية إلى هذا الكتاب هي عودة إلى الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- والأمة في مرحلة تحتاج إلى القرآن، لصناعة الوعي، للاستبصار، القرآن يرسم المعالم الواضحة أمام هذه الأمة: من هم أعداؤها، من هم أصدقاؤها، ما هي مسؤولياتها، ما هي اتجاهاتها التي ينبغي أن تركِّز عليها، ما هي مسؤولياتها، ويقدِّم- أيضًا- في عطائه التربوي والمعنوي ما تحتاج إليه الأمة لتحمل المسؤولية، وكذلك للتحمل في مواجهة هذا الصراع بكل ما يحتاج إليه الجميع في مواجهة هذه التحديات والأخطار.
العناية- أيضًا- بإحياء يقوم القدس العالمي، نأمل في يوم الغد- إن شاء الله- إحياءً متميزًا، وحضورًا شعبيًا واسعًا لإحياء مناسبة يوم القدس العالمي.
وأنا أتوجه إلى شعبنا العزيز، نأمل من كل أبناء الأمة، ونأمل من كل المناطق، من كل شعوب هذه المنطقة، ولكن بعض الشعوب وضعيتها معروفة: مكبَّلة، ومدجَّنة، وخانعة، والبعض ظروف صعبة جدًّا، القليل فيها من الأحرار ممن لا يتمكنون أن يكون لهم هذا الدور، أو هذا الموقف، ويعبِّرون عنه بأشكال أخرى.
لكنَّا في شعبنا اليمني العزيز، نأمل- إن شاء الله- أن يكون الحضور يوم الغد في صنعاء، وكذلك في الحديدة، في المحافظات التي ستقام فيها فعاليات، حضورًا متميزًا، معبِّرًا عن وعي هذا الشعب، عن أصالة هذا الشعب، عن مبدئية هذا الشعب، عن فهمه لحقيقة المعركة، عن معرفته بمن هم الأعداء ومن هم الأصدقاء، عن أخلاقه وقيمه، عن عزته وإبائه، عن حريته التي يتمسك بها ويتشبث بها، عن وفائه لقضايا أمته الكبرى، عن إيمانه بقدسية المقدسات، وعن علاقته الروحية والإيمانية والوجدانية بها، عن علاقته الأخوية الصادقة بكل أبناء أمته، ومنهم شعب فلسطين، عن تمسكه بحقوق أمته، وحقوق شعوب أمته، ومنها أرض فلسطين، وعن عدائه لإسرائيل، ووعيه بما يشكِّله العدو الإسرائيلي من خطورة على الأمة بكلها، وعن وعيه بالدور الأمريكي الذي يسعى الكثير من المنافقين إلى الفصل بينه وبين الدور الإسرائيلي، ثم الارتباط به باعتباره دورًا إيجابيًا في الساحة العالمية، وهم الشيطان الأكبر ورأس الشر، وإسرائيل ربيبتهم، الشعب اليمني مأمولٌ منه، وهو الشعب الصامد الذي هو اليوم في العام الرابع في معركة الحرية والإباء والعزة والكرامة، أن يكون حضوره يوم الغد حضورًا مميزًا.
إن شاء الله في صنعاء، أنا آمل من الجميع أن يحضروا بشكل كبير في الفعالية في صنعاء، في المسيرة في صنعاء، في الحديدة كذلك، في الفعاليات التي ستقام في محافظات ومناطق متعددة.
يمن الإيمان يعي حقيقة المعركة ويخوضها بثبات
نحن في هذا البلد كشعبٍ يمني، يمن الإيمان، يمن العزة، يمن الكرامة والحرية والإباء، مهما كانت أوجاعنا، ومهما كانت آلامنا، ومهما كانت الضغوط، مهما كان حجم المشكلة، نحن على ثباتٍ في موقفنا هذا، هذا بالنسبة لنا موقف مبدئي، وموقف إنساني، وموقف ضمن التزاماتنا الدينية.
ثم نحن نعي حقيقة المعركة، مهما قال الآخرون، والله إن أكبر مشكلة للآخرين معنا هي هذا التوجه التحرري والاستقلالي الذي نُصر فيه على الحرية والعزة والكرامة، وألا نخنع لأمريكا وإسرائيل، وإلا كان بالإمكان أن تقبل بنا أمريكا، وتقبل بنا إسرائيل كأداة وخدم مثل الآخرين، ثم إذا كان لنا فيما بعد صراع، يكون ضمن صراع الأدوات؛ لأنهم- أيضًا- يحتفظون بصراع الأدوات في حالتها التنافسية لمن يقدِّم خدمات أكثر هنا أو هناك، لأمريكا وإسرائيل.
شاء البعض- يا شعبنا العزيز- شاء البعض لأنفسهم في هذه المرحلة الحسَّاسة والتاريخية والمصيرية لأمتنا أن تكون جهودهم، وأن تكون اهتماماتهم، أن تكون خسائرهم البشرية والمادية، أن تكون اهتماماتهم بكلها، أن تكون تضحياتهم لصالح أمريكا وإسرائيل، بالوهم، بالغلط، بالخطأ، أولئك الذين فهموا أن العزة هناك، من يريد مكاسب سياسية، من يريد مكاسب مادية، من يسعى بحقد، من في قلوبهم مرض، من يجمعهم كلهم عنوانٌ واحد: (النفاق، وفي قلوبهم مرض)، اتجهوا في ذلك الاتجاه، هم في ذلك الاتجاه يخسرون، يعانون، يألمون، يتعبون، وخسروا خسارات رهيبة جدًّا، ودفعوا ثمنًا باهظًا جدًّا، النظام السعودي كذلك، النظام الإماراتي كذلك، أدواتهم المحلية والإقليمية كذلك، كل الذين هم اليوم في الصف الأمريكي كم تلقوا من خسائر، وكم انهزموا من هزائم: هزيمتهم الكبيرة والمدوية جدًّا في سوريا، وفي العراق، هزائمهم وخسائرهم الكبيرة- لحد الآن- عندنا في اليمن، شاءوا لأنفسهم أن يستمروا في ذلك الدور السلبي، التخريبي، الذي تقلَّدوا به العار في الدنيا والآخرة، شئنا لأنفسنا كشعبٍ عزيزٍ وحُرٍّ وواعٍ وأبيٍّ ومؤمنٍ، بإيماننا، بعقائدنا، بمبادئنا، بأخلاقنا، بكرامتنا، بفطرتنا الإنسانية، أن نخوض معركة التحرر، الاستقلال، الدفاع عن حريتنا، عن كرامتنا، عن هويتنا، عن إيماننا، عن عزتنا، عن وجودنا الحر، وجودنا المعبر عنه إسلامنا وقيمنا وأخلاقنا، نحن نصرُّ على هذا التوجه التحرري، لا نقبل أبدًا لكل الطواغيت، وكل المستكبرين في هذا العالم، ولا لأذنابهم، أن يستعبدونا، ولا نمكِّنهم أبدًا من السيطرة علينا، نضحي، مهما كان حجم التضحيات، وشرفٌ لنا أننا نضحي في سبيل أن لا نكون عبيدًا إلا لله، وفي سبيل أن نكون أحرارًا، وأن لا تتمكن قوى الطاغوت والاستكبار من السيطرة علينا، لا علينا في أنفسنا، في ثقافتنا، في توجهنا، في أعمالنا، حتى لا نكون مسيَّرين لهم في هذا الحياة، ولا علينا بالإذعان والاستسلام والخنوع، وتسليم النفس والأرض لهم.
اليوم، نحن معنيون بمواصلة هذه المعركة من هذا الواقع، من هذا المفهوم، من هذه السعة التي نرى لها كل هذه الأبعاد، وكل هذه العناوين الحقيقية.
الأقصى.. عنوان وفرقان!
يوم القدس هو يوم الوعي، الأقصى من جديد، والقدس من جديد، وفلسطين من جديد تشكِّل علامة فارقة ومهمة مع علامات أخرى، وتمثِّل فرقانًا مهمًا في هذه المرحلة وفي هذا العصر، تكشف حقيقة الجميع، الذي هو في الاتجاه الصحيح لا بدَّ أن يكون مع الأقصى صادقًا، يعادي عدوها، لن يكون مع الأقصى إلا من يعادي عدو الأقصى، لن يكون مع فلسطين إلا من يعادي إسرائيل ويعادي أمريكا، أما من يقول: [أنا مع فلسطين، وصديقتي إسرائيل، أنا مع الأقصى وصديقي الحميم نتنياهو، أو ليبرمان، أو أي يهودي من هناك، من الصهاينة]، فهو كاذب، وساذج، ومخادع، ومفضوح، ومنافق، وعميل.
وأنا أطلب من الجميع- ممن يستجيبون لنا طبعًا- إحياء هذه العناوين والتسميات والتوصيفات القرآنية، لكل عملاء أمريكا وإسرائيل، إنها حركة النفاق في هذه الأمة، وإنها تلعب الدور السلبي والتخريبي في داخل هذه الأمة لصالح أمريكا وإسرائيل، إنهم فقط وفقط الذين في قلوبهم مرض {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية52]، يوالونهم، ويعادون أحرار الأمة.
نسأل الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أن ينصرنا بنصره كأمة إسلامية في كل الأقطار، في كل المناطق، وفي فلسطين أيضًا، ولتحرير القدس والمقدسات، نسأل الله أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛